أخر الاخبار

30 مارس 1912.. الحماية مقابل حقوق مولاي حفيظ الشخصية

إثر المعارك الدامية التي عاشها المغرب بين جيشي كل من السلطان مولاي حفيظ وأخيه مولاي عبد العزيز في بدايات القرن الـ20، وما تخلل ذلك من تحالفات قبلية وزحف وزحف مضاد، دخل عبد الحفيظ إلى كل من مكناس وفاس وسط احتفالات بدّدت الشكوك التي حامت حول تخليه عن الجهاد، وأصبحت المواجهة مفتوحة بين السلطان الجديد، وأخيه الأصغر، مولاي عبد العزيز، الذي اتجه جنوبا محاولا استرداد مراكش بعدما خسر فاس. وخاب مرة أخرى رهان عبد العزيز على الدعم الفرنسي له ضد أخيه المنقلب، ونال هزائم متتالية في حوز مراكش والشاوية. فتوالت البيعات لصالح عبدالحفيظ.

 نوادر أرشيف الجريدة الرسمية للمملكة.. رحلة عبر الزمن! | www.le360.ma

بعد بلوغه مدينة فاس، عاصمة الحكم بالمغرب حينها، راح مولاي عبدالحفيظ يبحث عن اعتراف دولي بشرعية سلطته، واجتهد في إيفاد السفارات والمراسلات إلى القوى الدولية. لتنطلق، في يناير 1909، أولى المفاوضات بين الفرنسيين والسلطان الجديد، عبر سفير فرنسي موفد إليه. فتم التوصل إلى اتفاق بجلاء الفرنسيين من الشاوية، دون أن يشمل ذلك الدار البيضاء، وهي النقطة التي أخّرت المصادقة على الاتفاق. بينما نص الاتفاق، أيضا، على قرض جديد تمنحه فرنسا للمغرب.

كما تم التوصّل إلى اتفاقات حول الحدود. لكن المفاوضات انتقلت بعد ذلك إلى باريس، حيث انتقلت سفارة مغربية إليها. “وبعد أخذ ورد وتفاوض لا يخلو من تهديد، توصّل الجانبان إلى توقيع عقد الحماية يوم 30 مارس 1912. وتجدر الإشارة إلى أن السلطان لم يوقع الاتفاقية إلا بعدما توصّل برسالتين رسميتين، تعهدت الدولة الفرنسية في الأولى بضمان وضعية لائقة بشخص السلطان عن طريق وضع 500 ألف فرنك تحت تصرّفه، قصد أداء ديونه الخاصة، وبناء مستشفى بلدي يحمل اسمه وتأسيس مدرسة علمية، وذلك تنفيذا للتعهدات السابقة للحكومة الفرنسية.

أما الرسالة الثانية، فتعلقت بحماية فرنسا لشخص السلطان وعائلته إذا ما اختار التنازل عن الحكم وارتأى أن يعيّن خلفا له. وبذلك يكون المولى عبدالحفيظ قد حصل على حق التنازل، مما يخول له إمكانية رفض التعاون مع النظام الجديد المفروض حسب رأيه بالقوة لا بالتوافق، بعدما أمّن حقوقه الشخصية وحقوق أسرته وضمن عدم المساس بالشخصية القانونية للبلاد.

بعد توقيع المعاهدة، بات من الواضح بالنسبة إلى غالبية المغاربة، أن “سلطان الجهاد”، الذي بُويع في مراكش سنة 1907 من أجل القيام بتحرير الأراضي المحتلة من قبل القوات الفرنسية، ومطالبة القوى الكبرى بإلغاء مقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء، لم يعد قادرا على تحقيق الآمال المعقودة عليه. وعلى إثر تأكد التوقيع على معاهدة الحماية، عمّ الذعر بين السكان، واعتبر ذلك نوعا من “التسوية” تخلى بموجبها المولى عبدالحفيظ عن حقوق المغرب. ولتفادي استفحال الغليان الشعبي، أمر السلطان بتلاوة رسالة في المساجد استهجن فيها تصرف الذين ينددون بالمعاهدة.

واعتبرت الرسالة أن اللجوء إلى قوة أجنبية تكون الوسيلة الوحيدة أحيانا لتنفيذ الإرادة الإلهية. وتوجه السلطان بكلام حاد إلى فئة التجار المحميين، إلا أن شرارة الانتفاضة لم تأت منهم، بل انطلقت من بين عساكر المخزن الذين تمردوا في أول الأمر، لاستيائهم من الإجراءات التأديبية التي كان المدربون الفرنسيون يخضعونهم لها. فكانت الحصيلة ثقيلة بالنسبة إلى سكان فاس. وهو ما انتهى بتعيين الماريشال ليوطي مقيما عاما بالمغرب، وتنحّي المولى عبدالحفيظ لفائدة مولاي يوسف عن العرش.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -