أخر الاخبار

قبيلة أولاد دليم بصحراء المغرب .. مناخ قاسٍ واقتصاد بدائي

 الشيخ اليوسي

إذا كان المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي يقول إن "كل بلد ينتمي كليا أو جزئيا قديما أو حديثا إلى عالم العروبة والإسلام لا تفهم أوضاعه إلا بالرجوع إلى الذهنية القبلية"، فإن هذه المسألة تنطبق، إلى حد كبير، على قبائل الأقاليم الجنوبية للمملكة، والتي تجد لها امتدادا جغرافيا في كل من موريتانيا والجزائر، وقد يمتد إلى مالي والسنغال.

قبيلة أولاد دليم بصحراء المغرب .. مناخ قاسٍ واقتصاد بدائي

وشأنها في ذلك شأن مجمل القبائل الصحراوية، لم ينحصر المجال الطبيعي لقبيلة أولاد دليم في منطقة محددة، بل إن طبيعة الحياة الرعوية فرضت عليها تنقلا دائما، سواء في الشمال أو الجنوب، في رحلة بحث عن الكلأ والماء والحروب والتجارة. كما أن لكل قبيلة مجالات معينة تلجأ إليها لمرات عديدة خلال فترات زمنية مختلفة.

وعرفت قبيلة أولاد دليم، التي تتوزع بين صحراء المغرب وموريتانيا، وحتى الجزائر، باستقرارها في الأراضي الممتدة من الساقية الحمراء شمالا حتى منطقة "آكنيتير" جنوبا، بمحاذاة الساحل الأطلسي، خاصة بالنسبة إلى جزء القبيلة الغربي؛ أما بالنسبة للجزء الشرقي فإنه يتواجد في "إيكيدي" و"توات" و"عرق شاش"، وذلك في فترة الترحال ما قبل الهيمنة الاستعمارية على المنطقة.

وفي ما يخص الجزء الغربي من القبيلة، المعروف بـ"أولاد الرميثية"، فيقول عنه الباحث محمد دحمان، في كتابه له عن المجاهد إبراهيم السالم ولد ميشان، إنه كان له حضور بالمنطقة المعروفة اليوم بوادي الذهب، وكذلك منطقة الرأس الأبيض، وتازيازت بالشمال الموريتاني. وكانت للمنطقة المعروفة بتيرس مكانة متميزة عند أبناء القبيلة خاصة، وعند كل سكان منطقة "تراب البيضان" بصفة عامة، وفيها قيل الكثير من الشعر الفصيح والعامي، وكانت منطلقا للعديد من "الغزوات الجهادية".

وحسب عدد من المصادر التاريخية، فإن حضور هذه القبيلة لا ينحصر في منطقة تيرس، بل لها امتداد داخل الصحراء بمنطقة توات وعرق شاش، جنوب غرب الجزائر، وذلك منذ القرن السابع عشر، استنادا إلى ما هو منشور في الرسائل المخزنية الصدارة عن السلطان مولاي إسماعيل العلوي إلى عماله بمنطقة تافيلالت وتوات.

ويورد الباحث دحمان مقولة للمستشرق مارتي بول، جاءت كذلك على لسان الشيخ محمد المامي، خلال حديثه عن الحياة الاقتصادية لأولاد دليم، إذ قال: "في بلادنا لا توجد السكة من أكمين إلى واد نُون، فكيف يكون التقويم بها وهي معدومة منذ فتح أدرار على يد ببكر بن عمر؟"؛ وبالنظر إلى أن المنطقة التي كانت تعيش فيها تعد مجالا صحراويا جافا لا يوفر ظروف الاستقرار الداعية إلى الزراعة وبناء الحواضر، فإن الميزة الأساسية لحياتها الاقتصادية كانت هي الاعتماد على حرفتي الرعي والتجارة؛ التي كانت قائمة على المقايضة خلال القرن التاسع عشر، وإبان التغلغل الاستعماري.

وإذا كان اقتصاد قبيلة أولاد دليم يقوم على الرعي والتجارة، فإنه لم يكن منحصرا في منطقة تيرس؛ بل جابت القبيلة الساحل: مناطق الساقية الحمراء ووادي الذهب وأكنيتير، وداهمت منطقة آدرار التمر، وذهبت شمالا حتى واد نون؛ كما تشهد وثائق خزانة آل بيروك التكنين على معاملاتها التجارية مع هذه الأسرة، وعلى استقرارها في منطقة واد نُون، في ظل ظروف خاصة.

وبالإضافة إلى المورد الأساسي لهذه القبيلة، والمتمثل في قطعان الإبل، فقد مارست هذه المجموعة الاجتماعية غزوا نجم عنه توفرها على المزيد من الموارد الرعوية، من مجالات خصبة وأتباع وقطعان ماشية، خاصة الإبل؛ ويقول عنها الرحالة هوك لرو: "إنها قبيلة لا تتجاوز ستة آلاف نسمة، ولديها ثروة رعوية هامة.. كما أن أولاد دليم يمتلكون عددا كبيرا من الجمال، وبعض الخيول، وقطعانا من الغنم، من نتاج غزواتهم".

وينضاف إلى ذلك الصيد البحري التقليدي الذي كانت تمارسه مجموعات مختصة تدعى "إيمراغن"، على امتداد الساحل الأطلسي، ابتداء من الداخلة حتى سواحل إمارة الترارزة الموريتانية.. وكانت هذه المجموعة الحرفية موزعة بين بعض القبائل من أهل الشوكة بالمنطقة، كأولاد بالسباع والكرع وأولاد دليم وأولاد أحمد بن ادمان، وكذا مجموعة تدعى "أولاد اللب".

في مقابل ذلك، فإن الحرف والصناعة تعد شبه غائبة داخل المجتمع الدليمي، نظرا إلى طغيان الترحال وغياب المعادن والمواد الأولية، وندرة قوى الإنتاج، ما عدا بعض الحرفيين الطارئين من جهات أخرى من المجتمع البيضاني.

ولا توفر الصناعات المحلية تراكما ماليا كبيرا، كما هو الحال بالنسبة للزراعة التي لا يخالف وضعها وضع الحرف، نظرا للجفاف وقلة التساقطات، ما جعلها محصورة في بعض الحالات النادرة. وتبعا لذلك، فإن الاقتصاد المحلي لقبيلة أولاد دليم كان محكوما بظروف ندرة المياه وقسوة المناخ والتعامل بالمقايضة، وضعف الصناعة والإنتاج؛ وكان أهم مورد اقتصادي لها هو الإبل، التي توفر الغذاء والمركب والقيمة التبادلية آنذاك.

ويعود أصل أولاد دليم إلى قبائل المعقل القادمة من الشرق العربي، التي يتحدث عنها عبد الرحمان بن خلدون في عهده من خلال كتاب العبر بالقول: "من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفاز المغرب الأقصى وينتهون إلى البحر المحيط". وبعد أن قسم معقل إلى ثلاثة فروع: ذوي عبيد الله وذوي حسان، يحددها صاحب المقدمة "موطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط"، مضيفا أنهم "ينتجعون كلهم من الرمال إلى موطن الملثمين من كدالة ومسوفة ولمتونة".

وبعد فترة ابن خلدون، يشير الرحالة الشهير ليون الإفريقي بتفصيل إلى فروع معقل، ومن ضمنها أولاد دليم، بالقول: "أما الفروع فهي ثلاثة: مختار وعثمان وحسان".

وبعد مرور السنوات انتهى المطاف بأولاد دليم إلى التوزيع المكاني غير المتكافئ، إذ توزعوا بمناطق مختلفة ومتباعدة جغرافيا؛ فتواجدوا بتوات وأزاواد بمالي وتكالت وحوز مراكش، بالإضافة إلى درعة ومنطقة الحوض، واختلطوا بمجموعات بشرية مختلفة؛ بل اتخذوا أحيانا أسماء أخرى غير أولاد دليم، ولم يحتفظ بهذا الاسم القديم إلا المجموعة الدليمية المنتسبة لأولاد الرميثية، المكونة للبطون الخمسة المعروفة حاليا وهي: لود يكات، وأولاد تكدي، وأولاد لخليكة، وأولاد باعمر، وأخيرا السراحنة.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -