أخر الاخبار

قبائل الشهاونة


قبائل الشاوية: أوصاف الساكنة قديما


في التقسم القبلي القديم للشاوية ضم المجموعة المسماة (أولاد بورزق) والتي تضم ( قبائل سيدي بنداود وأولاد سعيد ومزامزة وأولاد بوزيري) وتقابلها المجموعة الثانية المسماة (أولاد بوعطية) والتي تضم (قبائل أولاد حريز ومزاب والمداكرة) والمجموعة الثالثة المسماة الشهاونة والتي تضم (قبائل الزيايدة ومديونة وأولاد زيان وزناتة وأولاد علي). وذلك في عهد السلطان مولاي اسماعيل العلوي وما قبله.


قبائل الشهاونة

في مقدمة هذه المونوغرافية، يورد ج.ترينكا مجموعة من الشهادات الشفوية عن أصول الشهاونة، استقاها على ما يبدو من السكان المحليين، وتقول الأولى وهي باللسان الدارج: ".الشهاونة هما أولاد زيان ومديونة، وهما خوت في الديوان والبارود.."


ويقول في الثانية:" ..في قديم الزمان كانت هناك قبيلتان في بلاد البربر تعيشان في وئام تام، تحمل الأولى اسم الجطارنة  والثانية اسم الكطـارنة . وحينما غزا الشريف سيدي أمحمد امبارك دفين بلاد زايان أراضي القبيلة الأولى فر سكانها  نحو أراضي القبيلة الثانية واستولوا عليها مما اضطر معه هؤلاء بدورهم إلى اجتياح أراضي جيرانهم من مديونة وأولاد زيان والزيايدة، وحسما للنزاع اتفقت هذه القبائل على حل سلمي يرعى مصالح الجميع. وخلال عقد المصالحة خاطب مبعوثو مديونة زملائهم من القبائل الطارئة: " جيتوا تـشهاونا " أي أنكم أتيتم لاستمالتنا . ومنذ ذلك الوقت صارت تسمية الشهاونة تطلق على كل من أولاد زيان وبني ورا  وكذا على مديونة والزيايدة.


         يختم ترينكا هذه الفقرة من المقدمة بالإشارة إلى أن هذه المونوغرافية لا تشمل إلا قبيلتي مديونة وأولاد زيان بحكم انتمائهما الإداري لنفوذ مراقبة قصبة مديونة. كما يضيف أن مصدر هذه المعلومات هو الروايات الشفوية التي جمعها من السكان المحليين وبالتالي فهو لا يمكن أن يدعي بأنها دقيقة كلها أو خالية من الخطأ، سيما وأن حافزه في كل ذلك إنما هو محاولة فهم وإدراك هذا المجتمع الجديد بالنسبة إليه.


في هذه الفقرة يورد ترينكا بعض التشبيهات الوصفية التي تتداولها قبائل الشاوية فيما بينها بغرض التنكيت والممازحة :


ومنها أن مديونة يوصفون ب " الكرايعية " إشارة إلى تعاطيهم لغراسة نبات "الكرعة"  . كما يوصف أولاد زيان بأنهم " نقازين الدوم "  وهو كناية عما يتصفون به من قدرة على المواجهة واستحالة تراجعهم أمام أي عائق يمكن أن يحول دون تحقيق أهدافهم . ويورد وصفا للمداكرة بــأنهم " النفخة ورقاد الكلخة (أي النوايل) " ، وذلك استحضارا لما يتصفون به من كبرياء وأنفة . ويورد وصفا مماثلا لأولاد أحريز  حيث يصفهم بأنهم " ...... " وذلك للتأكيد على ما يتصفون به من .................


وفي نفس السياق يورد وصفين عن قبائل أمزاب حيث يشبههم الأول  ب "الذبان" أو  "الموسكو أي الروس" وذلك لكثرة عددهم بالمقارنة مع القبائل الأخرى ، كما يشبههم الثاني ب" ناقصين الشملة "   إشارة إلى قصر السلهام المزابي عند أطرافه . ويختم هذا الجرد بإيراد تشبيه عن الزيايدة يصفهم ب: "وكالين الكليلة" إشارة لصفة الإقلال لديهم وعدم التبذير في الإنفاق ، كما يورد تشبيها آخر عن زناتة يصفهم ب : "الجمايلية " نظرا لاهتمامهم بحرفة تسيير القوافل التجارية ، مما يدفع بهم  إلى التنقل الدائم عبر الطرقات.


في الفقرة الثالثة والأخيرة من المقدمة، ينتقل ترينكا إلى تناول بعض العادات والتقاليد التي تتحلى بها القبائل المشكلة لموضوع مونوغرافيته، ومنها:


- أن أهل مديونة وأولاد زيان يتشابهون في سلوكاتهم  وعاداتهم ، حيث يتميزون بالشجاعة والأنفة والاعتزاز بالنفس تماما كإخوانهم " عرب الواسطة " بالجزائر على حد قوله. ويقول أيضا أنهم معروفون بقدراتهم  الكبيرة على تحمل مشاق ومتاعب الأيام الصعبة، ويعرفون كيف يناوئون تجاوزات قوادهم بروح معنوية عالية.


- ويقول أيضا بأنهم يصفون أنفسهم بأنهم عرب أقحاح، رغم ما يبدو لدى بعضهم من ملامح وقسمات الأجداد البرابرة.


- ويضيف بأنهم مجبولون في علاقاتهم على خوض الجدال والملاسنات القوية التي لا تنتهي ، وعادة ما تتخلل هذه الأخيرة ميولات أخرى نحو المناورة  وشطارة الحيل.


وبالنسبة لملابس الناس وأغطيتهم ، فإنه يجعل ملابس الفقراء مقتصرة على جلباب صوفي، إضافة إلى  " التشامير"  وهو نوع من القمصان الطويلة. وتغطى الرؤوس بطاقية مصنوعة من القطن، بينما ينتعلون " البلغة" وهي نعل جلدي.


في حين يؤكد عند وصف ملابس الأغنياء بانسياقهم الواضح كإخوانهم في الجزائر، على حد قوله، نحو بذخ وتأنق واضحين، ويقول بأن ذلك ينسجم مع نظام متكامل يشمل كافة الممارسات والطقوس الاجتماعية  بما في ذلك مناسبات الولادة والزواج والوفاة..


وفي مجال السكن، يقول بأن الفقراء يقطنون عادة الخيام والنوايل المصنوعة يدويا وفق تصاميم ومقاييس بدائية، بينما يتنوع سكن الأغنياء من خيام فخمة سوداء مصنوعة من شعر الماعز وخيوط نبات الدوم أو منازل تسمى " الدار" وهي مبنية بالحجارة وتتوفر على طابق فوق أرضي يسمى " المنزه"، كما تزدان غرفها بالزرابي والأغطية الفاخرة والأثاث الثمين ، مما يجعل أهلها ينعمون بحياة رغيدة تحت رعاية حشد من العبيد والغلمان.


أما في مجال الطبيخ والأكل ، فإن طعام " الدرويش" يكاد يقتصر على كسرة خبز صباحا وطبق من كسكس الشعير مساء، في حين يرى الأغنياء أنهم ما خلقوا إلا لتناول متع الدنيا وبالتالي فإن طعامهم يشمل خمس وجبات يوميا تتنوع خلالها الأطباق المحلاة والمعطرة بشتى أصناف وأنواع التوابل والمقبلات...


ويقول أيضا أن الأهالي مشهورون بحب القنص والشغف بالطرائد، فما أن تنتهي أشغال الحقول حتى يبدؤون في تنظيم دورات الحوزة الكبيرة سواء لقنص الأرانب في بلاد الدوم أو لقنص الذئاب والخنزير البري (الحلوف) في غابة " السوالم " حيث يتبارى الجميع لإظهار مهاراتهم في الرمي والتصويب.


ويقول بأن المسنين  يستحضرون خرجات القنص الخالدة  التي كان كبراء أولاد زيان ومديونة وأولاد أحريز والمداكرة  ينظمونها في الغابات. وفي المساء عندما ينتهي كل شيء ، كان الناس يتجمعون حول شيوخ الرماة  في حلقات  سمر واسعة ، فيتحفهم هؤلاء  بحكاياتهم الجميلة التي تستحضر أيام و أخبار عظماء  أبطالهم،  و تتخللها وصلات إنشاد وغــناء " عبيدات الرمى".


قبيلة مديونة:

أراضيهم /فروعهم / أصولهم:

تبلغ مساحة المنطقة التي تضل هذه القبيلة حوالي 700كلم2، وتقع في معظمها ضمن المجال الساحلي، وهي مكونة من خمس مجموعات هضبية متموجة ، تبدأ من مرشيش على ارتفاع 244م فوق سطح البحر وتنتهي عند ساحله.


يحد هذه المنطقة من الشمال المحيط الأطلسي على امتداد خمسين كيلومترا تقريبا، ومن جهة الشرق أراضي قبيلة زناتة، كما  تحدها من جهة الشمال الشرقي والجنوب أراضي أولاد زيان (موالين الواد وموالين الدروة) و تحدها من جهة الجنوب أراضي أولاد أحريز،  بينما تحدها من جهة الغرب أراضي السوالم موالين الطرايفية. وتتميز هذه الأراضي بخصوبتها البالغة سواء في أجزائها الرملية (تربة الرمل) أو في الأجزاء ذات التربة الحمراء ( تربة الحمري).(أنظر الفصل المخصص للفلاحة).


وعلى امتداد هذا المجال الواسع، تبرز بعض المنازل (الديور) لكن أغلبها مدمر وفي حالة خراب تام من جراء الأحداث الأخيرة ، كما تنتشر مساحات شاسعة من الوهاد والأودية  المغطاة بالأجنة والبساتين ذات الأشجار المثمرة. لكنها لازالت تنتظر بدورها عودة أصحابها .

- والمنطقة عموما غنية بمصادر المياه، حيث تتوفر على العديد من الآبار قليلة العمق فضلا عن السواني، كما تستفيد من مياه مجاري نهرية هي:


* واد حصار: وهو أهمها جميــعا، حيث ينشئ مجراه بالتقاء مياه عيون (تاهنكــا) و(سيدي ابراهيم) المتواجدة قرب ضريح سيدي ابراهيم ببلاد أولاد المجاطية ثم ينحدر نحو أراضي زناتة مرورا بأراضي أولاد بوعزيز، وعند اتصاله برافده واد القنطرة يغير اسمه ليصبح واد الرمان.


* واد بوسكورة: يجري بأتمه في أراضي مديونة، ويصب في المحيط الأطلسي قرب الدار البيضاء بعد أن يتلقى مياه رافده واد القريعة.


* واد الميرك : ينحصر مجراه في أراضي أولاد جرار على امتداد حوالي عشر كيلومترات انطلاقا من عين (خوارة) وهو موسمي حيث يتوقف نهائيا عن الجريان ابتداء من شهر ماي.


- تنقسم قبيلة مديونة حاليا إلى ثلاث فرق كبيرة هي:

·        أولاد عــدو.

·        أولاد حــدو.

·        أولاد عبد الدايم.


      وتتوزع هذه بدورها إلى عدد كبير من الفرق الصغيرة والعظام ويقدر عدد ساكنتها في الوقت الحاضر ب 7000 نسمة.

        - ما هي أصول قبيلة مديونة؟

      لم يستطع أحد أن يفيدنا بشيء ذي بال في هذا الموضوع سواء من الشيوخ المسنين أو من المثقفين وليس هناك أي سند ثابت يمكن أن نرتكز عليه في رد نسب مديونة إلى أصول ما عند أهل   منطقة عين مديونة الواقعة وسط أراضي القبائل الصنهاجية إلى الشرق من مدينة فاس . وهناك من يرد أصول القبيلة إلى أولاد المجاطية إحدى الفرق المديونية، ويدعي هؤلاء أنهم جاؤوا من بلاد مجاط الواقعة قرب مدينة مكناس.


      وعلى كل فلا أحد من أصحاب هذه الروايات المتداولة شفويا عبر الأجيال يستطيع أن يدلل على صدق واحدة منها، وذلك بإرجاعها إلى مصدر مكتوب وموثق. لكن يظهر أن قبيلة مديونة قبل استقرارها النهائي في الأراضي التي تنتشر عليها حاليا، كانت تمتلك المجال الذي تنتشر عليه قبيلة المذاكرة وذلك قبل أن يخرجهم منها هؤلاء، ومما يستدل به على ذلك أن مديونة لا زالوا يملكون أراضي في واد النخل قرب الواد الأحمر وفي مصالة.


      - شــارك أهل مديونة بقوة وفعالية في جميع الأحداث والوقائع التي عرفتها مدينة الدار البيضاء وأحوازها، وقد تضرروا إثر ذلك وبشكل فادح من جراء التواجد المكثف لأعداد كبيرة من محاربي الشاوية على أراضيهم وخاصة ما بين شهري غشت و دجنبر بل إنهم انتقلوا للإقامة عند حلفائهم في المناطق المتضرسة منذ الفاتح من شهر يناير لما أخذت فرقنا طريقها نحو الجنوب.


      وحدهم أولاد جرار ضلوا في أماكنهم حيث تظهر أراضيهم كلها مغطاة بالمزروعات والأغراس، كما كان أولاد بوعزيز قد انزاحوا نحو منطقة الواد في اتجاه أراضي قبيلة زناتة يوم معركة سيدي مومن ثم عادوا بدورهم ابتداء من شهر أكتوبر ليزرعوا حقولهم كما احتفظوا في عزبانهم على أعداد كبيرة من قطعان مواشي المداكرة.


      يعد سي أحمد بن العربي هو القائد الحالي لقبيلة مديونة وهو في نفس الوقت عامل مدينة الدار البيضاء حيث سمح له الاضطلاع بهذا الخليط من المهام الحصول على لقب الباشا.


      ينحدر سي أحمد بن العربي من فرقة الهراويين وبالضبط من فخدة أولاد محمد ويبدو هذا الشيخ المسن الذي تجاوز السبعين محافظا على أبهى مظاهر الوقار والوسامة حيث استطاع خلال إقامته الطويلة في البلاط السلطاني، ومن خلال الاحتكاك الدائم مع الوزراء والدبلوماسيين الأجانب أن يكتسب كل الخصال التي يجب أن تجتمع في شخصية مخزنية.


      وكان قد نودي عليه من الرباط في مطلع شهر يناير ليلتحق بعمله الجديد في مديونة بعد غياب عنها طال ثلاث سنوات تقريبا وقد بدل مجهودات كبيرة من أجل إقناع محكوميه بالرجوع إلى أراضيهم، وتحققت له نفس الأهداف مع أولاد زيان الذين كانوا قد الحقوا بإيالته لبعض الوقت .


      على الرغم مما وضعته الأقدار أمام هذا القائد من مواقف وخصاصيات وحساسيات صارت علما عليه، حيث فقد منصبه على ولاية الدار البيضاء لأربع مرات إلا أنه كان يستطيع استرجاع منصبه ومكانته كل مرة، ولا يمكن تقدير قيمة الأموال التي كان ينفقها من أجل ذلك نظرا لضخامتها حسبما كان يروجه الناس في مديونة حوله.


      كما كانت لعائلة هذا العامل مكانة مرموقة في أوساط القبيلة، حيث كان أبوه قاضيا على الشهاونة زمن حكم السلطانين المولى سليمان والمولى عبد الرحمان وكان هو بدوره قد درس بالدار البيضاء. وحينما كان الوزير الحالي محمد الطريس قائدا على هذه المدينة، اشتغل سي احمد بن العربي ناظرا على أملاكها الحبسية وجمع معها أيضا مهام وكيل الغياب واليتامى إلى جانب مهام أبي المواريث .


      ونظرا لما كان يبدو له من بساطة مثل هذه المهام، واستحقاقه لشغل مهام أخرى أكثر إثارة، فإنه ترقى إلى منصب قائد على قبيلتي مديونة وأولاد زيان وذلك خلفا لكل من عبد السلام بن مشيش قائد أولاد زيان والحاج عبو قائد مديونة الذين تعرضا للاعتقال والسجن بمكناس، ونال في ذلك مؤازرة خاله القائد عبد السلام برشيد.


      وطوال الخمسة والعشرين سنة الموالية لم يكن يبتعد أو يغيب عن ركب السلطانين المولى الحسن أو المولى عبد العزيز حيث رافقهما خلال حركاتهما وتجوالهما في طول البلاد وعرضها، ومما يعرف عنه مثلا أنه تكفل بأجور حوالي ثلاثين رجلا من محاربيه ونفقات تسليحهم خلال الحركات إلى كل من تافيلالت وسوس ودمنات وتادلا وبلاد زايان وتطوان حيث كان كانت تنقل أحماله على أكثر من اثني عشر جملا وخمسة عشر بغلا.


      وأما مدينة الدار البيضاء فقد نشأت على أنقاض مدينة أنفا التي خربت حوالي ست مرات ويظهرانه لم يحن الوقت بعد لتدقيق البحث في تفاصيل هذا التاريخ، وعلى كل حال فإننا نعرف أنها كانت أكثر اتساعا مما هي عليه الآن، وأنه كان لها بريق وجاذبية تجتذب إليها هواة متع الحياة من مختلف أرجاء الإقليم حيث طبقت شهرتها كل أرجائه، ولازالت لها نفس الجاذبية لحد الوقت.


ويبدو أنها عندما تتخلص تدريجيا من أحزمة النفايات التي تراكمت حولها عبر الأجيال فستبدو حينها بمظهر الحاضرة النظيفة، والتي  تشهد جنباتها في الوقت الراهن حركة بناء نشيطة  في كل الاتجاهات حيث  يتم تعويض  المنازل الخربة من جراء قنابلنا بمنازل أخرى جديدة،  كما تشهد  المساحات الفارغة بدورها إنشاء مباني عصرية يظهر أن أصحابها قد  جاؤوا ليعيدوا  بناء ثرواتهم وخاصة بعدما تحققوا  من  جدوى تدخلنا وترسخ اعتقادهم  في حسناته.


ويظهر أن عدد كبيرا من دوي الجرأة والإقدام من أبناء القبائل قد أخذوا يتوافدون على هذه المدينة بعدما زادت  أهميتها التجارية وتطورت خدماتها الترفيهية، ومن هذا الخليط  البشري الذي يشمل أناسا من كل القبائل بالإقليم المجاور تكونت مجموعة  بشرية جديدة صارت  تحمل اسم بيضاوة أي سكان الدار البيضاء، وفي المقابل فإن روابطهم بالجوار كانت  تتم بشكل يزيد من ترسخ تمايزهم عن إخوانهم  "العروبية" من سكان البوادي  المجاورة.


وتوجد  لدى  قبيلة  مديونة قصبة كان  يقطن  بها قائدهم مع  أفراد  من خاصته،  لكن تدهور الأوضاع الأمنية طوال السنوات الأخيرة أجبره على  مغادرتها هو وخليفته  والاستقرار بمدينة  الدار  البيضاء. وقد بنيت على عهد السلطان المولى إسماعيل (1672-1727م) وكان تشييدها يدخل ضمن خطة واسعة المدى تطلب تطبيقها أناة وصبرا طويلين، لذلك أوكل الإشراف عليها للقائد علي بن لحسن المديوني، وكان قد عينه قائدا من الواد حتى الواد، أي من واد أم الربيع حتى واد كرو.


تم البدء في التطبيق الفوري لهذا المشروع بحذافيره، حيث ارتفعت سريعا، وفق نفس التصميم، أسوار كل من قصبات مديونة ومولاي بوشعيب بأزمور، وقصبة بلكوش، وقصبة أيت ريبو، والكنانط وقصبة سطات والقصيبة الحميرة ببوزنيقة.


وكان من المفروض أن تبنى قصبة مديونة قرب ضريح سيدي غالم على بعد ثلاث كيلومترات من الضاية، حيث أدى استغراق العمال في الحفر والبناء طوال اليوم الأول إلى ارتفاع الجدران عن مستوى سطح الأرض، غير أنه في اليوم الموالي، وعندما كان القائد يتهيأ لإعطاء أوامره ببدء العمل تبادر إلى أسماعه صوت امرأة بالجوار تكلم رفيقتها قائلة: (يا صاحبتي اضربي حمارك وتحركي للسير) وقد كان لهذه العبارة وقع سلبي لدى القائد، وهو المعروف بتطيره من الفال السيئ، فما كان منه إلا أن أعطى أوامره للعمال بمغادرة الورش بكامله والبحث عن موقع آخر. وبينما هم سائرون تناهى لأسماع القائد صوت نفس المرأة وهي تأمر رفيقتها بالتوقف قائلة: (مدي هنا) فناداهم بالتوقف في مكانهم ومباشرة العمل من جديد هناك.


قد أن الأحجار التي استعملت في بناء قصبة مديونة كانت تجلب إليها من موقع مدينة أنفا      


وتميز العمل بتشكيل صفوف طويلة من الحمالين لنقلها إلى مكان البناء حيث تطلب الأمر أياما قليلة لتوفير المواد اللازمة. وتتكون القصبة من قسمين الأول وهو الأقدم ويعود إلى العهد الإسماعيلي ويشتمل على عدة مرافق بنيت في عهود متفاوتة القدم، بينما تعود المنشأة التي يقيم بها ضابط الإدارة المدنية إلى حوالي سبعة عشر سنة وقد بناها القائد المدني  بن العربي، أما المنشأة التي يقيم بها الضابط العسكري فتعود إلى عهد القائد ولد أمشيش.


     وبدوره  فإن الحمام القديم الذي يشكل اليوم قاعة للطعام فقد بني من طرف القائد احمد  بن المعطي صاحب القصبة الثانية، وهناك أيضا دار القائد التي توجد خارج  القصبة، وقد بنيت بأمر من السيد  الميلودي خليفة الحاج عبو.


      ويبدو أن  القصبة بفرعيها كانت تحتوي على أكثر من اثني  عشر بئرا  لكنه تم الإبقاء على خمسة فقط بينما تم ردم الباقي  لضرورات أمنية.  كما كانت تضم عدة سجون يمكن أن تأوي أكثر من  مائتي  سجين.


      وعلى الواجهة الجنوبية الشرقية للقصبة لازالت هناك بقايا من أسوار الأكواخ السكنية التي دمرت خلال أحداث 1907، ويظهر أن اصطحابها يستعدون لإعادة ترميمها قصد السكن بها من جديد.


      أما في الجانب الشمالي الشرقي للقصبة فتوجد ضاية كبيرة تبلغ مساحتها  حوالي نصف هكتار تجمع مياه السيول ولكن الأهالي يعتقدون أنها تزود بمياه عيون باطنية نظرا لأنهم لا يذكرون أنها جفت في أي وقت مضى.وعندما تملأها مياه السيول فإنها تصب في مجرى يؤدي على ارتفاع صبيب عين تاهنكا وهي واحدة من مصادر مياه واد حصار، وتعتزم السلطات المحلية معالجتها كيميائيا للحيلولة دون استشراء أية أوبئة.


      وفي الواجهة الجنوبية الغربية من القصبة يوجد الموقع الذي كانت تعسكر به محلة مولاي الأمين خلال أحداث يوليوز 1907. وكان هذا قد حل بمديونة بأمر سلطاني تضم حوالي ألف رجل وذلك لإرغام قبائل الشاوية على دفع المتأخرات الضرائبية التي كانوا يرفضون تأديتها لقوادهم منذ سنة 1903 الذي يطلق عليه اسم عام بوحمارة.


وكان يعسكر برفقته قواد آخرون وهم:

-       التهامي بن العايدي قائد أولاد زيان

-       التهامي بن علي قائد زناته.

-       احمد بن عمرو قائد الزيايدة.

-       الحاج محمد ولد الحاج حمو قائد أولاد أحريز.

-       عباس ولد الحاج عبو قائد أولاد عبد الدايم وأولاد حدو.

-        العربي بن احمد بن المعطي قائد أولاد عبو.


وقد مرت على هذه الحملة حوالي عشرة أشهر لكنها لم تحقق شيئا من أهدافها بل أن القبائل التي تزايدت حدة التوتر داخلها نتيجة التواجد الطويل الأمد لهذه القوات  بين ظهرانيها أخذت تتربص الدوائر بالمولى الأمين قصد اختطافه وإبادة حركته، لذلك فإنه بادر إلى الفرار ليلا إلى مدينة الدار البيضاء مع خاصته، وبعد شهر واحد فقط من هذه الواقعة اندلعت أحداث الدار البيضاء.


قبيلة اولاد زيـان

اراضيهم / فروعهم / اصولهم


يعتبر مجال انتشار قبيلة أولاد زيان اقل اتساعا من مجال مديونة، وقد استطعنا حصره في حوالي 600كلمّ. ويمكن توزيعه إلى نوعين من الأراضي، الأول ويمتد ضمن نطاق التيرس حيث يغلب عليه الانبساط، والثاني ويتكون من تربة الحمري والرمل المشكلان لمنخفضات الواد المالح. كما يضم  أيضا جزءا من أراضي الساحل، ويقطنه السوالم موالين الطرايفية المجاورين لأولاد جرار من مديونة.


تحد هذا المجال من جهتي الشمال والشمال الغربي أراضي مديونة،كما تحده من الشمال والشرق أراضي الزيايدة، ومن الجنوب الشرقي أراضي أولاد علي، بينما يمتد إلى جنوبه مجال أراضي المداكرة وأولاد أحريز، وتمتد  أراضي هذه الأخيرة على طول حدوده الغربية.


أما بالنسبة  للمجاري المائية، فإن هناك مجرى واحد، ويقطع أراضي موالين الواد، وهو واد الملاح، حيث يأخذ منابعه من بلاد المداكرة ويغير اسمه على التوالي من واد مزابرن إلى واد الفكاك إلى ود الملاح إلى واد  القنطرة. ويتميز واديه بالتعمق والتربة البالغة الخصوبة، وهي في معظمها مستغلة وتعطي إنتاجية مرتفعة ومطلوبة، وهي بنفس جودة منتجات بلاد التيرس.


         1/- أولاد زيان.

2/- السوالم: هناك خط فاصل ما بين موالين الدروة وموالين الواد، وينطلق من دار العايدي مارا بالموقع الأثري لقصبة الكنانات. كما يتوفر السوالم هديل، على أراضي زراعية ما بين قبيلة المداكرة وواد النفيفيخ، ويفصلهم الزيايدة عن باقي أولاد زيان. وبدورهم، فإن السوالم أولاد بوشتى الذين كانوا في السابق يحسبون ضمن أولاد زيان، يتوفرون على أراضي تتعمق في البلاد المزابية، إلا أنهم كانوا دائمي التمرد على  قائدهم. وقد سبقت الإشارة إلى أن السوالم موالين الطرايفية يقطنون الجهات الساحلية ، ولهم فيها هناك أراضي بالغة الخصوبة، وتغطيها المزروعات على اختلاف أنواعها.


         وكان أولاد زيان، مثلهم مثل باقي القبائل الشاوية قد شاركوا في أحداث (انتفاضة) الشاوية لسنة 1907، واستبسلوا بقيادة أحد شجعانهم وهو الحاج الحسين الذي يوجد حاليا في السجن، كما برز في هذه المعارك زياني آخر لازال هو أيضا في السجن ويدعى الحاج سليمان.


         ويظهر أنهم قد اختاروا الخلود للسكينة منذ أن قدموا (التعركيبة)، وذلك بغية تبديد ما حاق بهم من متاعب. وكان موالين الدروة قد ركنوا بدورهم للخضوع وقدموا استسلامهم بمديونة ابتداء من 6 يناير1908، ولم تسجل عليهم منذ ذلك الوقت أية محاولة للخروج عما فرضناه عليهم يوم تقدمهم بطلب الأمان.


         أما موالين الواد، فإنهم رغم ما بدر عنهم من استسلام يوم التاسع عشر من نفس الشهر، إلا أنهم عادوا بأعداد كبيرة إلى حمل السلاح، جنبا إلى جنب مع المنداكرة والزيايدة وخاصة في وقعة ابن رابح في السابع عشر من شهر فبراير سنة 1908.


         وكانوا قد اعتقدوا يومها أنه صار بإمكانهم أكل الفرقة التي كان يقودها الكولونيل طوبان تماما كما فعلوا بمحلة القائد العام للجيوش المخزنية بوشتى البغدادي في سبتمبر 1907. ويظهر أن الخسائر الكبيرة التي تكبدوها في هذه الوقعة قد كانت لهم رادعا، حيث أدركوا بعدها أن الوقت الذي كانوا ينالون فيه سريعا من المخزن قد ولى إلى ما لارجعة.


         وفي واقع الأمر، فقد كان بعد مجال انتشارهم عن مركز قيادتهم، يهيئ لهم فرص التمرد وعدم الإنصياع للمخزن، وعند أية صرخة تحذير، كانوا يغادرون مواقعهم لاجئين إلى أراضي جيرانهم الزيايدة أو زعير.


كان أولاد زيان والسوالم خاضعين إداريا لقيادة سي التهامي بن العايدي، وهوسليل فرقة الوشاشنة من موالين الدروة. ويبلغ من العمر حوالي الخمسين سنة، وقبل توليه هذا المنصب، كان خليفة لأخيه القائد سي الحسن  بن العايدي  طوال عشر سنوات تقريبا وقد أخذ مكانه ابتداء من سنة 1901.


أما القا ئد سي الحسن هذا فكان قد تقيد بدوره على أولاد زيان بمبادرة من سي أحمد بن العربي الذي كان في السابق قائدا على القبيلتين لكنه فضل اقتسام منصبه مع خليفته لصعوبة الجمع بينهما. وهي التفاتة لم يحسن ..فيما بعد


ورغم عدم ارتقائه سلوكيا إلى مكانة أخيه، إلا أن سي التهامي كان له من الحكمة والدهاء ما جعله يحيط نفسه بعدد من الأعيان الذين سارعوا إلى موالاتنا قبيل عودته لمنصبه سنة 1908. 


وتجدر الإشارة إلى أن والده وهو العايدي بن اليماني، كان فيما سبق شيخا على فرقته، بينما اشتهر جده بصيت ومكانة أسطوريين وسط القبائل، نظرا لبطولاته الخارقة كمحارب فذ. وقد كان لها دور كبير في الرفع من شأن سي التهامي.


وخلال السنة الفارطة، ثار عليه أتباعه بمآزرة محاربين من أولاد أحريز وموالين الدروة وموالين الواد، وجعلوه يؤدي غاليا ثمن تعسفه وقساوته معهم، حيث خربوا قصبته التي تسمى (دار العايدي) ونهبوا كل ممتلكاته، ولم ينجه منهم إلا هروبه على عجل مع باقي أفراد عائلته. وسيحاول فيما بعد، وبكل شراسة، استرجاع ما ضاع منه.


         أما قصبة القائد الحالي، فتقع في مديونة على بعد 9 كيلومترات، وهي من بناء قائد قبائل الشهاونة محمد ولد أمشيش منذ حوالي ثلاثين سنة، ولازالت تحمل إسمه، وهي قصبة ولد أمشيش. وكانت الحدائق التي تحتويها هذه القصبة قد دمرت عن آخرها، ولم تسلم من ذلك الناعورة والمطحنة والسجن، وكان يتسع ليضم أكثر من مائة سجين. لكنه القائد عاد تحت أوامرنا لترميم كل ما تم تخريبه.


         يشتغل في الوقت الحالي سي المؤذن، وهو أخ القائد، خليفة له، بينما يحل محله في منصبه ابنه سي محمد بن سي التهامي حينما يكون غائبا عن قصبته. 


النظام الإجتماعي والإداري:

القائد – القبيلة – الخواجا – مقونسين ومخالطين


يذكرنا النظام الاجتماعي هنا بالنموذج الفيودالي. ويعد القائد، الذي يعينه السلطان بمثابة رئيس القبيلة وحاكمها حيث يحتكر كل السلطات، قضائية كانت أم إدارية أم ضرائبية فضلا عن تجييش المحاربين من القبيلة. ويساعده في مهامه خليفة له وكذا شيوخ القبيلة الذين يعينهم بمعرفته، كما يتم بواسطتهم تنفيذ أوامره.


وحسب النموذج الفيودالي القديم، فإن السيد في نظامنا هذا يتوفر على عدد من الخلان والأصحاب


يساعد القائد في مهامه خليفة له، بالإضافة إلى زعماء الفرق القبلية وكذا الشيوخ الذين يعينهم بمعرفته، كما يتم بواسطتهم تنفيذ أوامره. ويتجول هؤلاء بين الفرق القبلية حاملين رسائل القائد و توجيهاته للسكان ونصائحه لهم، كما يتلقون مقابل ذلك هدايا كثيرة.


ومن أجل الحصول على أي امتياز أو تفضيل لدى القائد،÷ يلزم الأمر الاتصال أولا بهؤلاء الأصحاب والمخازنية وبسط ذات اليد معهم، ويستحسن هنا الإحجام عن تقديم أية هدايا بسيطة مخافة رفضهم لها.


وفي مستويات أعلى داخل التراتبية الإدارية في العاصمة، يشتغل الوزراء بنفس الأساليب، حيث يصبح أي قائد يريد شراء منصبه مرغما على صب الذهب في محافظ العديد من مستشاريهم البالغي الجشع.


وعندما يتم تعيين القائد ويحصل بين يديه على ظهير تكليفه بمهامه على رأس قبيلته، فإنه يلتحق فورا بمقر عمله. ونظرا لتعدد حاجياته، وارتفاع كلفة المصاريف التي أنفقها خلال مدة إقامته عند الوزراء، فإنه ينخرط مباشرة، بدوافع مصلحية ليس إلا، في أعمال النهب والمصادرة لمحكوميه، سيما وأن المنصب الذي حصل عليه حديثا يمكن أن يطير من بين يديه في أي وقت إذا ما توفر شخص آخر أكثر ثراء وبدلا. وغالبا ما يبقى الأتباع في حالة من الخضوع التام، إلى أن يأتي اليوم الذي يفقدون فيه كل شيء ويعيل صبرهم فيثورون عليه جماعيا، وعندها يتم تخريب داره، وتصادر كل منقولاته وثرواته، ولا يجد إثرها بدا من الهرب إلى ما لا رجعة.


وقد درج قواد القبائل من منطلق مقاومة مثل هذه  الحركات التمردية على بناء قصباتهم، وهي عبارة عن قلاع بالغة التحصين، وعندها يتمكنون من الدفاع عن أنفسهم وإفشال هذه الحركات.


وفي كل قبيلة يكون القائد ملزما بالتعامل مع عدد من الفئات وخاصة منهم (الخواجات ) وهم كبار الأثرياء، ثم الشرفاء والمرابطين. ويمثل الخواجا نوعا من النبلاء، وتكون تحت يديه مساحات شاسعة من أراضي القبيلة، كما تساعده فئات من الأصحاب والمخالطين وهم نوع من الشركاء الفلاحيين ثم الحماسة والعبيد.


يسكن الخواجا في الغالب منزلا (دار)، إما بطابق أرضي أو بطابق علوي ( المنزه) ويحيط بهذه المنشأة خندق كبير تتخذ الأتربة المستخرجة منه كحاجز للتحصين، وفي كل مساء يتم إدخال قطعان المواشي إلى الداخل.


وحول هذا الكطع، يقيم عدد كبير من الأتباع والخلصاء في الخيام أو أكواخ القش مع دوابهم ومواشيهم، ويستفيدون من الحماية التي يكفلها لهم حاميهم ضد هجمات القبائل الأخرى. والقبيلة هي نواة الحكم الإداري، وهي هنا ليست بمثل النموذج الذي يضم عددا من الأفراد المنحدرين من جد واحد، ولكنها تمثل إتحادية ما بين عدد من الفرق القبلية التي جاءت من أصول وأماكن متباعدة، وتدفعها عوامل وأهواء متعددة إلى طلب الحماية من زعيم واحد. وتتكون كل قبيلة من عدة تقسيمات (الجناب أو الجوانب) كما يشكل عدد منها ما يسمى (الأفخاذ مفرده فخذة ). ويأتي على رأس كل منها شيخ وجماعته.


وتنقسم الفرق بدورها إلى فرق أصغر، وتسمى (الأعظام جمعه العظم)، وكذا الدواوير حيث يتوفر كل دوار على جماعته، ويتضمن تجمعا سكانيا من أراضي يملكونها، ويمكن أن تتشظى هذه التجمعات عند بدء موسم الأشغال الزراعية وأعمال الحرث، لكنها تعود للتجمع من جديد عند الانتهاء منها.


ويقوم هذا النظام القبلي أساسا على غياب السلطات الإدارية القارة، كما تتخلله عادة تبادل الهدايا والأعطيات، حيث تحولت مع الزمن إلى طابع الإلزام والمشروعية. وقد صارت هذه الآفة دافعا للطبقات الشعبية نحو التذمر والرفض.


ومن أجل الانفلات كليا من التبعات الثقيلة لوصاية قوادهم عليهم وتجاوزاتهم، فقد سارع عدد كبير من أبناء قبيلتي مديونة وأولاد زيان إلى طلب الحماية من إحدى الدول الممثلة في الدار البيضاء. ونشأت عند هذا الحد فئة اجتماعية جديدة تسمى (المقونسين )، أي أتباع القنصل، ومنها المخالطين، وهم شركاء فلاحيون، ولم يعد للقواد عليهم أية سلطة أو التعرض لهم خوفا من الأصحاب (الحماة) .


العدالة تعيين القائد والقاضي.

القرارات – المحاكم – تنفيذ الأحكام – العدول.


القضاء منظم وفق الشريعة الإسلامية، والقاضي مفوض للحكم في القضايا المدنية والجنائية، لكن القائد هو الذي يتكفل في الواقع مباشرة الاهتمام بكل الإجراءات وتتم وفق المسطرة التالية:


          بمجرد عرض الاتهام، يحضر الوكيل إما بمبادرة منه أو بمقتضى اتفاق كتابي أو شفوي مع موكله، وفي كلتا الحالتين، فإنه مطالب بأداء واجب السخرة لحامل الرسالة، ويكون مبعوثا من طرف القائد. فإذا كانت النازلة قليلة الأهمية، فإن القائد يميل مصلحة الذي يدفع له أكبر هدية (...)، أما إذا كانت على العكس من ذلك شديدة التعقيد، وتتطلب نظرا أعمق، أو في حالة رفض المدعى عليه الحكم الصادر ضده أو كانت المسألة داخلة في إطار الشرع الإسلام، فإن القاضي آنذاك يصادر القضية لنظره، ويبدأ في مباشرتها وفق التشريعات المعروفة.  ويبلغ الحكم للقائد للإشراف على تنفيذه، ويمكن تخمين الوسائل المستعملة في ذلك وكذا المصاريف المنوطة بعملية التنفيذ التي يقتطعها لنفسه.


والويل كل الويل لكل معترض أو معاند، فإن السجن (الحبس) ينتظره، بكل ما يصاحبه من مطامر (صطوان) أو دهاليز (كاشوات)، ولن يفلت حتى من الضرب والسلاسل والعناقية (الخشبة على العنق). وسيبقى في الظلام طالما ارتأى القائد ذلك، إلى أن يأتي من يؤدي عنه الغرامة التي يحددها لتخليصه.


         وتتكفل أسرة المعتقل بمؤو نته، كما أن السجان المكلف بالدهاليز المظلمة هو أبعد الناس عن الشفقة أو طلب الرفق طالما انعدمت الإكراميات. وللمحكوم عليهم الحق في طلب معاودة التقاضي وهو شائع عند الشهاونة، حيث يتقاضى الناس عند قضاة النواصر وفضالة وأحيانا يرفعون قضاياهم إلى نظر قضاة الرباط. لكن أينما ذهبت فإن الهدايا دائما ومطلوبة.


  ولكي لا يظهر القاضي بمظهر المثير للشكوك، فإنه يعمد إلى تأجيل النطق في حكم القضايا المطروحة مرات عديدة، وهي وسيلة للرفع من تعويضاته، لأنه يأخذ أجرا عن كل جلسة. ونادرا ما يلجأ القضاة إلى تسجيل أحكامهم باستثناء القضايا الكبيرة.


فبالنسبة للسرقات، يلزم اللص بإعادة المسروق، ويحكم عليه بغرامة باهظة. أما بالنسبة لجرائم القتل، فإن القائد يسارع إلى اعتقال القاتل ومصادرة جميع ممتلكاته. وانطلاقا من السجن، يباشر القاتل الاتصال بأهل القتيل بواسطة أصدقائه وأتباعه في شأن تقديم (الذبيحة)، وهي عنوان عن الخضوع وطلب الصفح، كما يتم الاتفاق على (الدية) أي الثمن الذي يجب تقديمه فداء للقتيل، وفي الأخير يتم رفع أمر الاتفاق الأخوي بين الطرفين إلى القائد الذي يحرص الطرفان على إبقاءه بعيدا عن شأن المفاوضات.


وتختلف قيمة الدية حسب الأفراد، إلا أن العادة جرت على تحديدها في 500 ريال في المتوسط، وعند التنفيذ يتبادل الطرفان بعض التنازلات، مما يقلص في غالب الأحيان من ثمن الدية.


ويتم الاتفاق أيضا على إشهاد عدد من الشهود وعددهم إثنى عشر في الشرعين المدني والجنائي ، ولكل من الطرفين الحق في إبراز شهوده، ويحكم القاضي وفق الفقه المالكي الذي يعد هو الفقه الجاري في كل الإقليم..ولهم في ذلك أيضا إسنادات وقوانين عرفية. أما الوثائق العمومية( عقود البيع، عقود الزواج، الاعتراف بالدين، ..)، فتعقد عند عدول الديوان. ويمكن للعدول أن يكتبوا عقودهم لأفراد القبيلة، إلا أنهم مطالبون بتوقيعها من طرف القائد الذي يتبعون له. ويعد السيد إدريس بن المجاهد هو قاضي قبيلة أولاد زيان وهو من أولاد مسعود من السوالم. وقد درس في مدينة الدار البيضاء، ثم تخرج من مدينة فاس، وقد عين قاضيا على  أولاد زيان والسوالم بمقتضى ظهير مؤرخ بحادي عشر شوال عام 1325.


أما قاضي قبيلة مديونة فهو السيد الحبيب الغندور، وهو من فرقة أولاد أحمد. في حين يأتي على رأس القضاء في مدينة الدار البيضاء السيد أحمد الزعيمي، وتوجد محكمته قرب جامع السوق. وإليه ترفع دعاوى ساكنة الدار البيضاء، ( بيضاوة) .



الديــــن .

المجتمع الديني – الشرفاء والمرابطين.

الزوايــا – المعتقدات الخرافية


يتبع المسلمون الديانة الإسلامية، ويمكن الوقوف على قوة مشاعرهم الدينية من كثرة القباب التي أقاموها للأولياء في بلادهم. ويتكون المجتمع الديني من نفس العناصر المعروفة في الجزائر مع وجود فارق هنا يتمثل في الاحترام الكبير الذي يخصون به الشرفاء.


فهناك أولا الشرفاء الأدارسة والعلويون، ثم هناك المرابطون وهم أشخاص محترمون عرفوا كيف يفرضون وجودهم على المجتمع بما يتميزون به من حياة هادئة مليئة بالعبادة والتقوى، فضلا عن تصرفاتهم الحكيمة والمتزنة. وتتحلق حولهم جماعات من الأتباع يتوافدون عليهم من كل مكان، ويعرف هؤلاء كيف يستغلون سذاجتهم لفائدتهم.


ونجد عند مديونة فرقة كلها من الشرفاء وهم أولاد حدو، ومنهم كذلك عزوكة، وأولاد سيدي عبو، أما أولاد عمرو فهم من المرابطين.


أما عند أولاد زيان، فنجد من الشرفاء أولاد سيدي بن زيدان ضمن السوالم، ومن المرابطين نجد القدامرة والبياطرة والخيايطة. وفي القبيلة كلها لا نجد إلا زاوية واحدة هي زاوية أولاد بن عمرو، وقد توقفت فيها كل أشكال الدراسة منذ الأحداث الأخيرة. ومقابل ذلك نجد في كل دوار فقيه يتخذ من خيمته جامعا، ويتحلق حوله كل مساء عدد من الطلبة على ضوء نار خافتة في الأعشاب اليابسة، ويقوم بتعليمهم مقاطع من كتابهم المقدس.


كما تتوفر كل قبيلة على وليها، حيث يقومون بدفن موتاهم حول قبته ويزورونه للتبرك في أوقات معلومة. ولكل فرد الحق واختيار زاويته والورد الذي يتبعه بكل حرية. وتوجد في مدينة الدار البيضاء عدد من هذه الزوايا وهي:



- الزاوية الناصرية   .  . . ويسيرها سي عبد العزيز الدكالي.


- الزاوية القادرية.  .  . . ويسيرها  سي العربي بن الغزواني.


- الزاوية الدرقاوية (مولاي العربي) . ويسيرها  سي الحاج بوعزة.


- الزاوية الدرقاوية (الحراقية). ويسيرها سي علال بن عبد السلام.


- الزاوية التيجانية .  .    .  . ويسيرها  سي أحمد الفيلالي.


- الزاوية الفتحية . .  ويسيرها  سي محمد بن الحاج لحسن.


- الزاوية الكتانية.  .  .  .  ويسيرها  سي العربي الفاسي.


- الزاوية العيساوية .  .  .  .  ويسيرها  سي أحمد بن العباد.


- الزاوية الحمدوشية.  .  .  . ويسيرها  سي الحاج معروف.



ويتوفر الأفارقة السود بدورهم على زاويتهم، وتسمى زريبة كناوة ويترأسها بوصو السوداني. وبمبادرة من السلطان، فإن الشرفاء والمرابطين يعفون من كل ضريبة لكن العرف جرى بتقديمهم هدية معتبرة للقائد، في أوقات محددة. وعندما فرض الترتيب كان هؤلاء في مقدمة من قاوموه، وأعلنوا عن غضبهم واستنكارهم لهذه الجريمة في حق الشرفاء.


         ويعتبر الشهاونة من أكثر القبائل اعتقادا في بعض الخرافات، وهي في الغالب من بقايا الأفكار الوافدة من السودان إما بواسطة العبيد أو بواسطة بعض الحكام الذين ينتمون لهذه الجهات. وهم يعتقدون في وجود الفال السيئ، وضربة العين، ووجود الجن. وعندما يتبادر أي مسافر منهم كلام غير مطمئن، فإنه يبادر إلى إلغاء سفره فورا أو تأجيله إلى يوم أفضل.


وقريبا من مديونة، على الخاصرة الشرقية لمرشيش، توجد كهوف ومنحدرات يعتبرونها مساكن للجن.


وعند أقدام مرشيش، حكى لنا أحد الفقهاء عن وجود مدينة غير مرئية، بها حوالي 576 كانون للجن، وزعيمهم هو سيدي شمهروش دفين مكة، ويسيرهم حاليا سيدي علي مول مرشيش الذي توجد قبته بالقرب من قصبة مديونة.


وحكى لنا فقيه آخر من النواصر، وهو سي بوعزة بن البكري أنه يعرف هذه المدينة التحت أرضية، وأنه رآها حينما كان متزوجا بعفريتة منها، لكنهم طردوه لما تخاصم مع زوجته، وتمت معاقبته حيث أصيب أولاده الثلاثة وبناته الثلاث بالعور من عينهم اليسرى.


ويزور سيدي مرشيش كل يوم ثلاثاء المصابون بمس من الجن، ويرقص هؤلاء ويغنون على موسيقى خشنة، وعندما يسقط الشخص الملبوس تعبا، يبدأ الجني الذي يسكنه في المطالبة بضحيته ( الناكة)، وتقدم القرابين حسب لون حالته، من غوماني إلى أحمر إلى أبيض إلى اصفر أو ميمون، وتقدم الذبيحة بنفس اللون فإما ديك أسود أو أحمر أو أبيض أو دجاجة صفراء أو ديك مزركش، وعندها يشعر الجني بالانتشاء فيخرج من ملبوسه ويلتحق بقبيلته.


والشهاونة يقسمون أيام الأسبوع إلى أيام جيدة أو أيام مشئومة، ( أيام بيضاء وأيام نحيسة). والسبت هو المفضل لديها إذ يتم خلاله البدء في فلاحة الأرض أو حصاد المحاصيل وقراءة القرآن، ومباشرة السفر، وهو الأفضل أيضا لصيد أكبر عدد من الطرائد.  أما الأحد والإثنين والثلاثاء فهي أيام جيدة ومبروكة، لكن الأربعاء يوم بالغ السوء، حيث لا يستحسن فيه فعل أي شيء. أما الخميس فهو مستحسن لتقديم العلاجات للمرضى وبالنسبة للجمعة فهو يوم السعد ويتوقف فيه المسلم عن أداء أي عمل وذلك تشريفا للنبي (ص).



الضـــرائب .


المجتمع الديني – الشرفاء والمرابطين.


الزوايــا – المعتقدات الخرافية


من الناحية المبدئية، فإن القبائل المعنية هنا، تخضع للنظام الضرائبي المستمد من الشرع الديني وخاصة بالنسبة للزكوات والأعشار، إلا أنه في الواقع شيء آخر مختلف كليا.


فالقائد مثلا يتوصل بإشعار مخزني يخبره بأن السومة الضريبية الإجمالية المخصصة لقبيلة الشاوية تتحدد في عدد معين من ملايين الريالات. وبمساعدة شيوخ القبيلة يتم توزيع هذه الأنصبة على الفرق التي تتشكل منها حيث لا تخلو العملية من مظاهر التعسف. وهكذا وعلى سبيل المثال يمكن لدوار لا يضم أكثر من عشرة خيام، إذا لم يفهم ما عليه، أن يؤدي سومة ضريبية تتجاوز مثيلتها التي يؤديها دوار آخر يضم أكثر من خمسين خيمة. وتعفى من هذه الكلف كل الفرق المحسوبة على الشرفاء والمرابطين وذلك بظهائر سلطانية وتقدير من طرف القائد نفسه. ولا ينسى المكلف بتحصيل هذه الضرائب مصادرة نصيب منها لنفسه.


وتفرض على القبائل في نفس الوقت ضريبة (النائبة)، وهي الأموال التي يطلب من القواد تجميعها عن القبائل التي يقرر السلطان المرور بحركته وسط أراضيهم، وذلك لتأمين المصاريف المترتبة عن ذلك. وفي هذه الحالة أيضا يفتح للقواد مجال إضافي للنهب.


ونظرا لحاجة الحركات للرجال، فإن القواد يأخذون على عاتقهم تعبئة الخيالة من قبائلهم لفائدتها حسبما يحدده المخزن، وعادة ما يسقط ذلك على رؤوس المعارضين. ونظرا لكون هؤلاء لا يلتحقون بالمحلة إلا مرغمين، فإنهم عادة ما يغادرونها فرارا بحريتهم.


ويكون للمجند حق المعاوضة، بينما يتوصل الملتحق بمونة له ولمركوبه، وهي محسوبة على قبيلته ويحددها القائد.


أما (الكلفة) فهي إجبارية، ويطلب من أولاد زيان سنويا، تخصيص مائتي مجند تقريبا، ولن يرجعوا لدويهم إلا بعد مرور سنة كاملة يقضونها في خدمة الجيش المخزني.


وقد توقف تماما التحاق مجندي القبيلة بالعاصمة منذ حوالي ثلاث سنوات.


         ومن أجل إيجاد تنظيم لجباية الضرائب وتحديد الكلف المخزنية، اعتمد السلطان المولى إسماعيل (1672– 1767)، تقطيعا خاصا لقبيلة الشاوية يتكون من مائة دوار وتجمع بشري، وهي كالتالي:


- 50 دوار وتتكون من أولاد بورزق، ومنهم أولاد أسعيد وأولاد سيدي بنداوود، والمزامزة وأولاد بوزيري.


- 50 دوار أخرى، وتشمل أولاد بوعطية، ومنهم:


- 25 دوار، ومنهم 12 دوار ونصف من أمزاب وأعشاش + 12 دوار ونصف من المداكرة وأولاد أحريز.   


- 25 دوار، وكلهم من الشهاونة، ويتضمنون 12 دوار ونصف من مديونة والزيايدة. + 12 دوار ونصف من أولاد زيان وبني ورا.


ويظهر أن هذا التقسيم كان عادلا فيما مضى، لكنه أصبح الآن غير واقعي ولا يخلو من تعسف، وذلك بدليل أن دوارا ما كان يضم في سنة 1700، ألف خيمة لكنه أصبح في الوقت الحاضر لا يضم إلا خمسمائة. ورغم ذلك فلا زال مطلوبا منه تأدية الكلفة المفروضة عليه في التقسيم السابق.


وتصدق هذه الملاحظة مثلا على قبيلة مديونة، حيث كانوا يشكلون مع الزيايدة 12 دوار ونصف، منهم ثلثان في مديونة وثلث واحد في الزيايدة، لكن أعداد هؤلاء أصبحوا يشكلون في الوقت الحاضر ثلاثة أضعاف مديونة. وهو مثال يبين مدى أولوية إلغاء هذا التقسيم الذي لازال قائما منذ مائتي سنة.


وقد اطلعنا على رسالة مخزنية حديثة التاريخ، ونقلنا منها هذه العبارة :


(.. وأصدرنا أمرنا بتكليف قبائل الشاوية ألفا من الخيل ومائتين وأربعين من الجمال، وعليكم بدل الجهد في إيالتكم لجمع ما يتخصص عليكم من مجموع القسمة في الإقليم كله...)


وعليه فإنه من المترتب على الشهاونة توفير 250 فارس و60 من الجمال، ويمكن توزيعها بين فرقها على الشكل التالي:


·        مديونة......................... 8 دواوير  و(6/2).


·        الزيايدة.........................4 دواوير  و(6/1).


·        بني ورا........................1 دوار و(4/1).


·        موالين الواد.................... 5 دواوير و(4/1).


·        موالين الدروة.................. 2 دواوير و(4/1).


·        السوالم الطرايفية................2 دواوير و(4/1).


·        السوالم هيديل...................0 دوار  و(4/3).


·        السوالم أولاد بوشتى.............1 دوار  و(4/1).



قضى السلطان المولى الحسن (1873 – 1894) معظم وقته في مقارعة القواد الكبار للحد من نفوذهم، وكان دائم الغضب عليهم  بسبب تجاوزاتهم التعسفية، ومن أجل القضاء على كل مظاهر الشطط في استعمال النفوذ، فقد أصدر ظهيرا يقضي بإنشاء ضريبة الترتيب (من رتب أي نظم)، وذلك بتاريخ 28 ربيع الثاني عام 1301 الموافق(1883). وعين على كل قبيلة أمينا من الأمناء للإشراف على استخلاص هذه الضرائب الجديدة.


وعين لدى أولاد زيان عددا من الأمناء منهم:


-       الشيخ محمد بن لحسن ولد محلة (الكرارصة).


-       الميساوي بن خلوق (بطيوة).


-       الحاج الطاهر بن عمر(أولاد الصغير).


-       العايدي بن اليمني(أولاد عياد).


وقد استقبلت الفئات الشعبية المنهكة بالضرائب و.....زعمائها هذا الإصلاح بانشراح كبير، حيث يعفيها من كل الضرائب السابقة، ويوحد الضريبة في رسم عام يدفع على الأراضي والبهائم والبساتين، حيث يسمح لكل شخص أن يعرف مسبقا كم سيدفع. وظهر أن كل الفئات، بما في ذلك الشرفاء والمرابطين والخواجات مرغمة على قبول هذا الإجراء الضريبي. كما ظهر أن ذلك يشكل تغييرا جدريا لكل التقاليد السابقة، أي التراجع عن القوانين الواردة في الكتاب المقدس وإلغاء حقوق وامتيازات الشرفاء.


وأمام تزايد غضب الكبار،  والخوف من ثورة عارمة، فقد كان من الواجب الجموح نحو التراجع. وهكذا وبعد خمس سنوات أو ست تم إلغاء نظام الترتيب ابتداء من سنة 1306. ومن المعلوم أنه بعد حوالي سبعة عشر سنة من هذا التاريخ أي (1322/1906)، حاول السلطان المولى عبد العزيز إعادة الكرة وتطبيق هذا الإصلاح الضريبي إلا أنه أخفق مثل أبيه، ومنذ ذلك الوقت أقلعت القبائل عن أداء أية ضريبة.


وبالرغم من أن الترتيب قد جاء مناقضا لما يقبل به الكتاب المقدس، إلا أنه كان من اللازم الاستمرار في تطبيقه، سيما وأن تحصيله كان يبدو أكثر إنصافا، وفي مقام ثان ، فإن الذي أصدره هو سلطان مسلم، وفي آخر المطاف، فإنه كان من مقتضيات معاهدة الجزيرة الخضراء.



الفلاحـــة


أشغال الحقول – المزروعات –


الحيوانات – النباتات .


إلى وقت قريب، كانت معظم الأراضي المستغلة زراعيا لدى الشهاونة، عبارة عن أحراش بل أن جل المناطق المحيطة بالدار البيضاء كانت أدغالا حقيقية ومنها أراضي موالين الدروة التي مغطاة بنبات الدرو، بينما كانت أراضي إخوانهم موالين الواد مغطاة بنبات الدوم.


ولا زالت أجزاء كبيرة من أراضي السوالم موالين الطرايفية عبارة عن غابات رغم قصر أشجارها، وتمتد مجالاتها ما بين الهواورة والعباد شمالا إلى زاد مسعود والخلايف في الجنوب.


وشيئا فشيئا، تحولت معظم الأراضي الموات إلى أراضي مزروعة، وانقرضت الأحراش المغطاة بنبات الدوم بسبب الاستغلال غير المنتظم، ونظرا لندرة مصادر الوقود لطهي مأكولاتهم، فإن معظم السكان من الفئات الفقيرة كانوا يجدون فيها المصدر الأساس لذلك، وكانوا يستعملون أيضا مخلفات الأبقار وجذور النباتات الجافة(الهيشر) وجذور الخبيزة والشرياط..بينما يستعمل الأغنياء الفحم، ولكنه مصدر طاقة غال الثمن لذلك لا يستطيع غيرهم اقتناءه.


تشبه الأشغال الزراعية الجارية في الحقول نفس النموذج المعروف في الجزائر، حيث يستغل الملاك الكبير أراضيه بواسطة الخماسين، ويأخذ هؤلاء نصيبهم بعد تجميع المحاصيل وذلك وفق النظام التالي:


- (5/1) يأخذ الأجير الخمس، لقاء عمله السنوي في الزراعات البكرية، التي تنطلق في شهر أكتوبر حيث تحرث الأرض مرتين، ومنها القمح والشعير والحلبة والفول وزريعة الكتان والقزبر..


- (4/1) يأخذ الأجير ربع المحاصيل بالنسبة للزراعات الربيعية (المازوزية)، التي تحرث ثلاث مرات،  وتشمل الدرة والحمص..


وتتم أشغال الحرث بواسطة محاريث تجرها الثيران أو الخيول أو الحمير أو الجمال. وفي الغالب يتم التوسع في ذلك حيث يستعمل الحصان مع الحمار أو الجمل مع البغل. والمحراث المستعمل هنا هو نفس المحراث الروماني القديم. كما يتم تزويد الأراضي الزراعية بالسماد العضوي من مخلفات المواشي أو رماد حرائق الحصائد أو الأعشاب البرية الجافة. وفي مناطق الساحل حيث التربة دافئة وخفيفة تتم زراعة القمح والحمص والفول والقزبر والحلبة وزريعة الكتان وخاصة الدرة والشعير. وتنتشر البساتين في أراضي مديونة والسوالم ادعيديعة حيث المياه متدفقة بكميات كبيرة. ويتم السقي انطلاقا من الآبار والسواني التي لا تجف. ورغم تنوع محاصيلها إلا أنها تشتهر ببذور القمح والحمص وهي الأفضل مقارنة بمثيلاتها في الساحل.


ورغم أن أراضي التيرس أخصب من أراضي الساحل، إلا أن هذه الأخيرة تتمتع بوفرة مياهها الباطنية، حيث تقل السواني والآبار في الساحل، وهي أكثر عمقا والبساتين أكثر انتشارا.وتكاد تقتصر على أ\جار التين التي تكاد تكتفي بندى الصباح.


وتنتج بساتين الخضر في بلاد الساحل كميات كبيرة من الخضر والفواكه، وخاصة الدلاع والبطيخ والفقوس والبصل والقرع الأحرش والقرع السبتي والقرع السلاوي والقرع البراني والبادنجان والبطاطس وهي ثلاثة أنواع الرومية والبلدية والقصبية. وهناك أيضا الجزر والفجل واللفت والبور والتبغ والحنا والنعناع ويتم تصريفها بسهولة في الدار البيضاء. وتكون البساتين عادة محاطة بنبات الصبار(الهندي)، وتغرس بها أشجار التين والرمان والسفرجل والتفاح والخوخ والمشمش والبرتقال والحامض والزيتون والدالية.


أما عن وحدات القياس في أ\غال الحرث فهي الجوجة، أي ما يستطيع الحراث حرثه خلال موسم الحرث سواء باستعمال الثيران أو الحمير أو غيرها..وتختلف المساحة المزروعة حسب نوعية البهائم.


وهكذا فبالنسبة لجوجة الحرث المعتمدة على ثورين، يمكن بالنسبة للأشغال البكرية في شهر أكتوبر زراعة أربعة تليس من الشعير أو تليسين من القمح أو مثلهما من الفول. أما بالنسبة للأشغال المتأخرة (المازوزية) في شهر مارس، فتزرع تليسين من الحمص أو نصف تليس من الدرة...


ويتم شراء الأراضي مقسمة إلى قطع تسمى الحبل أو الكرضة، والحبل هو مساحة تقريبية من 150 خطوة طول و25 خطوة عرض. أما الكرضة فتبلغ 50 خطوة طول و10 خطوات عرض، أما الفدان فهو حقل من حوالي 750 خطوة طول ومثلها في اتجاه العرض. ويعتبر الشهاونة في نفس الوقت مربي مواشي، حيث أن إسم الشاوية الذي ينتمون إليه، يعني أساسا مربي الأغنام.


ويمتلكون منها قطعا ......من الأبقار والماعز والأغنام، وتعتبر هذه القطعان بالإضافة إلى الزراعات المصدر الأساس لثروات السكان وتقاس هذه بعدد الجوجات التي يحرث بها أو بعدد الغانيم أي القطعان التي يمتلكها.


ويعد امتلاك شخص ما لحصان مؤشرا على غناه وثروته ويمكن القول أن جل الفرق القبلية تمتلك فيها كل خيمة حصانا. والخيول هنا بصفة عامة غليضة وخشنة لكنها قوية وصبورة ويظهر أنها من نسل الخيول التي كان ملوك فرنسا قد أهدوها للسلاطين المغاربة.


أما البغل فهو المطية الأكثر انتشارا، ويستعمل الفقراء الحمير لركوبهم. وهما متميزان في أدائهما . حيث أعطت عمليات التزاوج نماذج من البغال صارت جد مطلوبة لصبرها وقوتها.


وإلى وقت قريب كانت بلاد الشاوية تعج بأعداد كبيرة من الأسود والفهود والضباع، لكنها انقرضت الآن بفعل الإنتشار البشري. وفي الوقت الحاضر لازالت الغابة وبعض السهول المجاورة لها تحتضن أنواعا أخرى من الحيوانات منها الخنزير البري (الحلوف)، ويشتهر هذا في الأسطورة الشعبية بأن جلده يشفي من أمراض الزهري، وأن جلد الدئب يشفي من حوالي 90 مرضا وجلد الثعلب يشفي من 70 مرضا. وكانت هناك حيوانات أخرى كالنمس أو الزريقاء (السبسب)، والأرانب البرية أو الداجنة والقط المتوحش ( القطوس) وهي كلها حيوانات مطلوبة جدا للحومها. ويفضلها الشهاونة أي تفضيل حيث يصطادونها باستعمال السلوقي أو الكلاب البلدية.


وخلال تجوالنا في بعض الخرجات للغابة قصد الصيد، تمكنا من معاينة أنواع من الطيور كالباز (الطير الحر)، والحبارى والرعاد وحدية والبوم والغراب والكدري والحمام والحجل والسمان وكريكر واللقلاق وطائر البقر ودجاج الماء والخطاطيف ووبيبط..


ومن الزواحف، نجد الحنش والأفاعي بأنواعها والحرادين بأنواعها (بوبريص) و(الزرزومية)، والعقارب.


وفي المجاري المائية والضايات والبحيرات نجد الضفادع والسلاحف المائية وتوجد السلاحف البرية في كل مكان. أما الحشرات فهناك أنواع كثيرة ومن أشدها فتكا البراغيث التي يظهر أنها متفشية في كل البلاد. ويتواجد الجراد بكثرة وهو أشد ما يخشاه أهل الشهاونة. وبالنسبة للغطاء النباتي ، فهو أيضا بالغ التنوع، ومنها أنواع كثيرة بدون زراعة  كالنفلة والحميضة و....... وبودويل والسلك وجلبانة الحنش وكرينبوش والجلبان ومريوت واللواية وكلية السراح ومصلح الأنظار وريق الأحنش وحمرة الراص وكراع الدجاجة وبوكبيلة  وتازروالت والبهمة والكرنينة والمرارة والجمرة وبورجيلة وتمروت وخنونة النعجة والنفلة الحمرا وعين الأحنش، والسكوم وفويلية والخبيزة وتيغشت وتستعمل هذه للتنظيف، و(الكلخ)، التي تصنع منها أجزاء النوالة والكركاز..


ويغطي شوكة الحمار معظم الأراضي الحصوية إلى جانب الريحان والدرو وفي الأودية تنمو أعشاب الطرفا (الطماريس) والدفلة والصماء والبردي.       



الأسـواق


         الدار البيضاء: ضلت ( المدينة ) تتوفر دائما على أسواقها المستديمة، بينما خصص سوقا يومي الإثنين والجمعة لبيع الحيوانات كالثيران والأكباش والحمير والخيول، وكلها تأتي من بلاد الشاوية. أما يوم الأحد فهو موعد لانعقاد الجوطية بالنسبة للرجال، وتخصص صبيحة كل من الإثنين والجمعة للنساء حيث يجدن فيها ما يحتجن إليه من ملابس وأواني منزلية بما في ذلك حلي الزينة.


مديــونة: وسوقها أسبوعي، ينعقد كل يوم خميس وهو مشهور في كل الإقليم وكانت له في السابق أهمية بالغة. ويأتي إليه الناس من مديونة والمداكرة بل ومن الزيايدة يبيعون منتجاتهم ويشترون لوازمهم، كما يفد إليه بعض الوسطاء الأوروبيين لشراء مادة الصوف. وقد تقلصت أهمية هذا السوق الآن إلى مجرد سوق محلي يقتصر على مديونة وأولاد زيان.


ونجد فيه ابتداء من الحلاق إلى الحداد بورشته المتنقلة، إلى بعض القياطين لأصحاب العقاقير ويتراوح عدد الجزارين ما بين 10 و 12 ويبيعون اللحم على شكل أكوام  صغيرة وهي لمواشي يتم نحرها في عين المكان.


كما يباع فيها برتقال مدينة الرباط، والجوز وثمور مراكش وفحم السوالم وزبيب منطقة دكالة والأواني الطينية من النواصر والملح المجلوب من الرباط أو من معادن الملح لأولاد داوود. فضلا عن كميات من الحبوب.


أولاد زيــان: يتوفر هؤلاء على سوقين، الأول يوم الأحد لموالين الواد والثاني يوم الإثنين لموالين الدروة.


وينعقد سوق الأحد قرب ضريح سيدي أحمد المجذوب. ويأتي إليه الناس من معظم الفرق القبلية بالمنطقة تقريبا، وخاصة أولاد علي والمداكرة والزيايدة. وهو بعيد شيئا ما عن الدار البيضاء حيث لا يجرؤ موالين الواد على زيارته نظرا لخشونة طباعهم وتأتي أهميته من موقعه البعيد على هذا النحو. كما يأتي إليه تجار مسلمون ويهود من الدارالبيضاء لبيع النسيج والسكر والشاي  والتوابل بأثمان جد مناسبة.


أما السوق الثاني، فينعقد يوم الإثنين قرب ضريح سيدي محمد صاحب الصغار، وذلك منذ عشر سنوات تقريبا حيث أنشأه القائد لحسن بن العربي، أخ القائد الحالي، وفي أحيان أخرى كان ينعقد يوم الأربعاء. وعموما فسوق الاثنين له نفس أهمية سوق الخميس، أما الأسواق الباقية فلها أهمية أقل.


وقد جرت العادة أن يشتري الإنسان شيئا ما من السوق الذي يزوره حتى ولو كانت مجرد دجاجة ، وسحقا لمن يترك سوقا يمر دون أن يتبضع، حيث يستقبل في المساء وهو عائد لدواره بكل عبارات السخرية والازدراء، فضلا عما يمكن أن تعيره به زوجته من عبارات التنقيص والسباب.


         وفي الدار البيضاء، فإن أمين المستفاد هو الذي يتكفل بتحصيل رسوم وحقوق الأسواق، في حيف يتكفل القواد بتحصيلها لدى القبائل، وفي بعض الأحيان فإن هذا يكلف شخصا آخر بذلك، مقابل ما يضيفه من رسوم أخرى لنفسه ضمن حقوق التوقف.


         وتتمثل العملة الرائجة فيما يسمى الحسني، وأخر دفعة منها سكت بتاريخ 1323/1905.


         يباع الزيت بالقلة، بينما تختلف المقاييس المستعملة عند بيع الحبوب من قبيلة لأخرى، وهي مختلفة حتى بالنسبة للدار البيضاء. فهناك (المد الخميسي، لقصبة مديونة ويساوي مدا ونصف بمقياس الدار البيضاء، والقب الخميسي هو آنية حديدية بينما يكون القب البيضاوي من الخشب بمحتوى أقل.


المقاييس المستعملة في سوق الخميس:


المد.............يساوي 32 قب.......أو 16 عبرة.


نصف المد..... يساوي 16 قب...... أو 8 عبرات.


الربعي........... يساوي 8 قباب..... أو 4 عبرات.


السمني.......... يساوي  4 قباب.... أو 2 عبرات.


نصف السمني... يساوي 2قباب.........أو 1 عبرة.


الباوي........... يساوي 1 قب .......أو 2/1 عبرة.


المد الخميسي ويسمى أيضا المد الشهواني:


2 مدود خميسية وتعطي ................ وتكون حمل جمل.


5 مدود حدية (أحد موالين الواد)........        ""    ""


7 مدود مدكورية (المداكرة).............        ""    ""


6 مدود أحريزية (أولاد أحريز)..........        ""    ""


4 مدود مزابية أمزاب)..................        ""    ""


ويبقى أن المد الزناتي له نفس قيمة المد الخميسي.



أنماط ملكية الأرض


بعد الله، فإن السلطان هو المالك المطلق لكل الأراضي التي تتشكل منها منطقة حكمه. ورغم ذلك فهناك عدة أنواع من هذه الملكيات نوزعها كالتالي:


1/- ممتلكات المخزن أو ( بلاد المخزن أو السلطان).


2/- بلاد الحبوس، وهي مملوكة للمؤسسات الدينية.


3/- ممتلكات المخزن ولكنها مفوتة لبعض دوي الامتيازات.


4/- بلاد الملك وهي الملكيات الخاصة.


ــــــــــــــــــــــــــــ


1). بلاد المخزن: وهي كل الأراضي غير المستغلة لعدم صلاحها للزراعة بالإضافة إلى الأراضي البورية التي تسمى (المحرومة). وهي المساحات غير المستغلة الواقعة ما بين مديونة والدار البيضاء. وهي متروكة للرعي لمن يرغب في ذلك لأن المراعي لا مالك لها.


ويعزب فيها كل من المداكرة وأولاد أحريز بقطعانهم لأنهم لا يملكون أراضي عشبية كثيرة. ويتم كراء هذه الأراضي بواسطة أمين المستفاد، بست ريالات للخدام الواحد في بلاد التيرس، وثلاث ريالات للخدام في بلاد الساحل.


2). بلاد الحبوس: وهي أملاك المؤسسات الدينية، حيت يتصرف في مدا خيلها إما محبسها أو أبناءه وحفدته. وتوجد في مدينة الدار البيضاء أحباس كثيرة. ويعتبر السيد إدريس الفضالي. هو الناظر الحالي، ويمكن كراء الأحباس للخواص.


3). يتنازل السلطان لأفراد مخزنه الأكثر وفاء وخدمة عن بعض الأراضي المخزنية. ومن هؤلاء قائدا كل من مديونة وأولاد زيان


4). أراضي الملك: وهي أراضي الخواص، ويتم بيعها أو كرائها ومبادلتها بواسطة العدول، وبواسطتها لا يتهاون كل مالك في تدقيق حدود ملكيته حينما لا ينازعه فيها. وتلافيا لكل المشاكل في المستقبل، لا يجب إهمال هذه العقود بل والأخذ بها حينما نريد شراء بعض هذه الأراضي، أو حينما نشرع في تسطير حدود كل قبيلة على حدة.   



الصنـــاعة

لازالت الصناعة هنا في بداياتها، وهناك عدد من الأشخاص الذين يستطيعون صنع أدوات الاستعمال اليومي كالحصر المصنوعة من نبات الأسل (الصمار) والشواري والتليس من نبات الدوم، والمحاريث والمعاول والسكاكين والحبال، وهي كلها صناعات رجالية. كما تصنع النسوة قطعا من الفليج للخيام، ويقضين تحتها أوقات طويلة في صنع أنواع من النسيج وبعض الزرابي (البشبش) أو (الشرامية) وهي من أنواع أقل جودة يفضلون بيعها في أسواق المدن.


ويوجد في الدار البيضاء عدد من الحرفيين (المعلمين) في مختلف المجالات، وقد تتلمذوا في السابق على يد معلمين محترفين من أصول فاسية ومراكشية وتعلموا منهم الصنعة حتى أتقنوها وربما تقدموا عليهم.  وتصنع فيها زرابي بالغة الجمال من نوع (الكشينية) رغم أنها لا تصل مثيلتها الرباطي، كما تصنع الأغطية الصوفية والحقائب والأحذية للرجال (البلغة) والنساء (الشربيل والريحية)، وتترك أشغال الصياغة لليهود، حيث تصدر عن ورشاتهم المغلقة وسط الملاحات النتنة نماذج جميلة تقبل عليها نساء الأهالي.


وباستثناء فرقة الأخلايف البعيدين عن الغابة، فإن معظم السوالم الطرايفية يستخرجون الفحم من أشجار غابتهم التي تعد المصدر الوحيد لرزقهم. وفي نفس الوقت يشتغل بصنع الفحم كل من الكساكسة والمحامدة  وهم من موالين الواد. ويصرفون منتجاتهم نحو الدار البيضاء.


ويتوفر الهواني من قبيلة مديونة على محاجر من الصخور الكلسية وهي التي يستعملونها في أفرانهم لصنع مادة الجير. بينما يشتغل أولاد عدو خلال فصل الصيف في نقل الماء العذب لسانية أولاد حدو لسكان الدار البيضاء.


ويتوفر أولاد داوود القاطنين في سهل واد الملاح عند أقدام زورزيبة، على ملاحة (معادن الملح)، وهي التي كانت تزود الشهاونة بحاجياتها من هذه المادة منذ القدم، وتتزود هذه الملاحة بمياهها المالحة من بئرين، حيث يتم ملء المربعات الأرضية (الهود) بهذه المياه، ويعمل ملاكيها بعد ذلك على تجميع محتويات كل هود وتخزينه في مطامر خاصة للاستعمال اليومي. ويمتلك بعض الأفراد من مديونة جزءا من هذه المعادن، ويباع محتوى كل هود بما قدره خمس ريالات.


ويظهر في الأفق أن قبائل الشاوية ستخضع كلها لسلطتنا لا محالة،  لذلك فمن الواجب والملح، واعتمادا على كثير من اللين، محاولة فرض بعض الإصلاحات القانونية والمالية، اللازمة للسير العادي لهذه الإدارة. ومن ذلك وقبل كل شيء، عدم قطع أواصر علاقاتهم بالجلالة الشريفة. والإبقاء على كل عاداتهم وتقاليدهم وتنظيماتهم العائلية.


أما بالنسبة للقوانين الضريبية والتشريعات القضائية، فمن الواجب بدل الجهد لإجراء الإصلاحات اللازمة وخاصة من أجل قطع دابر كل أشكال التعسف والابتزاز الممارسة عليهم من طرف القواد والشيوخ والقضاة، وكل من له علاقة بالأمر.


وما من شك، فإن هذه الإجراءات الجذرية  ستثير رفض هؤلاء، وقد كانت تجلب لهم مدا خيل كثيرة، غير أن الأمور لا يجب أن تكون خارج أيدينا، وتتطلب منا تدخلا هادئا وحكيما، وذلك بالقدر الذي يبقيهم بجانبنا وأعوانا لإدارتنا.


كما يجب الإبقاء لهم على سلطات كاملة لكن تحت مراقبتنا وضمان نفوذهم كل على قبيلته حسب التقسيمات الحالية. ورغم ما يمكن أن تثير في البداية، إجراءات تدخلنا، لدى هؤلاء التقليديين من تبرم وعدم الثقة، إلا أنهم سيصبحون مع مرور الوقت من أخلص أتباعنا.


الضابط الترجمان : جورج ترينكا

ترجمة: ذ. محمد غـازي (مركز الأبحاث والدراسات حول الدار البيضاء والشاوية)


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -