أخر الاخبار

المدارس الرائدة: هل هي بداية نهضة أم نهاية التعليم العمومي؟

في شهر مايو من عام 2023، أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة وزارية تهدف إلى تقديم نموذج جديد للمدرسة الابتدائية في المغرب. هذا النموذج تم تطبيقه بشكل تجريبي على 626 مدرسة ابتدائية عبر البلاد. وفي فبراير من عام 2024، صدرت مذكرة جديدة أعلنت فيها الوزارة عن توسيع هذا النموذج ليشمل 2000 مدرسة إضافية، على أن يتم تعميم هذا النهج الجديد في جميع المدارس الابتدائية بحلول الموسم الدراسي 2027-2028.

هذا النموذج التعليمي الجديد يُعرف بـ "المدارس الرائدة"، الذي أصبح موضوعاً شائعاً في النقاشات، لكن الكثير منا ليس على دراية كافية بتفاصيله وما يعنيه فعلاً.

تقول الوزارة إن هذا المشروع يمثل إصلاحاً عميقاً في منظومة التعليم بالمغرب. وأبرز ما يُثار حول هذه "المدارس الرائدة" هو مفهوم TARL (Teaching at the Right Level)، الذي يعني "التدريس بالمستوى المناسب". الفكرة تبدو واعدة، لكنها تثير الكثير من النقاشات.

نناقش الآن تقريراً أصدره مركز أبحاث "جي-بال"، المعروف بوزنه العلمي واعتماده على البيانات الدقيقة لتحليل السياسات الحكومية. التقرير يتناول تجربة "المدارس الرائدة" بالمغرب، ونتائجه مثيرة للاهتمام، وربما صادمة في بعض الجوانب. هذه التجربة تؤثر على حوالي 4.6 مليون طفل مغربي في مرحلة التعليم الابتدائي، إلى جانب أسرهم.

النقطة الأساسية

الإصلاح يركز على بناء المهارات الأساسية للطلاب منذ الصغر، وهو ما أشار إليه العالم الاقتصادي الشهير هيكمان في دراسته حول العوائد الاقتصادية للتعليم المبكر. وفقاً لنظريته، العائد على الاستثمار في تعليم الأطفال يكون أكبر كلما بدأنا في سن مبكرة. على سبيل المثال، إذا استثمرت دولاراً واحداً في تعليم طفل عمره بين 0 و3 سنوات، فإن العائد قد يصل إلى 7 دولارات عندما يكبر ويصبح فرداً منتجاً. أما إذا استثمرت نفس المبلغ في شخص بالغ، فإن العائد يكون أقل نسبياً، حوالي 3 دولارات فقط.

لماذا هذا الفارق؟

السبب بسيط ولكنه عميق: القدرات الإدراكية والمعرفية تُبنى بشكل أسرع وأكثر كفاءة في سنوات الطفولة المبكرة. عندما ينضج الإنسان، تصبح عملية التعلم أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة، سواء من حيث الجهد أو الموارد المالية. لهذا السبب، التركيز على التعليم في السنوات الأولى من حياة الطفل يُعتبر استثماراً ذكياً ومربحاً على المدى الطويل.

لكن السؤال الأهم الذي يطرحه الكثيرون هو: كيف يمكن ترجمة هذه المفاهيم إلى واقع ملموس داخل المدارس المغربية؟ وهل ستنجح هذه "المدارس الرائدة" في تحقيق أهدافها؟

الجواب على هذا السؤال يكمن في الفلسفة العميقة التي تستند عليها فكرة "المدارس الرائدة"، والتي ترتبط مباشرة بطريقة عمل الدماغ البشري في الطفولة. لفهم هذا الموضوع، دعنا نركز على التشابكات العصبية في الدماغ، وكيف تتغير مع مرور الزمن.

التشابكات العصبية: أساس التعلم

عند ولادة الطفل، يكون دماغه مليئاً بالخلايا العصبية، ولكن التشابكات بين هذه الخلايا تكون بسيطة. ما بين الولادة وعمر السنتين، يحدث انفجار في التشابكات العصبية، حيث تتضاعف بشكل كبير نتيجة للبيئة المحيطة والتحفيز الخارجي. خلال هذه الفترة، يُعتبر الدماغ في أقصى درجات "مرونته"، مما يعني أن التعلم في هذا العمر يكون أكثر كفاءة وسهولة.

ولكن مع مرور الوقت، إذا لم تُستخدم هذه التشابكات، يبدأ الدماغ في التخلص منها في عملية تُسمى التقليم العصبي. هذه العملية تساعد الدماغ على الاحتفاظ فقط بالتشابكات التي تُستخدم بشكل متكرر. وبالتالي:

  • إذا تعرض الطفل لتحفيزات غنية بالتعلم والتفاعل، فإن التشابكات العصبية تستمر في النشاط، مما يجعل الدماغ أكثر استعداداً لتلقي المعرفة.
  • أما إذا افتقر الطفل إلى التعليم المبكر والتفاعل، فإن الدماغ يقلل من التشابكات غير المستخدمة، مما يجعل التعلم في المستقبل أصعب وأكثر تكلفة.

التعليم المبكر: استثمار في المستقبل

الدول المتقدمة أدركت أهمية هذه المرحلة المبكرة. على سبيل المثال، في فرنسا عام 1980، كان 100% من الأطفال الذين يبلغون 4 سنوات مسجلين في التعليم الأولي (رياض الأطفال). في المغرب، بحلول عام 2024، لا يزال الرقم حوالي 78% فقط. هذا يعني أن المغرب متأخر بحوالي أربعة عقود عن الدول التي استثمرت بشكل كامل في التعليم الأولي.

توجه المغرب نحو التعليم الأولي

في السنوات الأخيرة، بدأ المغرب إدراك أهمية هذا النوع من الاستثمار، وظهر ذلك في عدة خطوات:

  1. تغيير اسم الوزارة ليصبح: وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مما يعكس التركيز على التعليم في المراحل الأولى من حياة الطفل.
  2. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي بدأت توجه استثماراتها نحو الإنسان بدلاً من البنية التحتية فقط.
  3. برامج مثل "المدارس الرائدة"، التي تهدف إلى توفير تجربة تعليمية متميزة للأطفال.

التحدي المستقبلي

لكي تحقق هذه الجهود أهدافها، يحتاج المغرب إلى تعميم التعليم الأولي ليشمل جميع الأطفال، والتركيز على تقديم محتوى تعليمي محفز منذ الصغر. التعليم في هذه المرحلة لا يُعتبر فقط حقاً أساسياً، بل هو مفتاح لتحسين الإنتاجية والاقتصاد على المدى الطويل.

الاستثمار في التعليم الأولي ليس مجرد خطوة تعليمية، بل هو استراتيجية اقتصادية واجتماعية فعّالة. بناء جيل متعلم وقادر على المنافسة يبدأ من رياض الأطفال، حيث يتشكل دماغ الطفل بطريقة تجعله قادراً على التعلم مدى الحياة.

 


الحديث عن التعليم الأولي في المغرب، خصوصاً في البوادي، يعكس تحديات كبيرة تتعلق بالوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يواجهه العديد من الأطفال، بالإضافة إلى أهمية التعليم المبكر في تشكيل قدرات الإنسان. ولعل أهم نقطة يجب التركيز عليها هي الفترة التي تسبق ولادة الطفل وما بعد الولادة، حيث تتأثر قدراته العقلية بشكل كبير بالعوامل المحيطية.

التأثيرات المبكرة على الدماغ
التعليم الفعّال يبدأ من الحمل. إذا كانت الأم تعاني من الستريس أو التوتر النفسي، أو إذا وُلد الطفل مبكراً أو تعرضت الأم لمشاكل صحية أثناء الحمل، فقد يؤثر ذلك بشكل سلبي على القدرات العقلية للطفل. تبرز أهمية التغذية الجيدة خلال هذه الفترة، حيث أن نقص التغذية يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية على نمو الدماغ.

التغذية والرعاية بعد الولادة
بعد الولادة، تعتبر الرضاعة الطبيعية من أهم العوامل التي تسهم في تطوير الدماغ. التغذية السليمة والمكونات الغذائية التي تحتوي عليها حليب الأم تدعم نمو الخلايا العصبية وتحسين القدرة على التعلم.

لكن في المقابل، قد تؤثر بعض المواد السامة مثل الرصاص بشكل سلبي على دماغ الطفل. التقارير العالمية أظهرت أن مادة الرصاص في دم الأطفال قد تساهم في تدهور قدراتهم العقلية وتزيد من احتمالية العدوانية أو الاضطرابات النفسية. المشكلة في بعض الدول مثل المغرب وبنغلاديش، هي أن هناك نسباً مرتفعة للأطفال الذين يعانون من التسمم بالرصاص، خاصة في البيئات التي تحتوي على مواد سامة مثل الدهانات القديمة أو مبيدات الحشرات أو حتى بعض المواد المستخدمة في البناء.

أهمية التغذية والعوامل المحيطية
كل هذه العوامل الخارجية من تغذية غير مناسبة أو بيئة مليئة بالتوتر والفقر تؤثر سلباً على قدرات الطفل العقلية وقدرته على التعلم. إذا كان الطفل يعيش في بيئة مليئة بالضغوط، فإن ذلك يجعل تعلمه أكثر صعوبة ويقلل من فرصته في النجاح في المستقبل.

التعليم كاستثمار في المستقبل
تسعى الدولة المغربية إلى تطوير التعليم وتوسيع التعليم الأولي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لكنها بحاجة إلى توجيه الاهتمام بشكل أكبر إلى التغذية السليمة و الرعاية الصحية منذ مرحلة الحمل وحتى مرحلة الطفولة المبكرة، لضمان نمو دماغ سليم وذكي.

تطوير القدرات في مراحل الطفولة
الموضوع الأهم الذي يجب الإجابة عليه هو: كيف يمكن اكتساب هذه القدرات؟ ومتى يبدأ هذا الاكتساب؟

السنة الأولى والثانية: يتم التركيز على التفاعل الحسي والحركي، و تطوير اللغة والقدرة على الاستيعاب. يجب أن يتم تحفيز الطفل بطرق متنوعة مثل الحديث معه، توفير الألعاب التي تحفز التفكير، والتواصل المستمر مع البيئة المحيطة.

السنة الثالثة: يبدأ التركيز على تطوير التفكير النقدي، و القدرة على حل المشكلات. في هذه المرحلة، يكون الطفل أكثر قدرة على التفاعل مع الأنشطة العقلية مثل التعرف على الأشكال والألوان أو حل الألغاز البسيطة.

السنة الرابعة والخامسة: يجب أن يبدأ الطفل في تعلم المهارات الاجتماعية و القدرة على التعاون مع الآخرين. هنا يبدأ التطور الكبير في القدرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات المعقدة، مما يعد أساساً لتعليم الرياضيات و العلوم في المستقبل.

الهدف: إنسان منتج وفعال
الدول التي تسعى لتطوير الإنتاجية الاقتصادية يجب أن تركز على التعليم المبكر كأداة رئيسية. استثمار في دماغ الطفل منذ الحمل وحتى السنوات الأولى من حياته يمكن أن يؤدي إلى جيل قادر على التعلم بسرعة و الإنتاجية العالية في المستقبل. لتحقيق ذلك، يجب أن تكون العوامل البيئية مناسبة، مثل التغذية السليمة، الحد من السموم، و تحسين ظروف الحياة.

القدرات العقلية للأطفال تُبنى من أول لحظة للحمل وتستمر في التطور خلال السنوات الأولى. لضمان حصول الطفل على قدرات عقلية متميزة، يجب توفير بيئة محفزة ومتوازنة من حيث التغذية، الرعاية الصحية، و التفاعل الاجتماعي. الدول التي تهتم بهذه الجوانب من خلال استراتيجيات التعليم الأولي تنجح في بناء جيل منتج وفعال،

الجواب على السؤال عن قدرات الأطفال وكيفية اكتسابها ليس شيئاً ثابتاً يمكن العثور عليه في دفتر واحد، بل هو نتيجة لتراكم مجموعة من الدراسات العلمية التي تركز على التطور العصبي للأطفال وكيفية اكتسابهم للمهارات عبر الزمن.

القدرات الفطرية

منذ لحظة الولادة، يمتلك الطفل قدرات فطرية تساعده على التفاعل مع محيطه. مثلًا، الرضيع عند وضعه على بطنه يتعلم كيف يزيح الغطاء عن وجهه أو يميز وجوه والديه عن وجوه الآخرين. هذه المهارات تُعتبر أساسية لتطوير قدرات أكبر مع مرور الوقت.

الفترة بين صفر وثلاث سنوات

الفترة ما بين صفر وثلاث سنوات هي الفترة الحاسمة في تطور الدماغ، حيث ينمو 80% من دماغ الطفل خلال هذه المرحلة. خلال هذه السنوات، يكون التحفيز العصبي مهمًا جدًا، سواء من خلال اللعب التفاعلي أو التفاعل مع البيئة المحيطة. في هذه الفترة، يتطور الدماغ بسرعة ويبدأ في تشكيل الشبكات العصبية التي ستكون أساسًا للقدرات المعرفية المستقبلية.

الفترة بين ثلاث إلى خمس سنوات

من ثلاث إلى خمس سنوات، يدخل الطفل في مرحلة التعليم الأولي، وتصبح قدراته أكثر تطورًا. هذه المرحلة تركز على الوظائف التنفيذية، مثل التخطيط، التركيز، الانتباه، تذكر الأشياء، و تنظيم المشاعر. هذه الوظائف هي التي تمكن الإنسان من التعامل مع المهام المعقدة في المستقبل، ولذا فإن التعليم الأولي يصبح استثمارًا مهمًا جدًا في حياة الطفل.

القدرات الرياضية والعددية

الدراسات أظهرت أن الأطفال بين ثلاث وأربع سنوات يمكنهم تعلم المفاهيم الرياضية الأساسية مثل العد حتى الرقم 4، وهناك من يمكنه العد حتى الرقم 10. لكن من المهم أن نفهم أن الطفل لا يستطيع تجسيد الأرقام في الواقع إلا عندما يمر بتجربة عملية بها هذه الأرقام. على سبيل المثال، الطفل قد يستطيع أن يحفظ الأرقام، لكنه لا يفهم الفجوات بين الأرقام مثلًا بين 10 و 20، على الرغم من أن الفجوة بينهما متساوية مثل الفجوة بين 80 و 90.

المرحلة بين خمس وست سنوات

في هذه المرحلة، يبدأ الطفل في تجسيد الأرقام ويبدأ في فهم الفروقات بين الأرقام بشكل أكبر. كما أنه يصبح قادرًا على فهم العلاقات بين الأرقام ويبدأ في بناء القدرات المعرفية التي تساعده في المستقبل على التعامل مع مفاهيم رياضية أكبر وأكثر تعقيدًا.

المنهاج الوزاري

هذه الدراسات الدقيقة حول قدرات الأطفال في مراحل معينة من أعمارهم تشكل المنهاج الدراسي الذي تضعه وزارة التعليم. المنهاج ليس مجرد وثيقة تعليمية بل هو أساس علمي يعتمد على هذه الدراسات لضمان أن يكون التعليم الأولي مؤثرًا في تطوير القدرات الأساسية للأطفال بما يتناسب مع أعمارهم. هذه الوثيقة المنهاجية تهدف إلى تحديد القدرات المعرفية التي يجب أن يمتلكها الأطفال في كل مرحلة عمرية، بحيث يستطيع الطفل في السن المناسبة اكتساب مهارات معينة مثل العد، فهم اللغة، القراءة، والكتابة.

التعليم المبكر كاستثمار في المستقبل

إذا كان الطفل يكتسب هذه القدرات الأساسية بشكل جيد في مرحلة الطفولة المبكرة، فإن ذلك سيكون بمثابة استثمار في مستقبله ويجعل منه شخصًا منتجًا و مؤثرًا في المجتمع. وهذا هو الهدف الذي تسعى إليه المدارس الرائدة والتي تهدف إلى تطوير القدرات التنفيذية والمعرفية للأطفال في سن مبكرة.

القدرات التي يمتلكها الطفل تتطور بشكل تدريجي ومعقد، لكن التعليم الأولي هو أساس لبناء تلك القدرات. الوزارة تركز على تعزيز هذه المرحلة بما يتوافق مع الأبحاث العلمية المتعلقة بتطور دماغ الطفل.

المنهج الدراسي في 2021 يعكس توجهات جديدة تهدف إلى تطوير قدرات الأطفال بشكل تدريجي وفقًا لدراسات علمية تركز على كيفية اكتساب المهارات المعرفية والحركية عند الأطفال. إلا أن التطبيق الفعلي لهذه المناهج في مراكز تكوين الأساتذة لا يكون دائمًا كما ينبغي، وهذا يسبب فجوة بين التصور النظري للمنهج و التطبيق العملي في المدارس.

تحديات المنهج الدراسي:

  1. تسلسل القدرات عبر المراحل الدراسية: كما ذكرت، المنهج يحدد المهارات المطلوبة لكل عام دراسي، مثل:

    • في السنوات الأولى، من المفترض أن يكون الطفل قادرًا على فهم نصوص قصيرة (40-50 كلمة) وينتج نصًا شفهيًا من 20 كلمة.
    • مع التقدم، في الصف السادس، يُتوقع من الطفل أن يفهم نصًا طوله 400 كلمة ويستطيع أن يكتب 60 كلمة.
  2. تزايد صعوبة المهام مع تقدم العمر: مع مرور الأعوام، تصبح المهام أكثر تعقيدًا، كما يجب على التلميذ أن يحلل النصوص و يكتب نصوصًا أكبر بشكل فعال. ولكن بالرغم من تحديد هذه الأهداف، نتائج هذه المناهج على أرض الواقع ضعيفة في كثير من الأحيان.

  3. التطبيق الفعلي في المدارس: المشكلة الكبرى تكمن في أن أساتذة التعليم الأساسي غالبًا ما يفتقرون إلى التدريب المناسب لفهم كيفية تحفيز الأطفال في مراحلهم التعليمية المبكرة. وعادةً ما يكون التركيز على أساليب التدريس بدلًا من فهم البنية العصبية للأطفال و كيفية تعلمهم. وبالتالي، رغم وجود مجهودات كبيرة في تطوير المناهج، إلا أن التطبيق العملي يكون ضعيفًا.

  4. الدراسات العلمية وإشكال التطبيق: الدراسات التي أُجريت من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين في 2019 أظهرت أن 70% من التلاميذ في التعليم الابتدائي لا يُحسنون الاستجابة للمقرر الدراسي، وهذا يؤكد أن المنهج لا يحقق النتائج المرجوة. أيضًا، في 2020، بعد سلسلة من الإضرابات وزيادة التحديات، تدهورت النتائج بشكل أكبر.

  5. الارتباك في الانتقال بين السنوات الدراسية: المشكلة الكبرى هي أن الانتقال بين الصفوف لا يتم بسلاسة. نجد أطفالًا في الصف الرابع ليس لديهم المعرفة المطلوبة التي يجب أن يكونوا قد اكتسبوها في الصف الثالث، وهذا يؤدي إلى تراكم الفجوات المعرفية مع مرور الوقت. في كثير من الأحيان، النجاح الدراسي في مثل هذه الحالات يعتمد على الحصول على درجات عالية دون فهم حقيقي للمواد الدراسية.

  6. التعليم الاعدادي: الفجوات المعرفية تصبح أكثر وضوحًا عندما يصل الطلاب إلى المرحلة الإعدادية. الهدر المدرسي في هذه المرحلة كبير جدًا، حيث 300 ألف طالب يفشلون في اجتياز الانتقال من التعليم الابتدائي إلى الإعدادي أو يعانون من تدني مستوياتهم التعليمية.

التعليم الرائد كحل:

الوزارة حاولت معالجة هذه الفجوات عبر المدارس الرائدة التي تستخدم طرق تدريس جديدة. في الأشهر الأولى، تركز هذه المدارس على طرق تعليمية مبتكرة تهدف إلى تحسين مستوى الفهم والإنتاجية للطلاب. لكن المشكلة تبقى في أساليب التدريس التقليدية في كثير من المدارس.

التحديات الكبرى:

  • عدم توافر التدريبات الكافية للأساتذة على الأساليب الحديثة المرتبطة بفهم قدرات الأطفال العصبية.
  • التمويل الكافي والتوزيع العادل للموارد بين المدارس.
  • الضغط الاجتماعي مثل الإضرابات والمشاكل المرتبطة بنظام التعليم العمومي.
المنهج الدراسي الحالي في المغرب يحتاج إلى إصلاحات جذرية من خلال توفير تدريب شامل للأساتذة حول الأسس العصبية والنفسية للأطفال، إضافة إلى تطوير أساليب التدريس بحيث تتناسب مع تطور دماغ الطفل. في حالة تحسين هذه العوامل، سيكون من الممكن تقليص الفجوات المعرفية بين الفئات الاجتماعية وتحقيق نتائج أفضل في التعليم.

ولكي تفهموا جيدًا ما أقصد، سأعطيكم مثالًا عن نفسي. أنا في التعليم الأولي درست في "المسيد" في الجامع، حيث كنت أتعلم القرآن واللغة العربية، أي أن تعليمي كان بالكامل باللغة العربية، ولم يكن لي أي احتكاك باللغة الفرنسية. أما الرسوم التي كنت أتابعها، فكانت باللغة العربية، وكذلك المسلسلات المكسيكية كانت بالعربية مثل "جوادالوبي" و"ألفريدو"، وكل شيء كان باللغة العربية. معرفتي باللغة الفرنسية كانت تساوي معرفتي بالسينوية أو الجابونية، أي صفر. درست العامين الأولين في الابتدائي باللغة العربية ولم أواجه أي مشكلة، ولكن في العام الثالث بدأت الدراسة بالفرنسية، وتخيلوا ماذا كان أول درس في القسم؟ كان "جولي مينا، جولي كريم"، لم أفهم شيئًا، ولم أكن أعرف حتى الحروف، وكانوا يسألونني عن "جولي مينا" بينما جميع أصدقائي كانوا يجيبون وأنا لا أفهم. أصبحت شخصًا خجولًا، كنت أخشى أن يُعاقبني المعلم. المعلمة كانت اسمها "الشعيبية"، وكانت تتفاعل مع الأطفال الذين يفهمون "جولي مينا"، أما أنا، فكنت مع مجموعة من الجهلاء، كنا نختبئ في الظل، نخاف منها لأنها كانت عنيفة، وكان لدينا شعور بالعار لأننا كنا نعتبر أنفسنا كسالى. تخيلوا معي، في الصفين الرابع والخامس، إذا أراد الأستاذ معاقبتنا، كان يطلب منا قراءة الفرنسية، وأنا كنت لا أعرف سوى كلمات بسيطة، بل حتى عندما كنت أكتب الفرنسية، كنت أخطئ في الحروف وأكتب بطريقة غير صحيحة. هذه المعاناة مع اللغة جعلتني أكرهها وأشعر بالجهل تجاهها. حتى بعد أن حصلت على الباكالوريا، صدمت بالواقع، لأن كل شيء كان يعتمد على الفرنسية. ورغم أنني كنت مجتهدًا في الرياضيات والفيزياء وحصلت على 14 في الوطني، إلا أنني لم أتمكن من دخول التعليم العالي. وفي النهاية، كان مصيري أن أتعلم في التكوين المهني الذي لم يكن له قيمة مضافة كبيرة ولم تكن إنتاجيته عالية، وعملت في وظيفة براتب 4000 درهم فقط، بسبب إهمال المعلمة في الصف الثالث الذي أثر في مستقبلي وأدى إلى هذه النتائج السلبية.


هذه الطريقة التي تسمى "طارل" تهدف إلى تحديد مستوى تعلم الطفل بناءً على قدراته وليس حسب سنه أو المستوى الدراسي، وهذا هو الحل الذي يمكن أن يعالج المشاكل المتعلقة بالتعليم. الفكرة هي معرفة ما إذا كان الطفل يعرف الحروف، هل يستطيع تكوين كلمات أم لا، بغض النظر عن السنة الدراسية التي يدرس فيها. فإذا كان طفل في مستوى السادس ولا يعرف أساسيات المستوى التحضيري، يتم تخفيض مستواه لكي يتعلم من البداية.

المدارس الرائدة تعتمد هذه الطريقة لأنها تركز على الكفاءات، أي القدرات التي يجب أن يمتلكها الطفل في كل مرحلة دراسية. في هذه المدارس، يتم إجراء اختبار مع بداية كل عام دراسي في المواد الأساسية مثل اللغة العربية، الفرنسية، والرياضيات، ليتم تحديد مستوى الطفل ومعرفة قدراته. يتم تصنيف الإجابات وفقًا لمستوى قدرة الطفل على فهم الأرقام أو الكلمات أو العمليات الحسابية مثل الجمع والطرح.

كما يتم التقييم بشكل فردي مع كل طفل في المواد الأساسية. بعد ذلك، يتم إدخال نتائج هذا التقييم في برنامج خاص يسمى "مسار"، الذي يتم من خلاله تحديد مستوى كل تلميذ في تلك المواد. بعد ذلك، يتم تقسيم الأطفال إلى مجموعات تتناسب مع قدراتهم: مجموعة من الأطفال الذين لديهم مستوى مشابه في اللغة العربية، الفرنسية، والرياضيات، بحيث يتم تدريسهم معًا بناءً على مستواهم المتجانس.

تعمل هذه الطريقة على توفير بيئة تعليمية أكثر توافقًا مع قدرات الأطفال وتساعدهم في التعلم بطريقة أكثر فعالية، إذ يتم التعامل مع الأطفال حسب قدراتهم الخاصة، وليس بناءً على مواعيد معينة أو سنوات دراسية محددة.

الفكرة هنا هي أن النظام التعليمي في هذه المدارس يعتمد على مبدأ التكيف مع مستوى الأطفال، حيث يتم دمج الأطفال الذين ليس لديهم المهارات اللازمة في مستويات أعلى مع أطفال آخرين لديهم مهارات مشابهة. في هذه المدارس، يُمكن أن نجد تلاميذ في السنة السادسة يتعلمون مع تلاميذ في السنة الرابعة، أو حتى تلاميذ في المستويات التحضيرية قد يتعلمون مع تلاميذ في السنة الثالثة، وكل هذا يحدث في الشهرين الأولين من العام الدراسي فقط.

بعد هذه المرحلة، يبدأ التركيز على تصحيح الفجوات التعليمية بشكل فردي. على سبيل المثال، إذا كان الطفل لا يعرف كيفية حساب الأرقام مثل 1، 2، 3، يتم العمل معه على تعلم هذه المفاهيم الأساسية. تدريجيًا، يتم رفع مستوى التلاميذ وفقًا للمهارات التي يكتسبونها، ويتم تقييمهم بناءً على نسبة تعلمهم. فإذا استطاع قسم من التلاميذ اكتساب 80% من المعرفة المطلوبة، يُنتقل بهم إلى المفاهيم أو المهارات التالية، وهكذا حتى يصلوا إلى مستوى يتناسب مع متطلباتهم الدراسية.

النظام يهدف إلى ضمان أن كل طفل يحصل على الفرصة لاكتساب المعارف والمهارات التي يحتاجها ليكون في المستوى المناسب، دون الضغط عليه بما يتجاوز قدراته أو متطلباته التعليمية.

بعد مرور الشهرين الأولين من السنة الدراسية، يُعاد تقييم مستوى التلاميذ من خلال إجراء اختبار آخر (رائز) لقياس ما إذا كانوا قد وصلوا إلى المستوى المطلوب. التلاميذ الذين وصلوا إلى المستوى المطلوب يبدأون السنة الدراسية بشكل طبيعي، بينما التلاميذ الذين لم يصلوا إلى هذا المستوى لديهم الحق في الحصول على الدعم من خلال الدروس الخصوصية.

الدروس الخصوصية تُقدّم داخل نفس المدرسة العامة، وتختلف مواعيدها من مدرسة إلى أخرى حسب برنامج كل مدرسة. يمكن أن تكون هذه الدروس في المساء أو حتى أيام السبت، وفقًا لما تراه كل مدرسة مناسبًا.

لكن يجب أن نعرف أن الدروس الخصوصية مخصصة فقط للتلاميذ الذين لم يصلوا إلى المستوى المطلوب. أما التلاميذ الذين وصلوا إلى مستوى القدرات المتطلبات لا يحق لهم حضور هذه الدروس.

هذه الدروس الخصوصية يمكن أن تستمر طوال العام الدراسي إذا لزم الأمر، حتى يكتسب التلاميذ المهارات والمعرفة التي يحتاجونها للوصول إلى المستوى المطلوب.

طرأ تغيير جذري في الفلسفة التعليمية مقارنةً بالطريقة التقليدية السابقة. في الماضي، كان الأسلوب يعتمد بشكل أساسي على النقاط والدرجات: يدخل الأستاذ للدرس، يستمع التلاميذ ويُحاولون التفاعل مع المحتوى، ولكن يبقى هناك بعض التلاميذ الذين لم يفهموا تمامًا، ومع ذلك قد يحصلون على نقاط جيدة في الامتحانات ويحققون النجاح. لكن الآن، أصبحت الفلسفة التعليمية تعتمد على الكفاءات (أو "الكومبيتونس") بشكل أساسي.

كل كفاءة محددة بشكل دقيق في المنهاج، وتوضح المهارات التي يجب أن يكتسبها التلميذ في كل درس. بعد مرور الشهرين الأولين، يُطلق على التعليم المصطلح "الصريح"، وهذا يعني أنه يُصرح علنًا بالكفاءات التي يجب على التلميذ اكتسابها.

في المدارس الرائدة، يتم وضع مطبوعات تحتوي على الكفاءات التي يجب أن يحققها التلميذ مع نهاية السنة، وكل كفاءة تحمل رمزًا خاصًا بها، بحيث يمكن تتبع تقدم التلميذ بسهولة.

الأستاذ خلال الحصة يراقب مستوى التلميذ باستمرار، وإذا تمكن التلميذ من تحقيق الكفاءة المطلوبة، يُمنح مستوى "متحكم". أما إذا كانت لديه صعوبة في فهم الكفاءة، يُعطى مستوى "متحكم نسبياً"، وإذا لم يكن قادرًا على إتمام الكفاءة بنجاح، يُعطى مستوى "غير متحكم". هناك ثلاثة مستويات فقط لتقييم الكفاءات: أ، ب، و ج، مع عدم وجود درجات متوسطة مثل 7 أو 5 من 10.

وبالتالي، فإن التقييم أصبح يرتكز على القدرة الفعلية للتلميذ في اكتساب الكفاءات المحددة، وليس فقط على الدرجات والنقاط التقليدية. وكل تلميذ لديه سجل واضح يحتوي على الكفاءات التي تم تحقيقها، مما يعزز من قدرة الأستاذ على متابعة تقدم التلاميذ بشكل دقيق. 

في الفصل الدراسي، يتم استخدام الداتاشو (أو العرض الرقمي) كأداة تساعد الأستاذ في تقديم الدرس بشكل أكثر تفاعلية وفعالية. ويعتمد الأستاذ على طريقة منظمة لتوجيه التلاميذ نحو اكتساب الكفاءات بشكل تدريجي. إليكم كيفية سير الدرس:

  1. المرحلة الأولى: التصريح بالكفاءات
    يبدأ الأستاذ الدرس بتحديد الكفاءات التي سيتعلمها التلاميذ، مثل الحساب أو أي موضوع آخر ذي صلة. يشرح لهم ما هي المهارات التي يجب اكتسابها خلال هذا الدرس.

  2. المرحلة الثانية: النمذجة (المثال)
    في هذه المرحلة، يقوم الأستاذ بتقديم مثال عملي عن الكفاءات التي يهدف إلى تعلمها التلاميذ. على سبيل المثال، إذا كان الموضوع عن الحساب، يعطي الأستاذ مثالاً واضحاً على كيفية إجراء عملية حسابية.

  3. المرحلة الثالثة: الممارسة الموجهة
    بعد عرض النموذج، يطلب الأستاذ من التلاميذ محاكاة المثال بشكل جماعي. في هذه المرحلة، يتعاون التلاميذ معاً في حل الأسئلة والتمارين، وتظل عملية التعلم تحت إشراف الأستاذ.

  4. المرحلة الرابعة: الممارسة المستقلة
    هنا، يقوم كل تلميذ بالعمل بشكل مستقل على الأسئلة أو التمارين الموجودة في دفتره أو كراسته، بهدف التحقق من اكتسابه للكفاءة المطلوبة. في هذه المرحلة، يركّز الأستاذ على تقديم الدعم الفردي إذا لزم الأمر.

  5. الأدوات الرقمية
    يستخدم الأستاذ الباوربوينت لتحضير الدرس وتقديمه، حيث يتم عرض كافة المعلومات والأنشطة بشكل منظم على الشاشة. يمكن للأستاذ مراجعة المحتويات بسهولة باستخدام العرض الرقمي، مما يجعل العملية التعليمية أكثر سلاسة. كما توفر المدرسة البيسي (الكمبيوتر الشخصي) والداتاشو لتسهيل تقديم الدروس بشكل تقني.

المجال المجهز:

كل هذه الأدوات الرقمية والمرافق التكنولوجية تساعد على جعل الدرس أكثر تفاعلية وجاذبية، مع التركيز على توجيه التلاميذ نحو اكتساب الكفاءات بنجاح، مما يعزز مستوى التعلم وجودته داخل الفصل الدراسي.

المرحلة الأولى من المدارس الرائدة كانت عبارة عن تجربة تطوعية، حيث كانت المدارس التي ترغب في الانضمام إلى البرنامج هي التي تقوم بالتسجيل طوعاً. هذه المدارس كانت تختار الدخول في البرنامج بموافقة الإدارة والمعلمين، وبعد ذلك يتم توفير التمويل اللازم لتطوير المدارس وتنفيذ البرنامج.

الهدف من هذا البرنامج هو تعميمه في المغرب بشكل كامل بحلول الموسم الدراسي 2027-2028. وبحسب تقرير مركز "جيبال إييت" (الذي يُعد مركزاً لتقييم السياسات العامة على مستوى العالم)، أشار الباحثون إلى أن المدارس الرائدة حققت أثراً إصلاحياً غير مسبوق في تاريخ التعليم على مستوى العالم، حيث وصفوه بأنه "أثر خيالي" مقارنة بأي برنامج إصلاحي آخر في العالم.

التقرير أظهر دراسة مقارنة بين 276 مدرسة، حيث تم تصنيف نصفها كمدارس رائدة والنصف الآخر كمدارس عادية. تم اختبار الكفاءات لكل تلميذ في نهاية العام الدراسي، وكانت النتائج مذهلة:

  • التلميذ المتوسط في المدرسة الرائدة تفوق بنسبة 82% على التلميذ المتوسط في المدرسة العادية.
  • نسبة الإجابات الصحيحة في امتحانات التلاميذ في المدارس الرائدة وصلت إلى 62% مقابل 44% في المدارس العادية.
  • أكبر تحسن كان في مادة اللغة الفرنسية، تليها الرياضيات، ثم اللغة العربية.
  • كما كان التأثير الإيجابي أكبر على التلاميذ ذوي المستويات الأضعف، وكان التأثير على الإناث أكبر قليلاً من الذكور.

هذه النتائج تتشابه بشكل كبير مع نتائج الدراسات التي أُجريت على برنامج "تارل" في الهند، والذي أظهر أيضاً تأثيراً إيجابياً كبيراً على تحسين مستوى التعليم في المناطق ذات المستوى التعليمي الضعيف.

صحيح، البيانات والأرقام التي قدمها البحث تشير إلى أن المدارس الرائدة تحقق نتائج إيجابية، ولكن يبقى هناك تحدي كبير متعلق بمدى نجاح البرنامج في السياق العام خاصة مع الغموض الذي يحيط ببعض المؤسسات التعليمية في البلاد. من بين أبرز المشاكل التي يمكن أن تؤثر على النجاح المستدام للبرنامج هو ضعف التواصل بين المدرسة والأهالي.

التواصل الواضح والمستمر مع أولياء الأمور أساسي لتقليل المخاوف والفهم الأفضل للبرنامج. عندما لا تكون المدرسة شفافة في مشاركة المعلومات حول التقييمات ومستوى التقدم في الدراسة، فإن ذلك يؤدي إلى انعدام الثقة بين الآباء والمؤسسة التعليمية. على سبيل المثال، عندما يتم إخبار الأباء بأن أبنائهم في الصف السادس يدرسون مقررات الصف الرابع خلال الشهرين الأولين، هذا قد يُثير قلقهم ويجعلهم يشعرون بعدم الأمان حول مستقبل أطفالهم في البرنامج.

الناتج هو أن العديد من الأباء قد يعبّرون عن قلقهم أو استيائهم من الوضع، وقد يصل الأمر إلى احتجاجات أمام المدرسة بسبب خوفهم من أن أطفالهم قد يبقون في مستوى تعليمي أدنى لفترة طويلة.

إن نجاح هذه البرامج التعليمية يتطلب حل هذه الإشكاليات من خلال تحسين التواصل بين المدارس والأهالي، وضمان أن يكون الآباء على دراية بما يحدث، ولماذا يحدث، وكيفية تقييم تقدم أبنائهم بشكل مستمر. إذا تم توفير تفسير واضح حول كيفية قياس الكفاءات وطريقة الانتقال بين المستويات، سيشعر الآباء براحة أكبر ويكون لديهم ثقة أكبر في النظام.

أما بالنسبة لتوسيع هذه التجربة لتشمل المستوى الإعدادي، فإنه يمكن أن يواجه نفس التحديات، ولكن قد يكون الوضع أكثر تعقيداً إذا لم يتم التعامل مع القلق المستمر من الآباء والطلبة بشكل فاعل.



تفسير فكرة "المدارس الرائدة"

"المدارس الرائدة" تعتمد على فلسفة التعليم المبكر، والتي تهدف إلى استثمار قدرات الطفل خلال سنواته الأولى، حيث يكون الدماغ في أوج تطوره العصبي. الأبحاث تُظهر أن التعليم المبكر يمكن أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة في الإنتاجية المستقبلية، لكن هذا يتطلب استراتيجيات دقيقة وموارد كافية.

من بين المفاهيم الأساسية لهذه المدارس هي TARL، وهو اختصار لـ Teaching at the Right Level (التعليم بالمستوى المناسب). الفكرة هنا هي تصميم مناهج تعليمية تتوافق مع القدرات الحالية للأطفال بدلاً من اتباع نهج موحد قد لا يناسب الجميع. المشكلة التي تواجه هذا الأسلوب، كما هو الحال مع العديد من السياسات السابقة، هي التنفيذ على أرض الواقع، خصوصًا إذا كان المعلمون غير مدربين بشكل كافٍ لفهم هذه الفلسفة وتطبيقها بفعالية.


نقد الواقع التعليمي الحالي

التحدي الأكبر في النظام التعليمي المغربي هو ضعف الأساسيات التي تُبنى عليها قدرات الأطفال. وفقًا لدراسة أجراها المجلس الأعلى للتربية والتكوين في عام 2019، فإن حوالي 70% من تلاميذ الابتدائي لا يتقنون المناهج المقررة. في اللغة العربية، فقط 42% لديهم مستوى مقبول. وعند تطبيق معايير المدارس الرائدة، من المتوقع أن يكون هناك المزيد من التحديات، خصوصًا إذا لم يتم معالجة المشاكل البنيوية الموجودة.


هل يمكن للمدارس الرائدة حل الأزمة؟

على الرغم من الجهود المبذولة، فإن التحول إلى نموذج المدارس الرائدة يتطلب استثمارات ضخمة في تكوين المعلمين، وتوفير الموارد اللازمة، ومتابعة دقيقة لتطبيق المناهج الجديدة. إذا لم تُحل هذه المشاكل، فقد تواجه التجربة مصيرًا مشابهًا للسياسات التعليمية السابقة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة بدلًا من حلها.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -