المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية: حل استراتيجي أم تحدٍ جيو-سياسي؟
في عام 2007، قدمت المملكة المغربية مبادرة للحكم الذاتي كحل للنزاع الطويل الأمد حول الصحراء الغربية. تهدف هذه المبادرة إلى منح الصحراويين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، مع ضمان حقوقهم في إدارة شؤونهم المحلية بشكل ديمقراطي. رغم دعم العديد من الدول والمنظمات الدولية لهذا المقترح، إلا أنه يواجه معارضة من جهات مثل جبهة البوليساريو، التي تطالب بالاستقلال الكامل للصحراء.
جوهر المبادرة
تقوم المبادرة على نقل جزء من اختصاصات الدولة المغربية إلى جهة الحكم الذاتي في الصحراء، مع احتفاظ الرباط بصلاحياتها في مجالات السيادة مثل الدفاع والشؤون الخارجية والعملة. تقترح المبادرة أيضًا تنظيم استفتاء شعبي لسكان المنطقة حول المقترح، بما يتماشى مع مبدأ تقرير المصير.
المرتكزات الرئيسية للمبادرة
على المستوى الإداري:
إدارة محلية مستقلة تشمل الشرطة المحلية والمحاكم الجهوية.
على المستوى الاقتصادي:
تمكين السكان من إدارة الموارد الطبيعية والبنية التحتية مثل المياه والكهرباء والنقل.
تشجيع الاستثمارات في مجالات التجارة والصناعة والسياحة والفلاحة.
على المستوى الاجتماعي:
توفير خدمات التعليم والصحة والسكن والضمان الاجتماعي.
تخصيص موارد مالية من الضرائب وعائدات الموارد الطبيعية لتنمية المنطقة.
على المستوى السياسي:
إنشاء برلمان محلي منتخب وحكومة جهوية تُشكل من قبل السكان المحليين.
احتفاظ الدولة المغربية بصلاحيات السيادة العليا.
على المستوى الحقوقي:
ضمان حقوق الإنسان وفقًا للدستور المغربي والمواثيق الدولية.
تنظيم عفو شامل وإعادة إدماج العناصر المسلحة.
المفاوضات والدعم الدولي
قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أبريل 2007، حيث حظي بدعم دولي واسع، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا. وصوت مجلس الأمن بالإجماع على القرار رقم 1754، الذي دعا إلى مفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو. ومع ذلك، فشلت المحادثات الأربع التي عُقدت في نيويورك بين عامي 2007 و2008 بسبب إصرار البوليساريو على خيار الاستقلال.
تأييد المقترح
دعمت أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية المبادرة المغربية.
افتتحت أكثر من 30 دولة قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة كتعبير عن دعمها للمغرب.
معارضة المقترح
ترفض الجزائر المبادرة وتطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير.
تعتبر الجزائر أن الحكم الذاتي لا يلبي تطلعات الشعب الصحراوي في الاستقلال.
التمهيد لتنزيل المقترح
يعمل المغرب على تنفيذ سياسة الجهوية الموسعة كمرحلة انتقالية نحو الحكم الذاتي. تهدف هذه السياسة إلى تحقيق التوازن التنموي بين مختلف المناطق المغربية وتعزيز التضامن المجالي. في خطاب له بمناسبة الذكرى الـ47 للمسيرة الخضراء في نوفمبر 2022، أكد الملك محمد السادس على أن دفاع المغرب عن مغربية الصحراء يعتمد على مقاربة متكاملة تجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ردود الفعل الدولية
بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية (2023): وصف المبادرة بأنها "الأساس الأكثر جدية وواقعية لحل النزاع".
عمر هلال، السفير المغربي لدى الأمم المتحدة: أكد أن المبادرة تتوافق مع القانون الدولي وتُعد الحل الوحيد للنزاع.
خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية: رأى أن المبادرة تجد صدى إيجابيًا لدى المجتمع الدولي كحل أمثل للنزاع.
التحديات والمستقبل
رغم الدعم الدولي، تواجه المبادرة تحديات كبيرة، أهمها:
إصرار الجزائر وجبهة البوليساريو على خيار الاستقلال.
تعقيدات الوضع الجيو-سياسي في المنطقة.
ضرورة تحقيق توافق دولي وإقليمي لضمان نجاح المبادرة.
تُعتبر المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء الغربية مقترحًا استراتيجيًا يهدف إلى تحقيق استقرار المنطقة وضمان حقوق الصحراويين في إدارة شؤونهم. ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد على قدرة المغرب على تجاوز التحديات السياسية والدبلوماسية، وإقناع المجتمع الدولي بجدوى هذا الحل كبديل واقعي للنزاع الطويل الأمد.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.