ينحدر كناوة الحقيقيون في المغرب من سلالة العبيد الذين تم استيرادهم خلال العصر الذهبي للامبراطورية المغربية (نهايات القرن 16 الميلادي) من أفريقيا السوداء الغربية، التي كانت تسمى آنذاك السودان الغربي أو إمبراطورية غانا(دولة مالي الحالية، على الخصوص).وتسمية كناوة هي تحريف لحق الاسم الاصلي الذي كان هو «كينيا» (غينيا)، أو عبيد غينيا كما كانوا دائما يُسمون، قبل أندماجهم التام في المجتمع المغربي، وما تزال «الطريقة الكناوية» متواجدة في العديد من المدن والقرى المغربية، حتى اليوم، خصوصا في مدن مراكش والصويرة والرباط ومكناس وتحظى مدينة الصويرة بمقام المدينة الروحية للطائفة داخل المغرب، فقد كان الميناء البحري للمدينة منذ القرن 17، مركزا تجاريا مهما علي ساحل المحيط الاطلسي، ونقطة تبادل تجاري مع تمبكتو، عاصمة أفريقيا السوداء المسلمة آنذاك، ومنها كان العبيد يفدون مع الذهب إلى المغرب.
ويعتبر ضريح «سيدي بلال» الموجود غرب مدينة الصويرة المرجع الأعلى، ومقام الاب الروحي لكناوة، وداخل ضريح ذلك الولي، توجد الزاوية التي تحتضن في العشرين من شهر شعبان الموسم السنوي للطائفة الكناوية وعلى ايقاع الموسيقى القوية والحارة للمجموعات المنتسبة الي الطائفة، تخرج نخبة من الاتباع في جولات بين المدن لجمع الهبات والصدقات للزاوية, بلباسها الفلكلوري المميز ذي الالوان الحية، خصوصا الحمراء والزرقاء. إن شهرة «كناوة» كموسيقيين تجاوزت الحدود المغربية، لتعانق العالمية منذ شرع في تنظيم مهرجان سنوي لـ «كناوة وموسيقى العالم» بمدينة الصويرة في شهر يونيو, والسر يكمن في أنها ليست مجرد موسيقى عادية، بل هي موسيقى ذات ايقاعات قوية محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم، ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والبربري والعربي. يسمى هذا النوع من الموسيقى في تونس بالإسطنبالي.
ان موضوع فن كناوة لم يحقق بعد لنفسه الاكتفاء المعرفي اللازم لدى المتلقي والباحث، ولم يتحقق بعد ذلك التراكم العلمي الكافي والمؤسس، والمنطلق من منهجيات مختلفة، لعل في التقائها ما يكون دافعا للتقدم بنظرة نقدية تزيل اعتبارات الدونية في التعامل مع الموروث الفني المغربي. لقد تم التعامل إلى حد الآن مع موضوع فن كناوة بكثير من الاغتراب عن طبيعة وتاريخ ومسار هذا الفن، واكتفت عدد من القراءات بمحاكاة بعض الكتابات والأبحاث الأجنبية التي لم يكن يهمها في كناوة سوى شحنته الغرائبية التي تثير فضول سائحي الثقافة، ولبس هذا الفن بذلك طابعه الميثولوجي الذي غطى على عدد من الأسئلة المؤسسة للفهم والتحليل والدراسة.
تعددت الأبحاث والمقالات التي لا تخرج عن هذه الطبيعة المغتربة عن الموضوع، فكثرت الفرضيات وتحولت الأساطير إلى حقائق مؤسسة، ودخل فن كناوة معها إلى حلقة تيه تنعدم فيها المعطيات العلمية وتمتلئ مقابل ذلك بكثير من القياسات المغلوطة.
تعقب آثار الفعل الاجتماعي لدى كناوة من خلال تتبع السيرورة التاريخية للعبيد المشكلين لجيش البوخاري هو اختيار منهجي له ما يبرره انطلاقا من ندرة المعطيات، وحتى نحصل على آثار اجتماعية أخرى في مجالات مختلفة سنكون اكتفينا باختيارنا هذا مع ما مكننا من توضيحات وإفادات، ومع ما تيسر لنا من فهم وإعادة تركيب فهمنا بما يتلاءم مع ضرورات البحث والدراسة، وخلافا لما سبق نجد أنفسنا في انعزالية تكاد تكون قاتلة أمام عسر تفكيك جانب الفن عند كناوة بشكل يضعنا أمام الصورة الكاملة دون فراغات الظل الكثيرة ومتاهات التجريب عند قراءته ودراسته وتجميعه، ثم تفكيكه .
فن وافد
إن الفن الكناوي هو فن وافد مع رافده البشري، حافظ على خصائصه الأصلية الإفريقية، وحمل خصوصيات المغرب الثقافية والدينية، وأصبح فنا حاملا لمزاجين الأول إفريقي والثاني مغربي بمرجعياته العربية والأمازيغية الإسلامية واليهودية، بهذا التصنيف نكون قد أوجدنا مكانا علميا لهذا الفن الحامل أيضا لجراحات الماضي وآلامه، موظفا إياها في حاجياته الفنية، خالقا بذلك فرجة تنفيسية، فيحقق احتياجاته الفرجوية في قالب درامي يعيد إنتاج المأساة ويمدها بأنفاسها الجمالية .
أي ألم : ألم الترحيل والتوظيف والاستعباد والاستغلال في حقول ومصانع السكر، إلى الأشغال الشاقة والرعي والسخرة، وحتى بعدما أعيد الاعتبار إليهم مع السلطان المولى إسماعيل رزئوا في أرواحهم بعد زلزال ضرب مكناس سنة 1755 وصفته المصادر التاريخية بالرهيب، وكان العبيد فيه أبرز الضحايا···إنه ألم الانفصال عن الأصول تماما كما حكى لنا التاريخ والأدب عن ترحيل الأفارقة السود إلى أمريكا، ومنه نقول إن الفن الكناوي هو «الجاز» المغربي في مرجعياته الدرامية والجمالية .
يأتي فن اكناوة إلينا ونحن نشتغل عليه مثقلا بطقوسية في الشكل والمعنى، تتقاطع فيه عوالم من مرجعيات انثربولوجية مختلفة في حضور الألوان والأباخير ووسائل تزيين الشكل والآلات، وما يرافق كل هذا في ما يسمونه بالليلة الكناوية، وهي المحطة الأم في مكونات هذا الفن وأيضا لحظة الفرجة الطقوسية المغناة والممسرحة بكل امتياز .
واليوم نحتاج إلى بناء قاعدة معرفية فنية مشتركة نحدد فيها المنطلقات ونجعلها مفتوحة على اجتهادات تقدم الموضوع، وعلى هذا الأساس نتفق على أن هذا الفن هو فن للعبيد المغاربة، نشأ وانطلق واستمر في مسار اجتماعي حافل بالأحداث، وهو بذلك فن وافد مع فئته البشرية خصوصا في الشكل وبعض الإيقاعات وما تبقى من مصطلحات اللهجات الإفريقية في متنه الشعري، وهو أيضا فن مغربي عريق نشأ على التأثيرات الخارجية للمحيط الجديد في مراحل الاندماج والانصهار والتأثر الاجتماعي لفئة العبيد المغاربة.
لذلك لم يكن من الممكن أن يتأسس هذا الفن بدون تأثيرات المحيط، ونعني بذلك الهوية والخصوصية المغربية التي اندمج فيها هؤلاء العبيد ولعبوا فيها أدوارا مهمة بإغنائها والاغتراف منها، وكان مفهوما أن نلمس داخل هذا الفن تقاطعات فنية مغربية أخرى مع حفاظه على الرائحة الإفريقية المؤسسة له في الشكل والغلاف الذي حمله هذا الغناء المغربي وهذه الإيقاعات المندمجة.
أصول التسمية
وإلى يومنا لم تقدم كل القراءات التي قدمت في هذا المجال أجوبة ومعطيات دقيقة وكافية عن أصول التسمية، ونحت أيضا نحو تسييج هذا التعريف بكثير من الفرضيات والاجتهادات الشخصية المؤقتة، فكناوة هي كنية للانتساب الجغرافي كان يطلقها التجار الأفارقة على أهل جيني أو كيني وهي مدينة مشهورة جنوب تمبكتو على حوض النيجر الذي يصب في خليج غينيا، وكانت في الماضي مملكة غينيا، واستعمل حسن الوزان هذه الكنية في وصفه لهذه المملكة، أما في «معلمة المدن والقبائل» نجد أن جانة هي تحريف لغانة ومنها نسبة جانوي أو جنوي، حيث يقال عبيد جناوة أي سود اللون من أصل غاني، ذلك أن العديد من المؤرخين نقلوا أسماء بعض الممالك السودانية باختلاف في الكتابة والنطق مع أنهم كانوا يقصدون في غالب الأحيان نفس المنطقة أو المدينة.
وقد أطلق المغاربة في القديم هذه الكنية التي تحيل على انتماء جغرافي لمدينة جيني على العديد من الفئات والمكونات البشرية للعبيد الوافدين، إذ نجد أن المؤرخ الضعيف الرباطي يشير في حديثه عن زوجات السلطان المولى إسماعيل إلى امرأة كناوية كان له معها ولدان هما عبد الله والطيب.
وهذه الإحالة الجغرافية للاسم هي التي رافقت تسمية العبيد المغاربة الذين كانوا يشكلون فئة من المغنيين المتجولين في فترة نشأة فن كناوة حتى اقتعاده واستمراريته.
لقد كان العبيد في تاريخهم بالمغرب فئة اجتماعية غير مالكة، وواضح من خلال مسارهم التاريخي أنهم كانوا في بدايتهم خاضعين لقرارات السلاطين غير مستقرين في مجال ترابي محدد، حتى انتقلوا في فترة المولى إسماعيل بعد تجميعهم إلى حالة أهلتهم ليندمجوا في الحياة المغربية، وهنا مرحلة حاسمة في تاريخ فن كناوة من كونها أسهمت في اقتعاد العلاقات الاجتماعية وحددت الملامح الأولى لما ستكون عليه هويتهم الفنية.
وحمل في ذلك فن كناوة هوية دينية متنوعة كانت نتاج احتكاك العديد من العبيد بمزارات المغرب وصلحائه وصالحاته، في فترة الركب أو التجوال عبر القرى والمداشر والحواضر التي انخرط فيها العبيد بفعل عدم استقرارهم، ومن أجل طلب الإحسان والصدقة مقابل أغان لا تخرج في غالبيتها عن مناجاة الخالق ومدح الرسول وذكر مناقب الأولياء والصالحين، وهذا النمط الغنائي لم يكن يقتصر على كناوة فحسب، بل عرفه المغرب مع نمط الساكن المنحدرة أصوله من القبائل العربية الهلالية البدوية، وامتاز أيضا بخاصية الركب والتجوال.
وتماما كفن العيطة الذي نشأ ببراويل شعرية مغناة، وبعد فترة الركب التي عاشها كذلك، تم ضم هذه البراويل وتركيبها في فترة زمنية قديمة حتى أضحى على ما هو عليه اليوم، فإن فن كناوة وفي حدود ما بحثنا فيه انطلق في صورة مرددات شعرية مغناة يطلق عليها اسم «الملوك» يتم أداؤها من قبل فنانين متجولين حتى أتت بعد ذلك مرحلة الاقتعاد والتركيب والتصنيف فتم تجميع كل ذلك في أركان طقوسية تسمى «المحلات» وهي أماكن مرجعية لعدد من التمظهرات المرتبطة بلون الغناء وأغراضه.
صناعة فنية
ونظرا إلى حالة البؤس والحرمان التي عاش فيها عدد واسع من العبيد، فقد امتهن كناوة هذه الصناعة الفنية جاعلين منها مصدر عيش، وكان لزاما عليهم مدها بشحنة اعتقادية أصبحوا معها في نظر الناس أصحاب بركة، وهنا مارسوا عبر فن كناوة وظائفهم العلاجية لعدد من الاضطرابات النفسية، خاصة أن إيقاعات هذا الفن لم تكن تخرج عن موازين الساكن وبعض أنماط موسيقى الطوائف والزوايا والمزارات المغربية كحمادشة وجيلالة، التي تلقى استجابة باطنية من قبل الجسد والروح.
ومعهم نحى فن كناوة إلى عالم ميثولوجي تتداخل فيه العديد من الاعتقادات، خاصة ذلك التقابل الكلاسيكي للخير والشر، وذلك ليس بغريب عن فئة بشرية منحدرة من بلاد السودان الغربي الذي اشتهر أهاليه بصفتهم مريدين في عدة جماعات صوفية مغربية كالقادرية والجزولية والشاذلية، بل كانت هناك طرق صوفية سودانية أهمها الطريقة الكونتية، وكانت كذلك أرض السودان أرضا للصلحاء، فوحدها تمبكتو كانت تضم أزيد من 100 عالم في الفقه واللغة والشريعة والتصوف يوم دخلها جيش المنصور بقيادة الباشا جوذر. غير أن هذه الشحنة العقائدية التي طبع بها فن كناوة سرعان ما ستتطور إلى ممارسة للشعوذة وسيدخل هذا الفن إلى متاهاتها، هنا سيتم ربط كل ذلك وإثقاله بطقوسية مليئة بالرموز والإحالات كاستعمال الألوان والأباخير، وكانت بذلك ليلة الدردبة أو الليلة الكناوية منتهى اقتعاد وتشكل تمظهرات هذا الفن.
الليلة الكناوية
والدردبة هو مصطلح شعبي وحميمي يطلق على الليلة الكناوية، وفي بحثنا عن أصول وجذور هذه التسمية، نجد في «لسان العرب» أن الداربة هي الطبالة، ونقول أدرب أي صوت بالطبل، أما الدرداب فهو صوت الطبل، في حين أن الدردبة فهي الخضوع.
وجدير بالتذكير هنا أن الليلة الكناوية تنقسم إلى عدة عتبات طقوسية، بدءا بما يسمى بالعادة وهو استعراض احتفالي وإعلاني لبداية الليلة ويقتصر أداؤه موسيقيا بآلة الطبول والقراقب الحديدية، وبعدها تأتي عتبتان طقوسيتان تسميان ب «النكشة» ثم «أولاد البمبارا» وهما فقرتان راقصتان وفرجويتان وتمهيديتان للعتبة الكبرى التي تنطلق مع الإنشاد المسترسل «للملوك» (القطع الموسيقية) في احترام تام لتراتبية «المحلات» أي الأركان الطقوسية والموسيقية الكبرى لهذه الليلة.
وعلى ذلك فإن ليلة الدردبة هي ليلة الخضوع لذكر مناقب الصلحاء والأولياء والأسياد، وهي أيضا ليلة الدرداب أي صوت الطبل الذي يعلن افتتاح الليلة عبر ما يسمى «بدخول العادة» كما أسلفنا.
وتبقى مع ذلك ليلة الدردبة ركنا جماليا تنتهي فيه كل تمظهرات فن كناوة، وهي أيضا الخاصية المميزة لنمطين أساسيين لهذا الفن ونعني النمط الغرباوي (وهو السائد حاليا) وترجع تسميته بالغرباوي نسبة إلى منطقة الغرب ضاحية مكناس، وارتبط تاريخيا مع عبيد مكناسة ومشرع الرمل، واتسعت فيما بعد دائرة نفوذه الفني والإشعاعي، والآخر هو النمط المرساوي البمباراوي الذي ارتبط مع عبيد المراسي كالصويرة وآسفي واتخذ في محطاته الأطلسية بصمات محلية أخذت في الانمحاء، ويعرف هذا النمط كأحد أعتد وأصعب الأنماط وأيضا أجملها وأطربها.
في مقابل ذلك هناك أنماط كناوية أخرى وأساسا في الجنوب وأقصى السوس المغربي، ظلت حبيسة شكل الأحواشات الأمازيغية، وهذه الأنماط تعتبر تاريخيا الأقدم في النشأة والتشكل باعتبار القرب الجغرافي لطريق القوافل، وباعتبار الامتزاج القبلي والعرقي لأمازيغ جنوب السوس مع بعض القبائل والشعوب السودانية، فجاءت هذه الأنماط الكناوية حاملة للشكل وللغلاف الأمازيغي تعبر عن انصهار فني وجمالي غير مثقل بالتمظهرات الطقوسية والاعتقادية التي نجدها في النمطين الغرباوي والمرساوي.
ويمتاز المتن الزجلي الكناوي بطابعه الروحي المتضمن لمرددات دعوية وتوحيدية وبأذكار المناقب في حق الرسول والأولياء والصلحاء والأسياد، ونجد فيه أيضا صورا وصفية لبعض الأماكن كالأضرحة والمراسي، وأيضا لبعض الشخصيات التي يأتي ذكرها على طريقة البورتريه, ولا زال الزجل الكناوي يحمل مجموعة من المصطلحات المنتمية للهجات الإفريقية الأصلية، وخاصة لهجات البمبار أو الفول أو الصوصو، وهناك قطع موسيقية كناوية تتغنى بالانتماء العرقي كما نجد ذلك في «فولاني». وعلى سبيل تبيان الأمر فإن «موسو» تعني في لهجة البمبارا المرأة و«كانكولو» هو الرأس و«بولو» هي اليد و«مورو» هو السكين و«دين كي» يعني الطفل.
جمالية الطقوس الكناوية
بجانب آلات الطبول والقراقب الحديدية، تأخذ آلة الكنبري الوترية لنفسها موقعا رمزيا مثقلا بالإحالات، وإلى جانب أنها صناعة مغربية باعتبار حضور خاصية تجليد الآلات الوترية في مختلف الأنماط الموسيقية التراثية للمغرب، فإننا مع ذلك نجد فيها ذلك الحضور الضروري للأصل الإفريقي، فهي شبيهة إلى حد كبير مع آلة النكوني الوترية التي تتكون هي أيضا من ثلاثة أوتار أو أربعة بحسب الاختلاف القبلي، خاصة في بلاد البمبارا بمالي الحالية، ويتم تجليدها بجلد البقر الذي يثبت على صندوق النغم الخشبي بواسطة مسامير خشبية، ولا زالت هذه الآلة تستعمل حتى اليوم خاصة مع الفنان موريبا كوايتا الذي اشتهر بها بباماكو.
واليوم نحتاج إلى تأسيس منهاج علمي دقيق ومتخصص لقراءة وتحليل النسق الفني للتراث المغربي، متجاوزين بذلك مرحلة الوصف إلى مرحلة أكثر انفتاحا على أسئلة الموضوع وأكثر استعدادا أو أهلية لتقديم الأجوبة، وتأسيس المعرفة الضرورية بدل تكريس القراءات المجردة والنمطية، والأمر هنا أكثر ملحاحية في ما يخص تاريخ العبيد وهويتهم الفنية كناوة، وذلك باقتحام مساحات البياض برؤى جديدة و بأدوات حديثة مستقلة عن التأثيرات الميثولوجية والشحنة الاعتقادية، التي وإن هي حاملة لجمالية الطقس الكناوي، فإنها غير حاملة للحقائق المادية المطلوبة لكل بناء معرفي يكرس طبائع وعوامل التقدم في الفهم والتحليل، وعلى ذلك فإن ما قدمناه ليس سوى عتبة أولى من النتائج التأسيسية لهذه الرؤية ولهذه المنهجية الشخصية في قراءة هذا المسار وهذا التاريخ.
إن تجليات هذا الفن في امتداداته المتعددة لا يمكن حصرها في بحث أو دراسة واحدة، بل تحتاج إلى فريق عمل حقيقي بأدوات حديثة وفعالة تمكنه من رصد وتتبع وتدقيق كل المعطيات والإشارات والرموز، وإعادة قراءتها وتفكيكها، خاصة الجانب المتعلق بالطقوس المثقلة بأحاديث الغيب والشر والخير، وفي تقاطع كل هذا بالألوان والبخور والظاهرة الجسدية المصحوبة بالإيقاع وهو ما يسمى ب « الكويو» إضافة إلى مظاهر الجذبة والدخول في الحال أي الوصول إلى حالة نفسية غير طبيعية مشحونة بحركات عنيفة ومسترسلة وتصاعدية حتى الارتخاء .
لقد تطبعت التعبيرات الفنية لفئة السود مع طباع المغاربة بكل خصوصياتهم الإثنية والجغرافية, وفي استمرارية فن كناوة ووصوله إلينا ما يقوي هذا الاعتقاد ويدعمه، فالآثار الإسلامية ظاهرة عليه كما المزاج اليهودي في حالة «محلة السبتين» والرائحة الأمازيغية حاضرة في كناوة بمناطق السوس المغربي .
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.