أخر الاخبار

أطروحة تدرس "العنف السياسي" للهيمنة على السلطة في مغرب بداية الاستقلال

 

أطروحة تدرس "العنف السياسي" للهيمنة على السلطة في مغرب بداية الاستقلال
صورة: أرشيف

يوسف لخضر
خلصت أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه إلى أن “العنف السياسي شكل لغة الانتقال من مرحلة الحماية الفرنسية إلى الاستقلال الوطني وكان محصلة للصراع الذي انطلق بين الفاعلين السياسيين من أجل الهيمنة على السلطة في مغرب بداية الاستقلال”.

الأطروحة تمت مناقشتها بوحدة تكوين الدكتوراه في العلوم الاجتماعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق بالدار البيضاء خلال الأسبوع الجاري، وهي من إعداد الطالبة الباحثة ناصرة كزناي، وكانت حول موضوع “ظاهرة العنف السياسي في مغرب بداية الاستقلال.. محاولة تتبع عبر الصحافة والشهادات المدونة 1955-1959”.

وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور عبد القادر أزداد رئيساً، والدكتور مصطفى لخليف مشرفاً ومقرراً، والدكتور محمد معروف الدفالي خبيراً، والدكتورين محمد حاتمي وجلال زين الدين عضوين. وقد نالت صاحبة الأطروحة شهادة الدكتوراه بميزة مُشرف جداً مع التنويه والتوصية بالنشر.

ويندرج موضوع البحث في خانة التاريخ السياسي المغربي المعاصر والراهن، حيث اشتغلت الطالبة الباحثة على قضية العنف السياسي كظاهرة للدراسة والتحليل خلال ظرفية انتقالية موسومة بالكثير من الحساسية والتوتر والاحتقان بين الفاعلين، وعبر سوء تدبيرهم للاختلاف السياسي، ولطبيعة الاختلافات الحزبية التي كانت متوارية بين مختلف مكونات أحزاب الحركة الوطنية خلال مرحلة الحماية، وانفجرت بينهم في مغرب ما بعد عودة السلطان من منفاه.

وقد شكلت الصحافة المنطلق والركيزة الأساسية لهذا البحث، نظراً لما تزخر به من مادة وثائقية هامة ومتنوعة، فعبرها تم تتبع مظاهر فعل العنف المادي والمعنوي ورصد أسبابه ومآلاته. وعلى رأس الصحافة المعتمدة كانت جرائد حزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي وحزب الاستقلال، وأساساً جرائد “الرأي العام” و”المكافح” و”العلم”.

ولشرح بعض القصور واللبس الذي يعتري بعض الأحداث، لجأت الطالبة الباحثة إلى الاستعانة بما خلفه بعض الضحايا السابقين من كتابات وشهادات، من قبيل كتابات عبد الله الرداد والمهدي المومني التجكاني، وبعض الشهادات المستقاة من بعض المجلات والجرائد والحوارات التلفزية. كما اعتمدت على الشهادات والروايات الشفوية المكتوبة كمادة مكملة لفهم الحدث وتتبع مساراته، وبعض مذكرات أطر حزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي، وبعض قادة المقاومة وجيش التحرير، بسبب طبيعة وحجم المعطيات التي تضمنتها.

وقد فرضت طبيعة موضوع ظاهرة العنف السياسي الاعتماد على المقاربة التاريخية القائمة على الوصف والتحليل، وإيجاد العلاقات السببية الرابطة بينها، والاعتماد على المنهج الاستقرائي. كما انفتح البحث على بعض المقاربات المنهجية الأخرى من قبيل علم الاجتماع السياسي وعلم النفس تحت تأطير وتوجيه المنهج التاريخي.

أحزاب الحركة الوطنية

تناولت فصول البحث أصول الاختلافات والخلافات، التي كانت قائمة بين أحزاب الحركة الوطنية خلال مرحلة الحماية، والتي انعكست على علاقاتها فيما بعد استقلال المغرب، حيث انفجرت تلك التناقضات وبرزت تداعياتها بين حزب الشورى والاستقلال وحزب الاستقلال، وبين هذا الأخير والحزب الشيوعي المغربي، بتزامن مع تزايد وتيرة تحركات هذه الأحزاب السياسية لاحتواء منظمات المقاومة الحضرية وجيش التحرير المغربي.

كما تطرق البحث إلى مظاهر التضييق على الفعاليات الوطنية في حزب الشورى والاستقلال، والحزب الشيوعي المغربي، ومنظمة “الهلال الأسود” للمقاومة من خلال طبيعة الدعايات والاتهامات التي وُجهت إلى تلك الفعاليات في الأشهر والسنوات الأولى لمغرب ما بعد الاستقلال.

البحث تناول أيضا ظاهرة الاعتقالات والاختطافات والاحتجازات التي عرفها مغرب بداية الاستقلال في صفوف المنظمات الحزبية والمسلحة باستحضار أسبابها وتجلياتها، إضافة إلى الاغتيالات والتصفيات الجسدية، ناهيك عن تحليل ظاهرة الاختطاف والأساليب التي وظفها السجان في تعذيب المحتجزين داخل المعتقلات السرية.

العنف لغة الانتقال

الأطروحة توصلت إلى خلاصة مفادها أن العنف السياسي شكل لغة الانتقال من مرحلة الحماية الفرنسية إلى الاستقلال الوطني، كما كان محصلة للصراع الذي انطلق بين الفاعلين السياسيين من أجل الهيمنة على السلطة في مغرب بداية الاستقلال.

وأشارت صاحبة الأطروحة إلى اختلاف رهانات مختلف الفاعلين، وتباين إمكانياتهم المادية والمعنوية، واختلاف استراتيجيتهم في توجيه دفة الصراع، حيث تبنى حزب الاستقلال استراتيجية قامت على تعزيز صفوفه وإقصاء منافسيه من المنظمات الحزبية الوطنية ومنظمات المقاومة وجيش التحرير عبر توظيف سياسة الاحتواء والإدماج تارة، وسياسة الإقصاء العنيف تارة أخرى؛ وهو ما جعل ذاكرة المرحلة تصنفه في موقع، وتضع غيره من الأحزاب والمنظمات في الموقع المقابل.

وجاء في البحث أن العنف في تلك المرحلة عبر عن نفسه عبر مظاهر جسدتها ماديا عمليات الاغتيالات والاختطافات والاعتقالات، كما جسدتها معنويا حرب الدعايات والاتهامات والشائعات التي طالت بدرجات متفاوتة حزب الشورى والاستقلال، والحزب الشيوعي المغربي، ومنظمة “الهلال الأسود” للمقاومة، وفصائل من جيش التحرير.

وقالت الطالبة الباحثة إن هذا العنف “خلف الكثير من الانعكاسات الآنية والمستقبلية على بعض المنظمات السياسية والمسلحة تجلت أساساً في تشتت أحزاب الحركة الوطنية وتنظيمات المقاومة وجيش التحرير”.

وعلى مستوى الفرد والمجتمع، “أسهم عنف المرحلة في إحداث صدمة لكثير من فئات المجتمع الذين ذهبوا إلى مقارنة عنف الاستقلال بعنف الحماية، فكان الأمر سبباً في اعتزال العمل الحزبي وهروب كثيرين من ممارسة الفعل السياسي وتعاطي السياسة، كما أعلن عدد من رجال السياسة ورجال المقاومة اعتزالهم العمل السياسي خلال المرحلة المدروسة”.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -