الجدار الأمني: ملحمة مغربية في مواجهة التحديات
منذ تشييده عام 1987 وحتى تطهير منطقة الكركارات في نونبر 2020، ظل الجدار الأمني بالصحراء المغربية نموذجًا فريدًا في الدفاع العسكري والأمني. يُعد هذا الجدار معلمة عسكرية تاريخية ساهمت في حماية المغرب من اختراقات البوليساريو وهجمات المخابرات الجزائرية.
يتكون الجدار من مرتفع رملي يتراوح ارتفاعه بين 4 و6 أمتار، وعرضه بين 6 و100 متر على امتداد 2720 كيلومترا، يمتد هذا الشريط الرملي من منطقة آسا الزاك إلى الحدود المغربية الموريتانية. يضم مواقع عسكرية محصنة مزودة بتكنولوجيا متقدمة للمراقبة والرصد، تدعمها دوريات عسكرية تعمل على مدار الساعة، مما جعل الجدار أداة حاسمة في إنهاء فعالية حرب العصابات التي تعتمدها مليشيات البوليساريو.
بفضله تمكّن المغرب من الحد من التسربات والاختراقات التي كانت تتم بين الفينة والأخرى للانفصاليين والمخابرات الجزائرية، ممن كانوا يحترفون الاختطاف والتقتيل في حق سكان الصحراء المغربية.
أسباب بناء الجدار الأمني
مع استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية سنة 1975 عقب المسيرة الخضراء، بدأت الجزائر في دعم جبهة البوليساريو لإثارة القلاقل، انتقامًا من هزيمتها في حرب الرمال (1962)، والتي كاد المغرب فيها أن يصل بجيشه إلى قلب وهران الجزائرية.استغل النظام الجزائري مخيمات تندوف كقاعدة لزعزعة استقرار المغرب، عبر تسليح البوليساريو وتنفيذ عمليات اختراق واعتداءات غادرة على التراب المغربي.
أمام هذه التحديات، أدرك الملك الراحل الحسن الثاني ضرورة إيجاد حل دائم لحماية الأقاليم الجنوبية وتأمينها. وبعد نقاشات مطولة مع كبار المسؤولين العسكريين والمستشارين، ظهرت فكرة بناء الجدار الأمني، مستلهمة من أسوار تاريخية مثل سور الصين وجدار برلين، بل إن الحسن الثاني، حسب المختص في الدراسات العسكرية والاستراتيجية عبد الرحمن مكاوي، استفاد حتى من غزوة الخندق التي اقترح فيها الصحابي سلمان الفارسي على الرسول عليه الصلاة والسلام، حفر خندق كبير حول المدينة لمواجهة قريش..
عملية بناء الجدار: ملحمة وطنية
بدأ تنفيذ الجدار سنة 1980 في سرية تامة. اعتمد الجيش المغربي على وسائل محلية، مستغرقًا سبع سنوات فقط لإكمال البناء. بلغت تكلفة المشروع، وفق تقديرات دولية، بين 3 و7 مليارات دولار.
الجدار لم يكن مجرد خط دفاعي؛ بل منظومة متكاملة تضم خنادق، أنظمة مراقبة إلكترونية، وأسلحة متطورة. كما استفاد المغرب من الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار لتعزيز المراقبة على طول الجدار، مما مكنه من رصد أي حركة مشبوهة حتى في المناطق العازلة.
فعالية الجدار وأثره على موازين القوى
بفضل الجدار، تمكن المغرب من إحكام السيطرة على أقاليمه الجنوبية وإضعاف فعالية البوليساريو، ما أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة. يُعد الجدار أحد أبرز الإنجازات العسكرية في العالم الحديث، حيث أكد قدرة المغرب على الجمع بين الإبداع الاستراتيجي والقدرة التنفيذية العالية.
الجزائر تحاول اختراق الجدار الرملي المغربي، الأمن يُفشل مخطط لضرب المغرب خلال عيد الإستقلال
الجدار الأمني الرملي الذي بناه المغرب يعد من أخطر التحصينات في العالم، حيث يحتوي على أعداد كبيرة جدًا من الألغام.
قررت الجزائر، بعد هزيمة البوليساريو في الكركرات، بناء جدار رملي مزيف بطول أربعة كيلومترات فقط، يحتوي على نقاط عبور ومراكز أمنية، في محاولة لمحاكاة الجدار المغربي. ورغم مرور ثلاث سنوات على تدريبات البوليساريو على هذا الجدار المزيف، إلا أنهم لم يحققوا أي نجاح يُذكر عند محاولتهم اقتحام الجدار المغربي الحقيقي. عندما يحاولون التوغل، تكون الطائرات المغربية المسيرة في انتظارهم، مما يجعلهم يواجهون خسائر فادحة.
الأمر الأكثر خطورة أن الجزائر والبوليساريو كانتا تخططان لعملية إرهابية يوم عيد الاستقلال المغربي، الموافق 18 نوفمبر. كانت الخطة تستهدف منطقة أوسرد، الواقعة على بعد حوالي 20 كيلومترًا من الجدار الأمني. كان الهدف هو شن هجوم عشوائي باستخدام صواريخ كاتيوشا بهدف إثارة الفوضى والتعويض عن فشل عملية المحبس الأخيرة.
لكن المغرب تمكن من كشف هذا المخطط وإحباطه. ومع ذلك، يجب توخي الحذر، فقد يحاولون تنفيذ العملية في منطقة أخرى أو في وقت لاحق.
العقيدة العسكرية الجزائرية تبدو موجهة بشكل رئيسي نحو استهداف المغرب والجدار الأمني الذي أضعفهم وسبب لهم خسائر كبيرة. رغم كل ذلك، يبقى المغرب يقظًا ومستعدًا للتصدي لأي محاولة تهدد أمنه وسلامته
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.