أخر الاخبار

البريني يكشف تفاصيل الغدر الجزائري للمغرب قُبيل اندلاع "حرب الرمال"

 

البريني يكشف تفاصيل الغدر الجزائري للمغرب قُبيل اندلاع "حرب الرمال"
صورة: أ.ف.ب
 

قال الكاتب والصحافي محمد البريني، في الحلقة الثالثة من سلسلته المعنونة بـ”حكام الجزائر: 60 عاما من الجحود والغدر والمؤامرات والاعتداءات ضد المغرب”، إن “الحكومة الجزائرية اتهمت المغرب، سنة 1963، بمساعدة انتفاضة الحسين آيت أحمد، وهو واحد من قادة الثورة الجزائرية”.

وبعدما أشار البريني، في الحلقة التي اختار لها عنوان “الحقيقة حول حرب الرمال”، إلى أن “ذلك الاتهام كان يخفي نوايا عدوانية، ويبيت لما سيقع من أحداث تؤدي إلى حرب الرمال”، ذكّر بأن وزيريْ خارجية المغرب والجزائر عقدا اجتماعا في وجدة، واتفقا على عقد لقاء قمة بين ملك المغرب ورئيس جمهورية الجزائر، غير أن أمورا أخرى حدثت خلاف ذلك.

وتطرق محمد البريني، في الحلقة ذاتها، للهجومات المباغتة التي نفذتها قوات عسكرية جزائرية ودون سابق إنذار على مناطق إيش، وكيف قتلت ما لا يقل عن عشرة أفراد من “المخازنية” المغاربة، مع الهجوم على تندرارة، وقصف مدينة فكيك… وكيف تعامل الملك الحسن الثاني مع تلك الهجمات العسكرية.

الحلقة الثالثة: الحقيقة حول “حرب الرمال”

في نهاية شهر شتنبر عام 1963 اتهمت الحكومة الجزائرية المغرب بمساعدة انتفاضة الحسين آيت أحمد، وهو واحد من قادة الثورة الجزائرية، لكنه اختلف مع جناح بن بلة وبومدين، بعد الاستقلال، إذ اعتبر النظام الذي أقاماه نظاما عسكريا ديكتاتوريا، يُحرّم الحرية والتعددية، ويمحق كل من يطالب بهما. لم ينتبه أحد إلى أن ذلك الاتهام كان يخفي نوايا عدوانية، ويبيت لما سيقع من أحداث تؤدي إلى «حرب الرمال». منذ ذلك الوقت، ترسخت في عقل النظام الحاكم في الجزائر عادة توجيه اتهامات مزيفة وباطلة للمغرب كلما نوى القيام بعمل عدواني ضده، أو أراد تحويل الاهتمام والأنظار عن أزماته الداخلية. ومن الأمثلة على ذلك اتهام المغرب بالوقوف وراء حرائق غابات مناطق القبائل.

أياما بعد هذا الاتهام، أي في بداية شهر أكتوبر من السنة نفسها، عقد وزيرا خارجية المغرب والجزائر، أحمد رضى كديرة وعبد العزيز بوتفليقة، اجتماعا في وجدة، واتفقا، في نهايته، على أن يعقد لقاء قمة بين ملك المغرب ورئيس جمهورية الجزائر، يخصص لمعالجة مشكل الحدود، ولوضع حد نهائي للخلاف بين البلدين. بيد أن الذي حصل بعد ذلك هو ما يلي:

نفذت قوات عسكرية جزائرية هجومات مباغتة، وبدون سابق إنذار، على مناطق «إيش» شمال شرق فكيك، وعلى تنجود وتنفوشي وحاسي بيضاء واحتلتها. لم تجد القوات الجزائرية مقاومة حقيقية، إذ لم يكن يتواجد في تلك المناطق سوى أفراد قلائل من القوات المساعدة المغربية، لا يتوفرون سوى على أسلحة خفيفة، بينما كانت القوات الجزائرية مجهزة بأسلحة ثقيلة؛ وقتلت ما لا يقل عن عشرة أفراد من «المخازنية» المغاربة.

في الوقت ذاته قام الطيران العسكري الجزائري بالهجوم على تندرارة. كان العدوان مفاجئا ومدمرا. بعد ذلك أمر أحمد بن بلة بقصف مدينة فكيك رغبة في احتلالها. لم يكن المغرب يظن، يتوقع، أنه سوف يتعرض لما تعرض له من نظام يقوده أشخاص يعرفون حق المعرفة مدى وحجم ما قدمه المغرب من تضحية ومساندة لنصرتهم في نضالهم التحريري، مضحيا بمصالحه الوطنية؛ فلو كان يتوقع ما حصل، ولو كان ينوي أن يسترجع بالقوة أراضيه التي أهداها الاستعمار للجزائر ما اقتصر على نشر عناصر قليلة من القوات المساعدة (وهي وحدات أمنية، وليست قوات عسكرية مؤهلة للقيام بعمليات حربية) في المناطق المعتدى عليها.

لذلك فوجئت سلطات المغرب العليا بهذه الأحداث العدوانية، ولم تعرف قيادته، في بداية الأمر، ما إن كان ذلك العدوان قرارا للقيادة الجزائرية أم إنه كان مبادرة فردية من ضباط جزائريين. مع ذلك، ضبط المغرب نفسه؛ لم يتسرع في القيام بأي رد فعل. حتى الملك الحسن الثاني لم يصدق أن يكون قرار اقتراف تلك الاعتداءات على مناطق لا نزاع حولها صادرا من أعلى سلطة في الجزائر. في هذا الإطار، يقول الملك الحسن الثاني، في إحدى حواراتها الصحفية: «لم يكن لدي سوى خيارين: أن يتسم رد فعلي بالقلق والانفعال، أو بالتعقل والاتزان. ووضعت رأسي بين يدي متسائلا: من المستفيد من هذه الجريمة؟ هل يعقل أن يعمد الرئيس بن بلة إلى القيام بمبادرة الهجوم على المغرب ويخلق لنفسه مشاكل خطيرة وهو الذي يعاني من مشاكل داخلية من كل نوع؟».

في النهاية قرر العاهل المغربي إرسال برقية إلى الرئيس أحمد بن بلة، يستنكر فيها الهجوم ويطلب استفسارا عن أسبابه. بيد أن الرئيس الجزائري تجاهل هذه البرقية، ولم يكلف نفسه الجواب عنها. لكن ذلك لم يحل دون أن يظل الملك الحسن الثاني متمسكا بالحوار، ساعيا إلى التفاهم بالتي هي أحسن؛ فبعث وفدا مكونا من الحاج أحمد بلافريج وعبد الهادي بوطالب، لتحسيس الرئيس الجزائري بخطورة الموقف. مرة أخرى قوبل مسعى ملك المغرب بالتعنت والتعالي.

يقول عبد الهادي بوطاب، الذي كان وقتها وزيرا للإعلام، إن الوفد لم يجد أي استعداد لدى بن بلة لحوار بناء، إذ أصر الأخير على أن المغرب هو المسؤول وحده عن تطور أحداث الحدود. مع ذلك، ظل الحسن الثاني متمسكا بالحوار، ولم يستسلم لفشل محاولاته السابقة. من الأدلة على ذلك ما ذكره عبد الهادي بوطالب في استجواب أجرته مع جريدة الشرق الأوسط عام 2000، إذ قال: «عاد الملك فأرسلني مرة أخرى إلى الرئيس بن بلة وبرفقتي مدير ديوانه العسكري الكومندان محمد المذبوح، في مهمة تستهدف تحسيس الرئيس الجزائري بخطورة الموقف، وحمله على إيقاف مسلسل الاعتداءات والتحديات»، ثم أضاف: «ابتدأ الحديث مع الرئيس بن بلة في جو متشنج. وكنت أحاول أن ألطف حدته دون تساهل في العمق: إن المغرب متشبث بترابه المدمج من فرنسا في التراب الجزائري، وبالمطالبة بإرجاعه طبقا للحجج المؤيدة له، ولكن عن طريق التفاوض والحوار. والمغرب يعتقد أن حوادث العدوان مفتعلة من عناصر جزائرية، ويأمل ألا يكون من عمل الحكومة الجزائرية وبإرادتها. والمغرب يعتبر أن ما وقع خطير، ولكن قد توفر خطورته الجو الملائم للإسراع بالدخول في مفاوضات، إذ ترك الحال على ما هو عليه مؤذن بتفجير أحداث أخرى قد لا يسهل احتواؤها. وانتظرت، وأنا أحاول أن أفتح أقفال الرئيس، أن يسلك من أحدها إلى تجاوز الأحداث بإعطاء تطمينات على نوايا الجزائر والوعد باحترام التزاماتها في المستقبل، فلم يسعفني الرئيس ببارقة مهدئة لجو التشنج الذي كانت تبدو على ملامحه فوق وجهه، واندفع يطلق لسانه بما يفضح نوايا صدره. لم يقدم الرئيس اعتذارا عما حصل، ولم يقل كلمة واحدة عن ضحايا العدوان المغاربة، ولم يطلب مني أن أنقل لجلالة الملك أي عبارة للمواساة والعزاء في الضحايا، بل قال في انفعال مثير: «إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها في ما يستقبل»، وزاد: «على النظام الملكي المغربي أن يواجه مشاكله الداخلية وأن يعلم أن النظام الجزائري حصين منيع، ولا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه». وكانت هذه الفقرة من الحديث خاتمة الجدل، تعطلت معها لغة الكلام».

بعد ذلك، سوف تبدأ لغة الفعل.

– رابط الحلقة الأولى:

هكذا تعرّض المغرب لـ”الخيانة الأولى” على يد حكام الجزائر

– رابط الحلقة الثانية:

البريني: عندما غدر تحالف بن بلة وبومدين برفاق الثورة الجزائرية والمغرب

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -