أخر الاخبار

شذرات من تاريخ المقاومة بمراكش – 8 –

شذرات من تاريخ المقاومة بمراكش
✍️ محمد السريدي 

8) انطلاق العمليات الفدائية وتسلسلها 


سافر عمر  الساحلي يوم الجمعة 29 يناير 1954 إلى الدار البيضاء، لعقد اجتماع مع مولاي البصري والزرقطوني ومحمد بن موسى الساحلي في منزل هذا الاخير بسيدي معروف، وبعد استعراض الحالة بمراكش، والتأكد من أن كل شيء أصبح مهيئا في انتظار صدور الأوامر، قال مولاي البصري إن القنابل موجودة الآن وهي تحت اليد فلم يبق إلا تسليمها لكم والشروع في العمل، فطلب من الفطواكي الحضور لاستلامها ، وكانت المرة الأولى والأخيرة التي يتلقي فيها الساحلي  بالزرقطوني، ولولا أن محمد بن موسى قال له : هذا الزرقطوني، لما عر أنه هو، نظرا للإحتياطات المتبعة، حيث كان يعرفه بالسمع أنه في قيادة الحركة، كما عرف سماعا الحسن الوزكيتي الذي لم يتعرف عليه شخصيا إلا في إفني، حيث قدم من تطوان لمعالجة مشكلة اللاجئين هناك، أما اتصال حمان الفطواكي، فقد كان أوسع، 

وفي (30 يناير) أبلغ الساحلي  الخبر للفطواكي في الاجتماع المقرر عقده عادة بعد الرجوع من الدار البيضاء، ورجع مساء يوم الأحد 31 يناير صحبة مولاي عبد السلام، الذي حمل معه في محفظة نسوية ثمانية قنابل، وصباح يوم الاثنين فاتح فبراير حضر الساحلي  ومولاي مبارك إلى دار السيد الحسين البزيوي، حيث وجدوا  مولاي عبد السلام والفطواكي ورب المنزل في انتظارهم  وهناك وضع برنامج الكتبية، وتحول مولاي عبد السلام إلى ضيعة مولاي مبارك في المرابطين في سيارة السي بوجمعة في انتظار التنفيذ يوم الجمعة 5 فبراير، وق)بل أن يتغير الأمر بتحويل السلاح فورا من دار السيد الحسين البزيوي ، أخذ  منها اربعة قنابل إلى منزله وتسلمها منه الفطواكي بعد زوال اليوم نفسه.    

قبل أن تقع حادثة لمولاي عبد السلام والحسين الصغير في الطريق، تشبه ما وقع للحسن أهمو، يوم 15نونبر1953، ذلك أنهما لما وصلا إلى ابن جرير أوقفهما دركيان، وطلبا من الحسين الذي كان بجانب السائق، أن يركبا معهم إلى مراكش، وطلبا منه أن يرجع إلى المقعد الخلفي، بجانب" مدام" على أن يركب أحدهما بجانب السائق، فكان ما طلبا وركبا حتى وصلا إلى المحل الذي يقصدانه بجليز . 

وكانت المحاولة الأولى وفق البرنامج المقرر، قام مولاي مبارك بالدور الذي كلف به منذ صباح الجمعة5 فبراير 1954 حيث كان يراقب دار الكلاوي للتأكد من خروجه لصلاة الجمعة، وعندما خرج تبع موكبه عن كثب، إلى أن دخل مسجد الكتبية الذي حضر إليه الفطواكي مع الافراد المكلفين بإنجاز العملية معه، وكان دور السيد عمر بن الحسن أن يدخل للمسجد في الباب  المعين له، فيما إذا لم يحضر الباشا صلاة الجمعة، بعد أن يخبر مولاي مبارك بذلك ويمشي حتى يراه الفطواكي ليشير بدوره إلى الأفراد بالكف عن تنفيذ العملية، ولكن لأمر أراده الله، ارتكب غلط من غير قصد، ذلك أن السيد الحسين سمع من بعض أصدقائه الذين يزودونه بمعلومات في نطاق المهمة الاستخبارية التي كان مكلفا بها، أن الباشا لن يحضر صلاة الجمعة لأن لديه ضيوفا، وبدون تردد ذهب في الحال للسيد عمر بن الحسن وأبلغه الخبر، وبدون أن يتأكد معا من صحة الخبر وذلك بالرجوع إلى مولاي مبارك المكلف بالمراقبة والتبليغ لعمر بن الحسن.

دخل هذا الاخير إلى المسجد وأشار الفطواكي إلى الأفراد بالكف عن إلقاء القنابل، وضاعت بسبب هذا الخطأ، فرصة للمقاومة ككل، لم يجد الزمان بمثلها طيلة أيام المقاومة، ذلك أن عبد الحي الكتاني وجماعة من القواد والباشوات ورؤساء الطرق الذين باعوا أنفسهم إلى الشيطان، حضروا مع الباشا صلاة الجمعة، الأمر الذي جعل تجاوز الغلطة صعبا جدا، ولولا تدخل بعض أعضاء اللجنة، ومعارضتهم الصارمة، مخافة أن تبدأ الحركة في مراكش بتصفية بعض أفرادها، لمجرد غلط أرتكب عن غير قصد، لوقع ما يتطلبه الموقف من صرامة، أوردنا هذه المحاولة لأنها لا تعرف، لا عند الذين نظموها ولا عند الفدائيين الذين حضروا بقنابلهم في داخل المسجد  وأمروا بالكف عن إلقائها وهم : حمان الفطواكي- أحماد أقلا- علال ابن أحمد- محمد بن العربي القهواجي- لحسن الروداني- أخوه محمد، ولم يعرفهم حينذاك إلا الفطواكي وعبد السلام الجبلي.

وفي الجمعة الموالي(12/2) تخلف الكلاوي عن صلاة الجمعة، مما جعل الأيام عندنا كالشهور، وفي 19 فبراير وقعت العملية الأولى التي أسفرت حسبما نشرته جريدتنا السعادة والوداد، عن 28 جريحا من ضمنهم الباشا، وكان الفطواكي شارك شخصيا في هذه العملية.

وقد عزم يوم السبت 20/2 على الدخول على الباشا في الستينية ليجهز عليه ثم ينتحر، ولكن اللجنة المسؤولة رفضت الموافقة على ما عزم عليه، رغم ذلك فقد قام بزيارته بواسطة البواب ابن الزهرة الفطواكي، الذي كان يجلس كثيرا بجانبه بباب الستينة(وحمد له السلامة...) ومعه قنبلة ومسدس، وتأكد من أن جراحه كانت خفيفة، وهكذا توالت الأحداث والعمليات الناجحة التي زعزعت الاستعمار وأذنابه العملاء، إلى أن انتهت هذه الجولة الموفقة بصفة نهائية يوم الثلاثاء عيد الأضحى لعام 1375(10 غشت 1954) باعتقال الشهيد الفطواكي في الساعة الحادية عشرة زوالا فور رجوعه من الدار البيضاء . 
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -