أخر الاخبار

تطور الصحافة المغربية إبان الإستعمار

محمد بنعزيز

يغطي كتاب جامع بايدة  86 سنة من تاريخ الصحافة بالمغرب، يوضح كيف دخل الإعلام الحديث إلى البلاد كجسم أجنبي، كيف قاومته النخبة ثم منعت من ولوجه بدعوى أنه لا يناسبها وكيف تبنته للدفاع عن مصالحها منذ ثلاثينات القرن العشرين. وقد قسم المؤلف دراسته للصحافة الفرنسية في المغرب خلال الإستعمار، إلى أربع مراحل: أولا الصحافة في عهد ليوطي، ثانيا الصحافة من نهاية حرب الريف إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثالثا الصحافة في عاصفة الحرب العالمية الثانية، رابعا الصحافة إبان الازمة الفرنسية المغربية.

نشأة الصحافة بالمغرب

1- الصحافة في عهد ليوطي 1912-1925

 بعد أن تأكد وقوع المغرب في يد فرنسا، بدأ بعض الفرنسيين يفدون إلى البلاد للعمل في الصحافة، وقد كانت للكثير منهم سوابق في الصدام مع السلطات الفرنسية في باريس والجزائر وتونس، كان بينهم محرضون وفوضويون، وقد لجأ المقيم العام إلى طرد بعضهم، ثم عمل على إصدار ظهير 27 أبريل 1914 لتنظيم المهنة. بالنسبة لأهداف القانون حرص المارشال ليوطي أولا على تجنب اللجوء إلى القانون الفرنسي الذي يحمي حرية التعبير، ثانيا على منع نشوء صحافة تابعة لقوة أجنبية مناهضة لفرنسا، ثالثا  على عرقلة ظهور صحافة محلية محرضة، على يد فرنسيين جلبوا معهم خلافاتهم الأيديولوجية من الميتربول. أما بالنسبة لمحتوى القانون فهو يستلهم القانون الفرنسي المنظم للصحافة، الصادر سنة 1881، لكن القانون المغربي أقل ليبرالية، ومن مظاهر ذلك:

1- إلزامية طلب التصريح المسبق لإصدار جريدة.

2- إجبارية وضع ضمانة مالية قدرها 6000 فرنك.

3- تضييق هامش الصحافة الناطقة بالعربية والعبرية. كي لا يقع سلاح الصحافة في يد المغاربة، وقد أكد الضابط المكلف بإدارة جريدة السعادة الناطقة بالعربية والتابعة للإقامة العامة، أكد أن الصحافة سلاح خطير في يد أشخاص دون تجربة، ولاتناسب الشعوب التي توجد في المراحل الاولى للحضارة، وخاصة الشعوب العربية والبربرية التي تتأثر بسرعة. ص95

4- كانت بداية 1914 واعدة للصحافة، وقد انخرطت العديد من الصحف في وكالة Havas  للأنباء، لكن مع اندلاع الحرب، طبقت الاحكام العرفية الفرنسية وكلف العسكر بمراقبة الصحف لمنع تسرب الأخبار التي تخدم العدو، كما منع نشر الفظاعات الألمانية كي لايشمت المغاربة في الفرنسيين… وهكذا تحولت الصحف إلى نشرات رسمية وفقدت تلاوينها وقراءها.  فواجهت صعوبات مادية، خاصة بعد تضرر قطاع الأعمال، فخسرت الصحف جزءا مهما من عائدات الإشهار، فاضطرت لتقليص عدد وحجم صفحاتها وتجميد انخراطها في وكالة الأنباء. مما أدى إلى تدهور الخدمة الإعلامية.

5- نتيجة لهذا الأزمة توقفت بعض الصحف مثل  Le cri de Rabat و L’Atlas بينما طورت أخرى خطها التحريري، وقد تزامن ذلك مع سياسة الضحك La politique du sourire التي أطلقها ليوطي لتحسين صورة الحماية ومنع المغاربة من الإعتقاد أن فرنسا ضعفت بسبب الحرب. ص98

6- في ظل هذه الاوضاع، استفادت جريدة La dépeche الصادرة في طنجة من دعم حكومي فرنسي لمواجهة الدعاية المعادية في المدينة الدولية.

لقد عانت الصحف من سلبيان القانون 1914 ومن سلبيات الحرب، ومع ذلك فقد تطورت الصحافة ولعبت أدوارا مهمة:

أ- قامت جريدة L’Eco du Maroc بدور احتجاجي: انتقدت الإقامة العامة ولقبت المغاربة ببني وي وي أي قبيلة نعم نعم. ص101. وقد تجرأ مؤسسها وطالب بتغيير المقيم العام.

ب- استفادت الصحافة من هامش للحرية بعد 1919.

د- لعبت بعض الصحف دورا تحريضيا في بعض القضايا مثل المضاربة في العملة المغربية حينها وهي الريال الحسني. لم يكتف بعض الصحفيين بالكتابة، بل شكلوا لجنة للدفاع عن الفرنك الفرنسي.

هـ- ظهرت صحافة “المساومة” من يدفع يمجد ومن لا يدفع يشهر به.

بعد كل فترة تراخي، تعمل الإقامة العامة على استعادة زمام الامور للسيطرة على الإعلام، من ضمن إجراءاتها:

1- دفعت مبلغا لأحد الصحفيين الفرنسيين مقابل يتخلى عن جريدته ويغادر المغرب، حصل الصحفي المزعج والمغامر على المبلغ وتولى موظف من الإقامة العامة مسؤولية إدارة الجريدة.

2- عملت على تفليس الجريدة التي طالبت بإقالة ليوطي، أولا بوقف دعمها ماديا، ثانيا بمنع التعامل مع مطبعتها، ثالثا بتوصية الأبناك بوقف التعامل معها، وأخيرا بخلق متاعب لصاحب الجريدة. حتى أنه اضطر لبيعها لرجل الأعمال   Pierre Mas وهو ما أسعد ليوطي فأخبر وزارة الخارجية الفرنسية بالصفقة.

3- بعد الحسم مع جريدة L’Eco du Maroc انتقلت الإقامة العامة إلى جريدة La Vigie du Maroc وكانت في ملكية معمريْن، باني طرق وصاحب مطاحن، وقد ابتزت الإقامة العامة الثاني فباع نصيبه لمعمر على صلة بالإقامة، وبعد ذلك صار بيير ماص من المساهمين فيها.

4- في الحالات التي لم تنفع فيها الأساليب المالية، لجأ ليوطي إلى ما سماه تنظيف قطاع الصحافة، وذلك بتهديد وتلفيق تهم للصحفيين الذين لايملكون مقاولات يخافون عليها. أما لذين لم يستوعبوا الدرس فقد تم طردهم استنادا إلى قانون الطوارئ الذي لم يلغ حتى بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. ص118.

5- عمل ليوطي على منع نشر إنجازات المقاومة الريفية، لأن أصداء معركة انوال جعلت الفرنسيين يخشون انتشار عدوى المقاومة المسلحة. لذلك، فمن إجراءات المقيم العام إبان حرب الريف: أولا دعى مدراء الصحف الرئيسية في المغرب ونبههم إلى تجنب أية إشارة إلى الإسبان. ثانيا منع إرسال أي تلغراف للصحف ما لم توافق الإقامة على مضمونه، ثالثا كلف ضباطا بزيارة هيآت التحرير يوميا للمراقبة. رابعا منع دخول بعض الجرائد من الخارج، خامسا منع تعليق نص إعلان حقوق الإنسان والمواطن بدعوى أنه يشكل خطرا على السلطان.

6- حرص ليوطي على السيطرة على الصحافة لإبعاد المغاربة من السياسة.  وقد طرد أحد الصحفيين لمجرد أنه اتصل بمغاربة مضربين في إحدى الشركات.

 كان لهذه السياسة اثر على الصحف، فقد تمكن بيير ماص من السيطرة على ثلاث منذ 1919،  وهكذا بدأت إمبراطوريته الإعلامية، ولم تدخر الإقامة العامة جهدا لدعمها. وقد احتكر ماص عائدات الإشهار وأسس وكالة أنباء وشركة لاستيراد الورق. وتميزت صحف رجل الأعمال بتجنب إظهار أي لون سياسي والتركيز على الأخبار والمعلومات والرياضة والتسلية والموضة وأخبار المسؤولين ص126.

 في محاولة للمنافسة دون فهم قواعد اللعبة، أسس رجل أعمال آخر يدعى فرانسيس بوسي جريدة La presse du Maroc.  وطالب باستفادة المغاربة من مبادئ الثورة الفرنسية وانتقد الإقامة العامة التي تدعم ماص، اتصل ليوطي  ببوسي وعرض عليه قرضا لدعم جريدته، مقابل أن يتكلف البنك بتعيين رئيس التحرير، وهكذا فقد الرجل الخط التحريري لجريدته التي أصبحت تنقل أخبار العالم وتتجاهل كل ما يتعلق بالمغرب. احتج بوسي في باريس، لكن ذلك لم يجده، إذ بدأ عداء ليوطي له يؤثر على أعماله، وكهذا باع بوسي جريدته، وقد تسلم أحد الجنرالات تسييرها فأصبحت في خدمة الإقامة العامة.

خلاصة هذه الفترة، هي أن بصمات صراع المرحلة، وهي أولا الحرب العالمية الأولى، ثانيا حرب الريف، ثالثا عمليات تتميم احتلال المغرب عبر السيطرة على نقط التمرد، رابعا نظرة ليوطي للسلطة الرابعة كمؤسسة تابعة وهو ما عكسه قانون 1914 والممارسات اليومية… ساهمت كل هذه العوامل في انعدام جو  سياسي ليبرالي يدعم حرية التعبير، مما ألزم الصحف بالتحرك ضمن الخطوط المرسومة من طرف السلطة السياسية، وقد فشلت كل الصحف التي حاولت رفض هذا الوضع.

2– الصحافة بين حرب الريف والحرب الثانية 1926-1939

 مع وصول المقيم العام الجديد، Théodores Steeg ، بدأت مرحلة اخرى من تاريخ الصحافة في المغرب، لكنها لم تشكل قطيعة مع المرحلة السابقة، رغم أن المقيم كان مدنيا وليس عسكريا. وقد ميز المؤلف في هذه المرحلة بين نوعين من الصحف: يوميات كبرى وأسبوعيات صغرى.

اليوميات الكبرى

كانت الصحف تعاني من صعوبات مادية، فمثلا، يدفع الناشرون 12.5% في المائة جمارك على آلات الطباعة، يدفعون 12.5 سنتيم للكلمة في التلغراف من باريس إلى البيضاء، بينما يدفع الجزائريون سنتيمين ونصف فقط. سعر الورق في المغرب أغلى ب30% عن سعره في فرنسا. لذا طالب الناشرون بتخفيض ضريبة الجمارك ورسوم التلغراف، وقد استجاب المقيم العام لبعض هذه المطالب، فاستثمر الناشرون الموارد المتحصلة في تجديد بنيات صحفهم وتوسيع انشطتها.

على صعيد التسيير، حاولت بعض الجرائد توسيع دائرة قرائها بطرق مختلفة منها:

1- اهتمت بأخبار بعض الجاليات مثل الجالية البلجيكية.
2- خصصت صفحات بالتناوب لمختلف المناطق المغربية.
3- قادت حملات ودخلت في سجالات ضد بعض الأسبوعيات، والهدف جلب قراء جدد، من مواضيع السجال تحريض بعض الصحف للمقيم العام ضد البعض الآخر. فقد كان مدراء أحد الصحف مخبرا ويحرض ضد الصحفيين الذين ينشرون الخطر البلشوفي. وكانت لهذه السجال سلبياته، مثلا دخلت بعض الجرائد في معارك على عدة جبهات مما أضعفها، كاد أحد السجالات ينتهي بمبارزة بالسيف بين صحفيين، وانتهى آخر في المحكمة التي طردت صحفيا من جريدة، فاعتبرت جريدة أخرى الحكم انتصارا لها ص152.

 رغم هذه المنافسة، فقد كانت بعض الصحف تتوحد أمام أي خطر يتهدد مصالحها، مثل ظهور عامل طباعة شيوعي يحاول تنظيم زملاءه نقابيا، طرد من المغرب كي لايعدي المغاربة، بالمقابل كان بعض الصحفيين المطيعين يتلقون أظرفة من الإقامة العامة. أما ماص فقد فقد دعم المقيم العام الذي كان رفيقا له في نفس الحزب، لذا فكر في تقليص إمبراطوريته الإعلامية ببيع بعض الجرائد، لكن المشروع عرقل كي لا تقع جرائد ماص في يد قوى لا توافق على السياسة العامة للإقامة. بعد العرقلة غير ماص خطته وأسس يومية جديدة بفاس عام 1929 باسم Le Courrier du Maroc وقد تولى عقيد متقاعد إدارتها. واستهدفت الجريدة إزاحة تأثير الجرائد الجزائرية على الجهة الشرقية، وقد بلغ توزيعها 21ألف نسخة عام 1934. أما حين وصل المقيم العام الثالث فتوسعت إمبراطورية ماص أكثر، باعتباره قطب صحافة الباطرونا ص 155. وقد نجح ماص في السيطرة على الجمعية المهنية للصحفيين الفرنسيين بالمغرب، فمن ضمن 25 عضوا في المكتب، يتبع له 19 صحفيا. كما نجح في قطاعات الأبناك والعقار وفي منع التنظيم النقابي لعمال مطابعه. وقد أثرت هذه المصالح الضخمة على الخط التحريري لجرائد ماص.

 كانت صحف رجال الاعمال جرائد معلومات عامة تحاول الإستجابة لتطلعات دائرة واسعة من القراء، يغطي الإشهار جزء كبيرا من تكاليفها، تتلافى الإعلان عن لون سياسي محدد، ولم يكن المقيم العام يخشى اليوميات الكبرى، لأن مصالح اصحابها تتحكم في اختيار المواد التي تنشرها، لكنه كان يخشى الأسبوعيات الصغيرة التي لاتملك ما تخسره. ص153.

الأسبوعيات: صحافة الرأي

 كانت الظاهرة الإعلامية الأبرز بعد مغادرة ليوطي لمنصب المقيم العام هي ازدهار الأسبوعيات، وقد عملت على مساءلة عهد الجنرال، في حين اعتبرته اليوميات الكبرى عهدا ذهبيا. وقد كان نصف الأسبوعيات مسيسا في اليمين او اليسار. من صحف اليمين L’Echo de France ومن صحف اليسار Redd-Balek وأسبوعية Le Cri du Maroc ، وقد اتهم احد كتابها الجنرالات باستغلال الفلاحين الصغار، اعتقل ذلك الصحفي ولفقت له تهمة تحريض جنود فرنسيين على الفرار من الجيش. وهو ما أبهج الصحف اليمينية.

كان المنع هو الوسيلة المثلى لدى السلطة، كمثال تم منع 33 جريدة بين عامي 1926و1927، وذلك بحجة حماية النظام العام. بعد منع أسبوعية   Redd-Balek أصدر صاحبها أسبوعية أخرى باسم الإشتراكي المغربي عام 1932، وقد تمكنت المنابر الإشتراكية من فرض نفسها وهو ما ساهم في تسييس ساكنة الدار البيضاء. وبها صدرت أول جريدة شيوعية سرية باسم Le Maroc Rouge عام 1935.  وعندما تحجم السلطة الإستعمارية عن متابعة بعض الصحف، فإنها تكلف بعض الأعيان مثل الكلاوي برفع دعاوي ضد الجرائد المزعجة. وقد تطورت بعض الصراعات إلى درجة إنشاء أسبوعيات العرضية لتصفية حسابات مرحلية. ص159.

 رغم ذلك فقد تطور المشهد الإعلامي، إذ أدى صعود اليمين في أوروبا إلى تقارب اليساريين في المغرب، وقد تمكنوا من فرض تغيير المقيم العام، وقد أسس الشيوعيون جريدتهم العلنية الأولى Clarté وطالبوا بالسماح بتوزيع جرائد يسارية فرنسية في المغرب مثل L’Humanite، بل وطالبوا بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لصالح المغاربة، وقد رفضت Clarté نشر الإشهار الرأسمالي، كما رفضت اعتبار الحركة الوطنية المتبرجزة ممثلة للمغاربة. حين توقفت Clarté عن الصدور بعد حصول انشقاق داخل طاقمها، تأسس الحزب الشيوعي المغربي عام 1938 وأصدر جريدته الأمل.

 كانت الأسبوعيات مولعة بالجدال، وأتاح ذلك بداية فرز اليمين واليسار بوضوح متصاعد. وساهم هذا الفرز وما رافقه من تطورات في ابتكار “المؤامرة الشيوعية” واتخاذها ذريعة من طرف السلطة الإستعمارية لمنع كل رأي معارض، وصار ضباط الإحتلال يأمرون بمنع كل جريدة مخالفة.

الصحافة الوطنية المقاومة

 لم يكن للمغاربة يد في هذا المشهد الإعلامي، رغم أن النخبة المغربية كانت معجبة بالصحافة المشرقية، وتتوق للإقتداء بها، لكن هذه النخبة لم تتمكن من ذلك لان  القوانين القمعية قد استهدفت الصحف العربية والعبرية التي يمكن أن تظهر فتستقطب أعداد كبيرة من القراء. لذا لجأت تلك النخبة إلى المساجد للتواصل والتعبئة.

بعد ذلك فكر المتعلمون المغاربة الذين تخرجوا من المدارس الفرنسية في إصدار جريدة، لكن تعقيد القوانين ونقص التجربة عرقل المشروع، وقد تدخل شكيب أرسلان لدى اليسار الفرنسي ليدير أول مجلة مغربية شهرية في الخارج باسم Maghreb  وعين أحد حفدة كارل ماركس مديرا لها. وصدر أول أعدادها في يوليوز 1932.

وقد توحدت الصحف الفرنسية في المغرب لخنق المجلة، وهو ما تحقق بعد صدور 24 عددا. لكن التحربة أفادت بعض الشبان المساهمين في Maghreb والذين سيلعبون دورا في تاريخ الصحافة المغربية مثل محمد حسن الوزاني، أحمد بلافريج، محمد اليزيدي…  للإشارة فإن الوزاني هو أول مغربي يتخرج من المدرسة الحرة للعلوم السياسية بباريس، وقد درس الصحافة كذلك.

عمليا، لم تحقق مجلة Maghreb طموح الوطنيين الشباب، لذا سعوا إلى تأسيس جريدة عربية محلية يومية أو أسبوعية تعبر عن مطالبهم ص199، استحال ذلك فعمل الوزاني على إصدار جريدة ناطقة بالفرنسية رغم معارضة التيار التقليدي في الحركة الوطنية، وهو تيار يطالب بجريدة عربية أو لا شيء. وقد أصدر الوزاني جريدة L’Action du peuple في فاس يوم 4-8-1933، وأشارت إلى أنها أسبوعية تدافع عن المصالح المغربية ص200.

فورا بدأت مآمرات إفشال المشروع، ظهر شخص مجهول يدعى الوزاني أيضا وأصدر جريدة باسم La France au Maroc وذلك أولا لبلبلة الأذهان، ثانيا لتذكير الجميع بأن فرنسا تحكم وثالثا لانتقاداللبرالية الخطرة للإقامة العامة ومطالبتها بمنع  L’Action du peuple. المحاولة الثانية هي خلق شقاق بين حسن الوزاني والفرنسي الذي اتخذه كمدير/ واجهة للإلتفاف على قانون الصحافة الذي يشترط ألا يكون مغربي مديرا لجريدة. لكن المؤامرة لم تنجح، لأن الوزاني عثر على فرنسي آخر استخدمه كواجهة. رغم هذه العراقيل فقد نجح الوزاني في مهمته، وأصدر المغاربة صحفا مفرنسة بالتواطؤ مع فرنسيين يكونون مدراء واجهة، وهذه هي االثغرة التي استغلها الوطنيون وتغاضت عنها سلطات الحماية ما دامت الأغلبية المطلقة من المغاربة لاتقرأ الفرنسية، لكن مدير الشؤون الأهلية اكتشف سنة 1933 أن هذه فرضية خاطئة، لأن المغاربة يترجمون مقالات L’Action du peuple لقراءتها.

لقد تمكنت الصحف الوطنية، رغم عائق اللغة، من توسيع دائرة قرائها بفضل مطالبتها بإصلاح التعليم والعدالة والإدارة، وبفضل تقديمها لمحمد بن يوسف كرمز ومطالبتها بالإحتقال بعيد العرش يوم 18 نونبر. استجابت السلطات الإستعمارية لمطلب الإحتفال بعيد العرش لتحرم الجرائد الوطنية من موضوع للتعبئة، لكن الوطنيين اعتبروا الإستجابة نصرا. وقد استقبل السلطان السادة الوزاني وبلفريج سرا. وفي إطار التقارب بين السلطان والحركة الوطنية، زار محمد الخامس فاس في ماي 1934 ونظم الوطنيون تظاهرات كبرى، فوجئت سلطات الإستعمار، فقامت بتقليص مدة زيارة السلطان واتُّخذ الحدث ذريعة لمنع كل الجرائد الوطنية في فاس وتطوان وباريس دفعة واحدة. بعد ذلك أوصى الضابط المكلف بالشؤون الأهلية بتشديد ظهير 1914 المنظم للصحافة، وذلك ب:

أ – تعيين مدير مغربي للجرائد الوطنية، لتسهل متابعته قضائيا.
ب – تعهد أصحاب الجرائد قبل صدورها بالولاء لسلطة الإحتلال.
ج – إلزامية الحصول على إذن مسبق لإصدار جريدة بدل الإكتفاء بإيداع تصريح.
د – توسيع صلاحيات منع الصحف الصادرة باللغات الأوروبية لضبط علاقة الإقامة بالصحافة الوطنية. ص209

 زار الوزاني مقر الإقامة العامة للإحتجاج على منع جريدته، فأوضح له المسؤول عن الشؤون الأهلية أن الجريدة تتضمن مطالب غير متجانسة يستحسن تقديمها بطريقة واضحة. ص210. وهكذا قدمت كتلة الأمل الوطني برنامج الإصلاحات المغربية للإقامة العامة والسلطان، ولم تشر إليه الجرائد الفرنسية مطلقا. تقدم قادة الحركة الوطنية خطوة أخرى، خاصة وقد وصلت الجبهة الشعبية اليسارية إلى الحكم في فرنسا عام 1936، لكن النتائج على الأرض كانت مخيبة للأمل، وقد اعتقل الوزاني واليزيدي.

بعد موجة القمع جاءت فترة ليبرالية، تم خلالها إطلاق سراح المعتقلين وسمح لأول مرة بإصدار صحف وطنية فرنسية وعربية، لكن المقيم العام حل لجنة العمل الوطني سنة 1937 ومنع إنشاء الجمعيات الأدبية والرياضية وأبعد الوزاني إلى آقا وعلال الفاسي إلى الغابون… تابعت الصحف الوطنية دورها النضالي فمنعت أغلبها ومنعت الاحزاب فلجأت قوى الحركة الوطنية إلى العمل السري. وعادت إلى الوسائل التقليدية للتواصل والتعبئة ص216.

هذا هو رد فعل السلطة على ظهور الصحافة الوطنية، أما رد فعل الصحف الفرنسية، وخاصة اليمينية فقد تمثل في الغضب والتحريض على الوطنيين الشباب، وقد طالبت إحدى الصحف بقتلهم ببساطة، اقترحت أخرى عرض قراء L’Action du peuple على طبيب نفسي لأنهم يشترون جريدة لايقرأون لغتها! ص203 عبرت ثالثة عن خيبة أمل المعمرين في المغرب. في حين اتهمت رابعة الوزاني بالعمالة للألمان ص 206.

 رغم الحكم اليساري في فرنسا (1936-1938) فقد كان دور الصحافة اليمينية مؤثرا، كان صعود اليمين في أوربا يلهم اليمين الفرنسي في المغرب، وكانت جريدة La voix française  معجبة بهتلر، وقد احتفت بحل لجنة العمل الوطني المغربية وطالبت بمحاكمة مسانديها في فرنسا. وقد مُنعت الصحف اليمينية الصادرة في المغرب لما اشتد نقدها للجبهة الوطنية الحاكمة في فرنسا، 226.

 عرف المشهد الصحفي في المغرب قبل بدء الحرب العالمية الثانية هيمنة إمبراطورية ماص الإعلامية، كما عرف إصدار 73 جريدة في البيضاء و42 في الرباط، من ضمن هذا الكم 9يوميات و36 أسبوعية. وقد ساهمت الأحداث الدولية )الحرب الأهلية في إسبانيا وصعود اليمين في أوربا( في تسييس الصحافة المغربية وتبلور صراع اليمين واليسار في الصحف. كانت صحافة رجال المال تركز على الأخبار، أما الصحافة الوطنية فكانت تركز على الرأي، وقد اتخذ وطنيو المدن الصحافة سيلة صراع سياسي.

الصحافة إبان الحرب العالمية الثانية 1939-1945

 وفرت مقدمات الحرب العالمية الثانية الفرصة للسلطات الإستعمارية في المغرب للقضاء على هامش الحرية الضيق، وقد استخدمت ظروف الحرب كوسيلة لإفقار المشهد الإعلامي وتحقيق أهداف محلية. منها منع صحف اليسار والنقابات عام 1939 بعد أن منع صحف الوطنيين عام 1937، ومن ثمة نقل مطالب الحركة الوطنية إلى الدرجة الثانية. وقد أطر ذلك بإصدار ترسانة قانونية مشددة بدعوى منع العدو من استخدام الصحافة كوسيلة دعاية. وقد تم ذلك الإفقار بوسائل قانونية ومادية.

قانونيا، أطر ظهير 29 غشت 1939، وضع الصحافة في هذه المرحلة، فهو:

أ- يوسع صلاحيات الإقامة العامة في مراقبة الإعلام، بل يسمح لمندوبي السلطة المركزية باتخاذ ما يرونه مناسبا محليا دون العودة إليها. ب- يعاقب على نشر أي خبر عسكري لايصدر عن الإقامة العامة. ج- ينص على إنشاء خلية عامة للإعلام، لها مكاتب في مختلف مدن المغرب، مهمة هذه الخلية هي مراقبة كل ما له صلة بالصحافة والطباعة والمكتبات. وقد صدرت ظهائر أخرى مُكملة تنص على المنع والغرامات والحبس ضد كل من ينشر خبرا مضرا. كما منع إصدار جرائد جديدة أو استئناف إصدار صحف متوقفة.

تقنيا، استغلت الإقامة أزمة الورق وتدخلت لتحدد حجم الصحف وعدد صفحاتها ونسخها وتاريخ الصدور، مع منع الطباعة يوم الأحد حفاظا على الطاقة. ولذر الرماد في العيون شكلت الإقامة العامة لجنتين لمنح بطائق مهنية للصحفيين المحترفين وتحديد لائحة اجورهم.

الصحافة في عهد فيشي

 أعلن المقيم العام Nouguère  الولاء لحكومة الإحتلال في باريس، وأصبحت الصحافة مضطرة للإختيار بين اتباع المقيم العام أو الإنقراض، حتى الحياد لم يكن مسموحا به إلا قليلا، وهكذا أصبحت إمراطورية ماص الإعلامية في خدمة حكومة Vichy ، تمجدها وتصف الجنرال دوغول بالنذل الخائن. وقد فعلت جرائد ماص ذلك رغم أنها لاتعلن أي لون سياسي، وقد فقدت شعبيتها بسبب حماسها للألمان ص255.

تزايدت الصحف اليمينية في المغرب بين 1940و1942. وقد خصص لها المؤلف 12 صفحة من بحثه. أما صحف المعارضة فقد لجأت للسرية، ومنها Libération  و El-watan التي طالبت لأول مرة بالإستقلال، وذلك قبل توقيع وثيقة 11 يناير. أما صحف الوطنيين المغاربة فقد منعت منذ 1937، ولم يسمح إلا لجريدة عبد اللطيف الصبيحي La voix nationale بالصدور، لأن الرجل كان يحترم الخطوط الحمراء التي وضعتها الإقامة العامة.

 عهد الحلفاء

بعد إنزال الحلفاء في الدار البيضاء، بدأ المشهد الإعلامي يتغير، بدأت الصحف اليمينية تعدل خطابها ليناسب المرحلة، وقد ركز جامع بايدة على صحف ماص مرة أخرى، نظرا لحجمها ونموذجيتها. بدأت صحف المقاول تغازل الحلفاء وتمجد شارل دوغول على خطى المقيم العام Nouguère. كان ماص يتلون حيثما وجدت مصالحة الإقتصادية.

 أما صحف المقاومة فقد خرجت من السرية، وأهمها Libération وقد كانت ديغولية في البداية، لكن مع مرور الوقت، أعلنت خطها الشيوعي وبدأت تنتقد الإقامة العامة والكنيسة  وهو ما أثار قلق السلطات الإستعمارية، لأن خطاب الجريدة ينبه المغاربة إلى أن الفرنسيين غير موحدين.

وقد عرفت المرحلة إصدار صحف نقابية مثل L’Action Sydicaliste  التي طالبت برفع أجور الفرنسيين والمغاربة على حد سواء، وتذرعت الإقامة العامة بأن حاجيات المغاربة أقل من حاجيات الأوروبيين. والهدف من هذه الذريعة هو أولا كسر إمكانية التضامن بين الطرفين، وثانيا عرقلة انضمام المغاربة إلى النقابات لأن عليهم الإكتفاء بالبنيات التقليدية للتضامن. وقد اشترت النقابة جريدة Le petit Marocain من ماص وحولتها إلى جريدة مناضلة. وسبب هذا الشراء هو ان بيير ماص واجه صعوبات مع انصار دوغول، القوة الصاعدة، التي أصدرتLe Combattant   ثم Résistance    هذه القوة التي نددت بقمع حرية الصحافة في المغرب وطالبت بمحاكمة الخونة الذين تعاونوا مع حكومة Vichy.

اضطر بيير ماص للإنحناء فوزع إمبراطوريته الإعلامية على اصدقائه ليتكيف مع ظهير 19-2-1945 الذي يحارب الإحتكار الإعلامي. ولم يبع إلا جريدة واحدة. وهكذا فقد بترت إمبراطوريته ولم تتفكك، وسيتمكن من تجميعها لاحقا، وستصمد في المغرب حتى 1971.

عام بعد إنزال الحلفاء في الدار البيضاء، لم تلتفت السلطات الإستعمارية لمطالب الوطنيين المغاربة الذين ناصروها، لذا بادروا وأسسوا حزبا للمطالبة بالإستقلال ص 291 بدل المطالبة بإصلاحات محتشمة، وقد حرروا وثيقة 11 يناير ووقعتها ثمانية وخمسون شخصية. غضبت كل الصحف الفرنسية ضد مبادرة الوطنيين،وقد تبنت اتهامات الإقامة العامة ضدهم بزعم أنهم عملاء لألمانيا ويعرقلون المجهود الحربي، لم يكن بإمكان الوطنيين الرد لأن صحفهم ممنوعة.

هذا هو رد الفعل الإعلامي، أما رد الفعل السياسي على وثيقة 11 يناير فقد تمثل في اعتقال 18 موقعا على الوثيقة، وتلت ذلك احتجاجات في فاس سقط على إثرها 40 قتيلا حسب السلطات الإستعمارية. بعد عودة الهدوء، بدأ موقف الصحافة اليسارية يتميز، إذ حمّلت الإقامة العامةَ مسؤولية أحداث فاس، لكن تلك الصحافة ظلت تعارض مطلب استقلال المغرب. وقد أعادت أحداث يناير – فبراير 1944 المسألة الوطنية إلى الواجهة.

الصحافة في ظل الأزمة المغربية الفرنسية 1946-1956

في هذه المرحلة، كانت الصحف الفرنسية منقسمة بين يمينية ولبرالية. تميزت هذه الأخيرة بقراءتها الصحيحة لمجرى التاريخ، وكانت ترى أن الحل هو استقلال المغرب ص 354، وقد دافعت عن تفاهم الفرنسيين والمغاربة وطالبت  بإطلاق سراح المعتقلين وإعادة السلطان إلى عرشه وإشراك المغاربة في الإصلاحات… بدأ هذا الخطاب في صحافة رجل الأعمال جاك والتر، وكان تصرفه نابعا من دافع براغماتي وليس من موقف عدائي من الإستعمار. في هذا الإطار أنشأ والتر جريدة Maroc – presse لمحاربة الشيوعيين برعاية أمريكية ص 333، بل تقرب من الوطنيين فدخل في صراع مع ماص، وقد خدم هذا الصراع القضية الوطنية.

لم تمض فترة طويلة حتى قرأ بيير ماص مجرى التاريخ، فقد كان رجل الأعمال حريصا على استمرار مصالحه بقي الإحتلال أو زال، هكذا بدأت صحافة ماص تنتقل من النقيض إلى النقيض، فبعد أن كانت تدافع عن فيشي سنة 1940 صارت ديغولية عام 1943، وبعد أن كانت تؤيد بن عرفة والكلاوي، مرت بفترة حياد قصيرة صورت خلالها الأزمة وكأنها بين مغاربة، بين بن عرفة وبن يوسف، ثم نشرت نبوؤة منجم عن عودة بن يوسف، بعد خمسة عشر يوما نشرت خبر عودة السلطان وصوره 16-11-1955. بعد ذلك لم تعد صحف ماص تتخذ مواقف ضد الوطنيين، بل صارت تنشر أخبارهم بتوازن كي لايغضب أي طرف. وقد قارن المؤلف موقف ماص المتقلب بموقف الكلاوي الذي طلب العفو من محمد الخامس. لقد كان ماص مع الغالب، وكان شعاره هو المصالح قبل كل شيء. وقد كانت  له مصالح كبيرة في العقار والأبناك والفلاحة بالمغرب. ومكنته  هذه السياسة من المحافظة على إمبراطوريته الإعلامية في مغرب الإستقلال، فاستمرت Le Courrier du Maroc حتى 1962 و استمرت   Le petit Marocain   حتى 1971.
أما الصحف اليمينية فقد كانت تناهض حق المغاربة في الإستقلال، فمن جهة اولى تقود حملات ضد السياسة الرسمية الفرنسية بتهمة التفريط في الوجود الفرنسي بالمغرب، تنشر رسائل العسكريين الفرنسيين المتقاعدين المتشبثين باحتلال المغرب، بل اتهمت رجل الأعمال جاك والتر بدعم حزب الإستقلال. من جهة أخرى تقود حملات ضد الحركة الوطنية، تمجد بن عرفة وتنتقد السلطان وحزب الإستقلال، تعتبر المقاومة المغربية إرهابا ص375.

الصحف الوطنية:

أ- صحف حزبية: 

أسس حزب الإستقلال جريدة العلم سنة 1946 و L’opinion سنة 1947 كان عبد الرحيم بوعبيد محررها الرئيسي، وقد فتح صفحاتها لكتاب فرنسيين لبراليين بغرض التواصل مع المعمرين. كما استغل الوطنيون اهتمام أمريكا بالمنطقة لإظهار معاداتهم للإستعمار وانخراطهم في اللبرالية. أصدر الحزب الشيوعي أسبوعية Espoir وقد نشرت بلاغا طالب بإلغاء معاهدة 1912 والإقامة العامة ودعا إلى انتخاب برلمان وتشكيل حكومة تدير المغرب. قرب هذا الخط التحريري بين الشيوعيين والقصر. وقد استقبل السلطان السيد علي يعته يوم 26-08-1946. ودأبت جريدته على تهنئة السلطان بكل عيد ديني لترد على متهمي الحزب الشيوعي بالإلحاد. عانت Espoir من الرقابة، رغم ذلك حاول الحزب زيادة توزيع جريدته بالبيع عن طريق طرْق الأبواب والبراح في الطرقات. كما أصدر الحزب جريدة عربية سرية باسم حياة الشعب، ولم يتمكن من الحصول على ترخيص لها.

وفي إطار تدبير الصراع على مختلف الأصعدة، أنشأ الوطنيون شركة لتوزيع الصحف للألتفاف على احتكار ماص للتوزيع، كما اعتمدوا على البراح لبيع جرائدهم، وبذلك مزجوا التوزيع العصري والتقليدي، وهذه أيديولوجيتهم أيضا.

ب- صحف نقابية:

 بدأ المحجوب بن الصديق يطالب بنقابة مغربية، وقد بدأت مغربة الإتحاد العام للنقابات وتوسعت قاعدته من 50 ألف سنة 1946 إلى 100 ألف سنة 1948، وعكست جريدة  L’Action Syndicale نضالات الطبقة العاملة، صحيح أن الفرنسيين كانوا يحتلون المواقع الاولى في التحرير، لكن دور المغاربة يتزايد يوما عن يوم. وقد بذلت الجريدة جهودا كبيرة لتنشر مقالات بالعربية على صفحاتها. بجانب هذه الجرائد، كانت هناك منابر تمثل قطاعات نقابية صغيرة، يسيرها فرنسيون ولاتعكس الخط الوطني. ص315. حين توقفت L’Action Syndicale خصصت جريدة Al-Istiqlal صفحة للشؤون النقابية، وقد كان بن الصديق من منشطيها.

ج- صحف مستقلة:

هي التي تعلن استقلالها عن الأحزاب، لم تكن  منتظمة، وكانت محدودة الإنتشار، إذ لم يكن الوضع يسمح بوجود صحافة مستقلة عن الأحزاب. ومن نماذجها Jeune Maghrébin. كان يديرها المعطي بوهلال، طالبت بإنشاء وزارة للتربية الوطنية تعد مقررات مدرسية وجامعية تعكس الهوية الوطنية. ص316

 لقد انتعش الحقل الإعلامي في عهد Eirik Labonne وهو مقيم عام لبرالي، أما حين وصل الجنرال جوان، فقد بدأ عهد القبضة الحديدية، تقلصت حرية الصحافة، منع الباعة المتجولون للصحف لتقليص توزيع الصحف الوطنية، منعت جريدة Al-Istiqlal التي اصدرها الحزب.

 حين تشتد وسائل عرقلة ومصادرة ووقف ومنع صدور الصحف،  يتم اللجوء إلى إصدار صحف عرضية ذيلية تملأ الفراغ وتحاول الإستجابة لانتظارات القراء المتشوقين للخطاب غير الرسمي ص328. صحف عربية غالبا تحاول فصل القراء عن التوجهات الوطنية، تحارب الوطنيين وتنتقد السلطان، منها جرائد: التقدم، القيامة،العزيمة، الإرادة، الحرية … صحف يدريها أشخاص او هيئات خلقتها الإقامة العامة، صحف متهمة، ضعيفة، مكشوفة، متناقضة، غير مقنعة، تجتهد لتبدو مستقلة لأطول مدة ممكنة، توهم بوجود حرية صحافة، وقد صدرت بعدد انكشاف تبعية جريدة السعادة للإقامة العامة. وقد منعت الإقامة العامة ذات يوم جريدة الحرية المفرنسة للإيهام بمصداقية تلك الجريدة. وقد تمكن الوطنيون من قتل مصدرها إدريس بن عبد العلي.

بعد أحداث كاريان سنطرال في دجنبر 1952، منع المقيم العام جريدتي العلم والأمل وحل حزبي الإستقلال والشيوعي. لكن بعد العودة الظافرة لمحمد الخامس، انبعثت الصحافة الوطنية من الرماد، وخاصة الحزبية، بينما فشلت الصحف المستقلة في معاودة الصدور، لم يعد لها مكان في المشهد الإعلامي في ظل أحزاب تتصارع على السلطة ص390.

خلاصة البحث، هي أن الصحافة الوطنية قد نشأت في ظروف قاسية: قانونية ومادية ولغوية ومهنية. وكان ظهير 27-04-1914 هو الوعاء القانوني الذي شرعن هذه القساوة رغم التعديلات والتتميمات التي أدخلت عليه، وقد نص على منح الأسبقية للصحافة الناطقة بالفرنسية في بلد عربي وحجم حرية التعبير، لذا ليس صدفة أن تكون حرية الصحافة من المطالب الأولى للحركة الوطنية. تميزت المرحلة التي يغطيها الكتاب بظهور يوميات كبرى تتجاهل المناقشات وتركز على الأخبار، وأسبوعيات صغيرة تركز على الرأي و السجال السياسي. وقد كانت المشاركة المغربية في هذا المشهد ضعيفة، بالأرقام، في 1955 كانت الصحف الناطقة بالفرنسية تمثل 94% من العناوين مقابل 4% للصحف العربية. كانت الصحف المملوكة لأجانب تستهلك 95.5% من ورق الصحف. بينماالصحف المملوكة لمغاربة تستهلك 4.5%. ص391.  الصحف الفرنسية موجهة ل300مائة ألف معمر، الصحف العربية موجهة  ل8ملايين مغربي. لاتبرر أمية أغلبية المغاربة هذا اللاتكافؤ. رغم عائق اللغة، فإن الصحافة باعتبارها حاملة لغة وحضارة، قد بصمت النخبة المغربية، فصار الجزء المؤثر منها فرانكفونيا، بل إنه مؤثر بسبب فرانكفونيته، مؤثر في سلطة ومعارضة فترة الإستقلال. وقد حملت صحافة عهد الإستقلال بصمات مرحلة الإستعمار. ومن أبرز هذه البصمات تركيز اليوميات الكبرى على الأخبار وتركيز الأسبوعيات على الرأي، إضافة إلى اعتبار الصحافة رسالة أولا، مما جعلها أقل مهنية وأكثر تصادما مع السلطة.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -