أخر الاخبار

موقف المولى سليمان العلوي من الحركة الوهابية

 رائد السلفية بالمغرب: المولى سليمان

موقف المولى سليمان العلوي من الحركة الوهابية

في بداية النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري انبثقت فكرة إصلاحية في نجد، دعا صاحبها محمد بن عبد الوهاب إلى نبذ كثير من المظاهر الاجتماعية التي تنسب إلي الإسلام جهلا في حين أنها بدع ضالة. وأدت دعوته إلي خلق مؤيدين ومعارضين شأن كل الدعوات وانتقلت من إطارها النظري إلي الإطار الحربي حينما بلغ الحكم إلي السعودية بن عبد العزيز الأول بن محمد بن السعود، وهو شيخ من نجد ذو شهامة واعتزاز لم يكتف بترداد مضمونها ونشر بنودها نظريا ولكنة شهر السيف في وجوه المناوئين حتى استطاع أن يدخل مكة منتصرا سنة 1218 هـ وبدخوله لها أصبح حكمة ذا طابع شرعي. ولم تشأ الظروف أن يحضر محمد بن عبد الوهاب لحظة الانتصار لأنه كان قد توفي سنة 1206 هو لكنه خلف ولدا ممتلئا عقيدة ومتحمسا بفكرة والده فدافع عنها علما وعملا تحت حماية السعوديين الذين تبنوا الفكرة. وأقام ندوات متعددة في مكة اشرح آراء الدعوة الإصلاحية وتفسير أصولها وبين أمام محضر كبير من العلماء علي اختلاف مذاهبهم أن الدعوة الجديدة تهدف إلي تحقيق ماياتي. (أولا) إحياء الأصول التي يعتمد عليها أهل السنة والجماعة.
(ثانيا) إقرار مذهب السلف فيما يتعلق بالصفات الإلهية وهم يقرونها علي ظاهرها ويوكلون أمرها إلي الله. (ثالثا) الاعتماد في الفروع علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل دون التفكير علي من يقتدي بمذهب أخر. وأهم ما يتعلق بدعوتهم إقرار التوحيد الإسلامي الطاهر البعيد عن الاشتراك بالله  ومحاربة كل المظاهر التي أحياها الجاهلون حينما شوهوا زيارة القبور والاضراحة و جعلوها ملتجأ لدعواتهم واشتغاتتهم واعتقدوا فيها ماكان يعتقده المشركون في أوثانهم وأصنامهم . ولما كان هذا الأمر جد خطير بالنسبة للأوضاع الاجتماعية في مختلف البقاع الإسلامية ارتأى السعود بن عبد العزيز أن يوجه رسائل إلي ملوك الدول الإسلامية وإلي رؤسائها يبين لهم أهداف دعوته ويشرح لهم الأسباب التي أدت إلي محاربة الضلالات ومقاومة المفاسد . وبلغت الرسالة إلي السلطان المولي سليمان رحمه الله سنة 1226 هـ فوجدها لا تتنافي مع الأصول الإسلامية ومع ذلك فقد جمع العلماء يستشيرهم ويستفتيهم ويرجو منهم إبراز ما يكنون إزاء هذا الموقف الإسلامي في بلاد الحجاز. ولم يكن المولي سليمان بالجاهل ولا بالمتخلف فهو الذي تلقي الدراسات الدينية واللغوية  عن جماعة من الأساتذة  الموفقين تحت رعاية والده محمد بن عبد الله فتربى ذوقه ورقت مشاعره وأصبحت الخشية تغلب علي سلوكه، لذلك فكر جديا في الأمر وأرسل بعثة مغربية تضم عددا من الفقهاء وعلماء الدين مصحوبين بابنه إبراهيم ليؤذوا  فريضة الحج  ولترأسوا الحجاج المغاربة وليطلعوا عن كثب علي مضمون الدعوة وأهدافها.  وضم الوفد المرسل إعلاما مغربية لم تكن مجهولة آنذاك  منهم. القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي . والفقيه أبو الفضل العباسي بن كيران .  والفقيه المولى الأمين بن جعفر الحسيني ألرتبي. والفقيه محمد العربي الساحلي .  ونقل صاحب الاستقصا نصا  من كتاب الجيش لاك نسوس  بين فيه ما نقيه الوفد من التجلية والاحترام وذكر جزء من الحوار الذي كان بين الأمير السعود بن عبد العزيز الأول وبين القاضي المغربي (1)، وأهم ما جاء في الأسئلة قول القاضي :"وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها، وقال: معاذ الله أن ننكر ما ثبت في شرعنا.   وهل منعناكم أنتم لما عرفنا أنكم تعرفون كيفتها وأدبها؟ وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالإلوهية ويطلبون من الأموات أن تقضي لهم أغراضهم التي لا تقضيها إلا الربوبية ، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى وتذكر مصير الزائر إلي ما صار إليه المزور، ثم يدعو له بالمغفرة ويستشفع به إلي الله تعالى ويسأل الله تعالى المنفرد با لإعطاء والمنع بجاه ذلك الميت أن كان ممن يليق أن يستشفع به، هذا قول أمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ولما كان العوام في غاية البعد عن أدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة فلي مخالفة في هذا القدر آه؟  ولما رجع الوفد إلي المغرب بين بكل وضوح موقف الوهابيين وتمسكهم بأصول العقيدة واحترامهم لأل البيت وتطهيرهم للحرم الشريف من كثير من البدع والمفاسد، وسمع المولى سليمان كل ذلك ووعاه فرآه منسجما في جوهرة مع التعليم الدينية وقارن بينه وبين ما عليه كثير من الجهلة بالمغرب حينما غلوا في الدين ونسبوا إلي غير الله ما هو لله، فأشفق عليهم من ذلك وكتب رسالته الشهيرة التي أنكر فيها سلوك أهل البدع الضالة وفتح الأعين علي حقيقة السنة التي تتنافى مع الغلو في احترام الأموات غلو يدفع العوام إلي الاعتقاد في كونهم ينفعون أو يضرون . وهذه الرسالة نظهر لنا أن موقف المولى سليمان من مفهوم البدعة لم يكن بعيدا عن موقف الوهابيين ولكن موقفه من مخالفتها لم يكن شبيها بموقفهم، فهم اختاروا العنف وآثروا منع العوام من زيارة القبور سدا للذريعة وهو اختار طريق التوعية و الإرشاد والنصيحة وفتح الأعين علي حقيقة الدين، وخطته هذه صالحة بالنسبة للوضع التي كان عليه المغرب آنذاك وبالنسبة لموقف المولى سليمان من هذا الوضع. فالمغرب في الحقيقة غزته الاتجاهات الصوفية الصافية حقبة من الزمن فلعبت دورا عظيما في تهذيب النفوس وتقوية الإيمان والإعانة على الجهاد والمحافظة على مصالح العباد ثم تضاءلت هذه الحقيقة فدخل إعياء التصوف في الميدان وانتقلت الحركة الصوفية إلي أيدي بعض العوام فتلاعبوا بجوهرها وكدروا صفاءها ودنسوا روحها . وهنا لا بد من اختيار طريق الإصلاح، فأما محو للفكرة الصوفية من أساسها وقضاء على مراكزها وأما تهذيب للطباع ونشر للدعوة السليمة وإرجاع الحق لذريه والفضيلة لممارسها. أما الوهابيون فقد اختاروا الاتجاه الأول فقرروا هدم كثير من المزارات وتحطيم كثير من الأضرحة لأنهم رواها تحول بين العبادة الطاهرة وبين الإنسان أما الموتى سليمان فاختار الطريق الثانية ورأى أن تطهير المبادئ الصوفية خير من القضاء على مراكزها ولهذا فكر جديا في الجهر بالحقيقة وحاول أن يظهرها أمام الملأ وأن يزيل المسؤولية فأعلن موقفه بكل وضوح وبدون التواء. إن إصلاح العقيدة شرط أساسي في نقاء النفس وسلامة الإيمان وكلما انتشر الغلو بين قوم إلا وضعفت فيهم قوة التفكير وضاعت منهم سمة العقل الرشيد . وهذا هو السر في أن المولى سليمان حاول القضاء علي مظاهر البدع في دولته لأنه رآها تخرب العقيدة وتفسد روح الإيمان وتكثر في التهريج والخرافات، وبين التهريج والخرافات تضيع الحقائق وتنهار القيم وتصبح الأيادي الجاهلة تتصرف في عقول أغلبية الشعب فلا تبقى للإسلام  ملامحه الظاهرة ولا مواقفه المشرفة ويصبح الحق باطلا وتصبر البدعة سنة وويل لأمة تنقلب فيها الآية فإذا بالحق يدخل في إطار الخرافات بالخرافة تدخل في إطار السنة المتبعة.   تـــلك خـطـة المــولى سلــيمـان، أنــها مؤازرة لفـكـر الوهــابـيـين من الناحية الدينية فيما يتعلق بتطهير العقيدة من الانحرافات التي  أصيبت بها، إلا أنها مخالفة لطريقة التطبيق التي سار عليها أولئك
أما الموافقة فتظهر في المقارنة بين رسالة المولى سليمان وبين المصادر الأصلية التي وضعها الوهابيون شرحا لعقيدتهم . ومن هاته المصادر كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد لمحمد بن عبد الوهاب، صاحب الدعوة، فلقد اختار فيه من الآيات والأحاديث ما يؤيد به وجهة رأيه  وتعرض  لمفهوم التوحيد والشرك وبين فيه المواقف الحاسمة التي أظهرها الإسلام ضد كل ما من شأنه أن يجعل لله شريكا في أي صفة من الصفات أو شكل من الأشكال، وبين أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها   أوثانا تعبد من دون الله واستدل في هذا الباب بالحديث الذي دونه الإمام مالك في الموطأ فقد روي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد  غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد(2)، واخرج المولى سليمان هذا الغلو من الناحية النظرية إلى الناحية العلمية ليدل المغاربة على مواقعه وعلى إخطاره فقال في رسالته:" من الغلو البعيد ابتهالات أهل مراكش بهذه الكلمة سبعة رجال فهل كان لسبعة رجال يطوفون عليهم، فعلينا أن نقتدي سبعة رجال ولا نتخذهم آلهة لئلا يؤول الحال منهم إلى ما آل إليه في يغوط ويعقوب ونسرا". وهي صيحة لا تصدر إلا عن مؤمن صادق يعرف مضار كل تعفن في العقيدة والسلوك وحاول أن يستخدم الجانب ألإقناعي في النهي ليرفع به مستوى الذين يستمعون إليه فتضمنت هذه الفقرة من رسالته الملاحظات التالية :
أولا: أن الابتهالات بالأشخاص داخلة في إطار الغلو البعيد. هؤلاء السبعة رجال لم تكن شبعه يطوفون عليهم فلم  هذه البدعة التي لا أصل لها في إسلافهم.
ثالثا: الإشعار بأن الغرض من زيارة الأموات وزيارة الصالحين الاقتداء بأفعالهم وأخلاقهم لا التعظيم المجرد الذي يخرج عن دائرة التربية إلى دائرة الإعجاب السلبي
رابعا: تذكيرهم بأن عبادة الأوثان إنما جاءت عن طريق الغلو في الصالحين وهو يشير بذلك إلى م ما ما ورد في الصحيح من أن هذه الأسماء هي لرجال صالحين من قوم نوح أعجب بهم محبوبهم فجعلوا لهم صورا وتماثيل سموها بأسمائهم حتى إذا طال بهم الإعجاب وهلكوا بقيت مائلة للناس فورثوا حبها إلى حد التقديس ثم إلى حد العبادة .
خامسا: في هذه الفقرة دعوة صريحة إلى استخدام العقل من جهة والي التقيد بنصوص السنة من جهة أخرى. إن هذه الملاحظات لتدل دلالة واضحة على التوافق في أصل المبادئ السنية بين رأي المولى سليمان وبين الدعوة الوهابية لكننا في الوقت نفسه لا نشعر أنها ستطبق عن طريق القسر والقهر وإنما يبدو أنها ستسير وفق الإفهام  الشرعي والعقلي ليبتعد المخالفون اقتناعا لا ليبتعدوا ودعا وزجرا. وهذه هي الخطة التي تتلاءم مع الاتجاه الإصلاحي الذي كان يهدف إليه المولى سليمان ومع الاتجاه السني الذي دعا إليه والد المولى محمد بن عبد الله رحمه الله. قال الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله في كتابه ، معطيات الحضارة المغربية، حين حديثه عن ملوك المغرب والطرفية(3)" وقد ألف أبو الربيع مولانا سليمان خطبة ضد المواسم والطرائف متأثرا فيها بروح والده السنية وكان تحريره لهذا الرسالة سدا للذريعة وحماية للشريعة رغم تشبعه هو ووالده بالروح الصوفية السلفية . ولعل هذا التشبع بروح الصوفية السلفية هو الذي جعل المولى سليمان يختار في تطبيق الفكرة طريق الوعظ والإقناع والتوعية لئلا بنسف كثيرا من المظاهر الحضارية داخل المغرب. فالفكر في أساسها فكرة سنية سلفية ودعوة الوهابيين لها لما يؤكد إخلاصهم في الدين وتفانيهم في تطهير العقيدة ولكن تحقيق هذه الدعوة المولى سليمان يأخذ سبيلا غير سبيل الوهابيين . إن الفكرة في أساسها واحد، فلماذا نضيق الخناق على الفكر فلا نختار الا اسبيلا يؤدي إلي العنف والاضطراب. أننا لو بحثنا بعمق أن الظروف لها دور فعال في اختيار الاجتهادات ولهذا ينبغي أن نزيل عنصر الحقد والتعصب من أنفسنا لنبحث عن الحقيقة وأن نمعن النظر في الأحاديث الواردة في هذا الباب وفي طرق تأويلها عند كل طائفة وإلا نأخذها مأخذا نهائية مادامت قابلة للتأويل والتفسير . إن هذه الأحاديث التي يجعلها الوهابيون انطلاقا إلى مواقفهم تجد من علماء المسلمين من يشرحها شرحا آخر ينطبق مع اتجاه الذين أباحوا زيارة القبور وبناء الأضرحة وشد الرجال لها لا على أساس أنها تزار لذاتها وإنما على أساس تقدير المزور تقديرا لا يتنافى مع سلوك الإسلام، فلو أخذنا مثلا قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في السباق لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لو جدنا هذا القول منه تحذيرا لا صحابه من أن يفعلوا بقبره ما فعل اليهود بقبور أنبيائهم لئلا ينساقوا مع أهوائهم فتبلغ بهم محبته إلي حد الغلو الذي يخرجهم من إيمانهم ويبعدهم عن توحيدهم. وهذا الحديث يأخذه الوهابيون ويجعلونه منعا مطلقا للجمع بين القبر والمسجد ويضيفون إليه أحاديث أخرى تؤكد معناه وتصرح بالمنع والحظر وبضعه ابن عبد الوهاب في كتابه التوحيد في باب ما جاء به التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده . لكننا إذا أخذنا الحديث ذاته لوجدنا هناك تفصيلا في شرحه عند طوائف من المسلمين.  فالبيضاوي مثلا ، وهو احد المفسرين، يقول : "لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنعهم عن مثل ذلك وأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا بالتعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد(4) وفي هذا النص تأويل شرعي يبيح إقامة الأضرحة بجوار المساجد لكننا قد نجد أن المنع الذي يفهم من سياق الحديث ناتج عن الخوف من عبادة الأضرحة وعبادة أربابها، أما إذا زال المانع فان المانع يزول بناء على القاعدة الأصولية التي تقرر أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما. وهكذا نجد أن الحديث صالح للمنع وصالح للتفصيل بين المجاورة والمباشرة وصالح لتأويل الجواز إذا زال المانع ويكون الحال حينئذ في هذه المشكلة كالحل في أمر التصوير، فقد وردت أحاديث تزجر المصورين وتخوفهم من عذاب الله (5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله وقال كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم وظاهر هذين الحديثين المنع  مطلقا وبذلك قال الوهابيون ولكننا لو أمعنا النظر لرأينا أن السبب في المنع هو التخوف من أن يعود الناس إلى عبادة الأوثان أما إذا زالت هذه الأسباب وارتفعت هذه الموانع فانه لا مبرر لا استمرار هذا التحريم وبذلك أفتى الشيخ محمد عبده رحمه الله وهي فتوى تنسجم مع الواقع وتنطبق مع العقل ولا يجافيها الرأي السليم(6).

ان نفس الاعتبار يمكننا أن نجعله منطبقا على بناء الأضرحة وعلى زيارتها وعلى وضع المساجد بإزائها فإذا خيف من عبادة الأضرحة عبادة من يسكنها فان المنع ظاهر. إما إذا زالت هذه التخوفات ولم يعد هناك ما يبررها فلا معنى والتحريم. ولعل هذا الاعتبار هو الذي دفع المولى النهي عن الغلو والى محاولة توعية رعاياه لئلا يقعوا في هذه الموبقات المؤدية إلى تاليه الأضرحة وذويها. إن المغربي كان يقتضي ثورة على المفاهيم لا نسفا للمآثر والمعالم، فحفظا على تاريخ أولئك الذين بنيت أضرحتهم بناء مشيدا وجلهم من الفاتحين والمرابطين والمجاهدين والعلماء والمربين والصالحين وإبقاء المظاهر بطولاتهم لتكون رمزا يقتدي به المقتدون فان المولى سليمان آثر التوعية على الهدم والإرشاد على التحجير والتنبيه على حقيقة آداب الزيارة وعلى إبطال الزيارة من أصلها . وبذلك تكون الفائدة مزدوجة تجمع بين الإبقاء على معالم الصلاح وبين إصلاح نفوس المنحرفين . وهذا التأويل لا يتنافى مع الروح الصوفية الطاهرة التي ربي عليها المولى سليمان . وإحياء السنة في الدعوة الوهابية لم يقتصر على هذه الجزئية بالذات، فلقد دعا محمد بن عبد الوهاب إلى الوحدة والإخاء والابتعاد عن التناحر وعدم الرضي بالتقليد الأعمى وغير ذلك من الصفات الحميدة وهى صفات لو تأملنا حياة المولى سليمان لرأيناه يدعو إليها أيضا. فالروح الإصلاحية كانت تجمع بين الدعوتين ولن يقوم الكيان الإسلامي الأعلى أساس الوعي الصادق والإخلاص المتواصل والاعتزاز بالله وبدينه . ويمكن لمن يدرس التاريخ الفكري لهذه الدعوة أن يجد أصولها في كتاب وضع تصميمه الداعية محمد بن عبد الوهاب وشرحه شرحا كافيا وفق المنهج الوهابي عالم العراق الكبير السيد محمود الالوسي وسماه: "مسائل الجاهلية" وكأنه في هذا الكتاب يريد إيضاح مظاهر الانحراف في عهده التي أصبحت شبيهة بمظاهر الانحراف التي كانت في العصر الجاهلي ولم يتغلب على تلك إلا برسالة الإسلام ولهذا لا يمكن التغلب على هذه إلا بإحياء السنة وبالرجوع إلى ينبوعها الأصيل . ولعل الزمن لو أمهل المولى سليمان لإحياء معالم الفضيلة وقضى علي التخلف الفكري ولاستطلاع أن يهذب النفوس وبرشد الغافلون ويبعث السنة من جديد ولتراجع عن التسهيلات التي منحها لبعض الكتب التي ضيق والده طريق نشرها فقد كان المولى محمد بن عبد الله يحارب كثيرا  من كتب الفروع وكتب غلاة الصوفيين ولكن المولى سليمان لم ير راية فكان ذلك من الأسباب التي أدت إلى عدم التوفيق في رسالته الهادفة إلى إحياء السلفية ومحاربة البدعة والقائمة على التوعية ومخالفة التعفن الفكري والعائد.

 

(1)" الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى " تأليف الشيخ أبي العباس أحمد بن خالد الناصري ،
طبعة دار الكتاب، الجزء الثامن، ص 121. ومما يلاحظ أنه وقع خطأ للناصري حيث نسب هذا الحوار لعبد الله بن السعود في حين أنه للسعود بن عبد العزيز، ويظهر ذلك من التحقيق التاريخ الاتي : فالسعود قد ولي الملك سنة 1218هـ، وتوفي سنة1229هـ حيث تولي من بعده ابنه عبد الله ، ولقد تقدم لنا أن الوفد توجه إلي الحجار أثر الرسالة التي بلغت إلى المولى سليمان سنة 1226ه
وهو تاريخ يتفق مع عهد السعود لا عهد ابنه عبد الله . انظر تاريخ الدول  الإسلامية ومعجم الأسر الحاكمة للدكتور أحمد السعيد سليمان .   
المصالح مولاي سليمان ملك المغرب، وفي وقته قام الأسبان بعرض بيع المدن المحتلة من ظرفهم  بشمال المغرب ولكن في نفس الوقت كانوا يفكرون في احتلال منطقة وادي نون والساقية الحمراء
(2) كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، الطباعة المنبرية، صفحة :49.
علي بأي العباسي ما هو إلا الاسباني دييكو باديا الذي جاء إلي المغرب سنة 1803 مبعوثا من طرف كودوا الساعد الأيمن لملك اسبانيا وكانت مهتمة تهيئ الجو لا انقلاب يجب أن يقع بالجنوب المغربي ليمكن الاسبانيين احتلاله بسهولة          
أعلنت اسبانيا الحرب على المغرب يوم 22/10/1859 ويرى في الصورة الملكة الاسبانية إيزابيل الثانية تترأس مجلسا للوزراء.
(3) معطيات الحضارة المغربية للأستاذ عبد العزيز بن عبد الله، الجزء الأول ، ص :162.
(4) "إرشاد الساري لشرح البخاري " للعلامة القطاني، الجزء السادس ، صفحة521.
(5) كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، صفحة :123.
(6) اقرأ بحثا في الموضوع التصوير ووضع التماثيل بمكاتب الفكر الإسلامي والتطور للا أستاذ محمد فتحي عثمان ، الطبعة الثانية صفحة :284.  
7) طبع الكتاب سنة 1348 هـ بالمطبعة السلفية لمحب الدين الخطيب
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -