أخر الاخبار

عندما هرب الإنجليز من جيش السلطان الحسن الأول في طرفاية

 

صورة نادرة لموكب السلطان المولى حسن الأول وهو يهم بالخروج من إحدى أبراج مدينة فاس عام 1887م
صورة نادرة لموكب السلطان المولى حسن الأول وهو يهم بالخروج من إحدى أبراج مدينة فاس عام 1887م


كتاب “المناورات الأجنبية ضد السيادة المغربية” الذي صدر في خمسة أجزاء، نستهلها بنشر الجزء الأول الذي يهتم بالمراحل التي كان عليها المغرب قبل الاحتلال، أيام السلطان الحسن الأول، ثم مراحل الاحتلال، ومراحل مقاومة الاحتلال، ثم الاستقلال في الأجزاء التالية، حيث سيجد القارئ عناصر تنشر لأول مرة.


بقلم: مصطفى العلوي

الإنجليز في طرفاية


    لم يكن السيل حسب معلومات الحسن الأول، جارفا من المنطقة الشرقية نحو توات فقط، بل هناك مياها أخرى أخذت تتسرب إلى السفينة حينما جاء النبيل البريطاني ماكنزي سنة 1874، واستولى على ميناء طرفاية ورفع عليها علما باسم “شركة شمال غرب إفريقيا”، وكان مخططه يقضي بفرض نفوذه على كل المنطقة الواقعة بين واد نون وبوجدور.

وهب الحسن الأول غاضبا ثائرا، حيث استقبل مستشاره وصديقه “السير هاي” ممثل المصالح البريطانية في المغرب، وسلمه احتجاجا صارما لدى الحكومة البريطانية على هذا التطاول الخطير على سيادة المغرب.

وفي 27 غشت 1875، كتب “السير هاي” رسالة مفتوحة إلى ماكنزي، محذرا إياه من مغبة الاستمرار في محاولاته، لأن عملا كهذا – يقول السير هاي- من شأنه أن يفتح شهية الفرنسيين والإسبان.

ويختم “السير هاي” رسالته لماكنزي قائلا: ((كيف تريد أن أبقى محط حظوة لدى جلالة الملك الحسن الأول إذا كنت ممثلا لمن يمسون سيادته ووحدة ترابه؟)).

ولكن ماكنزي استمر في غيه.. وقتها قال الحسن الأول: ((ماكنزي مهمتي.. سأتصرف معه بنفسي))، خصوصا بعد أن رفض ماكنزي كل عروض الحسن الأول وتعويضاته بالانسحاب.

وكان القرار الأول، تحويل ميناء أكادير إلى ميناء عسكري، أما الخطوة الثانية، فلم يكن ماكنزي يعرفها، مما جعل ماكنزي يتجه إلى شراء الضمائر، وشراء ولاء سكان سوس له، وهذا ما يفسر الورقة الحقيقية التي يلعبها ماكنزي، الذي استطاع محاربة جيوش الحسن الأول التي بلغت في بعض الأحيان في المنطقة 70 ألف رجل، وعوض أن نترك قضية ماكنزي معلقة بمصير الحسن الأول، فإنه من الأفيد تصفيتها حالا مادام التاريخ ليس ملكا لأحد.

فبعد أن اتضح للحسن الأول أن مقاومة الصحراويين لماكنزي وللاحتلال البريطاني المقنع، لم تجد شيئا، وبعد أن اتضح له أن الممثل الدبلوماسي البريطاني إنما كان يلعب دورا دبلوماسيا بكل ما في الكلمة من معنى، انكب على إقامة منشآت عسكرية في مناطق سوس والمناطق الصحراوية، وفي سنة 1884، قام بزيارة إلى كولمين واهتز الإقليم لزيارته.. فقد مضى زمن طويل دون أن يصل إلى كولمين أي واحد من أجداده، ومن هناك بعث جيوشه إلى مواقع ماكنزي، فدكوها دكا، وشوهد رعايا المملكة البريطانية يهربون سباحة إلى بواخرهم، فتحطمت أسطورة ماكنزي، وقتها فقط كشفت الحكومة البريطانية عن وجهها واحتجت، واتهمت الحسن الأول بخرق الوعود والعهود، ولكن المنطقة الواسعة المنتشرة بين بوجدور وواد نون قطعت كل علاقة بلغة شكسبير إلى الأبد.

كان هذا نموذجا لأسلوب الحسن الأول في مواجهة المحاولات الأجنبية لاحتلال المغرب، وهي محاولات كانت في ذلك العصر معروفة الأساليب، مبنية على شراء الضمائر ودفع بعض الأعيان إلى العصيان، خصوصا عندما يتم ذلك العصيان في مناطق مجاورة للحدود كوجدة، حيث تمت عدة حروب فوضوية واجهها الحسن الأول برباطة جأش وشجاعة كللت كلها بنجاح ضباطه والقضاء على العملاء الأجانب.

وقد لعب السيد امحمد بركاش وزير الشؤون الخارجية، وكان وقتها يسمى وزير البحر، دورا دبلوماسيا هاما، إذ أن الوثائق المتخلفة من ذلك العهد تزخر بمراسلات الحسن الأول إلى وزيره في الخارجية ملفتا اهتمامه إلى المشاكل المستفحلة المعلقة مع الدول الأجنبية ومناوراتها.

وقد بقي السيد امحمد بركاش وزيرا للخارجية منذ عهد الملك محمد بن عبد الرحمان، وعهد الحسن الأول إلى سنة 1882، حيث تم تعيين السيد فضول غرنيط وزيرا للخارجية، وهو وزير عجوز، لكنه أبدى من الحزم والدهاء ما أهله لأن يصبح الساعد الأيمن للحسن الأول في مهماته السياسية.

ومع الرجلين الحازمين امحمد بركاش وفضول غرنيط، استطاع الحسن الأول كسب الوقت الكبير للتفرغ إلى المشاكل الداخلية التي كانت – كما أسلفنا – عويصة جدا، ومواجهة الجبهتين الكبيرتين ومشاكلهما:

– جبهة الصحراء الشرقية.

– جبهة الصحراء الجنوبية.

جبهة الصحراء الشرقية.

    تشهد مراسلات وظهائر الحسن الأول على أن أسلوبه في تسيير شؤون الدولة ينطلق من الحضور الدائم، وحيث أن المشاكل كانت شاسعة شساعة المملكة، فإن عقل الحسن الأول كان البوتقة التي انصهرت فيها كل المشاكل والحلول.

وقد شاهدنا في معرض الحديث عن الأوضاع في الصحراء الشرقية انطلاقا من ورغلة عبر كورارة وتوات وتيدكلت حتى إلى تمبكتو جنوبا على حدود المالي، أن التواجد الفرنسي في الجزائر إنما كان بداية لاحتلال تلك المناطق كلها، وهي بالنسبة للمغرب بمثابة الجناح، وكان قص هذا الجناح المرحلة الأولى في مخطط أباطرة الاستعمار الفرنسي.

ولو أن الحسن الأول كان ملكا على دولة نموذجية لا مشاكل فيها، ولا تمردات داخلية ولا عمالات خيانية، ولا خلايا رجعية، وإنما كان له مشكل واحد، هو التسرب الفرنسي في الصحراء الشرقية، لما كان بإمكانه أن يواجه الوضعية بالتفرغ والتخصص والحزم الذي واجه به الأخطار الفرنسية في الصحراء الشرقية رغم مشاكله الأخرى.

إن كتب التاريخ كلها قد توسعت في سرد الأحداث التي عايشها الحسن الأول، والانتصارات التي حققها وأهلته من خلال تصرفاته تجاه تلك الأحداث، لأن ينال إعجاب التاريخ ويحظى برضاه.

لكن أغلب الأحداث التي ربطها المؤرخون بشخص الحسن الأول، والتي اكتفوا بها للوصول إلى الاستنتاج المعروف، لم تشر لا من بعيد ولا من قريب للمعركة الحقيقية التي خاضها الحسن الأول في حياته بالصحراء، والتي كانت الأحداث المنشورة عنها بالنسبة إليها جانبية.

وقد أفهم أن المستعمرين أرادوا بثر أمجاد الحسن الأول في الصحراء، لكن لا أفهم مبررات سكوت مؤرخينا عنها، وسأترك للقارئ استكناه عظمة الحسن الأول من خلال تطرقه لحماية الحدود الشرقية المغربية من الغزو الفرنسي.

فبعدما تناقلت البرقيات العالمية نبأ تنصيب الحسن بن محمد ملكا على المغرب في حادي عشر شتنبر 1873، أعادت القوات الدولية خلط الأوراق وتوزيعها من جديد.. فهم يعرفون الرجل والرجل يعرفهم، وحياته كخليفة لأبيه في مراكش وكشاهد على عدة أحداث، كانت كافية لدعوتهم إلى معاملة الرجل بكل الحيطة والحذر.

ومن بين الرسائل العديدة التي تواردت على الديوان الملكي بفاس، رسالة سكان الأقاليم الصحراوية الشرقية، تعزيه في موت أبيه، وتجدد له الطاعة والولاء.

ولكن الأخبار أخذت تتوارد على الحسن الأول تتحدث عن غزو فرنسي لأقاليم توات والساورة بأسلوب جديد، وهو إغراق هذه المناطق بالمواد الفرنسية والسلع الفرنسية التي كانت تغري السكان وتسيل لعابهم، وتجعل “التجار الفرنسيين” يكسبون عطفهم، ورغم أن أباه المولى محمد بن عبد الرحمان، بعث رسالة سنة 1864، ينبه فيها السكان إلى حظر الوسائل الجديدة للغزو النصراني، ورسالة أخرى بعثها سنة 1866، يأمر رجال السلطة بحجز الأسلحة الفرنسية، فإن الحسن الأول فطن إلى أن الغزو المادي لأقاليم الصحراء الشرقية أصبح أمرا واقعيا.

وقد بعث شيخ مركز تيميمون، الحاج محمد بن عبد الرحمان، رسالة إلى الحاكم الفرنسي لمركز “كيري فيل” في الجزائر، وكان آنذاك هو القبطان لافيرني، يذكره فيها بضرورة الحد من نشاط التجار الفرنسيين في منطقة تيميمون ويقول له: ((لقد كنا نود أن يتوقف الاتجار معكم عند حد المعاملات المتعارف عليها حسب تعليمات سلطاننا مولاي عبد الرحمان ومحمد بن عبد الرحمان))، إلا أن المخطط الفرنسي دخل في حيز التنفيذ عندما بلغ إلى علم الحسن الأول أن المسالك الجزائرية فتحت في اتجاه توات عبر عين الصفراء، وعبر تياريت، حيث يتم استبدال التمر الصحراوي بالقمح الفرنسي.

واتجه الحسن الأول لحل المشكل أولا بطرق إدارية، وكان أقرب المقربين للحسن الأول في محيطه، جنود الجيش، الذين كانوا يكونون إلى جانب جيش البخاري، مجموعة الهيكل العسكري المغربي، وكانت عناصر الجيش المتواجدة في المدن المغربية مشتملة على عدد كبير من قبائل الغنانمة بوادي الساورة جنوب بشار، والتي تعرف مواقعها في بني عباس، كرزاز، لواتة، كرزيم، القصابي، والزاوية الكبرى، لذلك كانت فرق الجيش المكلفة بحماية الأمن في المنطقة مكونة من أبناء الغنانمة، فسارع الحسن الأول بالكتابة إليهم بما يلي:

((خدامنا الأمجاد قبيلة الغنانمة قاطبة:

وبعد، فقد بلغنا وقوفكم في الصلاح والخير، فنأمركم أن تدوموا على ذلك وتكونوا عند الظن بكم في حفظ الطريق وتأمين المارة كما ينبغي، وقد كلفنا محبنا المرابط الخير عبد الكبير الكرزازي، أن يطلع علمنا الشريف بأمركم ويرفع إلى حضرتنا العالية بالله شؤونكم فكونوا عند حسن الظن بكم، أصلحكم الله ورضي عنكم والسلام.

الحسن بن محمد

في سادس رمضان 1291 هجرية)).

كانت هذه أول رسالة بعث بها الحسن الأول إلى الصحراء بعد مرور عام على تنصيبه ملكا على المغرب، وبعد ذلك، قرر إجراء تغيير إداري في سلطة قبيلة المحارزة في منطقة كورارة ناحية تيزكوك، فعين بظهير شريف القايد الحاج موسى بن العربي المحرزي قائدا على المنطقة.

يتبع
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -