أخر الاخبار

السلطان محمد الثالث




السلطان محمد الثالث

السلطان محمد الثالث بن عبد الله

في يوم الخميس سابع وعشري صفر الخير عام أحد وسبعين ومائة وألف توفي السلطان الجليل المولى عبد الله بن السلطان المظفر المولى إسماعيل العلوي الحسني. عزل عن الأمر مرارا، وأخيرا استتب له الأمر، ودفن بقبور الأشراف العلويين من فاس الجديد حيث اشتهر المحل به إلى الآن. 
وبمجرد ما شاع خبر وفاته بويع لولده السلطان الجليل سيدي محمد ابن عبد الله باتفاق من أهل المغرب كله، وفي ذلك يقول الشيخ محمد الهواري آتي الوفاة.
وبايع أهل الغرب في عام واحد … وسبعين مولانا الإمام محمدا



السلطان سيدي محمد بن عبد الله ذاهب إلى المسجد
السلطان سيدي محمد بن عبد الله ذاهب إلى المسجد

محمد الثالث بن عبد الله الخطيب (1710 - 1790) كان سلطاناً مغربياً من سلالة العلويين، حكم منذ عام 1757 حتى 1790. كما كان حاكماً لمراكش عام 1750. محمد الثالث حكم بعد أبيه عبد الله بن إسماعيل. خلفه اليزيد بن محمد. بالرغم من أنه أصبح بشكل رسمي سلطاناً عام 1757 عندما توفي أبيه، إلا أنه تولى الحكم منذ عام 1746، ولمدة 44 عاماً.

بويع سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل بمراكش سنة 1171هـ، قال السلاوي: "وازدحم على بيعته أهل مراكش وقبائل الحوز، وقدمت عليه وفود السوس وحاحة بهداياهم، ثم قدم عليه العبيد والودايا وأهل فاس من العلماء والأشراف وسائر الأعيان وقبائل العرب والبربر والجبال وأهل الثغور، كل ببيعته وهديته، لم يتخلف عنه أحد من أهل المغرب فجلس للوفود إلى أن فرغ من شأنهم وأجازهم، وزاد العبيد بأن أعطاهم خيلا كثيرا وسلاحا عرفوا به محلهم من الدولة وانقلبوا مسرورين مغتبطين". ثم جاءت بيعة فاس سنة 1175هـ بإجماع أهل الحل والعقد.

تولى الحكم في ظروف صعبة، بعد عهد الاضطراب مباشرة، وقد تميز بالعقل والرزانة وبعد النظر. اجتهد في المحافظة على بلاده ووحدتها وتأمين الشواطئ المغربية من العدوان الإسباني والبرتغالي، رغم صعوبة الظروف. وكان دائم التنقل بين جهات مملكته الواسعة ليطمئن على أحوال رعيته. لذلك كان له الفضل في الخروج بالبلاد إلى عهد مشرق يمثل أوج الازدهار السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للمغرب.

السلطان محمد الثالث بن عبد الله

إنجازاته على المستوى الداخلي

استوظف السلطان محمد الثالث المعماري الفرنسي تيودور كورنو لبناء المدينة النموذجية الصويرة.

تولت تربيته والعناية به جدته لأبيه خناتة بنت بكار، والتي تعتبر الأستاذ الأول لمحمد بن عبد الله. نشأ على يد صفوة من العلماء والأدباء، اختارهم والده لهذا العرض، فحفظ القرآن الكريم وبعض أمهات الكتب المقروءة في وقته. لقد وحد المغرب من جديد، واسترجع الثغور وحصن الشواطئ، فقمع جشع الدول الاستعمارية، وطمعها في خيرات المغرب، فاستطاع أن يستعيد مازغان (الجديدة) من أيدي البرتغاليين سنة 1182/1768م، حيث جهز قوة ضخمة لاستعادة هذا الميناء. وفتح البريجة سنة 1183هـ/1769 وأخرج النصارى منها وهدمها. وبنى وأسس مدينة الصويرة. كما كان يتابع عن كثب مقدار القوة النارية التي جمعها الإسبان في سبتة، فرأى أن يرجئ الاستيلاء عليها إلى وقت آخر. يقول السلاوي بخصوص اعتنائه بأمور البحرية والجندية: "وأما اعتناؤه بالمراكب القرصانية فقد بلغ عددها في دولته عشرين كبارا من المرابع وثلاثين من الغراكط والغلائط، وبلغ رؤساء البحر عنده ستين رئيسا كلها بمراكبها وبحريتها. وبلغ عسكر البحرية ألفا من المشارقة وثلاثة آلاف من المغاربة، ومن الطبجية ألفين. وبلغ عسكره من العبيد خمسة عشر ألفا، ومن الأحرار سبعة آلاف، وأما عسكر القبائل الذي كان يغزو مع الجند فمن الحوز ثمانية آلاف ومن الغرب سبعة آلاف. وكانت له هيبة عظيمة في مشوره، ومواكبه يتحدث الناس بها، وهابته ملوك الفرنج وطواغيتهم، ووفدت عليه رسلهم بالهدايا والتحف يطلبون مسالمته في البحر. وبلغ ذلك بسياسته وعلو همته، حتى عمت مسالمته أجناس النصارى كلهم إلا المسكوف (المسكوف =الروس) فإنه لم يسالمه لمحاربته للسلطان العثماني، ولقد وجه رسله وهديته إلى طنجة فردها السلطان وأبى مسالمته. ووظف على الأجناس الوظائف فالتزموها، وكانوا يؤدونها كل سنة، واستمر ذلك من بعده إلى أن انقطع في هذه السنين المتأخرة. وكانوا يستجلبون مرضاته بالهدايا والألطاف وكل ما يقدرون عليه. مهما كتب إلى طاغية في أمر سارع فيه ولو كان محرما في دينه. ويحتال في قضاء الأغراض منهم بكل وجه أحبوا أم كرهوا. وكان أعظم طواغيتهم طاغية الإنجليز وطاغية الفرنسيس، فكانوا يأنفون من أداء الضريبة علانية مثل غيرهم من الأجناس، فكان يستخرجها منهم وأكثر منها بوجه لطيف". كما اهتم بالصحراء المغربية فجدد ولاية شيوخ قبائلها بواد نون وأدرار وماسة والساقية الحمراء. واجتث رواسب عهد الاضطراب، وقضى على جميع الانحرافات والتطلعات الشخصية والقبلية. وكان أول ما عني به العبيد الذين كانت حالتهم قد ساءت بسبب تسلط البربر عليهم. كما جدد الضرائب على فاس وغيرها من مدائن المغرب. نظم شؤون القضاء، وجدد مسطرته، حيث استصدر ظهائر دورية عديدة، تستهدف إصلاحه، وخاصة بالمحاكم الشرعية، كما تستهدف تذكير القضاة بواجبهم وتوصي بالأيتام والضعفاء، تحقيقا للعدالة. واهتم بالجانب العمراني، فإليه يرجع الفضل ببناء مدن: الصويرة سنة 1178هـ وفضالة (المحمدية)، وتجديد مدينة أنفا الدار البيضاء). كما شيد ما يناهز ستين مؤسسة، من مساجد ومدارس وغيرها.


السياسة الخارجية

السلطان محمد الثالث بن عبد الله
رسالة جورج واشنطن إلى محمد بن عبد الله تقديراً لمعاهدة السلام والصداقة، الموقعة في مراكش في 1787.

معاهدة تجارية وقعها محمد بن عبد الله مع فرنسا في 1767.
استفاد سيدي محمد بن عبد الله من المتغيرات السياسية العالمية فأنضجت تجاربه السياسية، كالثورة الفرنسية، واستقلال أمريكا. فقد كانت سياسته الخارجية تتجه في اتجاهين متوازيين: الاتجاه العثماني والإسلامي من جهة، والاتجاه الغربي من جهة أخرى.

المغرب كان أول دولة تعترف بالولايات المتحدة (1777)، إذعاناً تحت قصف وتهديد من السفن الأمريكية التي أتت لتحرير سفينتين مخطوفتين، اشترط محمد الثالث بن عبد الله، تبادل الاعتراف بين الدولتين على أن يتضمن ذلك دفع جزية/خوة مثل اوروبا للقراصنة. فرفضت أمريكا وأجبرته على توقيع اعتراف بدون دفع أموال. وكان ذلك ضمن أحداث حرب الساحل البربري الثانية.

كما بنى علاقات ديبلوماسية متينة مع دول أوروبا الغربية بغية إعادة مكانة المغرب في السياسة الخارجية. ومن أجل ذلك فرض عليها ضريبة المرور بالمياه الإقليمية للمغرب. كما طلبت منه الولايات المتحدة الأمريكية أن يقيم معها معاهدة صداقة وتجارة، وقد راسله رئيسها –إذ ذاك- جورج واشنطن، مشيدا بالعلاقات الودية التي تجمع بين البلدين، مما جعل المولى محمد بن عبد الله من أوائل الملوك والدول المعترفين بالفدرالية الأمريكية. ولم يلبث أن عقد معها المعاهدة المطلوبة سنة 1768م. كما وقع عدة معاهدات سلام مع كل من ملك السويد وملك الدنمارك كريستيان السابع، وملك إنجلترا جورج الثاني، وكذا مع البرتغال.. وفي عهد هذا الملك تم الاعتراف بالسيادة المغربية على مدينتي سبتة ومليلية وبضمان صيانته تاريخيا. كما عقد اتفاقية مع ملك فرنسا لويس السادس عشر يتم بموجبها إلغاء الرق بين المسلمين والمسيحيين سنة 1777م، مما يعتبر سبقا في سياسة المغرب الدولية.

السلطان محمد الثالث
السلطان محمد الثالث

صفاته

«في العلم لا يقعقع له بسنان ولا يجارى في ذلك بعنان، فصيحا بليغا أديبا عالما بالفقه والحلال والحرام وفصل الأحكام ، بحر لا يجارى وفي التحقيق والمعارف لا يمارى قد جمع من دراسة العلم ما تقف العلماء دونه وتود نجوم الأفق أن تكونه، فكملت بذلك منة الله على العباد وأحيا به الله الدين في كل الأرض والبلاد. له تصانيف تقرأ بالمشرق والمغرب الإمام الموهوب لهذه الأمة على رأس المائة مجددا لها دينها».
الزياني[1]

هكذا يحدثنا عنه من ترجموا له، وبهذه الألفاظ التي لا ينظر لترصيفها وتعديدها يصفونه، فلنرجع لما يحدثنا به عن نفسه في تكوين علمه واتجاه ثقافته وعقيدته:

(إن من أعظم نعم الله علي وأجل مننه لدي أن وفقني للإشتغال بالعلم والبحث عنه والمذاكرة لأهله، وأني بعد أن خضت علم اللغة برهة وحفظت من كلام العرب وأشعارهم جملة صالحة معينة على فهم السنة والقرآن، اشتغلت بعلم الحديث فاعتكفت على قراءة صحيح الإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري ومراجعة صحيح الإمام البخاري وموطأ الامام مالك، إلى أن ورد علي مسند الامام أبي حنيفة النعمان بن ثابت فقرأته حتى ختمته والحمد لله)

ففي أي وقت بدأ اشتغاله بعلم السنة؟ ومن هم رجال مذاكرته*؟ *وماهو موضوع تلك المذاكرات؟ وما هي تآليفه؟

المصادر التي لدينا لا تثبت لنا بالضبط وقت اشتغاله بعلم السنة، فالزياني وغيره ممن عاصره وصاحب الاستقصاء كلهم متفقون على أنه بعد أن نال الخلافة وتولى أمر المسلمين ترك الاشتغال بالأدب والتاريخ وعكف على دراسة السنة وحل مشكلها والبحث عن غريبها وجلبها من أماكنها.

وإذا كان ينظر إلى الأدب والتاريخ كوسيلة لا غاية أو كالهية من الهيات الحياة الراقية. وكان إقباله عليه ليس أساسيا بل كآلة تعين على ما هو أهم من المقاصد، فليس ببعيد أن يكون توليه الملك وقيامه بشؤون المسلمين -وهو حد فاصل بين مرحلتين خطيرتين في حياته العملية وانتقال من طور التحرر إلى طور المسؤوليات الخطيرة والتبعات العظيمة والتقاليد والتكاليف المتنوعة- باعثا مهما على تغيير اتجاهه وعدوله عن الاشتغال بالوسائل إلى الغايات، أو فرصة سانحة ووقتا مناسبا لتوجه نفسه الوجهة التي كان يهيء نفسه لها والتي تناسب مقامه ومركزه مما يجعله جديرا بما عهد به إليه، ومما يسهل عليه مأموريته العظمى من جهة ويكسبه رفعة عند الناس ويزيدهم ثقة به من جهة أخرى، ولا سبيل لذلك في شعب متدين إلا ما أتبعه من إقبال على السنة والقرآن، أساسي الدين ومصدري الخير والنور والهدى عند المسلمين، وفعلا نجح وأصبح الإمام الموهوب لهذه الأمة على رأس المائة يجدد لها دينها، وأني له بذلك لو لم يسلك هذا السبيل ويوجه نفسه هذا الاتجاه، وظل مع أبي الفرج يتنقل من حكاية إلى قصة. ومن طرفة إلى نادرة ومن قطعة إلى قصيدة

رجال مذاكرته

أما رجال مذاكرته فهم كانوا قسمين، قسما للتأليف والدراسة والخوض فيما يملي عليهم ويأمر بتدوينه طبق ما يريد، وقد كانت لهم أوقات منظمة منضبطة لا تنخرم، حذا فيها حذو المنصور السعدي في أوقاته المرسومة وهؤلاء كما يقول الزياني في الروضة السليمانية وصاحب الاستقصاء هم: العلامة محمد ابن الامام عبد الله الغربي الرباطي والفقيه العلامة محمد بن المير السلاوي والفقيه الدراكة محمد الكامل الرشيدي والفقيه عبد الرحمان بوخريص، ويزيد عليهم مؤرخ الدولة العلوية مولاي عبد الرحمن بن زيدان: أبا محمد التهامي بن عمرو الرباطي وأبا زيد عبد الرحمن المنجرة وأبا عبد الله محمد بن عبد الصادق وأبا الحسن علي بن أويس الفيلالي وأبا محمد عبد السلام بن بوعز حركات السلاوي.

وقسما لمجرد المذاكرة والمفاهمة يقول الزياني في المصدر نفسه بعد صلاة الجمعة يجلس في مقصورة الجامع مع فقهاء مراكش ومن يحضر عنده من علماء المغرب الوافدين عليه للمذاكرة في الحديث الشريف وتفهمه، ومن هؤلاء المولى عبد الله المنجرة والفقيه الأديب أبو عبد الله محمد بن الشاهد نقلهما من فاس وأبو العباس أحمد بن عثمان نقله من مكناس ومحمد ابن عبد الرحمن الشريف نقله من تدلا وأبو الفضل الطاهر السلوي والشيخ الطاهر بن عبد السلام.

السلطان محمد الثالث



المذاكرات

أما موضوع المذاكرات ومدى ما كانت تتناوله من أبحاث، والمذاكرات مرآت العقل ودليل العلم، فالزياني يحددها كما سبق في الحديث وتفهمه وصاحب الجيش العرمرم يحدثنا عن شيخه العلامة الحافظ أبي عبد الله محمد بن عامر التادلي وهو من جلساء المولى محمد أن من عادته مع كتابه وجلسائه أن يمتحنهم بغرائب العلوم، ويحدثنا عن ذلك أيضا ولده أبو عبد الله في كتابه اقتطاف الأزهار من حدائق الأفكار بقوله: وله مع الفقهاء مذاكرات ومحادثات في سائر الأيام وممر الدهور والأعوام فيلقي عليهم من المسائل المشكلات في الحديث والسير والأخبار وضروب من الفنون العربية ونكت من المقطوعات الأدبية فلا يهتدون إليها إلا بعد الاطلاع وسواء في ذلك ذو العارضة أو قصير الباع) .

ولعله يمكننا من كل ذلك مع ما نعلمه عنه من آرائه في التعليم ومواده أن نحدد مجرى هذه المذاكرات، بأنه لا يخرج عن السنة والقرآن ومناقشة النصوص وضبط الغريب وبيان المشكل من الآثار الدينية والأدبية وتصحيح حديث أو تضعيفه، وإثبات نقل أو توهينه، وجمع ما افترق وإلحاق مالم يلحق، مع مطارحات أدبية وأبحاث عربية مما يثبت لنا أن صلته بالأدب والتاريخ وما إليهما لم تنقطع.

فهي لا تتناول الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلات الصوفية وكتب القصص (لأنه لا يتعاطى ذلك إلا الذين لا يدرون أنهم لا يدرون) [من كلام له في المرسوم المتعلق بالتعليم] ولا تتناول علم الأصول لأنه (أمر قد فرغ منه ودواوين الفقهاء قد دونت ولم يبق اجتهاد والطلبة الموجودون في هذا الوقت كل من أراد منهم أن يتعاطى علم الأصول فإني أقول فيه أراد أن يتزبب قبل أن يتحصرم) [من كلام له في المرسوم المتعلق بالتعليم].

ولا تتناول الفقه على طريقة المتأخرين أصحاب الحواشي والمختصرات التي يعتبر العكوف عليها بدلا عن كتب الأقدمين (كمن هرق الماء واتبع السراب)[من كلام له في مرسوم له يتعلق بالافتاء] وتآليفه التي هي ثمرة هذه المجالس ونتيجة هذه المجامع مما يدلنا على هذا التحديد.

تآليفه

فأول تآليفه الفتوحات الصغرى الذي بعثه على تآليفه الحديث الوارد عن الرسول (ص) فيمن حفظ على أمته أربعين حديثا، معتمدا في ذلك مسند الإمام أبي حنيفة والبخاري ومسلم ومسند الإمام مالك.

في عام 1787 وقعت الولايات المتحدة والمغرب معاهدة سلام وصداقة ، وهي الأقدم في تاريخ الولايات المتحدة
في عام 1787 وقعت الولايات المتحدة والمغرب معاهدة سلام وصداقة ، وهي الأقدم في تاريخ الولايات المتحدة

ولما ورد عليه مسند الشافعي وأحمد واعتكف عليهما، ألف الفتوحات الكبرى أو الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية، جمع فيه ما اتفق عليه الأئمة الستة أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك والبخاري ومسلم، ثم ما اتفق عليه خمسة ثم ما اتفق عليه أربعة ثم ما اتفق عليه ثلاثة ثم ما اتفق عليه اثنان ثم ما انفرد به كل واحد من الأربعة ثم ثنائيات البخاري 1516 وفرغ من تأليفه سنة 1198.

ثم بدا له أن يجمع أربعمائة حديث خاصة بالأئمة الأربعة مائة لكل إمام فجمع ذلك وسماه الجامع الصحيح الأسانيد.

ومن بعد ظهر له أن يجمع هذه المصنفات الثلاث الفتوحات الصغرى، والفتوحات الكبرى والجامع الصحيح الأسانيد ويرتبها على أبواب الفقه ويضيف إليها من أحاديث الأحكام ما يكمل به الغرض والمرام ففعل وسمي تأليفه هذا الجامع الصحيح الأسانيد المستخرج من ستة مسانيد.

ومن تآليفه شرح على مختصر خليل اختصره من الخطاب ووجهه إلى علماء مصر ليطلعوا عليه، وكتاب مبسوط في الفقه أعانه عليه علماء مجلسه، وكتاب مبسوط في الفقه أعانه عليه علماء مجلسه، ومواهب المنان بما يتأكد للصبيان.

هذه هي سلسلة تآليفه وهي على العموم لا تخرج عن نزعته التقليدية ولا تتعدى دائرة النقل والرواية والجمع والترتيب والإختصار ولكن مع هذا يجب أن نعترف أنه رغم هذه النزعة التقليدية والثقافة النقلية ورغم رأيه في الاجتهاد، قد نزع إلى نوع من الاستقلال الفكري مهم وطرق بابا من الاجتهاد في المذاهب يعد بالنسبة لعصره شيء خطير.

يدلنا على ذلك ما نراه له من الاختيارات المذهبية وماله من الآراء التي شذ فيها عما لعلماء الفقه، رعاية منه للاصلاح وتلافي الشر وحسم الخصومات؛ من ذلك، منعه للمرأة من توكيل زوجها لأخذ حقوقها إلا إذا كان ابن عمها وأحبت برضاها أن توكله، وهو وإن كان ربما يأتيها من القريب المسموح لها بتوكيله من الضرر ما هو أعظم خطرا مما يأتيها من زوجها البعيد عنها، ولكن هناك مصلحة تأخذ حظا كبيرا من اهتمام المولى محمد ربما تبقى محفوظة عند عدم التوكيل وهي أسمى من المادة تلك هي سعادة الزوجين وهناء البيت، فكثيرا ما كانت المادة وعوارضها بين الزوجين هي مصدر شقاء العائلة وسبب تصدع بنيان الأسرة.

وأمره بنفي المفلس وهو بالنسبة لمن كان إفلاسه حقيقيا ناشئا عن أسباب معقولة لا بد له فيها أن يكون حكما قاسيا، ولكن بالنسبة للمدلسين الذين تنحط ضمائرهم فيعتبرون ذلك من وسائل الحصول على الثروة والاستيلاء على أموال الناس يعتبر حكما جديرا بالتقدير وخصوصا عندما تنحط أخلاق الأمة ويضعف الوازع الديني في نفوس رجالها ومن جهة أخرى كما يعلل ذلك المنشور نفسه ربما قساوة هذا الحكم لا يتحملها من لم يستطع القضاء كشف حقيقة أمره فيظهر ما عنده ويتوصل كل ذي حق بحقه.

وكذلك أمره بتقويم الرهن الذي يغاب عليه بمحضر أولى المعرفة وإمام القاضي وتسجيل ذلك بالعدول حتى لا يحدث نزاع بين المتراهنين بعد الفوات، فهو مما تظهر فائدته ومما يقطع الادعاءات الباطلة بعد حصول التلف، وقد تناول الفقهاء مشكلة التقويم هذه ولكن بعد حدوث التلف ووجود النزاع.

وكتابه الجامع الصحيح المرتب على أبواب الفقه وأمره في برنامجه العلمي بالرجوع لمثل المدونة والبيان والتحصيل ومقدمات ابن رشد كل ذلك مما يعتبر بحق خطوة في سبيل الاستقلال الفكري ورغبة منه في رفع مستوى التقليد، ولو وقفنا على تأليفه المبسوط في الفقه أو على ما كان يروج في مجالس مذاكراته بالتفصيل لربما ظهرت لنا شخصيته بصورة أوضح ولاستطعنا أن نعرف مدى نزعته التقليدية والاستقلالية، وإلى أي حد كان تأثير هذه المجالس في نفسه وتأثيره فيها.

عقيدته

افتتح كتابه الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية الذي ألفه سنة 1198 بقوله (قال محمد بن عبد الله المالكي مذهبا الحنبلي اعتقادا) ولعل المولى محمد قد أدرك ما في هذا الافتتاح من الغرابة وما لهذا التصريح بمذهبه الاعتقادي من الأثر فحاول في آخر كتابه أن يعلل ذلك فعقد فصلين حسبما نقل لنا في إتحاف أعلام الناس، علل في الفصل الأول سر عدوله عن مذهب الأشعرية وهو المذهب الحنابلة السلفيين بما ورد عن علماء السلف من الحض على الابتعاد عن علم الكلام، وما كانوا يرونه من أن الخوض فيه من البدع المحدثة في الدين، وبأن طريق الحنابلة في الاعتقاد سهلة المرام منزهة عن التخيلات والأوهام موافقة لاعتقاد الأئمة كما سبق مع السلف الصالح من الأنام.

وإذا أضفنا إلى هذين السببين عدم اشتغاله بعلم المنطق والفلسفة وصلتهما بمذهب الأشعرية مما هو معروف، وثقافته الحديثية يظهر لنا مقدار استعداده لمذهب الحنابلة، أما في الفصل الثاني الذي أراد أن يشرح لنا فيه سر تمذهبه المالكي وهو مما لا يبعث على الاستغراب، فأهم ما أفادنا فيه أنه مالكي ولكن لا على ما يراه متصعبوا المذاهب من المقلدين من أفضلية مذهب على آخر، بل اعتقاده في الأئمة الأربعة «أنهم على هدى وكلهم على التساوي لا يرجح أحدهم على الآخر وكل من تمسك بمذهب من مذاهبهم فقد تمسك بالعروة الوثقى فكلهم والحمد لله آخذون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وبعد ففي سنة 1171 كانت بيعة المولى محمد بن عبد الله وبعد بيعته كان تغيير وجهته الثقافية من الاتجاه الأدبي الصرف إلى الاتجاه الديني، وكان إقباله المتزايد على الحديث وجلب مصادره الصحيحة ودراسته الدراسة المستفيضة؛ وفي سنة 1198 ألف تآليفه الفتوحات الإلهية الذي أعلن فيه مذهبه السلفي، فهل هناك صلة بين نشأة السلفية بالمغرب وظهور بعض آثارها في شخص السلطان المولى محمد والدور الأول النشيط للدعوة السلفية بالمشرق الذي يبتديء بتكوين حكومة الدرعية وعلى رأسها الأمير محمد بن سعود سنة 1159 تقريبا وينتهي باحتلال المصريين لها سنة 1232، هذا ما ليس لدينا لالآن ما يوضحه.

وفاته

توفي في طريقه إلى الرباط سنة 1204هـ/1790م ودفن بها. وبهذا تنتهي حياة السلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل الذي يعتبر من أعظم سلاطين دولة الشرفاء العلويين، فقد حكم ثلاثا وثلاثين سنة هجرية تعتبر من أحسن سنوات هذه الدولة قبل الاحتلال الفرنسي. فقد كان رائدا للمغرب، مجددا لمعالم دولة عصرية، وباعثا لنهضتها العلمية والإصلاحية والفكرية الشاملة، فاستحق لقب "سلطان العلماء وعالم السلاطين" سنة 1767-1782م. كما ألف مؤلفات القصد من ورائها حفز الهمم من أجل التحرر من الجمود والرجعية على جميع المستويات الفكرية والاجتماعية وغيرهما. لكل ذلك اهتم به الكتاب الأوربيون، فألف لويس شينيه قنصل فرنسا بالمغرب سنة 1767-1782م، كتابا حول تاريخ المغرب، من خلال مراسلاته الديبلوماسية، تضمن وثائق هامة عن عهد المولى محمد الثالث.


المصادر

  1. ^ الهاشمي الفيلالي و نادية الصغير (10 صفر 1362 / 15 فبراير 1943). "السلطان سيدي محمد بن عبد الله ثقافته -تآليفه -عقيدته". رسالة المغرب في العلم والأدب والاجتماع. السنة الأولى (العدد السابع). Check date values in: |date= (help)
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -