تعرضت الثورة الجزائرية لمشكلة كبيرة ، تمثلت في قلة السلاح وصعوبة إذخلها للعمق الجزائري عوامل جعلت استمرارية الثورة ونجاحها في مهب الريح لولا وقوف الدول الشقيقة والصديقة إلى جانب الثورة الجزائرية، وإمدادها بما تحتاج إليه.
ولولا دور المغربي المحوري في كل الإتجاهات ومثل القاعدة الخلفية الأولى والرئة الرئيسية لتحقيق أهداف الثورة، لكن مجموعة من الحقائق في هذا الملف تركت لنسيان أو أغلقت أو فرض عليها النسيان لأسباب سياسية وكانت حرب الرمال نقطة نهاية هذا الملف وبداية علاقة توتر دائم بين الجانبين و الظاهر أن الكتابات التاريخية الجزائرية تحكمها إلى حد بعيد العلاقات السياسية بين البلدين.
في هذا الإطار، فإن الدور الذي أدَّاه المغرب في عهد محمد الخامس كان حاسماً بحكم موقعه الجغرافي من جهة، وعراقة العلاقة الأخوية التي تربطه بشقيقه الشعب الجزائري، حيث قدم ما كان المجاهدون بحاجة إليه، وبالتالي ساهم في دحر المستعمر الفرنسي، وإخراجه من التراب الجزائري .
لم تنقطع إمدادات المغرب للثورة الجزائرية منذ اندلاعها سنة 1954 إلى تتويجها بالانتصار والاستقلال سنة 1962، حيث التزم الشعب المغربي بمساعدة الثورة الجزائرية بطريقة غير محدودة ولا مشروطة خاصة سكان جهة الشرقية عن طريق إكتتاب مالي تضامني كل حسب إمكانياته، وحتى في أصعب ظروف التي عاشها المغرب .
لكن هذه الظروف الصعبة لم تثنه عن مضاعفة دعم الجزائر ماديا وتوفير السلاح لثورتها، وحماية ظهرها على طول الحدود المغربية التي أصبحت مفتوحة في وجه الثوار الجزائريين، ومَـمَرّا للعتاد والذخيرة إلى أرض المعركة في الجزائر، وإلى قاعدة مكناس العسكرية المغربية حيث كان يرد السلاح الروسي المقتنَى للثورة الجزائرية، وضِمْنه الطيران العسكري الذي كان يتدرب عليه بالقاعدة المغربية ربابنة جزائريون وكان المغرب يساهم من ميزانيته في شراء السلاح ونقله إلى الجزائر، كما ساعد الجزائر ماليا على اقتناء الباخرة “سانت بريفال” التي اشتهرت باسم “الأطوس” وغصّت مدينة وجدة إلى جانب عدد من المدن على الحدود الشرقية بالمهاجرين الجزائريين، واستقبلت مستشفياتُها الجرحى لعلاجهم، وآوت القيادةَ الجزائريةَ السياسية التي أصبحت تُعرَف في ما بعدُ بمجموعة وجدة”.
كان معظم السلاح الآتي من الخارج إما عبارة عن مساعدات قدمتها الدول العربية الشقيقة، ومنها المغرب الأقصى، وبعض الدول الاشتراكية، وإما مشتريات من السوق السوداء.
ومن مصادر التسليح أيضاً مصنع السلاح الخفيف والذخيرة الذي أقامه جيش التحرير الوطني في مدينة الدار البيضاء، وكان يشرف عليه فنيون أمريكيون وألمان متعاطفون مع الثورة الجزائرية مقابل مرتبات عالية.
وأصبح المغرب القاعدة الخلفية لثورة وشهدت موانئه وصول أهم بواخر الأسلحة اليخت دينا، الباخرة فاروق إلى مياه الناضور في جويليه سنة 1956 محملة بمختلف الأسلحة التي أدخلت إلى الجزائر بواسطة قوارب الصيد وعلى ظهور البغال، وتم توزيعها على الولايتين الخامسة والرابعة جانب ميناء رأس الماء ومليلية المحتلة أقامت قيادة الثورة بإتفاق مع المغرب مراكز التموين بالسلاح أشرفت عليها إدارة الاتصالات بوجدة ـ مركز الناضور، وهو مخصص للأسلحة والتموين زيادة على إذاعة خاصة للثورة
مركز وجدة: تخزين الأسلحة وذخيرتها الحربية
مركز فكَيكَ: تخزين الأسلحة وذخيرتها الحربية
مركز بركان: تخزين الأسلحة وثكنة عسكرية بواو لوت و مذاغ ترأسها هواري بومدين لسنتين.
مركز القنيطرة: تخزين الذخيرة الحربية
مركز الرباط: التموين العامّ بالذخيرة الحربية
مركز الدار البيضاء: استقبال الأسلحة وذخيرتها الحربية وتخزينها ونقلها للحدود الجزائرية
مركز طنجة: استقبال الأسلحة وذخيرتها الحربية وتخزينها ونقلها للحدود الجزائرية
مركز تطوان: تخزين الذخيرة الحربية
و نظراً للخطر القادم من الحدود المغربية، أسرعت فرنسا إلى محاولة عزل الجزائر عن العالم الخارجي، وبخاصة عن المغرب الذي كان الممون الرئيس للثورة الجزائرية بالأسلحة والذخيرة، سواء تعلق الأمر بتلك القادمة من الخارج، والتي تم إفراغ معظمها في الموانئ المغربية، أو تلك التي كانت تصنع فوق التراب المغربي، وتنقل إلى الجزائر عن طريق الحدود التي كانت همزة الوصل التي ربطت البلدين والشعبين.
ورغم نجاحات الكثيرة للمغرب والثوار إلا أن فرنسا تمكنت من توقيف مجموعة من المحاولات والعمليات ـ حجز الباخرة الدانماركية »قرانيتا« بمرفإِ سي ( بورساي ) قرب السعيدية (23/ 12/ 1958 م)
حجز الباخرة الشكسلوفاكية »ليدسي«، وهي في طريقها إلى ميناء كبدانة المغربية (07/ 04/ 1959) .
حجز الباخرة البولندية »مونتي كاسينو« في جويليه 1959 م ـ حجز الباخرة الألمانية »بيليا« قرب السواحل المغربية (05/ 11/ 1959 م
) ـ حجز الباخرة الهولندية بسواحل المنطقة الإسبانية قرب الناضور (12/12/1959 م) ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »سلوفينيا« للمرة الثانية (29/ 03/ 1960 .
) ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »وجيا«، وهي في طريقها إلى مرفإ كبدانة المغربية (13/ 04/ 1960 م
ولقد تم إيقاف معظم هذه البواخر في عرض البحر، أو في المياه الإقليمية للمغرب، وهو ما يؤكد الدور المغربي في تموين الثورة بالسلاح. على الرغم من هذه الإجراأت المشددة التي فرضتها السلطات الاستعمارية على الحدود البرية والبحرية للجزائر، فإن تدفق الأسلحة بقي مستمراً.
ويؤكد الجنرال سالان (صالان) الرأي نفسه حين يصرح في ندوة صحفية. أن 1500 قطعة سلاح تدخل سرّاً إلى الجزائر منذ سنة 1957 في كل شهر، وأن ثلاثة أرباع هذا السلاح يأتي عن طريق تونس، والباقي من المغرب.
تم إنجاز مصانع للأسلحة فوق التراب المغربي، وكانت موجودة في الأماكن التالية: 1 تطوان (1958 م): صناعة القنابل من النوع الإنكَليزي والمتفجرات.
2 بوزنيقة (1959 م): صناعة قنابل من النوع الأمريكي والبنقالور والسلاح الأبيض.
3 . تمارة (1960 م): صناعة الرشاشات الخفيفة 49 مات والسلاح الأبيض
4 الصخيرات (1960م): صناعة مدافع الهاون – عيار 45 والمتفجرات
5 المحمدية (1960 م): صناعة مدافع الهاون عيار 60و80 والبنقالور والألغام
6 الدار البيضاء (1960 م): صناعة البازوكَات والرشاشات 49 مات – المتفجرات – والألغام والسلاح الأبيض
. إضافة إلى هذه المصانع التي أنشأتها قيادة الثورة في المغرب ، شرع منذ سنة 1960 م في جلب الأسلحة نصف الثقيلة والثقيلة بمختلف أنواعها وذخيرتها الحربية من الخارج، ومن مختلف الدول الشرقية والغربية، ومنها خاصة مدافع الهاون والبازوكَات والمدافع المضادة للطائرات. وكانت هذه الأسلحة تأتي عن طريق المغرب، وفي غالب الأحيان باسم الحكومة المغربية.
قام المغرب وعلى رأسه ملكه محمد الخامس بدور عظيم في دعم الثورة التحريرية على الرغم من حداثة استقلاله وحاجتة للدعم المالي والتقني والعسكري ،إضافة إلى الضغوط الكبيرة التي تعرض لها من طرف الحكومة الفرنسية التي كانت تساومه في ذلك بمنطق الإعانة مقابل التخلي عن دعم القضية الجزائرية.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.