ذكرى ضحايا الحرب العالمية الثانية تستحضر ملاحم المغاربة لتحرير أوروبا
بموجب قرار لها مؤرخ في 22 نونبر 2004، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة كل الدول الأعضاء في هذه الهيئة الأخيرة وكافة المنظمات غير الحكومة وكذا الأفراد إلى جعل يومي الثامن والتاسع من شهر ماي من كل سنة مناسبة للتذكر والمصالحة، إجلالا لذكرى ضحايا الحرب العالمية الثانية وبذل المزيد من الجهود لتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وفقا للميثاق الأممي وبما يضمن الأمن والسلم الدوليين.
لم تخلف هذه الحرب الذي دارت رحاها على الساحة الأوروبية فقط ملايين الضحايا من المدنيين والعسكريين المنحدرين من دول القارة الأوروبية، وإنما خلفت أيضا ضحايا من دول خارج هذا المجال؛ على غرار الجنود المغاربة الذين شاركوا في هذه العمليات القتالية إلى جانب قوات الحلفاء وضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير أوروبا من الغزو النازي، وهو ما تشهد عليه جثامينهم التي ترقد في مقابر بلجيكا وهولندا وغيرها من الدول.
ملحمة بأدوار حاسمة
مصطفى المرون، مؤرخ وأكاديمي، قال إن “المجندين المغاربة لعبوا دورا حاسما في ترجيح كفة دول الحلفاء خلال الحرب الثانية، حين عملوا بحنكتهم القتالية التي اكتسبوها من خلال المقاومة ضد الاستعمار في تحرير الدول الأوربية من الغزو الألماني، والذين سجلوا بمداد من الفخر إحدى البطولات التي لا تزال عالقة في المخيال الجماعي لكافة الشعوب والتي يتم الاحتفاء بها كل عام لتكريم هؤلاء الأبطال المغاربة، الأحياء منهم أو الأموات”.
وفي استعراضه لمسار المساهمة المغربية في الحرب العالمية الثانية، أشار المرون إلى “نداء السلطان سيدي محمد بن يوسف يوم 3 شتنبر 1939 حين أعلنت كل من فرنسا والمملكة المتحدة الحرب ضد الرايخ الثالث النازي، في مواجهة الهجوم ضد بولونيا، ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الثانية داخل أوروبا، حيث عبر السلطان المغربي عن وقوفه اللامشروط والمطلق إلى جانب فرنسا ضد الغزو الألماني النازي، داعيا المغاربة جميعا إلى الوقوف إلى جانب الديمقراطية والعدالة، في رسالة هي في الأصل عبارة عن نداء تلي بجميع مساجد المملكة في هذا التاريخ”.
وحول نتائج مساهمة الجنود المغاربة في تحرير أوروبا، سجل المصرح لهسبريس أن “المعارك التي شارك فيها الجنود المغاربة في تحرير أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وصل معها عدد المجندين المغاربة إلى حوالي 85.398 جنديا؛ فيما وصل عدد القتلى المغاربة إلى حوالي 15.000 جندي، في حين بلغ عدد الجرحى حوالي 26.400 مجند”، لافتا إلى مشاركة الجنود المغاربة في عدد من المعارك التي خاضتها الجيوش الأوروبية ضد القوات الألمانية في كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ والنمسا وإيطاليا، وصولا إلى التحرير النهائي لأوروبا من الغزو النازي والفاشي.
وخلص المؤرخ والأكاديمي إلى أن “مشاركة المغرب إلى جانب دول الحلفاء، والدور الكبير والحاسم الذي لعبه الجنود المغاربة خلال العمليات العسكرية، والتي مكنت من تحرير الدول الأوروبية من براثن النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، من لفت انتباه الدول العظمى التي شارك إلى جانبها بأن هذه الدولة الصديقة هي دولة مستعمرة، يجب مساعدتها على نيل حريتها، حيث كان مؤتمر آنفا ما بين 14 و24 يناير 1943 فرصة للسلطان سيدي محمد بن يوسف في طرح الموضوع على الدول الكبرى، والتي ساندته في طموحه هذا؛ وهو ما تم له بعد الضغط الكبير الذي شكله المغاربة على السلطات الفرنسية، والذي أفضى في الأخير إلى استقلال المغرب سنة 1956”.
دعم مادي وتنكر فرنسي
قال وليد موحن، باحث في التاريخ، إن “المغاربة، وبحكم خضوعهم للحماية الفرنسية والإسبانية، شاركوا في العديد من الصراعات الدولية، لا سيما الحرب الكونية الأولى والحرب الكونية الثانية، وكذلك الحرب الأهلية الإسبانية. ولعل الحرب العالمية الثانية من أكثر الحروب التي كان فيها المغاربة على جبهات القتال حضورا مع دول الحلفاء. وقد ساهمت ظروف عديدة في مشاركة المغاربة؛ ضمن هذه الحرب على غرار نداء الملك محمد الخامس، وكذلك رغبة بعض المجندين في الانعتاق من الظروف الاجتماعية القاسية التي كانت تعيش على إيقاعها المدن والبوادي المغربية”.
وأوضح المتحدث ذاته أن “المغرب ساهم بآلاف الجنود من المشاة والرماة، الذين كان لهم بالغ الأثر في قلب كفة الحرب لصالح فرنسا وحلفائها، ضد جيوش النازية”، مضيفا أن “الدعم المغربي لم يكن فقط بشريا، بل كان ماديا أيضا تحمل عبئه المغاربة داخل الوطن بفرض ضرائب جديدة ومعونات لم تكن معهودة، وهذا ما قاد إلى مجاعة كبرى عرفها المغرب سنوات الحرب العالمية كنتيجة مباشرة لإرهاق الاقتصاد المغربي الذي أنهكته فرنسا”.
وسجل الباحث في التاريخ، في تصريح لهسبريس، أن “المغاربة شاركوا في العديد من المعارك؛ منها معركة جوستاف في إيطاليا، وكذلك إنزال بروفانس، ومعركة جومبلو في الأراضي البلجيكية، والتي ترمز لتضحيات العديد من المغاربة الذين سقطوا في هذه المنطقة، ويتم الاحتفاء بتضحياتهم التي خلدتها هذه المدينة التي سقط فيها أزيد من 230 مجندا مغربيا”.
وبيّن موحن أن “المغاربة كانوا دائما في مقدمة الصفوف العسكرية، ويمتلكون مهارات قتالية كبرى؛ لكن فرنسا تنكرت، بعد نهاية الحرب، لوعودها ولم تف هؤلاء الجنود حقهم ولم تعط لهم حقوقهم، خاصة أن الحرب أزهقت أرواحا كثيرة وخلفت عائلات مكلومة ودون معيل في المغرب، وأيضا خلفت العديد من المعطوبين والمشوهين”، مشيرا إلى أن “هذه الحرب كان لها أثر سياسي في الساحة العالمية، وأثر اقتصادي واجتماعي كبير في المغرب بسبب نتائجها وتبعاتها”.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.