أخر الاخبار

مظاهر التقدم والازدهار في الاقتصاد المغربي ما بين (1912-1956)

  مظاهر التقدم والازدهار في الاقتصاد المغربي 


أيوب إدريسي...

 أرشيف التاريخ المغربي...

يعد تحقق المستوطنين الأوربيين إلى شمال إفريقيا بصفة عامة بنسبة كبيرة من أهم العوامل التي ساهمت في تحديد نمط التطور. مما نتج عنه تطور أكثر على مستوى كثافة الموارد، وخاصة ما يتعلق بالزراعة والمناجم، بالإضافة إلى إقامة بنية أساسية جيدة من السكك الحديدية والطرق. حيث تمكنت بعض الاستثمارات من تحقيق القدرة السياسية والاقتصادية في بعض المناطق التي تعد ضمن السيطرة والنفوذ السياسي، وأيضا تحقيق أرباح جد مهمة.

ولقد تم إنشاء خط حديدي ضيق سنة 1911م. والذي يمتد من الدار البيضاء إلى الرباط، وفي سنة 1923م، شهدت السكك الحديدية تطورا بسرعة وفق خطة شاملة التي أصبحت تغطي احتياجات المغرب، وذلك تحت إدارة شركتين فرنسيتين.
لم تقتصر الوضع عند هذا الحد بل تم إنشاء شبكة مالية وتجارية على مستوى بسيط، مما مكنها من تحقيق تقدم سريع وإن كان نسبيا في مجال التجارة الخارجية. بالإضافة إلى الاستثمار والذي كان بكميات ضخمة من رؤوس الأموال الفرنسية وغيرها.
أما فيما يخص الموارد البشرية فقد شهدت هي الأخرى بعض مظاهر التطور، وإن كان بمعدلات أقل من المعدلات السائدة في المنطقة المطلة على البحر المتوسط.
إن جميع عوامل الإنتاج فيما عدا الأرض والعمل غير الماهر، كانت حكرا فقط على المستوطنين الأجانب. ونجد من أهم مظاهر التقدم والازدهار في الاقتصاد المغربي:
 -تدفق رؤوس الأموال:
لقد أدى ظهور الأبناك الخاصة والمشتركة ما بين 1850-1880 في مجموعة من دول العالم بما فيها بلاد المغرب إلى ظهور الديون بنسب كبيرة ومهمة جدا. إلى جانب ذلك فإن تدفق المهاجرين الأجانب كان له دور مهم في تنمية الاقتصاد المغربي، فبعد الحرب العالمية الثانية توجهت مجموعة من رؤوس الأموال بنسبة عالية ومهمة إلى المغرب إلى جانب تدفق الاستثمارات الأجنبية التي بلغت نسبتها حوالي 40% فيما يخص مشروع الصناعة والمناجم، ومشروع البناء الذي بلغت نسبته ما يناهز 35%، وأيضا تزوديه بمجموعة من المرافق تمهيدا لتحقيق هدف الاستغلال والاستعمار.
ومشروعات أخرى شبه عامة (الفوسفاط، السكك الحديدية...) وهذا راجع بالأساس إلى شعورهم بالأمان والاستقرار، حيث كان المغرب يعرف استقرارا أمنيا وعسكريا. بالإضافة إلى حصوله على مجموعة من المعونات والمساعدات من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، كما أن المغرب استدان ما بين (1912-1956) من فرنسا ما يقارب 920 مليون دولار من السوق الفرنسية على شكل إعانات من الحكومة الفرنسية بهدف إنجاز مجموعة من المشاريع التي كانت تطمح من خلالها إلى تحقيق التقدم في البلاد.
 -الصيد البحري (الموانئ):
إن انفتاح المغرب على الواجهة البحرية ساهم في تقوية اقتصاد المغرب، والذي يعتمد أساسا على استغلال موارد المحيط الأطلنتي من صيد وتحويل السمك، وأنشطة الميناء. كنتيجة لتوفر موارد بحرية مهمة، لفم يكن المغرب في بداية الأمر يتوفر على أي موانئ متطورة إلا ميناء الجديدة، حيث أقام البرتغاليون بعض المنشآت في الفترة الممتدة ما بين 1509-1769م. ليكتمل بناء ميناء صغير في الدار البيضاء عام 1917م. ليتم توسيعه فيما بعد ما بين 1920-1932م.
ومنذ ذلك الحين شهد هذا المجال مجموعة من التحسينات، كما تم تطوير ميناء صافي وتخصيصه لشحن الفوسفاط. وبني عدد من الموانئ الصغيرة الحجم مثل: (القنيطرة، طنجة، وميناء كيوتة في (المنطقة الاسبانية...)). في ظل هذا شهدت التكاليف المباشرة ارتفاعا كبيرا 1.7 مليون من المستوطنين، واستثمارات بما فيها إعادة استثمار الأرباح على امتداد عدة أجيال.
وبلغت التجارة في المغرب حوالي 500 مليون دولار في السنة خلال مرحلة ما بين الحربين، وتضاعفت بعد الحرب العالمية الثانية.
جدير بالذكر أن معظم هذه الأرباح التي كانت تحقق في بلاد المغرب، وإن لم نقل كلها كانت توجه إلى بلدان خارج المغرب والمخصصة لفرنسا وبعض الدول الأجنبية.
لقد كانت منطقة آسفي إلى حدود بداية القرن 19م، تتوفر على ميناء تجاري ناجح، حيث كانت تشكل أول ميناء للسردين في العالم من حيث الحمولة التي يستقبلها. بالإضافة إلى تشغيل نسبة مهمة من اليد العاملة، لكن سرعان ما شهد نشاط الصيد في هذه المنطقة تراجعا كبيرا. كما تم إقفال جل المعامل أبوابها، وبالرغم من الجهود المبذولة غذت آسفي نموذج الأزمة في الصيد.
لقد كان المغرب على علاقة تجارية بجبل طارق بواسطة الشرعية التي استمرت إلى حدود الخمسينيات من القرن التاسع عشر، ليبدأ تسيير البواخر من مارسيليا عام 1853م. ثم تسيير خط آخر من لندن سنة 1857م. كما نجد أن هناك في عام 1862م, كانت هناك ما يناهز 18 رحلة شهرية من المغرب إلى جبل طارق، ورحلات إلى فرنسا، ثم رحلة واحدة إلى بريطانيا([1]).
ƒ -مصادر الطاقة والمعادن:
شكلت الفترة الممتدة ما بين 1877-1884 أهمية كبيرة وشاقة في نفس الوقت، نتيجة تدهور الإنتاج للمحاصيل الزراعية. بالإضافة إلى انهيار أسعار الصادرات الفلاحية، ولقد تمكن المغرب من مواجهة التراجع انطلاقا من تحسين الإنتاج الزراعي بمعدلات سريعة وهامة جدا، إلى جانب فرض النظام والأمن بالقوة، وذلك في المرحلة التي امتدت ما بين (1901-1905).
لقد ساهم قطاع الطاقة والمعادن بحوالي 10% من الناتج الداخلي الخام المغربي، ويحتل القطاع المنجمي مكانة بارزة في الاقتصاد الوطني بمعدل 33% من مداخيل التصدير بفضل الفوسفاط ذلك أن بلاد المغرب هو بلد لا يستهان به من حيث الثروات والخيرات، وإن لم يكن يصنف ضمن دل البترول. سجل سنة 1999م، واستهلاك الطاقة بالمغرب ما يعادل 10 ملايين طن معادل للنفط.
أنشئ مركب كيماوي كبير لمعالجة فوسفاط باليوسفية لتوفير حمولة أكبر عند التصدير، مما أعاد بعض الحياة إلى هذه المدينة وذلك منذ الستينات من نفس القرن. وأصبح المغرب يحتل المراتب المتقدمة عالميا من حيث تصدير الفوسفاط، وثالث منتج لها بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. إلى جانب احتكار الدولة استغلال "الذهب الأبيض"، كما أنه كان حريصا ويحاول باستمرار تحقيق الاستفادة بشكل كبير من الفوسفاط الخام.
إن المغرب يوضح أن تجربته من المستطاع من خلالها إدماج المشروعات الخاصة في إطار خطة شاملة. ولا يمكن إنكار ما توصل إليه المغرب بفضل الاستثمارات الغربية، رغم أهدافها الخفية الممثلة في الاستغلال وإخضاع المغرب. وبنفس القدر يجب علينا الاعتراف على أن الأزمة الاقتصادية تتجلى أساسا في التدخل الأجنبي الذي هيمن على الجانب التجاري والاقتصادي بصفة عامة. لنجد ارتباطا بين انهيار الدولة تراجع المجال الاقتصادي بفقدان التوازن بين نظام اقتصادي بسيط وتقليدي، والذي يهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، وبين نظام آخر عصري وحديث في طور التقدم يتأسس على مبدأ الربح، ولو كان على حساب المواطنين.
 يتبع.....



[1]- عيسوي، شارل، التاريخ الاقتصادي للشرق الأوسط وشمالا إفريقيا ص.91.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -