أخر الاخبار

السينما في المغرب: البدايات


 السينما في المغرب: البدايات

يتفق معظم الباحثين على أنه لا حديث عن سينما مغربية ابان فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب وانما عن السينما في المغرب او" السينما الكولونيالية " , وهي تلك التي جلبها معه المستعمر او فبركها في المغرب مستغلا فضاءه كديكور غرائبي يروق للعين الاوروبية , سواء كانت داخل او خارج مستعمراتها , كما استغلت العنصر البشري المغربي كجزء من هذا الديكور مثل الخيمة , البئر , والنخلة , والجمل .. ثم بدأ هذا الاستغلال يتطور بتحويله الى ممثل ثانوي كالخادم والحوذي والراقصة واللص من اجل تأثيث المشهد السينمائي الاستعماري الهادف الى تلميع صورة المحتل ووصفه بجالب الحضارة والتقدم ..مع استثناءات قليلة مثل : فيلم "الباب السابع " لأندريه زفوبودا، وفيلم "زواج الصحراء " وكلاهما في عام 1948 و فيلم "عطيل " لأورسون ويلز عام 1949 و فيلم "علي بابا والأربعين حرامي " لجاك بيكر عام 1954 و فيلم "الرجل الذي عرف أكثر من اللازم " لألفريد هتشكوك عام 1955

السينما في المغرب: البدايات


وتتمفصل مراحل الانتاج السينمائي بالمغرب في الفترة الكولونيالية حسب كتاب " تاريخ السينما بالمغرب _ السينما الكولونيالية " لمولاي ادريس الجعيدي الصادر عام 2001 الى اربع عشريات تحمل كل منها سمات تصنع تمايزها عن باقي المراحل وتمتد المرحلة الاولى من 1896 الى 1917 , وهي الفترة التي شهدت تصوير أول تصوير سينمائي بالمغرب وانجاز بعض الروبو رتاجات والافلام الوثائقية

فقد قام الأخوان لوميير بتصوير عدد من الأفلام القصيرة بالمغرب عام 1896، وقدم أول عرض سينمائي في القصر الملكي بفاس في العام التالي. كما صور فيليكس ميسغيش العنف الفرنسي في فرض الحماية علي البلاد. وفي عام 1919 تم تصوير أول الأفلام الروائية بالمغرب تحت الاحتلال، والتي يزيد عددها على الخمسين.

وتطور الانتاج السينمائي خلال العشرينات خصوصا عقب النجاح التجاري لفيلم { اطلنتيد 1921 } باعتباره منعطفا في تاريخ السينما الغرائبية . وتميزت هذه المرحلة بتدخل المقاولات التجارية التي مولت تصوير أفلام بشمال افريقيا .

وتشكل الثلاثينات أوج تطور هذه السينما كميا حيث تم تصوير أكثر من 35 شريطا طويلا جسدت تطور الانتاج السينمائي الكولونيالي بوظيفته الايديولوجية الغالبة مع استثناءات قليلة وأقيم أول معمل للأفلام (سينيفان Cinephane) في الدار البيضاء عام 1939.

وتجدر الإشارة إلى أن المغاربة لم يقتصر دورهم على المشاركة في الأفلام المسماة "مغربية" فحسب، بل أيضاً في الأفلام الإسبانية والأمريكية والألمانية(1). وأكثرية هذه الأسماء هي التي سوف يمتد حضورها إلى فترة ما بعد الاستقلال في معظم الإنتاجات السينمائية المغربية بما فيها الطويلة والقصيرة، وأغلبها ذو منشأ مسرحي إذ منها تكونت فرقة المعمورة المسرحية.

اما الاربعينات فقد شهدت طفرة نوعية من حيث تعدد المواضيع تبعا للتحولات السوسيواقتصادية وايضا تعدد انتماءات الانتاجات بين فرنسية واسبانية وانغلوساكسونية

وافتتح أستوديو ومعمل سويسي ـ ملكية خاصة ـ في الرباط عام 1944 وفي نفس العام تم تأسيس مبنى إداري للخدمات السينمائية بوزارة الإعلام. كما أُسس المركز السينمائي المغربي لإنتاج أفلام تسجيلية إعلامية (خاصة الأفلام ذات الطبيعة السياحية) وتم انتاج أول شريط سينمائي ناطق باللغة العربية عام 1946 بعنوان «الباب السابع» وقام بالتمثيل فيه ممثلون مغاربة وتم عرض هذا الفيلم في جميع انحاء المغرب وكذلك على المشاهدين العرب بفرنسا.

وفي محاولة لإضفاء بعض السمات والطقوس العربية على أفلام هذه المرحلة لجلب المشاهد المغربي خصوصاً بين 1946 و 1949 – وهو المدى الذي استغرق إنتاج هذه العينة المزعومة لتقليد الميلودراما المصرية – فقد تم تصوير تلك الأفلام في نسختين باللغتين العربية والفرنسية، أو بالدارجة المغربية معنونة Sous-Titree بالفرنسية. ثم الاستعانة ببعض الممثلين من أقطار الوطن العربي: كمحمد توري وحيمود الإبراهيمي من الجزائر، العربي التونسي ومحمد الجاموسي من تونس، نصيرة شفيق من مصر، آمال فوزي من سوريا... واعتماد الحكايات العربية الشعبية والتراثية كألف ليلة وليلة. ..

لكن هذه المجهودات المادية والبشرية للمخطط السينمائي الكولونيالي ستحصد الفشل الذريع، لأن أصحاب القرار لم يدركوا أو بالأحرى تجاهلوا أن تعلق المغاربة بالأفلام المصرية – رغم نواقصها – هو في العمق تعبير واضح من الشعب عن انتمائه القوي للهوية الثقافية العربية والإسلامية ، وعن رغبته القصوى في التحرر والانعتاق من نير الاستعمار الفعلي واستعمار الشاشة.
وقد ترتب على هذا الوضع تعثر استديوهات السويسي في القيام بأي نشاط منتظم ابتداء من الخمسينات إلى أن توقف كلياً وأصاب بناياته خراب شامل، إذ كانت النتائج مخيبة للآمال بعد عزوف الجمهور عن مشاهدة الأفلام الكولونيالية سواء في المغرب أو في بعض الأقطار العربية الأخرى بعد عرضها هناك.

كما نشأ عنه أيضاً إفلاس العديد من شركات الإنتاج التي كانت مهيأة في حال نجاحها واستثمارها استثماراً جيداً على المستوى السياسي، أن تكون مهداً حقيقياً للسينما المغربية لاحقاً.

وفي محاولة أخيرة لتجاوز هذا الوضع الانتكاسي وجذب الجمهور قصد إنعاش فروع التوزيع والاستغلال، التجأ المخطط الكولونيالي إلى تنويع جديد يعتمد صيغة "الإنتاج المشترك" على المستوى الفني أساساً، مع مصر بالخصوص بغية استغلال مكانية السينما المصرية الراسخة بالوجدان المغربي آنذاك بعد فشل استراتيجية محاكاتها. ففي نطاق هذا التصور تم إنجاز أول وآخر فيلم سنة 1955 بعنوان (طبيب بالعافية) عن مسرحية موليير Le Medecin malgre lui. أخرج الفيلم: الفرنسي هنري جاك Henry Jacques بمساعدة كل من المخرج اللبناني الأصل المقيم بمصر يوسف معلوف، والمغربي العربي بناني.

ونظراً لاقتصار الإنتاج (المشترك) على الجانب الفني، فقد تجسدت مساهمة العنصر البشري المغربي في العربي بناني كمساعد مخرج.. وفي الملحن عبد القادر الراشدي بتنسيقه للأغاني وإنجاز بعض الألحان .. ثم في عنصر التمثيل على وجه الخصوص حيث ورد نعت الممثلين المغاربة بجنريك الفليم بـ "المراكشيين"، الذين سبق ذكرهم: (البشير لعلج – العربي الدغمي – الطبيب الصديقي – عبد الرزاق حكم...) إلى جانب ممثلين ذوي جنسيات عربية مختلفة من مصر، وهم الذين تقلدوا أدوار البطولة الرئيسية: أميرة أمير – كمال الشناوي ومحمد التباعي. ومن الجزائر لطيفة وليلى الجزائرية. ثم من تونس محمد الجاموسي.

لكن هذا الخليط اللامحكم – في غياب إدارة وتوجيه حقيقيين للممثلين مع طغيان عنصر الارتجال – أفرز تجربة هجينة وجد مفتعلة كان من الصعب أن يحمل معها الفيلم هوية أو جنسية محددة اللهم فضاء "ألف ليلة وليلة" بشخوصه وديكوراته الغرائبية وأزيائه المزركشة، رغم هيمنة الطابع المصري بدءاً من العنوان إلى لغة الحوار وأغاني الفيلم التي كانت كلها مصرية محضة على ألسنة المصريين طبعاً(2). بينما كان غيرهم من الممثلين – وضمنهم المغاربة – ينطقون بلغة عربية ركيكة تتخللها مصطلحات دارجة مغربية تهدف في كثير من فقراتها إلى الإضحاك.

وهكذا جاء الفيلم عبارة عن اسكيتش هزلي ممطط .. محشو بالمواقف والأحداث المجانية والجري والمطاردات المبالغ فيها .. وبالأغاني والرقصات على الطريقة المصرية والهندية بما يتخلل ذلك من تغيير اللباس عدة مرات خلال رقصة واحدة !! مما يفترض قدراً هائلاً من السذاجة لتقبل مثل هذا العمل و لا نعتقد أن مغاربة الخمسينات ولا قبلهم أو بعدهم كان من الممكن أن يتواصلوا معه أو يقبلوا به إنتاجاً مغربياً أو أياً كانت جنسيته، الشيء الذي حكم على هذه التجربة بالفشل الذريع هي الأخرى فلم تتكرر، خصوصاً أن إنجازها تم على عتبة الاستقلال السياسي للمغرب الذي حل سنة بعد ذلك عام 1956.

وعموماً فإن ما يمكن أن نسجله من استفادة للعنصر البشري في علاقته بسينما هذه المرحلة هو تعرفه على الميدان ولو جزئياً من خلال ممارسة التمثيل وإنجاز بعض المهام الفنية والتقنية كالموسيقى التصويرية والمساعدة في الإخراج في نهاية المطاف. أما الإخراج كفعل احترافي تؤول فيه سلطة القرار الإبداعي والفني للمخرج ذاته فطبيعي أن يقصى من دائرة الوجود السينمائي في هذه الفترة انسجاماً مع مفهوم الاحتلال أصلاً، والذي لا يعني احتلال الأرض فحسب وإنما احتلال الذات أيضاً بكسر طموحها وتطلعاتها وتغييب إرادتها وقرارها الشخصي. لكن هل ستتغير منظومة التعامل هاته مع الفعالية السينمائية المغربية في فترة الاستقلال باعتبار أن الوضع الاحتلالي قد رحل وانقضى؟ أم أنها ستحافظ على استمراريتها وامتدادها السلبي بشكل أو بآخر؟؟.

فصل من كتاب
" السينما في المغرب العربي
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -