المغرب عام 1893: فصل حاسم في تاريخ الدولة والزاوية الكَلاوية
خلال أواخر القرن التاسع عشر، كان السلطان الحسن الأول يسعى جاهدًا للحفاظ على سيادة المغرب في وجه الأطماع الأوروبية المتزايدة، معتمدًا على حملاته السلطانية لبسط نفوذ الدولة وتعزيز سلطتها على المناطق الخارجة عن السيطرة. إلا أن القدر لم يمهله طويلًا، إذ وافته المنية فجأة سنة 1894 أثناء حملة عسكرية كان يقودها لإخضاع بعض القبائل الثائرة في جبال الأطلس.
لكن قبل هذه النهاية، شهدت سنة 1893 حدثًا مفصليًا ساهم في تغيير مسار الحكم في المغرب، وكان له دور حاسم في صعود نفوذ عائلة الكَلاوي، التي ستصبح لاحقًا من أقوى العائلات في البلاد.
رحلة السلطان إلى تافيلالت وبروز آل الكَلاوي
في أواخر سنة 1893، قاد السلطان الحسن الأول حملة إلى تافيلالت، في إطار جهوده لترسيخ سلطة الدولة في المنطقة. وعند عودته إلى مراكش، اختار سلوك طريق الفايجة، إلا أن الظروف الجوية لم تكن في صالحه، حيث هبت عاصفة ثلجية كثيفة عند وصوله إلى ثنية الكَلاوي، مما جعل القافلة السلطانية والجيش المرافق يعانون من برد قارس كاد أن يودي بحياتهم، حتى السلطان نفسه لم يسلم من قسوة الطقس.
في هذه اللحظة الحرجة، برز اسم المدني الكَلاوي وأخوه التهامي، حيث سارعوا إلى إنقاذ السلطان وجيشه، مقدمين لهم كل ما يلزم من مؤن وإمدادات لمساعدتهم على تجاوز الأزمة. ولم يكتفِ آل الكَلاوي بذلك، بل دعوا السلطان للإقامة في قصبتهم بتلوات، حيث وفروا له ولحاشيته إقامة فاخرة تتناسب مع مقامه.
منحة السلطان للمدني الكَلاوي
ظل السلطان في قصبة تلوات لمدة خمسة وعشرين يومًا، وخلال هذه الفترة، تمكن القائد المدني الكَلاوي من التقرب من رجال البلاط السلطاني وتوطيد علاقاته مع الشخصيات النافذة، مما أكسبه حظوة كبيرة لدى السلطان. ولم يمر هذا الإخلاص والولاء دون مكافأة، حيث أصدر السلطان ظهيرًا يقضي بتعيين المدني الكَلاوي خليفة له على الإيالات الجنوبية، من قصبة تلوات في الأطلس الكبير، مرورًا بتافيلالت ودادس وتودغة، وصولًا إلى محاميد الغزلان على مشارف الصحراء. كما زوّده السلطان بمدفعين ألمانيي الصنع، إلى جانب عدة صناديق من الذخيرة الحربية، مما عزز نفوذه العسكري ومكانته السياسية.

وفاة السلطان وتطلعات الأوروبيين
لم تمضِ سوى بضعة أشهر على هذا الحدث، حتى توفي السلطان الحسن الأول يوم 7 يونيو 1894، ليتولى الحكم من بعده ابنه، مولاي عبد العزيز، الذي كان حينها في السادسة عشرة من عمره.

ومع انتشار خبر وفاة السلطان، سارعت الصحف الفرنسية إلى تناول الحدث، معتبرة أن هذه اللحظة قد تشكل نقطة تحول تسهّل فرض الحماية على المغرب، في ظل صعود سلطان شاب يفتقر إلى الخبرة السياسية، ووسط تزايد الضغوط الأوروبية على البلاد.
بهذه الأحداث، كانت سنوات 1893-1894 فترة مفصلية في تاريخ المغرب، إذ لم تكن فقط شاهدة على نهاية عهد السلطان الحسن الأول، بل كانت أيضًا بداية صعود آل الكَلاوي كقوة سياسية مؤثرة، وهو نفوذ سيتعزز لاحقًا في العقود التالية.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.