أخر الاخبار

قصبة لمزامزة بسطات .. شوكة تاريخية وقفت في حلق المستعمر

بطاقات بريدية - سطات

إبراهيم الحافظون 

القصبة الإسماعيلية أو قصبة لمزامزة معلمة تاريخية تثير انتباهك وأنت تمرّ عبر الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين الدار البيضاء ومراكش داخل المحيط الحضري لمدينة سطات، حيث بنيت القصبة على يد السلطان العلوي مولاي إسماعيل أواخر القرن السابع عشر لتهدئة الأوضاع في بداية عهده؛ وذلك لكونها محطّة رئيسية لاستراحة السلطان وجنوده أثناء طريقهم إلى مراكش، ومن ثمّة لعبت دورا مهمّا في أمن المنطقة واستقرارها عبر عقود من الزمن.


بعد وفاة المولى إسماعيل، تحوّلت القصبة الإسماعيلية إلى مكان لإقامة القواد، الذين تولّوا تباعا مهمة تسيير منطقة لمزامزة؛ كالقائد الغازي المزمزي والقائد الحاج المعطي والقائد عبد المجيد، الذي لا يزال أبناؤه وأحفاده يسكنون القصبة إلى يومنا هذا.


ومع حلول القرن الـ20 ودخول الاستعمار إلى أرض المغرب ثم استغلال القصبة من لدن المستعمر لمراقبة القبائل المجاورة وتحصيل الضرائب منها، حيث أصدر قرارا وزاريا في المصادقة على تحديد العقار المخزني المعروف بقصبة سطات المنشور بالجريدة الرسمية عدد 981 شهر غشت 1931، تتوفر هسبريس على نسخة منه.





القصبة شاهدة على قواد وهجمات


عبد الغفور أشاني، باحث في تاريخ منطقة سطات، قال، في تصريح لهسبريس، إن القصبة تمثّل معلمة أثرية ووثيقة تاريخية تختزن مراحل زمنية لعدد من الأعلام والأحداث، التي عرفتها المنطقة منذ تأسيس القصبة في عهد المولى إسماعيل، على طراز قصبات مكناس باعتماد المواد الأولية “الطبية” المعروفة بالتربة الحمراء، بإشراف أشخاص معروفين باسم”كناوة” واستعمال الألواح الخشبية والتابوت كما هو معروف لدى عدد من المؤرخين.


وعرفت منطقة الشاوية خلال فترات تاريخية سابقة قلاقل واضطرابات، وتعاقب على حكمها عدة قواد؛ منهم القائد بن حدّو الدكالي والغازي العروصي المزمزي، الذي كان رجل دين وعلم وعيّنه المولى سليمان عاملا على منطقة الشاوية، فامتدّ حكمه إلى تادلة وعرب الرباط وبني حسن. كما قام بزيادة عدة مرافق على قصبة سطات، التي تعرّضت لهجمات كثيرة من لدن القبائل المجاورة في إطار حرب المواقع والتنافس السياسي بين القبائل المسماة أولاد “بورزق”، التي تجمع أولاد بوزيري وأولاد سيدي بن داود وغيرهم وأولاد “بوعطية” التي تضمّ مزاب ولمذاكرة والسوالم وغيرهم.


وأضاف الباحث في التاريخ أن القصبة تعرّضت لعدة هجمات متتابعة في عهد القواد المتعاقبين على تسيير المنطقة، والذين استقروا في القصبة وأسسوا قصبات أخرى خارج سطات، حيث أسفر ذلك عن تخريب من قبل ثوار القبائل، كما هو الشأن في عهد القائد أحمد بن عزوز والقائد الشافعي المنحدر من منطقة موالين الواد، والقائد البهلول بن البهلول.


وأوضح عبد الغفور الأشاني أن المرحلة التاريخية النوعية كانت خلال حكم القائد الكبير بن المدني الذي استقر في عهده اليهود الفارين من أولاد عبّو وأولاد سعيد ودمنات، الذين احتموا بالسلطة وسكنوا ما يسمى بالملاّح جانب القصبة الاسماعيلية، حيث بنوا مدرسة للبيعة ومارسوا التجارة والصناعة التقليدية والمعاملات المالية عن طريق السلف، ودعّموا قياد تلك المرحلة، وأشهرهم بن دهّان وأبرهام ودافيد عمّار، الذين عايشوا القائد المعطي إلى أن توفي حيث استعمرت القصبة من طرف الفرنسيين وحوّلت مكتبا للاستعلامات، ليتم بعد ذلك تعيين القائد علي ثم القائد بوشعيب وآخرهم القائد عبد المجيد.




ساحة القصبة مكان للاحتجاج واللعب


وفي الوقت الذي خضعت فيه القصبة لعدّة إصلاحات وترميمات، وأصبحت الساحة الداخلية للقصبة مكانا للمعارض والأنشطة الثقافية والفنية وعرض المسرحيات وغيرها، نجد أن الساحة المقابلة لها عرفت بين الفينة والأخرى مكانا لإجراء مباريات في كرة القدم من قبل شباب سطات في غياب ملاعب القرب آنذاك؛ بل إن الساحة ما زالت شاهدة على شعارات صدحت بها حناجر المواطنين من سطات والنواحي في إطار وقفات احتجاجية سواء للمطالبة بتوفير التنمية والعيش الكريم، أو وقفات قطاعية أو التضامن مع الشعوب العربية خلال الحروب والأزمات. كما لا تزال الساحة شاهدة على وقفات حركة 20 فبراير، التي كانت تنظمها تنسيقية الحركة بسطات خلال ما سمّي بالربيع العربي.


الساحة اليوم تغيّر شكلها وخضعت للإصلاح والترميم من قبل المجلس الجماعي لسطات، حيث احتوت أغراسا ونافورات تعرّضت لانتقادات لاذعة من قبل مواطنين عدّة من مدينة سطات، اعتبروها عشوائية وهدرا للمال العام. هذه الانتقادات ردّ عليها المجلس الجماعي موضّحا أن النافورات المحاذية للقصبة الإسماعيلية من نوع جديد التصميم، الذي يختلف عن الشكل التقليدي القديم.




مديرية الثقافة تقوم بالإصلاح


بعد تعرّض سور القصبة لبعض الشقوق والتصدّعات، جرى إغلاق القصبة في وجه الجميع إلى أن فتحت أبوابها في وجه العمّال بعد اكتمال الدراسة التقنية لمشروع إصلاح القصبة حيث ما زالت الأشغال جارية إلى يومنا هذا.


مسؤول من مديرية الثقافة بسطات أوضح لهسبريس أن البناية الحالية لا تمثل القصبة الأصلية، حيث إن جزءا منها دمّر في عهد الحماية، مشيرا إلى أن القصبة عرفت عدّة أشغال ترميم وتهيئة إلى يومنا هذا سواء على مستوى الجدران أو الأرضية، والتي تدخل في إطار المشروع الذي انطلق سنة 1997م، بتمويل من وزارة الثقافة والولاية.


وأضاف المسؤول ذاته أن المساحة التي تخضع للترميم تفوق 2000 متر مربع، بالإضافة إلى محيط السور البالغ 248 مترا بسمك يصل 2,20 مترا وعلو يقدّر ب 6,30 مترا، موضّحا أن جزءا من القصبة عبارة عن مسكن لأبناء وحفدة القائد عبد المجيد؛ في حين أن الجزء الثاني يستغلّ لاحتضان أنشطة ثقافية ومعارض للفنون التشكيلية وعروض مسرحية وسهرات فنية، بهدف الحفاظ على القصبة باعتبارها معلمة من المعالم الأثرية بإقليم سطات.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -