(تر. م.الحمداوي)
كتب هذا البحث التاريخي الأستاذ دانييل ماك كول أستاذ الدراسات الإنسانية، والعضو المشارك في وضع الدراسات الإفريقية بجامعة بوسطن ماسا تشوسنس بأميركا، وقد ناقش فيه أقدم الروايات التاريخية وأحدثها عن تأسيس سجلماسة وغانة، وقد نشر ضمن البحوث التاريخية التي أنجزتها (الجمعية التاريخية لغانة) سنة 1961، ولما أتيح لي الاطلاع عليه أحسست بميل قوي إلى نقله على اللغة العربية رغبة مني في أن أضع أمام القارئ المغربي نموذجا من نماذج الدراسات التاريخية القائمة على الاستقراء والمقارنة والاستنتاج نصف ميدانه جزء من أجزاء هذه البلاد التي تنتظر من أبنائها الدارسين أن يجلو تاريخها في صورة قائمة على أساس من البحث العلمي الدقيق، وبما أن البحث يتعلق بتاريخ مدينتين إفريقيتين إحداهما مغربية (سجلماسة) والأخرى سودانية (غانة)، فقد يجد فيه القارئ المغربي حافزا للاهتمام بالبحث عما كان بين الغرب وبين ما وراءه من بلاد إفريقيا السودان من علاقة قوية في الحاضر أنشأها أبطال الإسلام ودعاته الأولون، وإن إثارة البحث عن هذه العلاقة قد يكون إحدى الصوى الهادية إلى الطريق الأقوم للوصول إلى ما تسعى إليه اليوم جميع البلاد الإفريقية من (وحدة) تضمن لشعوبها العزة والكرامة والمستقبل الأفضل الذي تنشده، وسيطلع القارئ المغربي من خلال البحث كذلك على كثير من المشاكل والأسئلة التي أثارها الكاتب حول بعض قضايا التاريخ المغربي، والأقدم منه على الأخص، وقد تكون بعض الأجوبة التي ارتأى الكاتب أنها الحل الواقعي، أو الجواب الصحيح لما أثاره من المشاكل والأسئلة، محل نظر، ومثار مناقشة، لدى المعنيين بتاريخ هذه البلاد من المثقفين المغاربة. المترجم
أن سجلماسة (1) التي أصبحت في عداد الأطلال البالية منذ القرن السادس عشر. وغانة (2) التي صارت هي الأخرى في نفس الوضع بأطول من ذلك بنحو ثلاثة قرون، كانتا في عز أيامهما نقطتي التقاء للطريق التجاري عبر الصحراء جنوبا وشمالا، كانت الأولى تقع جنوب الأطلسي، وكانت الثانية تقع على المنعطف الغربي لنهر النيجر، وبالرغم من أن بداية تأسيس المدنيين غامضة، فإن بعض الروايات قد دونت مع ذلك أسماء مختلف العهود العمرانية لكلتي المدينتين، غير أن تدوين هذه الروايات كان ولا شك بعد أن تصادم العهد على تأسيس المدينتين.
على أن هذه الروايات وإن كانت قد دونت منذ قرون خلت، فإنها مع ذلك لم تكن تاريخا بالمعنى الحقيقي للتاريخ، وإنما كانت روايات شفوية (3) قد مضى زمن طويل على تسجيلها، لذلك ينبغي أن تؤخذ بنفس الطريقة التي تؤخذ بها الروايات الشفوية في أيامنا هذه، فالرواية في حد ذاتها وحتى أحسنها وأكملها، كما يقول جوهان هويريتكا، "أدلة خرساء وغير مضبوطة"، ذلك لأنها، كما يقول، "إنما تقدم للتاريخ بعض أسئلة تضعها عليه في بعض الأحيان" ثم يزيد محذرا لنا قائلا: "وحيث لا يكون هناك سؤال واضح فليس هناك من معرفة يمكن أن تعطي الجواب"، وحيث يكون السؤال غامضا يكون الجواب كذلك غامضا بنفس الصورة.
إن الرواية عن مبدأ تأسيس غانا تتسم بشيء من الضعف بالنسبة للرواية عن تأسيس سجلماسة، غير أنها عن تلك قد أعطيها بعض الاهتمام بشيء من الشرح والتفصيل، على حين أنها عن هذه بقيت في واقع الأمر مجهولة، إن كلا من تكوين رأي حول هذه الروايات أو الأعضاء عنها قد يؤديان في مثل هذه الحال – فيما أعتقد – إلى سوء فهم، ومع ذلك فسأقوم بمحاولة في هذا الشأن لفحص وتوضيح الروايات عن سجلماسة في شيء من التفصيل، ولإعادة النظر في الروايات عن غانة في شيء من الاختصار والتقريب، ذلك لأنه – ولتقرير النتيجة مقدما – يوجد بعض الاحتمال في أن الذين قاموا بتأسيس المدينتين ينتسبون إلى جماعة سلالية واحدة.
تأسيس سجلماسة
إن أغلب الكتاب المعاصرين مثقفون تماما على تحديد تاريخ تأسيس سجلماسة، فكوتيي مثلا قد كتب يقول أن سجلماسة قد أسست في سنة 757، وموريس لومبارد يؤكد قائلا" أن سجلماسة التي أسست في تافيلالت سنة 58 – 757 كانت أعظم طريق، وأوسع مدخل لقدوم القوافل التجارية في السودان، وكي لاسير يقول هو أيضا في تأكيد أن سجلماسة التي أسست في سنة 58 – 757 كانت عاصمة الذهب، إن جميع هذه الأقوال تعتمد على الرواية التي ذكرها البكري (4)، والواقع أن هناك عدة روايات أخرى تتعلق بالأصول الأولى للمدينة، وتظهر هذه الروايات في بعض الأحيان – ولو أن ذلك ليس دائما – في بعض المصادر المعاصرة التي تناولت الكلام عن سجلماسة، فدائرة، المعارف الإسلامية التي تمدنا عادة بتفصيل القول في الموضوعات تنص على أن سجلماسة ربما أسست في أزمة قديمة، وهذا أ. و. بوفيل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يقول: أنه ليس من البعيد أن المدينة المغربية القديمة سجلماسة كانت في أيام القرطاجنيين أعظم مستودع لتجارة الذهب التي استمرت زمنا طويلا، لقد اتجه أغلب الكتاب إلى أن يختاروا الرواية التي ظهر أنها أكثر تحديدا، وهناك رواية واحدة هي التي حددت التاريخ فعلا، ولكن مهما تكن الرواية التي يختارها كاتب بعينه بعد أن يكون قد قام بعملية الاختيار، فإنه قد طرح باقي الرواية التاريخية، بل أن واجب البحث يقضي بأن تعتبر الروايات كمجموعة، ذلك لأنه لا ينبغي لنا أن نبحث كل رواية في عزلة عن الأخريات، بل نحاول أن نبحث عما إذا كانت توجد هناك بعض العلاقات بين هذه الروايات جميعها، أن تأسيس المدينة قد نسب إلى خمسة أشخاص مختلفين، ونجد أول ذكر لثلاثة من هؤلاء المؤسسين في كلام البكري، وقد ذكر بعض من تأخر عن البكري من المؤلفين العرب روايات هؤلاء الأشخاص الثلاثة، أما الاثنان الباقيان من هؤلاء المؤسسين المذكورين فقد أفادنا بالخبر عنهما ليو الإفريقي (5)
ولا نجد أي ذكر لهما عند غيره فيما أعلم، وقد زار ليو المدينة مرتين وأمضى هناك بعض الشهور وهناك كثير من الرحالة قد اخترقوا المدينة مثل ابن بطوطة (6) ولكنهم لم يسجلوا أي شيء عن روايات تأسيسها.
والبكري نفسه لم يزر المدينة وإنما كان في وضع مكنه من أن يكتسب عنها أخبارا من أولئك الذين رجعوا منها إلى إسبانيا، ذلك لأن سجلماسة وقرطبة كانتا متحالفتين كما أن كلا منهما قد قاوم الفاطميين.
1- الرواية التاريخية عن أبي القاسم
إن أقدم نص موجود لهذه الرواية هو ذلك النص الذي كتبه البكري في قرطبة عندما كان محافظا لسجلات الأمويين في القرن الحادي عشر، ولقد ذكر البكري أكثر من رواية عن تأسيس المدينة، ولكن هذه الرواية هي المختارة عنده، وهي الرواية المرجحة عند المتأخرين من الكتاب العرب والأوروبيين في مؤلف (7) البكري "ومدينة سجلماسة بنيت سنة أربعين ومائة 140 (58 – 757) وبعمارتها خلت مدينة ترغة (8) وبينهما يومان وبعمارتها خلت زيز أيضا".
وبعد أن سجل البكري هذه الرواية انتقل إلى الكلام بتفصيل عن رفع أسوار المدينة وبناياتها العامة التي بنيت تحت رعاية ثاني ملوك الدولة، ثم أخذ يصف خصب أوديتها، ثم عاد في النهاية عن الكلام عن الخلافة فقال: "أبو القاسم سمكوا بن وأسول المكناسي أبو السع المذكور وجد مدرار لقى بإفريقيا عكرمة (9) مولى ابن عباس وسمع منه وكان صاحب ماشية كثيرا ما ينتجع موضع سجلماسة فاجتمع إليه قوم من الصفرية فلما بلغوا أربعين رجلا قدموا على أنفسهم عيسى بن مزيد الأسود"، وهنا عاد البكري فأعطى تحديدا لتاريخ سنة بناء المدينة يخالف ما سبق أن ذكره، وليس من شك أن هذا التحديد الأخير كان غلطا من بعض النساخ، إذ لم يرد أي ذكر لهذا التحديد لا عند ابن عذارى ولا عند غيره من الكتاب المتأخرين الذين وصلهم مؤلف البكري وهذا التحديد هو قوله "فشرعوا في بناء سجلماسة وذلك سنة أربع ومائة"، لقد تولى أبو القاسم الحكم بعد خلع عيسى بن مزياد، ولكن البكري قبل أن يتناول الكلام على رواية أبي القاسم هذه، ذكر الرواية الثانية (رواية مدرار) عن تأسيس المدينة ثم قصة خلع عيسى، ونحن نقتصر هنا على ما يتعلق من القصة برواية القاسم، قال البكري: "ووليهم (عيسى) خمسة عشر عاما ثم ولوا أبا القاسم سمغو بن (10) مزلان بن نزول المكناسي فلم يزل واليا عليهم إلى أن مات".
لقد كان هذا أول بداية للدولة المعروفة بدولة (بتو مدرار)، وهنا يقدم البكري قائمة لولاة هذه الدولة، وبالرغم من أن أبا القاسم لم يكن رئيسا في الوقت الذي كانت تباشر فيه عملية بناء المدينة فإن القصة تظهر أنه كان الحاكم الفعلي، وإن فترة حكم عيسى إنما كانت كفترة استجمام التي ليست لها أهمية الأدوار الأساسية في تمثيل الرواية، أن الرواية تحدثنا أن أبا القاسم كان أول من ساق أغنامه إلى هذه الناحية، وأول من تجمع حوله أتباعه الدينيون، ثم بعد المبايعة الغامضة لعيسى نودي به على أنه هو الحاكم الشرعي، أن هذه ولا شك كانت الرواية الغريبة من الرواية الرسمية التي رويت عن رجال الحكم أنفسهم، والبكري ربما أحرز على الوثيقة التي دونت زمان سيادة المدراريين على سجلماسة، والفرق الأساسي بين هذه الرواية ورواية ابن عذارى الذي كتب تاريخه في القرن الثالث عشر هو أن هذا ينص على أن تأسيس المدينة كان قبل اختيار عيسى حاكما، الشيء الذي يدل بوضوح تام على أن الفضل في تسيير عملية البناء كان لأبي القاسم، وابن خلدون الذي كتب تاريخه في القرن الرابع عشر، ذكر نص هذه الرواية كذلك، وهو يخالف المصدرين السابقين في كونه يذكر عيسى قبل أن يورد ذكر أبي القاسم في القصة، ولكنه يشير بعد الخلع إلى أن هذا الأخير كان زعيما حقيقيا لمكناسة، ويذكر ابن خلدون أن أفراد الجماعة كانوا أربعين رجلا لهم صفات الزعامة والقيادة أكثر منهم ملاك قطعان من الغنم، وفي نص ابن خلدون أن أبا القاسم لم يكن له أي فضل في القيام بأي عمل خاص زائد على باقي أفراد الدولة في تأسيس المدينة، غير أنه كان ذلك الرجل الذي قام بالدور الرئيسي في إقناع الباقين في قبول عيسى رئيسا لهم وفي المصدرين السابقين أن أبا القاسم كان أداة فعالة في الإيعاز ببناء المدينة، أو بتسيير عملية البناء فعلا، وهذا مفهوم ضمنا من كلام البكري، وبصريح العبارة في كلام ابن عذارى، أن رواية أبي القاسم مرتبطة برواية عيسى، لذلك يجب أن ننظر في الرواية قبل البدء في أي مناقشة لكلتيهما.
2- رواية عيسى
وكما رأينا من قبل فإن عيسى قد انتخب رئيسا، إما قبل بناء المدينة بقليل على رواية البكري، أو على أثر بنائها على رواية ابن عذارى، وحكم مدة خمسة عشر سنة، وبما أن الحديث عن عيسى كان مغمورا في الحديث عن أبي القاسم فقد اعتبر وكأنه مجرد إشارة في الحديث عن صعود أبي القاسم على الحكم دون أن تكون له هو نفسه أهمية ذاتية، فهل هناك إذن رواية تامة تخص عيسى؟ من الممكن أن نقرأ البكري وأن نفهمه وهو يقدم لنا فقط روايتين اثنين، إحداهما عن عيسى والأخرى عن مدرار، غير أن الفصل كان مضطربا بعض الشيء، فلقد كان البكري بدور قافزا من قصة إلى أخرى، مرة إلى الأمام، ومرة إلى الوراء، مستعملا في بعض الأحيان عبارة التبعية والاجتياز Transitional phrases كقوله: "تبعا لبعض المؤرخين الآخرين"، والذي يظهر أن البكري عندما كان يفحص مصادره كان البعض منها عنده غامضا أو غير تام، أو أنه لم يتأن لاستيعاب المصدر كله، أو أنه كان قد عزم على الرجوع إلى هذه الرواية أو تلك ولكنه في النهاية خشي ذلك، والجزء الأول من القصة المذكورة أعلاه هو قوله: "... فاجتمع إليه (أبو القاسم) قوم من الصفرية فلما بلغوا أربعين رجلا قدموا على أنفسهم عيسى ابن مزيد الأسود وولوه أمرهم، فشرعوا في بناء سجلماسة، وذلك سنة أربع ومائة"، وعند هذا الحد رجع البكري إلى واحد أو أكثر من المصادر المختلفة ليتكلم عن مدرار، ثم لما عاد إلى الكلام عن عيسى تكلم عنه فقط كصعوبة اعترضت سبيل وصول أبي القاسم إلى الحكم ثم زالت، فقال: "فأول من وليها عيسى بن مزيد ثم أنكر أصحابه الصفرية عليه أشياء، فقال أبو الخطاب وما لأصحابه في مجلس عيسى: السودان كلهم سراق حتى هذا. وأشار إلى عيسى فأخذوه وشدوه وثاقا إلى شجرة في رأس جبل وتركوه كذلك حتى قتله البعوض، فسمي ذلك الجبل جبل عيسى إلى اليوم، ووليهم خمسة عشر عاما".
وابن عذارى كان كلامه كذلك غامضا حول السبب الذي من أجله خلع عيسى فقد قال في جملة مختصرة: "ثم أنكروا عليه أشياء"، دون أن يعين ماذا كانت التصرفات المنكرة، وابن خلدون كذلك لم يفصل القول في هذا الشأن تفصيلا عندما قال: "ثم سخطوا عليه أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيرا من أحواله"، قال ذلك دون أن يحدثنا عما كان يشمل عليه هذا السلوك المنتقد، هناك إذن كثير من أسئلة يمكن أن نضعها حول هذه الرواية، فماذا كانت هدية عيسى هذا؟ وما هي الروابط التي كانت تربطه بمكناسة؟ لنأخذ أولا لقبه (الأسود) الذي يعني في اللغة الإنجليزية "The black" عيسى إذن لم يكن مكناسيا كان زنجيا، فما هي الصفات التي جعلت مكناسة تنتخبه كرئيس أول لها؟ إن الروايات التاريخية لم تحدثنا بأي شيء عن الأسباب التي دعت إلى انتخابه رئيسا، ولا عن الأسباب التي دعت إلى خلعه بعد هذا الانتخاب، قد يكون من المعقول أن الرجل كانت له صفاته الدينية التي دعت على زعامته حينما كانت الصفرية تشكل أول الأمر جماعتها الخارجية، وربما كان من الممكن بالنسبة إليه أنه قد وهب ميزته الخاصة في هذه الخلة، أن دائرة المعارف الإسلامية تحدثنا عن الخوارج الذين تعد الصفرية فرعا منهم أنهم: "أعلنوا أن كل مومن منزه عن صفات النقص، كامل الدين والخلق في إمكانه أن يرقى باختيار الجماعة إلى مرتبة الإمامة ولو كان عبدا أسود" وقد حدثنا ابن خلدون: "أن عيسى كان من رؤوس الخوارج" فربما كانت قيمته الخارجية هذه هي التي رفعته إلى ذلك المقام من الشرف والسلطة، ورما كان هناك نزاع على السلطة بين الرؤساء المكناسيين جعلهم يتراضون على أن يكون رجل الدولة ليس واحدا منهم، فهل يحتاج الباحث أن يذهب إلى أبعد من هذا ليصل إلى الحقيقة ي شأن عيسى؟ إذا كان الجواب بنعم، فليس ذلك في أن نحصر أنفسنا داخل النصوص التاريخية، وإنما يكون في أن نتأمل الأسئلة التي يطرحها علينا التركيب الاجتماعي للرقعة السجلماسية في الأزمنة الأخيرة، ذلك أنه يوجد من بين سكان المغرب، السكان السود الذين يعرفون حتى اليوم باسم الحراطين، وهكذا يكون من المهم أن نسأل: من أين أتى هذا الرجل الأسود، عيسى؟ فهل كان السوداني الأصل؟ أو أوتي به من إفريقيا على طريق الجزيرة العربية أو مصر؟ أو هو قد ولد في المغرب؟ وبتحديد أكثر، هل يمكن أن ينتسب عيسى لوادي زيز؟ أن كل هذه الأسئلة ذات أهمية كبرى، ولكن مع الأسف أن ليست عندنا أية أسئلة للإجابة عنها، وحتى إمكانية عضوية عيسى في هذه الجملة المحلية السودان يتوقف على سؤال آخر هو: ما هو أصل الحراطين؟ يعتبر بعض الكتاب، أن الحراطين مولدون منحدرون من العبيد السودانيين الذين جلبهم البربر، وإذا كان ذلك حقا، فربما كانوا غير موجودين في القرآن الثامن، أو كانوا موجودين ولكن عددهم كان قليلا، وهناك آخرون يعتبرونهم من سكان الصحراء السود الأقدمين، وهناك بعض كتاب آخرين قد أحجموا عن أن يجزموا بأي رأي في الموضوع، فكابوت ري Capot Rey يميل تجاه الري الذي يعتبرهم منحدرين من خليط من الأجناس المختلفة، وهنري تيراس Henri Terrasse يرى أنهم جنس سلاسي قائم بذاته، على حين أن كوتيي Gauter يرى أن السؤال لا يزال حتى الآن مفتوحا، ومهما يكن من الأمر فإن كابوت بريك Cabot Briggs في أكمل وأحدث دراسته لسكان الصحراء فيقول أن التسمية السلالية (11) الغامضة للحراطين هي أقرب أن تكون إلى تيدا Tida من الجزء الشرقي من الصحراء، وعلى هذا الأساس الذي ذكره بريك في مؤلفه الذي هو أشمل دراسة لهذه المسألة، فإنه يمكننا أن نقول أن هذه الجماعة ليست من أعقاب العبيد الذين أتى بهم البرابرة، بل إنها كانت موجودة في ذلك العهد، وعلى هذا يمكن أن ننسب عيسى إلى الجماعة التي تعرف الآن باسم الحراطين، بالرغم من أن هذا الاسم لم يطلق عليها إلا حديثا، وإذا كان ينتسب إلى هذه الجماعة ولم يكن شخصا منقطع النسب، فإنه لا ينبغي أن ينظر إلى الرواية التاريخية عنه على أنه شخص أسود نال زعامة المكناسيين وكفى، ولكن بعمق أكثر، ينبغي أن ينظر إليها في حدود علاقة الأهالي السود الذين كان ينتسب إليهم البرابرة المتحكمين، فأما أن البرابرة قد فرضوا أنفسهم في وقت من الأوقات على الحراطين، فذلك شيء لا شك فيه، ولكن متى كان ذلك؟ فهل بعد ظهور عيسى أو قبله؟ ليس لدينا من المستندات التاريخية ما يشير إلى هذا الحادث، لقد كان هناك بعض القبائل السود في العهد الأبليني "In Pliny’s Time" (12) يسكنون الحدود الجنوبية الموريطانية التي احتلها الرومان، وقد أكد ذلك سترابو وبطليموس، وقد أعطى لهذه القبائل اسم البروسيون The Perorsi، كذلك كانت توجد هناك قبيلة أطلق عليها بعض الكتاب الأقدمين اسم: "The melano Getulians" ومعناه الجيتوليان السود، والجيتوليان (13) أنفسهم كانوا برابرة فهل كان هؤلاء الجيتوليان السود تابعين للبرابرة في أيام الرومان.
إن ذلك ليس ببعيد، ولكننا لا نجد أي ذكر صريح لذلك في النصوص التاريخية، لقد كان من المرجح أن جماعة البيرورسيين "Perorsi" أو الفاروسيين "Pharossi" أو غيرهم من سكان الصحراء السود كانوا بربريين لسانا، أو على الأقل مزدوجي اللغة، وقد كنا نستطيع أن نجد في هذا دليلا لا بأس به على اعتبار أن الجيتوليان السود كانوا مستقلين عن الجيتوليان البرابرة، لو أننا لم نقف على نص آخر لبلينوس يخالف تمام المخالفة نصه الذي ذكر من قبل فهو في هذا النص الآخر يقول: (أن جيتوليا كلها تمتد إلى نهر النيجر وتفضل ما بين الحبشة وإفريقيا) ولا يمكن أن يفهم أن جيتوليا تمتد إلى نهر النيجر إلا إذا كان الجيتوليان السود داخلين في العبارة، أن هناك فجوة من القرون بين هؤلاء المؤلفين الكلاسيكيين ومن بين الروايات العربية الأولى، وليس عندنا أي علم عن الفترة التي كان فيها ركاب الجمال يبسطون نفوذهم على الصحراء، ويعتقدون أن ذلك ابتدأ نحو القرن الرابع، وربما يكون تغلب البرابرة الرحل على سكان وادي زيز السود، إحدى الواحات الكبرى التي تعرضت لهجماتهم، قد دام ما يقرب من أربعة قرون، وإذا رفضنا أن هذا التغلب لم يستمر على هؤلاء السكان مدة أربعة قرون، فإنه يرد علينا السؤال التالي: ما الذي مكنهم من المقاومة؟ وليس هناك من جواب عن هذا السؤال، سوى أنهم كانوا ذوي حكومة منظمة قوية بتجارة الذهب، والنتيجة التي يجب التسليم بها هي أننا لا نعلم أي شيء عن مركز السكان السود في أيام عيسى، ولكننا، ولتفسير هذه الروايات التاريخية لا نجد أي مفر من أن نفترض أنهم كانوا مستقلين، فلو أن جماعة صغيرة من الرعاة نزلوا فجأة في مقاطعة مستقلة من سجلماسة، فإن هؤلاء الرعاة لا محالة، إما أن يعترفوا بسلطة الزعيم المحلي، وإما أن يكونوا قد استعدوا من قبل للتغلب عليه، وهكذا نرى أن تفسير قبول المكناسيين لزعامة رجل السود مجرد نزولهم كان بكل بساطة أن هؤلاء النازلين كانوا قد اضطروا إلى الخضوع إلى سلطته أولا، وحتى إذا ما أصبحت لهم القدرة الكافية استطاعوا أن يجدوا الحجة لخلعه.
والآن فلنتأمل دين هذا الزعيم الأسود، أنه بالرغم عما يستفاد من الرواية كما يرويها الكتاب المسلمون من أنه كان صفريا، وربما كان رجلا مثاليا في هذا المذهب، فإنه ليس من البعيد أنه لم يكن مسلما بالمرة، ذلك أن اسمه (عيسى) هو الاسم العربي ل Iésus وأن هذا الاسم واسم موسى وغيرهما من الأسماء الدينية لما قبل الإسلام تعتبر أسماء لأنبياء الله، والمسلمون يستعملون هذه الأسماء كإطلاقات مناسبة لمن يتمسك بدينه، ومع ذلك ففي الجهات حيث كانت المسيحية قوية أو تقوت من جديد، فإن الاسم عيسى قل ما يطلق على اتباع محمد (صلى الله عليه وسلم)، ففي مصر مثلا نجد اليوم هذا الاسم أكثر إطلاقا على القبطي أو الإغريقي منه على المسلم، وفي القرن الثامن كانت المسيحية لا تزال جد منتشرة في شمال إفريقيا (14) إلى حد أن الإنسان يستغرب أن يكون عيسى هذا غير مسيحي.
ويقول ابن خلدون أن أب عيسى أسلم على يد العرب، والعبارة المستعملة في خصوص أب عيسى هذا هي (مولي) (15) التي يصح أن نترجمها بكلمة "Clint" والتي يمكن أن تعني ذلك الذي يقبل الدخول في الدين الجديد مفضلا له عن الحرب، وتبعا للقانون الإسلامي فإن خيارا كهذا يجب أن يعرض على الكفار، والخروج من دين إلى دين كما يمكن أن يتخيله المرء، يكون تقبله أشد قسوة وأكثر أثرا في النفس لو لم يكن الجيش الإسلامي دام محتفظا بقوته، وفي سنة 702 ميلادية (التي ربما كانت زمن وجود أب عيسى) كانت ناحية سجلماسة محتلة من قبل جيش موسى ابن نصير، غير أنه مما لا شك فيه أن سيطرة الجيش على هذه الناحية كانت ضعيفة، حيث أنه كان لا يزال مكلفا بالقيام بفتوحات جديدة، وفي سنة 739 ثار برابرة شمال الأطلس ضد العرب ونصبوا عليهم ميسرة حاكما مستقلا وكان من الطبيعي أن تفصل هذه الدولة البربرية ناحية سجلماسة، وأن تعلن عن الرجوع إلى الدولة القديمة، وحيث أن أب عيسى كان مولى للعرب لا للبرابرة، وأن ثورة ميسرة وانفصال الصفرية قد شكلا رد فعل بربري ضد السيطرة العربية فمما لا شك فيه أن عيسى شعر بأن البرابرة المنتجعين سيكونون حلفاء نافعين فيما لو أراد جيش آخر قوي مثل جيش موسى بن نصير الرجوع إلى هذه الناحية، فإذا كان عيسى هو الحاكم الأهلي الذي بنى، أو على الأرجح، أعاد بناء سجلماسة بعد هزيمة أهله من قبل الجيوش الإسلامية، فقد تكون رغبته أنه أراد أن تكون لقومه مركزا أقوى مما كان لهم من قبل، وربما كان هذا هو السبب الذي أدى من أجله بناء المدينة إلى خراب مدن أخرى، وربما كان بأمر عيسى قد انتقل كثير من سكان الجهات الأخرى إلى هذه الناحية، وربما قد انتقلوا معهم كذلك مواد البناء ليجعلوا العاصمة قلعة محصنة لا يقهرها عدو، ومما لا شك فيه أن هذه الثورة الدينية العنصرية التي وقعت هنا وقع مثلها كذلك في جهات أخرى، والمكناسيون ولا شك كانوا عازمين على أن يسيطروا على نواحي أخرى بمجرد ما يشعرون أنهم قد أصبحت لهم القدرة الكافية على ذلك، ومن ثم فإن تسامحا دينيا بالنسبة إليهم كان جد مفيد، فإذا كان عيسى مسيحيا فإن العذر في تنحيته عن الحكم ربما كان أقرب إلى القبول منه لو كان صفريا ملحدا، ومما هو قابل للفهم كذلك أن المسلمين لم يكلفوا أنفسهم أي مجهود للاحتفاظ بذكرى خضوعهم لحاكم مسيحي، ومهما تكن الصبغة الدينية لعيسى قد حصل أن نهاية أمره قد تمت بمساعدة خارجية، ذلك أننا نلاحظ أن أبا القاسم وأتباعه السجلماسيين ليسوا هو الذين أسرعوا بالثورة ضد عيسى، ولكن أبا الخطاب، زعيم البرابرة الخوارج الذي كان قد وصل إلى سجلماسة بعد أن نال السيطرة العسكرية التامة على الجزء الشرقي من المغرب، هو الذي كان قد أشار بأصبعه على عيسى وصنع التهمة ضده (16)
(1) قال ياقوت في معجمه عن لفظ سجلماسة أنه بكسر أوله وثانيه وسكون اللام، وسيرد أثناء البحث مناقشة الكاتب للفروض المحتملة لاشتقاق هذا اللفظ من أصول في اللغة العربية أو غيرها، ولم يذكر ياقوت ولا البكري ولا غيرهما – فيما وقفت عليه – ممن تعرضوا لذكر سجلماسة من أصحاب المعاجم الجغرافية أي شيء عن أصول هذا اللفظ، وقد ذكر البحاثة المؤرخ الأستاذ عبد السلام بن سودة في كتابه (دليل مؤرخ المغرب الأقصى) نقلا عن بناني في الرحلة الكبرى أن الزبيدي شارح القاموس قد ألف كتابا في تحقيق أصول هذا اللفظ سماه "سماه الحاجة الماسة في تحقيق لفظ سجلماسة" ولكن هذا الكتاب غير موجود الآن، أما عن موقع سجلماسة فقد ذكر البكري "أنها في أول الصحراء" وذكر ياقوت "أنها في جنوب المغرب" و"في منقطع جبل درن"، والمعروف الآن أن سجلماسة كانت على بضع كيلومترات من مدينة الريساني بتافيلالت، وقد وصف البكري عمران المدينة وما كانت تحتوي عليه في أيامه من النخيل والأعناب شديدة الحلاوة وأنواع التمر ومهارة نسائها في صناعة الصوف، وما كانت تدره هذه الصناعة على أهلها من الأرباح الباهظة، قال: وأهل هذه المدينة من أغنى الناس وأكثرهم مالا لأنها على طريق من يريد غانة التي هي معدن الذهب ولأهلها جرأة على دخولها وفي مادة (تبر) من معجمه تجد الوصف الغريب للرحلات التجارية الشاقة التي كان يقوم بها السجلماسيون لغانة، وقد ذكر ابن حوقل أنه أرى صكا بدين لأحد أهل سجلماسة على غيره مبلغه اثنان وأربعون ألف دينار.المترجم
(2) قال ياقوت في معجمه عن كلمة غانة (أنها أعجمية لا أعرف لها مشاركا في العربية) ولعل الأنسب في أصل هذا اللفظ هو ما قالته دائرة المعارف البريطانية من أنه "كان اسما للحاكم الذي كان يحكمها" وذلك ما أثبته البكري حين قال: (وغانة سمة لملوكهم) وكما نطلق اليوم اسم "تونس" و"الجزائر" على الجمهورية التونسية والجزائرية وعلى المدينتين اللتين هما عاصمتا هاتين الجمهوريتين، فإن اسم "غانا" كذلك كان يطلق على المملكة الغانية القديمة وعلى المدينة التي كانت عاصمة لهذه المملكة، وقد أصبح اسم (غانة) اليوم يطلق على الجمهورية لغانية بساحل الذهب، انظر المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب ص 174 وانظر دائرة المعارف البريطانية مادة Ghana وانظر أيضا المقال الذي كتبته الدكتورة كوثر عبد الرسول في العدد الرابع من مجلة (نهضة إفريقية)، المترجم.
(3) لا يتحقق الوجود الفعلي للرواية الشفوية Oral Tradition" إلا إذا كان الأمر يتعلق برواية أحداث حديثة نسبيا لم يمت شهودها كما يظهر ذلك من كلام شارل لانجلوا وشارل سنيوبوس في أول كتابهما "المدخل إلى الدراسات التاريخية"، ومن ثم فقد لاحظ أندري لالاند، في قاموسه للمصطلحات الفنية والنقدية للفلسفة، أن التفرقة بين الرواية الشفوية والرواية الكتابية بالنسبة إلى الماضي تفرقة غير ذات قيمة، ذلك لأن الرواية الشفوية – كما يقول – لا تتحقق إلا بالنسبة إلى الأحداث الماضية إلا عن طريق الرواية الكتابية.
انظر في هذا المعنى كتاب "المدخل إلى الدراسات التاريخية تأليف لانجلوا وسنيوبوس ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي، وانظر أيضا "Vocabulaire technique et critique de la philosophie" par André Lalande
المترجم
(4) عبد الله بن عبد العزيز بن أبي مصعب الأندلسي البكري الإمام الإخباري اللغوي الأديب، صاحب كتاب المسالك والمماليك، ومعجم ما استعجم من البلاد والمواضع، أبوه عبد العزيز البكري كان أحد ملوك الطوائف بولبة وسلطيش من غرب الأندلس، قال عنه ابن بشكوال في كتاب الصلة أنه كان من أهل اللغة والآداب الواسعة والمعرفة بمعاني الأشعار والغريب والأنساب والأخبار توفي سنة 487.المترجم
(5) الرحالة المغربي، الحسن بن محمد الوزان الأندلسي الفاسي الذي اشتهر لدى الأوروبيين ب Leo Africanus ولد بغرناطة سنة 901 هجرية 1496م، أما وفاته فمجهولة الزمان والمكان، تربى ونشأ ودرس العلم بفاس حيث هاجرت عائلته في جملة من هاجر من المسلمين المطرودين من الأندلس بعد سقوط غرناطة سنة 897 هجرية 1492م، جال كثيرا من بلاد إفريقيا وآسيا، وعندما كان راجعا من تونس إلى المغرب سنة 926هـ أسره بعض القراصنة الإيطاليين وأرسلوه إلى البابا ليو العاشر الذي اتخذه أحد خواصه لما وجد فيه من سعة أفق في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية التي كان هذا الملك شغوفا بنشرها في مملكته، وهو الذي سماه باسم (يوحنا الأسد) أو (ليو)، وهناك ألف كتابه (وصف إفريقيا)، انظر (حياة ألوزان الفاسي وآثاره) تأليف محمد المهدي الحجوي، وانظر أيضا دائرة المعارف الإسلامية والبريطانية، وانظر كذلك المقاولات المتتابعة التي كتبها المرحوم سعيد حجي عن حياة هذا الرحالة المغربي من السنة الثالثة من (مجلة المغرب)المترجم
(6) الرحالة المغربي أبو عبد الله محمد بن عبد الله الطنجي المعروف بابن بطوطة صاحب الرحلة المسماة بـ(تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، وقد طاف بطوطة آفاق الأرض شرقا وغربا وسجل كل ما وقعت عليه عيناه من أحوال الخلق وغرائب الأحداث، توفي سنة 777 أو 79 هـ، وقد اخترق ابن بطوطة سجلماسة في طريقه إلى بلاد السودان ذاهبا وآيبا، في أوائل أيام السلطان أبي عنان المريني بين سنة 752 – 753 هـ، ولم يذكر ابن بطوطة أي شيء عن بداية تأسيس المدينة وإنما ذكر أنها كانت في أيامه (من أحسن المدن)، وقد عد أبو القاسم الزياني في (الترجمة الكبرى) سجلماسة في حملة المدن التي أسسها البربر قبل الإسلام حيث قال "وأسس بنو ودرار من مكناسة (سجلماسة) قبل الإسلام".
المترجم
(7) كانت أول مقاومة من سجلماسة للفاطميين أيام اليسع إن ميمون حينما زحف أبو عبد الله الشيعي من إفريقيا على سجلماسة سنة 296 هـ مبتغيا إطلاق سراح عبيد الله المهدي وابنه اللذين سجنهما اليسع حين قدما سجلماسة للقيام بالدعوة الشيعية فيها، ومن هنا استمر النزاع بين المذهب الخارجي والمذهب الشيعي في سجلماسة في الوقت الذي كانت فيه الحروب الطاحنة مستعمرة بين ملوك قرطبة من الأمويين وبين العبيدين في إفريقيا على تولي السلطة في المغرب
المترجم
(8) يعني بمؤلف البكري كتابه "المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب" الذي هو جزء من كتاب المسالك والممالك) الذي لم يوجد كاملا وإنما وجد منه هذا الجزء الذي نشره البارون دوسلان في الجزائر سنة 1857 ثم في باريز سنة 1911 وقد رجع الكاتب فيما نقله – كما يقول في تعليقه – إلى الترجمة الفرنسية سنة 1913 على حين رجعت إلى الأصل العربي لأنقل عنه ما ترجمه هو عن الفرنسية
المترجم
(9) لعل مدينة ترغة التي ذكر البكري ي هذا النص أنها خلت بعمارة سجلماسة هي الأصل لما لا زال يعرف حتى الآن ب (قصر ترغة) قرب قصر السوق أما الاسم "ترغة" فقد كان معروفا أنه اسم لأحدى القبائل البربرية التي كانت تسكن هذه الناحية والتي ذكرها ابن حوقل على أنها إحدى القبائل الصنهاجية الخلص، وهناك مدينة لا تزال إطلالها بادية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط قرب (وادي لو) تعرف الآن بهذا الاسم، (ترغة)، ولاشك أن أصل ترغة الشمالية هذه هو ترغة التي كانت مع تيكساس وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة بالشمال المغربي من حظ عمر بن إدريس حين اقتسم أبناء إدريس نواحي المغرب بعد موته، راجع المسالك والممالك لابن حوقل ص 101 طبع بيروت، والاستقصا ج 1 ص 75 وابن خلدون ج 4 ص 14
المترجم
(10) الذي في تاريخ ابن خلدون نقلا عن عريب بن حميد في تاريخه، أن أباه هو الذي كان يتحقق من جملة العلم، ارتحل إلى المدينة فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس، انظر ابن خلدون ج 6 ص 130
المترجم
(11) ذكر البكري من قبل أبا القاسم على أنه ابن واسول، وهنا يذكر أنه ابن مزلان، والذي عند ابن خلدون في العبر أن مزلان أب لواسول وجد لأبي القاسم فهو يذكر النسبة هكذا (أبو القاسم سمكو بن واسول بن مصول بن أبي تازول)، أما ابن عذارى فيذكر النسبة هكذا (قيل أنه ابن واسول وقيل أنه ابن مزلان).
المترجم
(12) الذي عند الناصري (الاستقصا ج 4 ص 27 طبعة مصر) أن هذه التسمية ليست سلالية وإنما هي تسمية عرفية حيث اصطلح المغاربة على إطلاق لفظ (الحرطاني) على من كان عبدا ثم أعتق، وعنده أن أصل كلمة (الحرطاني) الحر الثاني، كأن الحر الأصلي حر أول وهذا العتيق حر ثان، ثم كثر استعماله على الألسنة فقيل (الحرطاني) على ضرب في التخفيف، وقد ورد في كلام صاحب (الجيش العرمرم) ص 69 – 83 – 84 طبعة فاس، على إنشاء الجيش الأسود وترتيب طبقاته في العهد الأسماء لي ما يفيد ترجيح ما قاله الناصري عن أصل هذه التسمية.
المترجم
(13) بليني أوبلينوس في التعبير اللاتيني، قائد وحاكم وعالم طبيعي روماني عاش في القرآن الأول من ميلاد المسيح تولى أكثر من منصب مدني وعسكري في عهد القائد الروماني فيسباسيان Vespasian وقاد الأسطول الروماني غربي البحر الأبيض المتوسط، قضى مدة طويلة من عمره منكبا على مطالعة وتحصيل العلم، اشتهر بكتابه "التاريخ الطبيعي" الذي ألفه في 37 مجلدا، توفي في إيطاليا مختنقا بالغازات عند انفجار بركان فيسيفيوس Vesevious في ستابيا Stabihe سنة 79 ميلادية.
المترجم
(14) ذكر فليكس كافيوت في قاموسه اللاتيني أن جيتوليا Ghetuliae ناحية في غرب شمال إفريقيا، وقد ذكر الأستاذ عثمان الكعاك (البربر، ص 67)، أن الجيتولين هي (جدالة)، وأنها القبيلة البربرية التي كانت تأمر قسطنطينية في عهد الإمبراطورية البربرية الوسطى التي كان على رأسها العاهل البربري سيفاكس في القرن الثالث قبل الميلاد، وقد ذكر البكري (المغرب في وصف إفريقيا والمغرب ص 172)، أن بني جدالة كانوا أقرب القبائل البربرية إلى بلاد السودان على ضفاف النيل (النيجر)، ويذكر ابن خلدون (ج 6 ص 152 – 181) في كلامه على أنساب البربر: أن (كدالة) إحدى القبائل الصنهاجية الكبرى التي كانت تحتل الصحراء من حدود الحبشة إلى بلاد السودان.
المترجم
(15) في جملة الأقوال التي نقلها الدكتور حسين مؤنس (فتح العرب للمغرب ص 281) للتدليل على اضمحلال المسيحية في المغرب إبان الفتح الإسلامي قول بيكي: (ويبدو أن البرابرة لم تكن لهم أديان ثابتة قبل الإسلام، وكانوا وثنيين أو يهودا، وكانوا قد اعتنقوا المسيحية في القرون الأولى ثم نسوها حين أعادوا استقلالهم(، فإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره ابن خلدون (العبر ج 4 ص 186) عن دين برابرة الجنوب حين وصول جيوش عقبة من أنهم كانوا: (يومئذ على دين المجوسية ولم يدينوا بالنصرانية)، وما نقله أكثر من مؤرخ من المؤرخين المسلمين من أن يليان الغماري وقد كان نصرانيا قدم نصيحته إلى عقبة أن لا يذهب على الأندلس ويترك كفار البرابرة ومجوسهم خلفه – فإننا لا نجد أي مستند صحيح لدعوى الكاتب أن المسيحية كانت لا تزال منتشرة في إفريقيا الشمالية أثناء القرن الثامن إلى حد استغرابه أن يكون عيسى ابن مزيان مسلما لا نصرانيا، ولسنا ندري كيف يعقل أن المسيحية كانت لا تزال منتشرة في إفريقيا الشمالية حتى القرن الثامن، وهو القرن الذي لم تكد العشر سنين الأولى منه بطل على نهايتها حتى أصبح الإسلام – بفضل ما قام بالدعوة له الكثير من فقهاء التابعين وعلمائهم – غير مقتصر الانتشار على المغرب وحده بل عبر البحر منتقلا إلى الأندلس على يد البرابرة المسلمين أنفسهم، أما استدلال الكاتب بالاسم (عيسى) على ترجيح نصرانية عيسى فليس فيه شيء من الغناء العلمي، وإلا فابن نصير الذي قاد حملة الإسلام إلى الأندلس في أوائل القرن الثامن الميلادي لم يكن اسمه عمر ولا أبا بكر، وإنما كان اسمه (موسى)
المترجم
(16) عبارة ابن خلدون (العبر ج 6 ص 130) هي: "وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود من موالي العرب ورؤوس الخوارج"، فالذي يظهر من هذه العبارة أن ابن خلدون قصد أن عيسى هو الذي من موالي العرب لا أباه.
المترجم
(17) جاء في نص البكري عن نهاية عيسى ما يلي "المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب ص 149": "فقال أبو الخطاب يوما لأصحابه في مجلس عيسى: السودان كلهم سراق حتى هذا، وأشار إلى عيسى"، وواضح من كلام الكاتب أنه حمل أبا الخطاب هذا على أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري الأباضي"، إذ هو الذي نال السيطرة التامة على القيروان وطرابلس ونواحيهما في المغرب الشرقي بعد أن تغلب على عبد الملك بن أبي الجعد ومن معه من البربرة سنة 141 هـ، ولكن أبا الخطاب المعافري هذا قتل سنة 144 هـ على يد ابن الأشعث، فكيف يصح إذن أن يكون البكري قد عنى بأبي الخطاب الذي صنع التهمة ضد عيسى أبا الخطاب المعافري وهو الذي كانت وفاته قبل وقوع حادثة عيسى بنحو إحدى عشرة سنة؟ إذ أن نهاية عيسى وولاية أبي القاسم بعده كانت سنة 155 هـ كما نص على ذلك ابن خلدون وابن عذارى، وكلاهما قد ذكر قصة خلع عيسى وشد وثاقه إلى شجرة في رأس الجبل حتى مات، ولكنهما نسبا كل ذلك إلى جملة أصحابه، ولم يرد أي ذكر لأبي الخطاب في مؤلفيهما، فإذا كان أبو القاسم هو أول زعيم اجتمع عليه الصفرية كما ورد ذلك نصا في كلام ابن عذارى، وكان أول من حمل قومه على طاعة عيسى ومبايعته كما ورد ذلك نصا في كلام ابن خلدون، فإن الأقرب إلى منطق الحادثة هو أن يكون أبو القاسم هو الذي أشار على الجماعة بأن يفعلوا بعيسى ما فعلوا به، وحينئذ يبقى وروداسم أبي الخطاب في رواية البكري أمرا مجهول السبب.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.