جامع الفنا في مراكش (مواقع التواصل الاجتماعي)
زبيدة الخواتري-مراكش
يعد الحديث عن الروافد الثقافية للمغرب موضوعا يثير العديد من النقاشات الفكرية والأكاديمية، في محاولة لجمع أهم الروافد التي صنعت هذا الزخم الكبير والتنوع الذي يحيّر الباحثين.
ويعود التنوع الثقافي المغربي للموقع الإستراتيجي للمغرب، فهو قريب من شبه الجزيرة الإيبيرية ومنفتح على الصحراء الكبرى وأفريقيا والمشرق، ومنفتح على ثقافات أخرى كان لها كبير الأثر في هذا التداخل الثقافي واللغوي والتعدد العرقي الذي يشمل الأمازيغي والعربي الإسلامي والحساني والأندلسي الموريسكي والأفريقي واليهودي.
كما يشير معمار المغرب ومعالمه بما فيها الأسوار والمدن العتيقة والمساجد والقصور، إلى الثقافة المغربية المتنوعة ذات العادات والتقاليد والطبائع التي تجعلها مميزة عن غيرها.
الروافد الأمازيغية والإسلامية
في كتابه "وصف أفريقيا" اعتبر الحسن بن محمد الوزان الملقب بـ"ليون الأفريقي"، أن لفظة أمازيغ تعني الرجال الأحرار الذين يمتد وجودهم من واحة سيوة غرب مصر إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن شمال البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب الصحراء الكبرى.
وبخصوص المغرب فقد تعاقبت عليه منذ ثلاثة آلاف سنة العديد من الحضارات ولغات وثقافات وأديان جاءته من الشرق والغرب على السواء، كالبونيقية والفينيقية واللاتينية واليهودية والمسيحية والعربية والإسلام، بالإضافة إلى الفرنسية والإسبانية والبرتغالية، ورغم أن بعض هذه الثقافات انقرضت، لكن بعض بصماتها وعلاماتها لا تزال حاضرة في الثقافة المغربية ولو في شكل ألفاظ أمازيغية ترجع جذورها المعجمية إلى هذه الثقافات القديمة.
ويعتبر عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الدكتور أحمد بوكوس أن الثقافة الأمازيغية رافد مهم من الروافد الثقافية المغربية، فقد تلاقحت هذه الثقافة مع كل الروافد الثقافية المغربية إلى درجة الانصهار.
وبحسب حديث بوكوس للجزيرة نت يتجلى ذلك من خلال مستوى الثقافة الشفهية، بالإضافة إلى الأدب المكتوب.
ويشير بوكوس لعمق العلاقة بين الثقافتين العربية والأمازيغية، ويرى أنها تميزت دائما بالأخوة والتضامن والانسجام. فالمغاربة كلهم سواسية أمام القانون، وجلهم مسلمون سواء منهم الناطقون بالأمازيغية أو الناطقون بالعربية. ويشكل هذا الانسجام الحاصل بين الثقافتين مصدر افتخار لأن أهم ما يميز الهوية المغربية هي تنوعها وتعددها، والتلاقح الموجود بين الثقافتين العربية والأمازيغية يوطد الوحدة الوطنية.
ورغم أن الثقافة والهوية المغربية نتاج عوامل عدة ساهمت في إبراز ملامح الشخصية المغربية لتصبح واضحة، فإن العقيدة الإسلامية تبقى هي أهم ملمح في الشخصية المغربية.
الرافد الحساني
تعتبر الثقافة الحسانية المغربية متجذرة في التاريخ من خلال قوتها الرمزية وحركيتها المستمرة حيث تتميز بالاعتماد على الشفهي، وهي الوسيلة المعتمدة في نقل التجارب والتواصل وهي الحافظة للذاكرة الجماعية، والتي تتجلى في جلسات السمر على كؤوس الشاي بطابعه وطقوسه التي تجعل من المجلس مكانا لتبادل الأفكار والأشعار ونقاش مختلف الأمور.
وتشمل ثقافة البيظان (الحسانية) عربا مغاربة وموريتانيين، وهي العامل المشترك بين المغرب وموريتانيا، ويطلق هذا الاسم على من يتكلمون اللهجة العربية الحسانية من العرب والأمازيغ البيض ومن يوجد من السود بالمغرب وموريتانيا.
والحسانية ثقافة غنية بالعديد من الأنماط التعبيرية الشفهية المتنوعة، وكانت وزارة الثقافة والاتصال المغربية قد أعلنت في وقت سابق عن مشروع "موسوعة الثقافة المغربية" التي تهدف لتوثيق معالم الثقافة المغربية، ويطمح المشروع الذي يفترض أن يصدر خلال العام الحالي لاستعراض غنى الثقافة المغربية وتنوع روافدها العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسّانية، إضافة للروافد الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
الرافد الأندلسي الموريسكي
وبعد سقوط الأندلس طُرد الموريسكيون من شبه الجزيرة الإيبيرية ليستقر بهم المقام بشمال أفريقيا، وخاصة في منطقة المغرب العربي لا سيما المملكة المغربية لأنها الأقرب جغرافيا من إسبانيا، حيث احتضنت مدن مغربية عدة الموريسكيين ورحبت بهم مثل شفشاون وتطوان والقصر الكبير، بالإضافة إلى مدن أخرى كالرباط وآسفي ومراكش وفاس فاختلطت العادات والطبائع.
ترك الأندلسيون أثرا كبيرا على المدن المغربية التي دخلوها، لاسيما الشمالية، وبهذا كان لهذا الرافد تأثير وتأثر، فانصهرت ثقافة أخرى في الجسد المغربي لتشكل هوية ثقافية لا تزال معالمها ظاهرة في الموسيقى والمعمار وفي كل مناحي الحياة العامة للمغاربة.
أعاد نبيل غرناطي ويدعى سيدي علي المنظري، تأسيس مدينة تطوان المدمرة جراء الهجمات البرتغالية، وكان مواليا لأمير شفشاون، ويبحث كتاب "الموريسكيون في المغرب" للمؤلف الإسباني غييرمو غوثالبيس بوستو في الطابع الغرناطي لتطوان التي أسسها المنظري مرة أخرى.
وانضم الكثير من رجال السياسة الأندلسيين وكذلك الصناع والتجار والجنود لبلاط سلطان المغرب، واعتبر غوثالبيس بوستو في كتابه أن الطراز المعماري المغربي حمل العديد من الآثار المعمارية الموريسكية الواضحة.
الرافد الأفريقي
علاقة المغرب بأفريقيا كعلاقته بأعضائه، فقد كان له تأثير وامتداد تاريخي وجغرافي على القارة السمراء عبر قوافل التجارة ونشر الدين الإسلامي خصوصا بمناطق غرب أفريقيا التي كانت في فترات من تاريخ المغرب امتدادا له. فالرافد الأفريقي الزنجي يعتبر مكونا مهما ورئيسيا، وذلك لمتانة العلاقات الاجتماعية وانصهار المغاربة في فترات كثيرة من التاريخ مع أهل السودان، فلم تنقطع وشائج التواصل بين المغرب وسكان أفريقيا سواء على المستوى التجاري أو السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي أو التراثي.
وهكذا كانت أفريقيا حاضرة في العديد من الطباع والطقوس والعادات المغربية والتي أسهمت بدورها في تطوير الشخصية المغربية وتقويتها على غرار الروافد والمكونات الأخرى.
وفي العام الجديد 2020 تحل مدينة مراكش جنوبي المغرب كأول عاصمة ثقافية لأفريقيا، وتعج بالفن الشفهي الذي يقدمه الحكواتيون والجمال المعماري الذي يعكس طابع أفريقيا الحضري المعاصر، وتتبنى الدولة المغربية مشروعا كبيرا للاعتناء بالمدينة الحمراء وتجديد عمرانها تحت اسم "مراكش الحاضرة المتجددة".
الرافد اليهودي المغربي
ويعود الحديث عن الوجود اليهودي بالمغرب لأكثر من ألفي عام، فمعالم تراثه لا تزال موجودة إلى اليوم من خلال بعض المواقع التاريخية والمعابد والتجمعات السكنية كالملاح ومختلف التعابير الثقافية والفنية، فهو شهادة على تاريخ مشترك ومتعدد الأبعاد وكان كذلك إضافة أخرى للثقافة المغربية التي جمعت بين العديد من المكونات والروافد المتنوعة والغزيرة التي يضيق الحيز للتحدث عنها كلها.
في تصريح محافظة المتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء للسيدة زهور رحيحل اعتبرت أن الثقافة المغربية ليست مجزأة، فهي ثقافة موحدة تجمع الجميع، والدستور المغربي كان واضحا في هذا الأمر، "لأنه فريد من نوعه في العالم وليس العالم العربي فقط، ولأنه الدستور الوحيد الذي تحدث عن الرافد العبري واليهودي ودوره في إغناء الثقافة المغربية"، مؤكدة أن هناك روافد أخرى كان لها الدور نفسه في إغناء الثقافة المغربية كالرافد الأمازيغي والأندلسي والعربي والإسلامي والحساني والرافد المتوسطي والأفريقي.
وتابعت رحيحل للجزيرة نت قائلة إن كل عنصر يكمّل الآخر، وهذا هو الذي يعطي الاستثناء المغربي والخصوصية المغربية، مضيفة أن الرافد العبري بالمغرب يمتد لـ3000 سنة، فالجماعات اليهودية كانت موجودة بكل المناطق المغربية مما جعل من الثقافة العبرية قيمة مضافة لتنوع الثقافة المغربية بالعديد من الإبداعات والإنتاجات كالمخطوطات المكتوبة بالعبرية على الطريقة المغربية، بالإضافة إلى الصناعة التقليدية واللباس وكذلك الأدب المغربي من شعر وزجل.
وأضافت رحيحل "لا يمكنك التحدث عن الهوية المغربية دون الرجوع لمؤلفات وكتابات المؤرخ والمفكر والفيلسوف المغربي حاييم الزعفراني الذي يعتبر من الكتاب الأوائل الذين اشتغلوا على الهوية الثقافة اليهودية المغربية، بالإضافة إلى أندري أزولاي وكتاب يهود مغاربة بالخارج كانت لهم إضافة كذلك في إغناء الثقافة المغربية".
المصدر : الجزيرة
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.