أخر الاخبار

البريني: عندما غدر تحالف بن بلة وبومدين برفاق الثورة الجزائرية والمغرب 2

 

البريني: عندما غدر تحالف بن بلة وبومدين برفاق الثورة الجزائرية والمغرب
الصورة: الملك الراحل الحسن الثاني رفقة بن بلة أثناء زيارته الجزائر (15 مارس 1963) - أ.ف.ب
 بعدما استعرض الكاتب والصحافي محمد البريني، في الجزء الأول من أولى حلقات سلسلته المعنونة بـ”حكام الجزائر: 60 عاما من الجحود والغدر والمؤامرات والاعتداءات ضد المغرب”، كيف تعرّض المغرب للخيانة الأولى على يد حكام الجزائر، واصل في الجزء الثاني من الحلقة ذاتها توضيح “أول فعل غادرٍ ضد المغرب صدر عن أحمد بن بلة، أول رئيس للجمهورية الجزائرية”.

وتطرق البريني، في الجزء الثاني من مقال له يحمل عنوان “الخيانة الأولى”، للزيارة الرسمية التي قام بها الملك الحسن الثاني إلى الجزائر، والجواب الذي جاء على لسان أحمد بن بلة حول الاتفاق بين الملك محمد الخامس وبين الحكومة الجزائرية المؤقتة، واعتبار ذلك “أول علامة على وجود نية الغدر لدى النظام الجزائري”.

وأكد قيدوم الصحافة المغربية، في المقال ذاته، على أن “الطغمة الحاكمة في الجزائر كانت قد اتخذت قرار التنكر للاتفاق المذكور، وشرعت في التحضير للعدوان العسكري على المغرب، وهو العدوان الذي أشعل ما سميت بحرب الرمال”.

الحلقة 1: الخيانة الأولى (الجزء الثاني)

أول فعل غادر ضد المغرب صدر عن أحمد بن بلة، أول رئيس للجمهورية الجزائرية؛ وكان ذلك من أغرب وأسوأ مفاجأة تأتي من شخصية جزائرية خالطت المغاربة وصاحبتهم، واستفادت من دعمهم ونصرتهم؛ خالطهم حين كان عسكريا في صفوف الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية، إذ كان ينتمي إلى فريق المقاتلين المغاربة في الفوج الخامس «لتيراريور»، ثم في الفرقة الثانية للمشاة المغاربة، واستفاد بصفته عضوا قياديا في الثورة الجزائرية من دعم ومساعدة المغرب الرسمي والشعبي، حتى إنه ما إن أطلقت فرنسا سراحه حتى التحق بما كان يسمى «جناح وجدة» العسكري الذي كان يقوده هواري بومدين… لكن لما نعلم كيف استطاع الوصول إلى رئاسة الدولة، سوف نكتشف مدى التشويه والتحريف الذي أخضعت له الحركة الثورية الجزائرية.

عند الاستقلال، قاد تحالف بين ابن بلة وهواري بومدين إلى الإطاحة عسكريا بالحكومة الجزائرية المؤقتة التي قادت مفاوضات الاستقلال، فاستحوذ «جناح وجدة» على الحكم: أحمد بن بلة في رئاسة الجمهورية ورئاسة حزب جبهة التحرير، وهواري بومدين في وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية بالنيابة. وهكذا تم تثبيت سيطرة الحكم العسكري على الحكم المدني. ثم انطلقت حملة التصفيات: طرد بن بلة كل منافسيه المتواجدين في الحزب وفي الجيش وفي الأجهزة الإدارية. الخلاصة: من استطاع أن يغدر برفاقه في الثورة يكون من السهل عليه أن يغدر بالمغرب، جاره وحليفه وصاحب الفضل عليه.

في الواقع، ما حدث من تحول في تلك الفترة كان امتدادا لمسار انطلق بعد الانقلاب على قرارات مؤتمر الصمام، الذي التأم يوم 20 غشت 1956 في قرية إيفري الواقعة بوادي الصمام بمنطقة القبائل؛ وكان عبان رمضان هو من دعا إليه بعد الاتفاق مع قادة حرب التحرير. كانت من النتائج سيادة السياسي على العسكري، ومن أجل بلوغ ذلك الهدف تقرر وضع ميثاق ذي طابع سياسي من أجل إيجاد قيادة مركزية موحدة، وقادرة على القيام بتسهيل المقاومة وتسييرها. لكن في اجتماع لاحق عقد في القاهرة، تم الانقلاب على سيادة السياسي على العسكري، وبسط الجناح العسكري هيمنته على كل أجهزة حركة التحرير، ومن ثم انطلقت عمليات التصفيات الجسدية.

وكان عبان رمضان، أحد القياديين الخمسة الأوائل لحرب التحرير، أول زعيم ثوري تغتاله أجهزة الأمن العسكرية التابعة لجيش التحرير الوطني. كانت تلك أول تصفية جسدية للقضاء على المنافسين والمعارضين. ثم تواصلت التصفيات حسب ميزان القوى الظرفي؛ كلما تغلبت هذه الزمرة أو تلك، في مرحلة من مراحل الصراع الداخلي، قامت بتصفية العناصر التي لا تدين بالولاء للمتنفذين الجدد، لا تشفع في ذلك روابط الأخوة والنضال المشترك، ولا تحترم عقود التحالف. من ذلك: انقلب هواري بومدين على أحمد بن بلة، حليفه ورفيقه، واعتقله وزج به في السجن، وظل هناك أكثر من عشر سنوات، إلى ما بعد موت بومدين.

بعد ذلك الانقلاب، تم استكمال ورش عسكرة حزب جبهة التحرير الجزائرية، الذي أصبح في خدمة الجيش ومصالحه الاستخباراتية، ومنفذا لاختياراته وقراراته. وبعد وفاة هواري بومدين غدت «دائرة الاستعلام والأمن DRS» هي التي تقرر في اختيار رئيس الجمهورية، وتضمن نجاحه في انتخابات متحكم فيها، وهي التي تدبر الانقلاب على الرئيس متى عن لها ذلك، مثل ما فعلته مع الشادلي بن جديد، الموقع على معاهدة إنشاء «اتحاد المغرب العربي» في مراكش عام 1989 مع الملك الحسن الثاني والرئيسين معمر القذافي، الرئيس الليبي، ومعاوية ولد الطايع، الرئيس الموريتاني؛ وهي المسؤولة الأولى عن اغتيال محمد بوضياف الذي جلبته من منفاه في المغرب لإنقاذ الجزائر من حالة الفوضى التي كانت عليها، والذي رفض أن ينصاع لمحاولة المؤسسة العسكرية التحكم فيه، وأبدى إرادته القضاء على مافيا الجنرالات، وصدح بحق المغرب على صحرائه.

الاستخبارات العسكرية هي التي تحسم في تعيين الوزير الأول والوزراء، إذ لا يتم تنصيب أي وزير قبل موافقتها ومصادقتها، وهي التي تصنع نتائج الانتخابات، وهي التي تراقب النظام القضائي وتتحكم في قراراته، وهي التي تراقب وسائل الإعلام وتوجهها وتغذيها بمواد الدعاية لتكييف الرأي العام، وتوظفها في الحملات ضد المغرب؛ وهي التي تدير وتدبر ملف الصحراء المغربية، وترسم إستراتيجية التعامل مع بلادنا، وتسهر على تنفيذها.

وإذا كانت الشهية للسلطة والخلافات الشخصية هي أغلب ما كان، في ما مضى، يشعل ويؤجج الصراعات، فإن الأمر تطور شيئا فشيئا إلى أن غدت المصالح الخاصة والشخصية هي وقود الحرب من أجل بلوغ مراكز القرار. في السابق كانت الخلافات والصراعات تنهى بالاغتيالات، أما في الوقت الراهن فقد صارت تحسم بالاعتقالات والمحاكمات. نموذج ذلك، ما حدث ويحدث منذ تنحية عبد العزيز بوتفليقة.

هذا هو النظام الذي تغول بعد توليه مقاليد الحكم في الجزائر المستقلة، والذي اكتشف المغرب جحوده وغدره.

يوم 13 مارس 1963، أي أقل من عام على استقلالها، قام الملك الحسن الثاني بزيارة رسمية للجزائر، ذكر أثناءها الرئيس أحمد بن بلة بالاتفاق الموقع بين الملك محمد الخامس وبين الحكومة الجزائرية المؤقتة، والمتعلق بموضوع الحدود بين البلدين، غير أن الرئيس الجزائري، الذي لم يطعن في تلك الاتفاقية ولم ينف وجودها، طلب من ملك المغرب تأجيل مناقشة الموضوع إلى حين استكمال بناء مؤسسات الدولة الجزائرية.

وكان ذلك الجواب التسويفي أول علامة على وجود نية الغدر لدى النظام الجزائري. بل، وبالنظر إلى ما سوف يحدث بعد بضعة شهور، يمكن الجزم بأن الطغمة الحاكمة في الجزائر كانت قد اتخذت قرار التنكر للاتفاق المذكور، وشرعت في التحضير للعدوان العسكري على المغرب في شهر أكتوبر من السنة نفسها، وهو العدوان الذي أشعل ما سميت «حرب الرمال».

رابط الحلقة الأولى:

هكذا تعرّض المغرب لـ”الخيانة الأولى” على يد حكام الجزائر

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -