تناول الكاتب المصطفى حميمو، في مقال له، “قصة اغتيال سلطان سعدي بأمر من سلطان عثماني”، مستحضرا في قصته مجموعة من الأحداث؛ كـ”غضب السلطان السعدي من طلب السلطان العثماني”، و”اغتيال وقطع رأس السلطان محمد الشيخ”، و”إعدام أحمد الأعرج المخلوع أخي السلطان المغتال”، و”مقتل من بقية الجنود الأتراك بتارودانت”، و”تعليق رأس محمد الشيخ بقلعة القسطنطينية”.
هذا نص المقال:
غضب السلطان السعدي من طلب السلطان العثماني
محمد الشيخ هو ثالث سلاطين الدولة السعدية، من بعد ما خلع أخاه أحمد الأعرج وفرض عليه وعلى كل أفراد عائلته الإقامة الجبرية بمراكش؛ حتى يبقى العرش من بعده لابنه البكر عبد الله. ولما بلغ خبر انقراض الدولة الوطاسية إلى السلطان سليمان العثماني واستيلاء السعديين على مُلك المغرب الأقصى كتب إلى السلطان محمد الشيخ يهنئه بالملك ويلتمس منه الدعاء له على منابر البلاد.
غضب محمد الشيخ من طلبه لكونه يعتقد أن الخلافة من حقه وهو الأولى بها من العثمانيين، فهم عجم وهو عربي من سلالة الأشراف المنتسبين إلى محمد النفس الزكية؛ فلم يرد عليه وصار يقول لمن حوله إنه ينوي غزو مصر وإخراج الترك من أحجارها. وأطلق لسانه في سليمان، فكان يسميه بسلطان الحواتة، يعني بأن الترك كانوا أصحاب أساطيل صيد وسفر في البحر. ووصل كلامه إلى علم السلطان العثماني، فأسرها في نفسه وبعث إليه رسولا.
ولما وصل الرسول أنزله السلطان السعدي في محلته على كبير خدمه من الأتراك الذين سبق أن ضمهم إليه وجعل منهم جندا وسماهم اليكشارية، ومعناه الجيش الجديد باللغة التركية. واسم ذلك الخادم هو صالح باي المشهور بالكاهية. ولما قرأ السلطان محمد الشيخ كتاب السلطان سليمان وجده لا يزال مصرا على طلبه، فغضب مرة أخرى وأظهر انزعاجه للرسول وقال له وفق ما جاء في كتاب الاستقصا: “لا جواب لك عندي؛ حتى أكون بمصر إن شاء الله، وحينئذ أكتب لسلطان القوارب”، فخرج الرسول مذعورا يلتفت وراءه.
اغتيال وقطع رأس السلطان محمد الشيخ
لما وصل رسول سليمان إلى القسطنطينية اجتمع بالصدر الأعظم وأخبره بما لقي من سلطان المغرب، فأنهى الوزير ذلك إلى السلطان سليمان الذي أمر بالاستعداد لغزوه؛ لكن رجال ديوانه أقنعوه باغتيال محمد الشيخ وإحضاره رأسه، فأرسلوا له اثني عشر عميلا ومعهم كتاب إلى صالح الكاهية كبير جنده، يعدونه فيه بالمال والمنصب إن هو أعانهم على اغتيال سيده وتوجيه رأسه معهم…
ولما وصلوا إلى فاس في هيئة تجار باعوا بها بضاعتهم وتوجهوا إلى مراكش، وفيها اجتمعوا بصالح الكاهية الذي وافق على ما جاء في الكتاب وأنزلهم عنده إلى حين الوقت المناسب للقيام بالمهمة المطلوبة. ولما تهيأت الظروف المواتية دخل على السلطان محمد الشيخ، وقال له إن جماعة من أعيان جند الجزائر، ليس فوقهم من الجند فيها أحد، سمعوا بمنزلة الأتراك عنده فرغبوا في جواره والتشرف بخدمته، وهم إن شاء الله السبب في تملكه للجزائر، فأمره بإدخالهم عليه. ولما رآهم أكبرهم، وخيل إليه أنه قد حصل على ملك الجزائر، فأمره بإكرامهم وأن يدخلوا عليه مع الكاهية كلما دخل.
فهكذا صاروا يدخلون كل صباح للسلام عليه، وصار يبعث بهم إلى أشياخ القبائل ليتعرفوا على البلاد وعلى ناسها، وكان يوصي بإكرامهم. واستمر الأمر على تلك الحال إلى حين تهيأت لهم فرصة لاغتياله وهو في حملة بجبل درن في نواحي تارودانت، فدخلوا خيمته ليلا على حين غفلة من الحرس. ويقول الناصري إنهم ضربوا عنقه بشاقور ضربة قطعوا بها رأسه واحتملوه في مخلاة ملؤوها نخالة وملحا وخاضوا به أحشاء الظلماء وسلكوا طريق درعة وسجلماسة كأنهم أرسال تلمسان لئلا يفطن بهم أحد من أهل تلك البلاد. وقتل مع الشيخ تلك الليلة الفقيه مفتي مراكش أبو الحسن علي بن أبي بكر السكتاني والكاتب أبو عمران الوجاني. ثم أدركوا ببعض الطريق، فقاتلت طائفة منهم حتى قتلوا ونجا الباقون بالرأس.
إعدام أحمد الأعرج المخلوع أخي السلطان المغتال
القاعدة التي سنها الأب مؤسس الدولة السعدية كانت تقضي بأن تعود ولاية العهد إلى الرجل الأكبر سنا في الأسرة. وصار أحمد الأعرج هو السلطان بمراكش من بعد أبيه، لكونه أكبر من أخيه محمد الشيخ المغتال؛ لكن هذا الأخير كان هو الذي استمر في بسط سلطة الدولة الجديدة في باقي ربوع البلاد. وقد توفق في ذلك. وكان الجيش كله تحت إمرته. وقد صار له أولاد، كان أكبرهم هو عبد الله الذي صار من بعد اغتيال أبيه هو عبد الله الغالب. وكان لأخيه السلطان أولاد أكبر منه. وكانت ولاية العهد تعود إلى أكبرهم.
فخلع محمد الشيخ أخاه أحمد، وفرض عليه وعلى كل أفراد أسرته الإقامة الجبرية بمراكش، وأوصى خليفته بها بأن يعدمهم جميعا متى مات أو سمع بموته حتى يعود العرش من بعده إلى ابنه البكر عبد الله، وكذلك كان. يقول الناصري إنه ولما بلغ خبر مقتل محمد الشيخ إلى القائد أبي الحسن علي بن أبي بكر آزناك، خليفته بمراكش، بادر بقتل أبي العباس الأعرج المخلوع وأولاده ذكورا وإناثا كبارا وصغارا خشية أن يخرجه أهل مراكش فيبايعونه. ولما قتلوا لم يتجرأ أحد على دفنهم، فبقوا مصرعين حتى دفنهم الشيخ أبو عمرو القسطلي الولي الشهير بمقربة من ضريح الشيخ الجزولي.
مقتل بقية الجنود الأتراك بتارودانت
لما سمع باقي الأتراك بتارودانت بخبر اغتيال إخوانهم للسلطان محمد الشيخ خافوا على أنفسهم وأغلقوا أبوابها واستعدوا للحصار. ولما تمت البيعة لعبد الله الغالب تحرك للأخذ بثأر أبيه منهم، فحاصرهم؛ لكن من دون جدوى. ثم تظاهر بالرحيل عنهم، وأشاع أنه راجع إلى فاس لحرب ثائر قام بها. ولما أبعد عنهم مسيرة يوم، يقول الناصري، خرجوا في أتباعه ليلا والعيون موضوعة عليهم بكل جهة إلى أن شارفوا محلة السلطان فعطف عليهم. ولما لم يمكنهم الرجوع إلى من حيث جاؤوا تحيزوا إلى الجبل وبنوا به قياطينهم وجعلوا عليها المتارزات من الأحجار وتحصنوا بها وأحاطت بهم العساكر من كل جهة. فقاتلوا إلى أن فنوا عن آخرهم ولم يؤخذ منهم أسير وقتلوا من محلة الغالب بالله ألفا ومائتين.
تعليق رأس محمد الشيخ بقلعة القسطنطينية
من تبقى من الذين اغتالوا السلطان محمد الشيخ ركبوا البحر من الجزائر إلى القسطنطينية، وسلموا رأسه إلى الصدر الأعظم، فأمر السلطان سليمان بأن يعلق الرأس على باب القلعة. وبقي هنالك إلى أن شفع في إنزاله ولدفنه ابناه عبد الملك المعتصم وأحمد المنصور، لما كانا هاربين من أخيهما عبد الله الغالب ولاجئين بالقسطنطينية في جوار السلطان سليم بن سليمان؛ السلطان العثماني الذي أعانهما على خلع ابن أخيهما محمد المتوكل المعروف بمحمد المسلوخ، الذي هلك مع ملك البرتغال سيباستيان في معركة وادي المخازن.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.