أخر الاخبار

معركة جني.. الجيش المغربي يسقط إمبراطورية مالي

 
من منا لم يسمع بالقصة المثيرة للحاكم الإفريقي الشهير "مانسى موسى" أو الحاج مانسى موسى، وحكايته حجه الشهيرة التي مر فيها بمصر في طريقه للأراضي المقدسة، حيث حكى المؤرخون قصصا عن غناه الفاحش لدرجة وصف فيها بأغنى ملك في العالم، وبسبب الذهب الذي وزعه في المنطقة صار الذهب لا قيمة له بحسب القصص والروايات.

  
مانسى موسى نجح في وضع أسس قوية لإمبراطورية مالي في القرن الرابع عشر، حتى أصبحت أكبر قوة عسكرية واقتصادية في منطقة غرب إفريقيا، إلا أن الوضع تغير في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، بحيث تفككت الدولة، وقامت الكثير من أقاليم ومناطق مالي بالاستقلال، ومن بينها إمبراطورية السونغاي أو الصونغاي، ووصلت مالي إلى حالة من الضعف لم تعرفه في السابق.​

خلفية تاريخية:​

معركة جني.. الجيش المغربي يسقط إمبراطورية مالي
موقع مدينة جني على الخريطة على ضفاف نهر النيجر​



في عام 1591 أرسل المغرب في عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي حملة عسكرية لغرب إفريقيا أو ما كان يسمى آنذاك بالسودان الغربي، وكانت الحملة مكونة من قوة استكشافية تعدادها 4000 جندي نصفهم تقريبا من الضباط والجنود ذوي الأصول الأندلسية والمزودين بالأسلحة النارية والمدافع بالإضافة إلى جنود البحرية (الذين سيكونون قوة نهرية مغربية على نهر النيجر) وكذلك الفنيين والمسؤولين عن الإمداد والخيل والجمال... وتمكنت القوة الاستكشافية من الانتصار على جيش امبراطورية السونغاي الافريقية (التي كانت تضم عدد من الدول الحالية كأجزاء من مالي والنيجر ونيجيريا...) واحتلال جزء من اراضيها التي ستصبح فيما بعد ما يسمى ب "باشوية تمبوكتو"، وهو كيان سياسي- عسكري أقامه الجيش المغربي في غرب افريقيا واستمر باعتباره ولاية مغربية الى غاية نهاية القرن التاسع عشر قبل دخول الاحتلال الفرنسي (حجم الأراضي التي سيطر عليها المغاربة انكمش مع مرور السنين بسبب ظهور قوى محلية منافسة في المنطقة والمنازعات بين أحفاد الجيش المغربي).
​ 

ما قبل المعركة:​

بعد أن اتم الجيش المغرب هزيمة جيش السونغاي في معركة تونديبي في 13 مارس 1591 سرعان ما أدرك قائد الجيش ثم الحاكم المدني لغرب إفريقيا جودار باشا (الباشا رتبة عسكرية وإدارية مغربية اقتبسها المغاربة من العثمانيين في إطار الاصلاحات العسكرية في القرن السادس عشر) استحالة السيطرة على كافة أراضي دولة السونغاي بسبب اتساعها وكذلك صعوبة تأمين خطوط الإمداد من المغرب عبر الصحراء الإفريقية الكبرى، من دون نسيان المقاومة الشرسة للسونغاي والمتحالفين معهم من شعوب وممالك المنطقة على اعتبار أن المغرب كان ينظر إليه في بداية الأمر كقوة احتلال وغزو أجنبي، وترجمت هذه المقاومة بعمليات حرب عصابات دامت سنوات طويلة، لذلك كان من الضروري احتلال أهم المناطق الواقعة على نهر النيجر وتأمينها والتي تشكل أهم النقاط التجارية كذلك، فتم اختيار تمبوكتو كعاصمة ومقر حكم ثم غاو وجني كمراكز تجارية مهمة وكحاميات عسكرية للجيش المغربي.

الوضع الجديد في منطقة غرب افريقيا شجع حاكم مالي منسى محمود الرابع على محاولة استعادة أمجاد امبراطوريته عبر توحيد المناطق والممالك التي كانت ذات يوم تحت سلطة دولته وذلك من خلال إعلان الحرب على المغاربة، وكانت أولى خطوة لذلك هو مهاجمة الحامية العسكرية المغربية في مدينة جني عاصمة سلطنة ماسينا واستعادة المدينة التي تشكل نقطة تجارية مهمة على نهر النيجر، وكان المغاربة قد دخلو جني في 1591 وأخذوا البيعة من حكامها لسلطان المغرب، ومن أجل ذلك بعث الحاكم المالي برسائل إلى قادة المقاطعات المالية يحثهم فيها على مساندته في هجومه على المغاربة، بما في ذلك "حماد أمنة" قائد شعب الفولاني المعروف في غرب إفريقيا بالإضافة إلى حكام الممالك الإفريقية الأخرى "كلا" و"بندوكو" و"فدكوكويا". في الواقع فإن قليلا من القادة استجابوا للدعوة، كما أن ولاء شعب الفولاني كان مشكوكا فيه.
 
وكان الحاكم العسكري المغربي في جني في تلك الفترة هو القائد "سيد منصور"، في حين أن حاكم جني هو الملك "محمد كينبا بن اسماعيل" من السكان الأصليين والذي أبقاه الجيش المغربي بعد دخول المدينة دون قتال بسبب تعاونه، وفي أوائل شهر أبريل نجحت قوات مالي بقيادة منسى محمود الرابع في في الوصول إلى مشارف مدينة جني، فأرسل القائد سيد منصور مناشدة عاجلة لتمبوكتو عاصمة الحكم المغربي في غرب افريقيا يطلب الدعم، وكان الحاكم العام للجيش المغربي هو "الباشا عمار" (وهو نفسه الذي تذكره المصادر ب "الفتى عمار" أو "عمار البرتغالي" الذي شارك في معركة وادي المخازن الشهيرة في 1578 ضد الجيش البرتغالي ) فأرسل على الفور قوات دعم برئاسة اثنين من القادة هم: القائد "مصطفى الفيل" والقائد "علي بن عبد الله التلمساني" .
معركة جني:​
img-1.jpg
موقع مدينة جني على الخريطة على ضفاف نهر النيجر​

وصلت التعزيزات المغربية في ساعات الصباح من يوم 26 أبريل من العام 1599 عبر نهر النيجر، وكانت القوات المغربية تضم بحارة تدربوا جيدا على الإبحار في الأنهار منذ أن كانت القوات تتدرت قرب العاصمة مراكش قبل انطلاق المهمة في 1591، وكان عناصر البحرية وعلى رأسهم "الرياس" جمع "ريس" مكلفين بقيادة المراكب والسفن النهرية على نهر النيجر، وحينما اقتربت القوات المغربية من جني اكتشفت أن قوات منسى محمود الرابع قد سيطرت بالفعل على ضفاف النهر في مدخل المدينة، فكان على القوات شق طريقها والتقدم نحو المدينة تحت وابل سهام ورماح الجيش المالي، ورد المغاربة بأسلحتهم النارية وبنادقهم على المهاجمين، ونجحت القوات المغربية بالفعل وبعد جهد جهيد في شق طريقها عبر نهر النيجر ودخول جني ، إلا أن الجيش المالي كان ما زال متماسكا.

بعد وصول قوات باشوية تمبوكتو لدعم زملائهم في جني بقيادة مصطفى الفيل وعلي بن عبد الله التلمساني، قرر القائد سيد منصور مهاجمة القوات المالية، وكان ذلك بعد ظهيرة يوم الجمعة 26 أبريل من سنة 1599 ، وبالإضافة إلى القوات المغربية داخل المدينة وقوات الباشوية القادمة من تمبوكتو، كانت القوات المحلية لملك جني التابع للمغاربة محمد كينبا جاهزة للقتال، بل إن المصادر تشير إلى أن عددا من حلفاء قوات منسى محمود الرابع قد انفضوا من حوله وانضموا للمغاربة قبل البداية، وكانت القوات المغربية تتوفر على الأسلحة النارية من بنادق ومدافع وكان هذا هو العامل الحاسم –بحسب الكثيرين- في الانتصار في المعركة، مقابل جيش مالي تقليدي بوسائل بدائية، بالإضافة إلى المكان الذي قرر مانسى محمود حشد قواته فيه والذي كان عبارة عن جزيرة رملية وسط المستنقعات تعرف باسم "رمل سانون" أو "سنونة" فأحاط بهم الرماة وأصحاب المدفعية المغربية وفتكوا بهم وهرب منسى محمود مع بعض مؤيديه وحاشيته.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -