أخر الاخبار

القايد الحاجي 1915

 القايد الحاجي : القائد الذي ناهض الفرنسيين و حاول عيسى بن عمر العبدي تصفيته



le Caïd Hadji 1915 القائد الحاجي
le Caïd Hadji 1915 القائد الحاجي 

أغلب المصادر التاريخية تتحدث عن معاصرة القائد الحاجي Caïd Hadji للقائد عيسى بن عمر العبدي وللقائد أحمد بن الضو الحمري، والتهامي لكلاوي، والكندافي وآخرين ، لكن ما يهمنا هنا بالضبط  هو القائد الحاجي وسؤال الفترة التاريخية وتفاعله معها وموقعه بين قواد الجنوب، ودرجة نفوذه وسلطته وهيبته، وكيف كانت علاقته مع القائد عيسى بن عمر العبدي المتاخم في جواره كقوة عسكرية قدمت خدمات للحماية والاستعمار؟

في معرض حديثنا مع الباحث الأستاذ مصطفى حمزة عن دار القائد الحاجي أشار إلى أن مؤسسها الأول هو القائد أمبارك الحاجي قبل ثلاثة قرون وأكد على أنها لعبت عدة أدوار هامة سياسيا واجتماعيا ودينيا خلال النصف الأول من القرن العشرين، إذ ساهمت في العمل الوطني من خلال إعداد المواطنين للانخراط في الحركة الوطنية بالإضافة إلى ما كانت تقدمه من مساعدات مادية ومعنوية للوطنيين، وذكر الأستاذ حمزة لـ " أنفاس بريس" في هذا السياق مثل " ما قدم القائد أحمد الحاجي من سلاح ومؤن للقائد أنفلوسمما تسبب في نفيه لمدينة الصويرة ".

على بعد كيلومترين تقريبا عن قصبة أولاد بن حميدوش ينتصب أمامك بنيان دار القائد الحاجي بالمجال الجغرافي لقبيلة الشياظمة فخدة رثنانة، على مساحة كبيرة مسيجة بسور حجري تآكلت جنباته بفعل الإنسان وعوامل الطبيعة، وينتابك إحساس بعظمة المكان ورهبة الزمان الذي شيدت فيه الفضاءات الموزعة بين سكنيات وأروقة وأجنحة ومرافق مختلفة ذات حصون وأقواس وسرايا أبدعت أنامل الحرفيين والصناع في زخرفتها ونقشها وتلوينها ، وزادتها جمالا وسحرا تلك التراتبية الهندسية الدقيقة في وضع مربعات الزليج الفسيفسائي المتناغم الأضلاع والزوايا بألوانه الجذابة،معمار وهندسة شاهدة على مواد بناء يعود تاريخها الذهبي إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، بدون منازع تعتبر دار القائد الحاجي مثلها مثل إقامات القواد نموذجا لفن المعمار المغربي المشدود للنموذج الأندلسي والغرناطي مع وجود اختلافات طفيفة في الشكل الهندسي والمواد التزيينية التي لا شك تعكسها ثروة وجاه ونفوذ كل قائد من قواد الفترة التاريخية تلكوالتي تناولتها كتابات المستكشفين والرحالة الأوربيين .

هذه المعلمة التاريخية والتراثية استطاعت أن تستقطب زيارات الكثير من رجالات السياسة والفكر نظرا لأهميتها وفق ما صرح به ل " أنفاس بريس" الاستاذ مصطفى حمزة استنادا لوثائق ومراجع تاريخية، من أمثال السلطان مولاي الحسن، عبد الحي الكتاني، المختار السوسي، والمؤرخ عبد الرحمان بن زيدان، وهنا يكمن جوهر الاختلاف بين دار القائد الحاجي والقائد عيسى بن عمر.

القايد الحاجي 1915


فحسب كتاب الطبيب الفرنسي فريدريك وايسجرير ( 1868 / 1946 ) " على عتبة المغرب الحديث "  والذي تعرف على القائد عيسى بن عمر سنة 1898 ، فإن قوته ونفوذه كانت تمتد من الوليدية إلى ما وراء تانسيفت ومن الساحل حتى 60 كلم من مراكش وكان له سلطان على قسم من دكالة والرحامنة وأحمر وشيشاوة والشياظمة وحاحا، وتتحدث أغلب المصادرعن وجاهته وثروته العينية والمادية و العسكرية والفلاحية على اعتبار أنه كان أهم قائد محلي في المملكة الشريفة بالنسبة للفرنسيين، لكن هذا النفوذ سيتراجع وسيفرز قوة ثانية قريبة من المجال الجغرافي للقائد عيسى بن عمر خلال فترة زحف عسكر وثوارالهيبة ماء العينين من مختلف القبائل التي انظمت لندائه ويتعلق الأمر هنا بالقائد الحاجي الذي كان موضوع نقاش بين عيسى بن عمر وفريدريك وايسجرير في لقاء خاص بينهما للتصدي لهجمات الهيبة ووضع مخطط  لاستقطاب قواد الجنوب للانضمام للعسكر الفرنسي ، لنشر الأمن بمنطقة عبدة وأحمر وحاحا والشياظمة .

إن حركة ماء العينين المتمسكة بالدين واستقلال الدولة اتجاه القوى الأوربية التي كانت تهدد التوازن السياسي القار في الحوز والتي أشرت على إمكانيةانضواء القبائل تحت سطوتها وخوفا من انفلات سلطة القواد بعدة مناطق وخصوصا بالحوز جعلت مثلا  القائد عبد المالك المتوكي كنموذج يتقرب من السلطان المولى عبد العزيز على اعتبار أن المولى عبد الحفيظ لم يبرز كثيرا بعد، وهذه التقلبات والانضمامات المزدوجة ورهان المنافسة لها دلالتها فيما يخص الغياب السياسي لنفوذ الدولة وترجيح كفة الهيبة الذي كان يعسكر بفروكة وعلى وشك محاصرة مراكش سنة 1911، مما فطن له بعض القوادللمحافظة على الجماعة القبلية الأصيلة وأبناء القايد .

اللقاء الذي جمع بين فريدريك وايسجرير وبن عمر العبدي حسب روايته يستنبط منه القارئ أن عيسى بن عمر لم يعد له تأثير على القواد جنوب تانسيفت و كان في تلك الفترة يخشى من قوة غريمه القائد الحاجي الذي انخرط في حركة الهيبة حيث وصفه بالعدو " ..فهو عدوي اللدود ورجل القائد المتوكي .." ، و يؤكد في ذات اللقاء على طلبه الموجه عبر فريدريك قائلا " ستكون حاجتي إلى مستودع للذخيرة في أسفي كما ستكون حاجتي في من يشغل قصبتي أثناء غيابي حتى لا يهاجمها القائد الحاجي " ، في نفس السياق يتضح أن قبيلة الشياظمة وحاحا قد " بايعت الهيبة ماء العينين وانخرطت في حركته الجهادية " ، بل أن القائد الحاجي توجه في تلك الفترة إلى مراكش رفقة كتائبه العسكرية محملا بالأسلحة والذخيرة التي كانت مخبأة ومخزونة لديه منذ سنة 1908 بعدما تسلمها في الصويرية القديمة على مقربة من مصب نهر تانسيفت ليستعملها القائد المتوكي في المحاولة الأخيرة لاستعادة حكم السلطان مولاي عبد العزيز وفق نفس المصدر.

لقد كانت دار القائد الحاجي علامة بارزة في سيرة الرجل وقوة سلطته ونفوذهعلى اعتبار أنها كانت مقرا إداريا وعسكريا ودينيا واقتصاديا بالمنطقة ومحورا عجائبيا لاستقرار حاشيته ومستشاريه وأقاربه وخدمه وحشمه ، فمعالمها الأثرية التي زارها " أنفاس بريس" تدل على عظمة القائد الحاجي الذي كان ينافس القائد عيسى بن عمر ويشكل شوكة في خاصرته رغم قلة وندرة المصادر التاريخية التي تتحدث عنه وعن فترته التاريخية . وفي سفر تاريخي شيق ونحن نتحدث عن القائد الحاجي أشار الاستاذ مصطفى حمزة إلى أن " حكمه دام مدة 39 سنة وتحديدا من 1900 إلى سنة 1939 وكان مجال قيادته شاسعا جدا مما ساهم في توسيع إمكانياته المادية والعسكرية لكن هذا النفوذ سيتقلص مع دخول الحماية سنة 1912 ، على اعتبار أن الرجل كان له موقفا واضحا من الفرنسيين مما أدى إلى نزع قبيلتين من حوزته وإضافتهما للقائد خوبان، وتسجل بعض الوثائق التاريخية أن علاقة المصاهرة التي جمعت بينه وبين القائد المتوكي عززت الجانب الإنساني والاجتماعي بينهما خلاف  العلاقة المتوترة بينه وبين القائد عيسى بن عمر الذي حاول تصفيته لولا تدخل القائد إدريس بن عيسى.

لقد مكنتنا جولة " أنفاس بريس" بفضاء دار القائد الحاجي لاستقراء قدرة القائد على توفير كل شروط الحفاظ على سلطته، فالمدخل الرئيسي يؤشر على عظمة البناية ورحابة فضاءها الذي انتشرت فيها عدة مطامير ب " المرس " لتخزين منتوجه الزراعي والفلاحي، " المخزون الاستراتيجي لتموين القبيلة في حالة السلم أو الحرب أو الجفاف" ، تقابله معالم عدة اسطبلات استعملت لرعاية وتربية الدواب والمواشي ( خيل، بغال، إبل، ...) وزريبة مخصصة لأجود كلاب الصيد، بجانبها عدة نقط مائية تدلك عليها مواقع آبار وخزانات المياه الأرضية التي امتدت قنواتها إلى حدود الحمامات ومرافقها الصحية، وأجنحة خاصة بالخدم والرعاة مفصولة عن فضاءات خاصة بسكنيات خصصت للفرسان والعسكر، تقابلها مقرات تحمل دلالة التوقير لإدارة شؤون الأمن والقضاء والاقتصاد وتتبع مسار القبيلة، وبالمقابل تبرز أهمية الجانب الديني حيث تنتصب آثار بناية المسجد والزاوية التيجانية، وكان للقائد الحاجي وعائلته الكبيرة جزء ضخم من مساحة البنيان تتربع عليه أروقة الضيوف الساحرة بجمال معمارها ومواد بنائها الأصيلة، من خشب وزليج وجبس وسرايا وأبواب ونوافذ وزجاج تدل على ثراء وغنى وتألق شخصية القائد الحاجي في الزمان والمكان.

في هذا السياق أفاد  " أنفاس بريس" الأستاذ الباحث المصطفى حمزة أنه على الرغم من تواجد دار القائد الحاجي بالمجال القروي إلا أن الطابع المدني والحداثي كان سمة بارزة على مستوى الغناء والموسيقى مثلا" فقد كانت تتوفر على جناح مخصص لممارسة وتعليم فن الموسيقى الأندلسية بمواصفات راقية تعكس رقي القائد الحاجي " واضاف محدثنا أن الجناح كان يضم " جوقا نسويا للموسيقى الأندلسية يقوم بإحياء الحفلات والسهرات الخاصة وكان من أبرز النساء المكونة لذات الجوق الموسيقي الفنانتين " ريحانة الطرنجة " و " عود الصباح " ويرأس الجوق الفنان المراكشي الأصل " أبا هشوم " .



على سبيل الختم :


فحسب العديد من التصريحات التي استقتها " أنفاس بريس" والتي أجمعت على أن دار القائد الحاجي تعتبر من أجمل المآثر التاريخية والعمرانية الشاهدة على زمن الظاهرة القايدية وعلاقتها بالمخزن والأطماع الاستعمارية، لكن للأسف تتعرض كل معالمها للاندثار والتلاشي مما يعرض جزء من ذاكرة الوطن للطمس، ولأن المناسبة شرط فإن دعوتنا موجهة للحكومة المغربية من خلال القطاعات الوزارية المعنية بأن تحافظ على ذاكرتنا وهويتنا وتثمينها وتحصينها ضد الضياع، والعمل على تحويل تلك الفضاءات الجميلة إلى متحف ومزار للسياحة الداخلية والخارجية، وإعادة ترميم كل ما ضاع من فضاءها من عمران، وحمايتها من السطو الذي تتعرض له أمام أعين السلطات المختصة والوصية على تراثنا الإنساني المادي واللامادي، وفي اعتقاد مصادرنا أن أهمية قيمة مخزون ذاكرة " دار القائد الحاجي " تحتاج لقرار سياسي يخدم المنطقة تاريخيا وحضاريا وسياحيا واقتصاديا .

أحمد فردوس

الحياة رحلة: أطلال دار القايد الحاجي

القايد الحاجي
دار القايد الحاجي

القايد الحاجي




تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -