أخر الاخبار

البربر عربوا المغرب

حول عروبة البربر" كتاب يثبت عروبة الأمازيغ من خلال اللسان - اليوم ...

من اغرب مفارقات التاريخ ان تعريب المغرب و لا توحيده السياسي في القديم لم يتم على يد العنصر العربي قط، على الرغم من ان هذا العنصر حمل شعلة الاسلام الاولى الى هذه الارض التي شهدت صراعا مريرا ضد شره بعض الولاة الذين قدموا بنية الاسترقاق و الاستغلال اكثر مما قدوما لتبليغ رسالة الاسلام المقدسة.

و اغرب من هذا ان نشر الاسلام بالمغرب و توطيده لم يتم ايضا على يد الفاتحين العرب خلافا لما يتوهمه الكثير دون تمحيص لحقائق التاريخ او تامل في سير احداثه.

بيد ان ليس من المنطق ان تفسر هذه الفكرة بانها ظلم لحق العنصر العربي في ان يعترف له بالجميل الذي هو اهله، بل على العكس من ذلك، فلولا التدخل المباشر لهذا الجانب لما فكر البربر في ان يؤدوا رسالتهم في نشر الاسلام بالمغرب و توحيده و تعريبه.
فقد فتح العرب القادمون في عهد الامويين عيون البربر في الشمال الافريقي كله على اشياء كثيرة كانوا يجهلونها حتى في ذلك الوقت و على الخصوص في الميدان الديني الذي نشط فيه العرب مباشرة خلال استقرارهم و فتوحاتهم.
و قد اجمع المؤرخون الباحثون قاطبة يما فيهم اشد دعاة التفرقة من الاجانب على وجود انماط كثيرة من الحياة الاجتماعية يتفق فيها العنصران اتفاقا تاما بقطع النظر عن مختلف وجهات النظر حول اصل العنصر البربري.
و على الرغم من ان عددا من الولاة الامويين كعقبة و موسى بن نصير قد استطاعوا ان يتوغلوا في فتوحهم بالمغرب دون ان يلاقوا في الغالب مقاومة عنيفة فان جهودهم في اقرار الامن لم تكن تكلل دائما بالنجاح. و هكذا فان البربر قد وجدوا في افكار المذاهب الخارجية التي تسربت الى المغرب عن طريق الجند انفسهم ما يرغبهم بحق في اعتناق الاسلام أي يفسخ صدره لمختلف الاتجاهات و النزعات المتحررة التي تتفق مع مبادئه. و لم تكد الدولة الاموية تلفظ انفاسها حتى كان الخوارج من البربر يؤسسون دويلات في الشمال و الغرب ومنطقة سجلماسة.
و لم يستطع العباسيون ان يثبتوا اقدامهم قط بالمغرب و لا حتى في معظم المغرب الاوسط، و هكذا بقي البربر سادة البلاد و كان لهم معظم الفضل في افتتاح الاندلس التي ارتبط مصيرها منذئذ بالمغرب لمدة ثمانية قرون كانت فيها سلطته على الاندلس مبسوطة لفترات تفوق المدة التي خضع هو فيها لحكم الاندلس.
و في هذه المدة الطويلة التي سبقت نشاة الدولة الادريسية لم يكن العنصر العربي شيئا يذكر من حيث تاثيره في تعريب السكان لقلة عدده. غير ان بني صالح قاموا بجهد مشكور في منطقة غمارة على الرغم من الحركات الانفصالية التي طالما ظهرت بوادرها الخطيرة في هذه الناحية لاسباب بعضها يعود الى اصول دينية عميقة و من اجل ذلك ساهم بعضها يعود الى اصول دينية عميقة و من اجل ذلك ساهم بنو صالح في نشر العربية و العقائد الاسلامية هناك بقدر ما سمحت لهم ظروفهم السياسية.

الادارسة:

دخل ادريس الاول الى المغرب مصحوبا بمولاه راشد و ليس معهما مال و لا رجال و لم تسبقهما الى المغرب دعية  و لاحملة انتخابية على طريقة ذلك العهد، فاواهما بربر اوربة، و اصبح ادريس اماما تحميه سيوف هؤلاء و تتبنى دعوته رجالاتهم من غير ان يحتاج الى عربي واحد يكل اليه بعض اموره، وطالما انشد بعض الادارسة اشعارا عبروا فيها عن احساسهم بفراق مواطن ابائهم واجدادهم و ربما يجدونه من الغربة في بلد لا يتحدث سكانه وبلغتهم كان ادريس الثاني احد هؤلاء المشككين مع انه ولد من ام بربرية و ما شهد بلاد المشرق قط.
و قد دخل ادريس الاول يحمل بطبيعة الحال فكرة انشاء خلافة او نوع من الخلافة بالمغرب ينافس خلافة المشرق، و مع ذلك، لم يكن يتوفر على عصبية قبلية كالتي يتوفر عليها العباسيون، و كانت تنقصه حملة الدعاية المنظمة التي تطلبت عقودا من السنين بالمشرق قبل ان يستطيع هؤلاء اقرار دولتهم العتيدة. ثم كان يحتاج الى الاموال الوفيرة التي اغدقت على هؤلاء من مساعديهم الفرس الذين على اكتافهم قامت الدولة العباسية. واخيرا فلم يكن المغرب العربي قط، نظرا لبعده ووعورة مسالكه مركز الثقل في سياسة الدولة الاسلامية الكبيرة، فقد كانت العراق و مصر و الشام تكاد تشكل الثالوث الوحيد الذي اتجهت اليه باستمرار اطماع الطامحين و الغزاة اكثر مما كان الامر بالنسبة الى المغرب:
و لم يكن في المغرب ساسة دهاة يمكنهم ان يدبروا الخطط و يحولوا بطريقة او باخرى انظار سكان الشرق الى امام المغرب و ذلك لبعد المسافة و قلة الاحتكاك وعدم توفر اسباب النضج السياسي مثلما هو الامر بالمشرق.
و مهما يكن من شيء، فان البربر سرعان ما بداو يدخلون طائعين تحت نفوذ ادريس الاول أي لم يستطع مع ذلك، ان يقهر هو او خلفاؤه، البرغواطيين قد استقوا كثيرا من مبادىء الفراسة الهدامة التي ناهضت الاسلام كالمانوية و المزدكية والزرادشتية و على  الخصوص الزواج المشاع الذي وجدنا اثاره تتسرب الى اعماق الصحراء بدليل ما وجد عليه عبد الله بن ياسين سكان هذه الناحية.
و الحق ان الادارسة قد استطاعوا ان يتوغلوا بنفوذهم السياسي الى اعماق جنوب المغرب بفضل سلطتهم الروحية التي كانت وحدها في الغالب اساسا لفرض سيطرتهم السياسية حتى عند انقسام مملكتهم باشارة راى جدتهم كنزة، الذي لم يكن محمودا بحال.
و نشط حاميم المتنبي و اسرته في هدم معتقدات الاسلام في الشمال عن طريق السحر و التنجيم الذي طالما برز فيه عدد من سكان غمارة التي تنتمي اليها هذه الاسرة و لم يقم الادارسة باي جهد يذكر في اقرار الاسلام الصحيح بهذه المنطقة التي ضعف فيها قبل هذا الوقت نفوذ بني صالح.
و على الرغم من قدوم فوج من الاندلسيين في عهد ادريس الثاني الذي استعان ببعض عناصرها في الحكم و الادارة فان اثرهم ضئيل جدا في الميدان العلمي اذا قيس بالمدة الطويلة التي قضوها في الحكم، و نستطيع ان نؤكد ان جهود خوارج سجلماسة و البرغواطيين في تلقي الثقافة العربية و نشرها كانت انشط و اثمر من جهود الدولة المركزية بقطع النظر عن المعتقدات التي يتعتنقها كل جانب. اما النشاط الديني و العسكري فان الادارسة لم يتوقفوا عنه الى اخر رمق من حياة دولتهم على ان من اعجب الحقائق ان يكون نفوذ الادارسة في اشاعة روح العروبة في النواحي الصحراوية اقوى منها في منطقة سوس التي تكاد اللهجة البربرية تتغلغل في كل جنباتها حتى الان. و لا ينفي هذا ان السوسيين قد تقبلوا الاسلام برحابة صدر و ابدو شديد عطفهم على الادارسة. حتى لقد وجد البكري اهل تارودانت على مذهب الشيعة، و هو بطبيعة الحال مذهب الادارسة كما هو مذهب الفاطمين.
و على ذكر منطقة السوس نجد انفسنا امام ظاهرة مدهشة من الوجهة الاجتماعية و الجغرافية ففي سهول سوس تستقر عناصر من قبيلة هوارة التي تعد من اضخم قبائل الشمال الافريقي عددا واكثرها انتشارا و هذه العناصر عربية اللهجة ومعظمها يجهل بتاتا اللهجة السوسية حتى الان، فكيف تعربت واحتفظت باللهجة العربية وسط مجتمع بربري كليا؟ مع العلم بان البربر هناك قد بقيت فئة كبيرة منهم تستقر هي ايضا بالسهول المجاورة دون ان يؤثر فيها التعريب بشيء؟ و الجوار و تبادل المنفعة و المصالح مما يحمل على تلاقح اللهجات.
لقد امتزجت عناصر من هوراة بعناصر من القبائل العربية التي حلت بافريقية ايام الصنهاجيين حتى تغلب التاثير العربي هناك بين هذه العناصر التي حلت مجموعات منها بالمغرب ابان الموحدين و المرينيين ونعتقد ان العناصر الهوارية المستقرة بسوس من سلالة هذه المجموعات الافريقية الاصل. و قد اكد ابن خلدون بهذا الصدد ان هوارة بافريقية كانوا يردون نسبهم هم ايضا الى حمير، سان صنهاجة. و قد القيت بنفسي اسئلة على عدد من سكان هذه المنطقة في عين المكان حول ما اذا كانوا يعدون انفسهم عربا او بربرا فاجمعوا على انهم ينتمون الى الجنس العربي من غير ان يستطيع احدهم احتجاجا على ذلك، و كان استغرابي عظيما عندما طلبت جماعة قروية من بينهم استبدال اسم مدرسية بربري باخر عربي عندما كانت لي هناك مسؤولية الاشراف على التعليم، و ترددت شهورا قبل الموافقة لبغضي كل مظاهر العنصربة.
فهذه المنطقة و الحالة هذه، لم تعرب على يد الادارسة، ما لم يثبت بحجة تاريخية جديدة عكس ذلك.
لقد ظل المغرب الى نهاية عهد الادارسة، بل و الى قيام دولة المرابطين بربريا في سكانه و عاداته و لهجته، و اذا بالغنا في تقدير عدد العرب المتخلفين من عهد الفتح الاسلامي و من انضاف اليهم من عرب الاندلس فلن نحصل على اكثر من بضعة الاف على اكبر تقدير لم يؤثر توزيعهم تاثيرا يذكر في المجتمع المغربي من حيث تعريبه. و لكن لا بد من ملاحظة ان لغة الدولة او لغة الحكام على الاصح سواء في الحكومة المركزية او في الجهات المستقلة كانت عربية، و لا نعرف بالضبط مقام اللهجات البربرية في شؤون الادارة، و لو اننا نعلم ان البربرية اتخذت لغة التعليم في بعض المناطق المنفصلة الى جانب العربية كما حدث في منطقة تامسنا التي فرض البرغواطيون على سكانها قرانا مكتوبا بالبربرية.

المرابطون:

على الرغم من المحاولات التي ابداها كل من المروانيين و الفاطميين في اخضاع مجموع المغرب او بعضه لسلطتهم، فقد كان اعتمادهم في الغالب على تاييد البطون الثلاثة القوية من زناتة و هي مغراوة و يفرن و مكناسة، و لم يستطع المروانيون و لا الفاطميون اخضاع مجموع المغرب قط، و لا الاعتماد كليا على قواتهم العسكرية الخاصة، وكيفما كان الحال، فان المحاولات التلقائية التي ابداها على الخصوص كل من مغراوة و بني يفرن في الاستقلال بملك المغرب لم يستفد المغرب من ورائها كثيرا و ظلت حركة التعريب الى هذا العهد الطويل الذي اربى على القرن تنحصر في الميدان الفكري على الخصوص و في نطاق ضيق، ويمكن ان نقول ان فاس العاصمة الرئيسية ظل معظم سكانها بربرا.
و لقد خلف الادارسة و الزناتيون قبل انهيار حكمهم مذاهب مختلفة بالمغرب كالشيعة و المالكية والفاطمية و البرغواطية و لم يكن هناك مذهب ديني  واحد يجمع شمل السكان و لا حكم منظم يعمل على نشر الحضارة و العمران و يبلغ رسالة الاسلام الحق الى كل جزء من اجزاء البلاد.
و ظهر على مسرح الاحداث في اوساط لمتونة حوالي سنة 430، شخص معروف هو عبد الله بن ياسين الجزولي أي دخل الى الصحراء بناءا على ترشيح استاذه و كاك بن زلو هو الذي ايضا بربري من الجنوب، قاطبة في زمن وجيز، و تمكنت بالاقناع تارة و بالقوة تارة اخرى من حمل صنهاجة على اعتناق مبادىء الاسلام الصحيحة و باقرار مذهب مالك بالذات وهو المذهب الذي كانت المحاولات الفردية من طرف بعض العلماء قد عملت على تبني الدولة له بفاس في اواسط القرن الرابع.
و قد وجه المرابطون اهتمامهم اولا الى ناحيتي سجلماسة وناحية درعة، و كان ذلك بايعاز من وكاك بن زلو الذي استقر زمنا بسجلماسة. و كان فيما يظن لحد الساعة اول من اسس مدرسة خاصة للتعليم ونشر اللغة لاعربية. و لم تنشا هذه المدرسة بالشمال و لا في فاس التي كانت محط انظار لاعرب با شيدت باكلو في اعماق السوس و بين الاوساط البربيرة الموغلة في القدم.
ان عبد الله بن ياسين لم يحمله احد او يوح اليه بتبني المذهب المالكي، فقد درس عدة سنوات بقرطبة، مثلما درس بسوس، فجمع بين التفكير البربري الموضوعي و بين الثقافة العربية التي تستمد قوتها من اشراق السماء و عبقرية الاسلام.
و لم يكن العامل الاقتصادي اساسا في زحف المرابطين نحو الشمال، فالصحراء التي كانوا يعمرونها لم تكن موحشة او جدباء على ما هي عليه اليوم، ووادي درعة لم تكن الخصوبة تستقر على بعض ضفافه المجاورة كما هو لاشان اليوم، فعلى بعد بضع عشرة كيلومترات من طاطا الحالية التي لا تكاد تصل اليها قدم انسان اليوم غير سكانها تدل على الظواهر الجغرافية و الجيولوجية على انها نعمت بخصب عظيم عز ان يكون له مثيل في التاريخ القديم، و قد بقي اثر هذا الخصب بارز المعالم مدة طويلة ابان القرون الوسطى فيما نرجح، بدليل ان عمالة وادي درعة كانت احدى العمالات الرئيسية التي لا يولى عليها الا كبار امراء الدول التي تعاقبت على المغرب و ان هدف الفاتحين كان لا يتوقف الا عندها بل و لا ينطلق زحفهم الاول الا نحوها.
و لا يزال الاثر الغابوي مع هذا واضحا في عدد من جهات لاصحراء بما يف ذلك طرفاية التي اخذت اسمها من "الطرفاء" و هي نوع من الشجر الغابوي الذي كان يغطي فيما مضى هذه المنطقة الشاسعة. فالعامل الاقتصادي كان ضمن العوامل الثانوية التي حدت بالمرابطين الى زحفهم نحو لاشمال، و كان العامل الديني اساسا اول لهذا الانطلاق.
و لقد مات عبد الله بن ياسين و هو في جهاد برغواطة. و ما كاد يوسف بن تاشفين يتابع مهمة سلفه و ابن عمه ابي بكر بن عمر في الزعامة السياسية و الروحية للمرابطين حتى اتخذ من مدينة مراكش التي بناها هو عاصمة له. و كان يوسف لا يحسن اللغة العربية، و لكنه لم يفكر ابدا في ان يتخذ من البربرية لغة الادارة، فكل مراسلاته الادارية او معظمها باللغة العربية. و قبل ان يفكر يوسف في ضم الاندلس تحت الحاح سكانها انفسهم كان يستعين في شؤون الادارة بموظفين عرب، و قد نجح يوسف نجاحا كليا فيما لم يوفق اليه ملك و لا دولة قبله بالمغرب، الا و هو توحيد المغرب سياسيا واخضاعه جميعا لحكم الدولة، بما في ذلك الشمال و المنطقة البرغواطية الشاسعة التي ظلت قرونا خاضعة لسلطة سكان محليين.
و قد فتح المرابطون صدرهم للعروبة بكل معنى الكلمة، فباستثناء الولاة الاقليميين الذي كان نفوذهم اداريا سياسيا، نجد موظفين عربا يشغلون مراكز مختلفة من قضاة و كتابة و قيادة جيوش بل ان اغلب مراكز القضاء شغلها عرب.
وشملت حركة التعريب مختلف مظاهر السيادة كالسكة و الزي الذي كان اسود اقتداء بالدولة العباسية التي دان لها المرابطون بالولاء طيلة حكمهم. كذلك ابدا الفن الاندلسي العربي ياخذ طريقه الى القصور و المساجد التي حطمها كلها او معظمها الموحدون فيما بعد.
و لا فائدة في سرد اسماء العلماء و الادباء الذين ازدان بهم هذا العهد. و من الطبيعي ان يحقد بعض سكان الاندلس و رجالاتها على المرابطين ويبغضوا سلطتهم على الاندلس رغم ما خصهم به المرابطون من عطف و ما ولوهم من مناصب.
و يجب ان نستمد مرة اخرى هذه الظاهرة من جذور التاريخ، فمعظم العرب الذين قدموا الى الاندلس من الشام اصلا، و اهل الشام كانوا موالين للدولة الاموية طيلة حكمها، و الامويون اساءوا السيرةفي لابربر غالبا، و عندما فتحت الاندلس حملوا معهم نعرة العصبية فخصوا البربر بالجهات التي لا تكاد تغل شيئا و نعموا باخصب الاراضي على الرغم من ان الاندلس فتحت بسيوف لابربر و تدبير العرب. و كذلك انزرع لاشقاق بين العرب و البربر في الاندلس منذ ذلك الحين و بقي العرب ينظرون الى اخوانهم البربر نظرة عداء فيها مزيج من مركب النقص والاستعلاي، فكما فتحت البلاد بسيوف لابربر انقذت من شر محقق على يد لابربر في شخص المرابطين، و هذا فضلا عما كان يلتزمه هؤلاء من الجدية و النظر الى الحياة العامة بغير منظار الاندلسيين.
 و قد اغترف امراء المرابطين كتميم بن يوسف و اسرة ابن الحاج و علي بن يوسف من معين العربية باوفر حظ و كانت مجالسهم العلمية و الادبية مضر الامثال و موضع روايات كثيرة تضمنتها كتب الذخيرة و القلائد.
حقا ان نشر العلم لن ياخذ طريقا واسعا بالمغرب حتى هذا العهد، فالمدارس التي كان يمكن ان تاوي الطلبة الداخليين لم تؤسس بعد و هي اكبر مشجع لاجتذاب اكبر عدد ممكن من الطلاب على تلقي العلم في ربوعه الخاصة، ولكن حركة تنقل الطلاب و العلماء بين الاندلس و المغرب و القيروان قد شقت طريقا واسعا لصالح اللغة العربية بالمغرب.
و ما كادت دولة المرابطين تدخل في ذمة التاريخ حتى كانت قد خلفت رجالات من ذوي العلم لا يزال اسمهم يجلجل في جنبات المعاهد الاسلامية و حتى الغريبة الى يومنا هذا، و ناهيك بشخصية الادريسي الذي يشكل نشاطه العلمي الجبار جزءا من تاريخ الفكر الايطالي و الاسلامي على لاسواء، و كذلك شخصية عياض السبتي الذي جمع من ابواب العلم ما عز ان يجتمع لغيره.

الموحدون:

لقد كانت اول خطوة سلكها الموحدون في الميدان السياسي بعد وفاة ابن تومرت، هي اعلان الخلافة و التصريح بانتماء عبد المومن الى الجنس العربي عن طريق يس غيلان. و حقا لقد نجحت هذه الخطة في اقناع سكان المغرب العربي قاطبة باحقية الموحدين في اقرار الخلافة، و كان التدخل العسكري المباشر، هو ايضا الوسيلة التي تحمل السكان عاجلا على الدخول طوعا او كرها في فلك هذه الدولة الجديدة.
و بظهور الموحدين على مسرح الاحداث، تفتح صفحة جديدة في التاريخ الاسلامي الذي يشغل فيه مذهب ابن تومرت و نشاط الموحدين في اقراره مكانا بارزا. و لكن هذا ليس هو المهم هنا، فالذي يلفت النظر هو ان بني غانية الصنهاجيين قد قاموا بنشاط عسكري عجيب حاولو من ورائه مواصلة قيام دولة المرابطين في المغربيين الاوسط والادنى بعد ان اصبح الموحدون سادة المغرب الاقصى من غير منازع. و في افريقية استطاعوا ان يستمليو القسم الاكبر من قبائل العرب التي استقرت هناك قبل قرن تقريبا في ظروف معروفة مما دعا عبد المؤمن الى ان يتعقب الطرفين معا حتى اعماق لاصحراء و توغل شرق ليبيا. و ما كاد لبو يعقوب يتولى الحكم حتى وجه همه الى اقرار الامن بافريقية. و قبل بضع سنوات من وفاته نفى عرب رياح الى مراكش لانهم ساعدوا بعض الصنهاجيين على لاثورة في هذه البلاد. و لما تولى المنصور تابع صراعه ضد بني غانية الذين ظلت قبائل بني هلال تمالئهم و تناصرهم بحد السيف، و قد تمكن من اقصاء بني غانية عن افريقية ولاحد من ثورة بني هلال الذي عمل على ترحيل القسم الاكبر منهم الى المغرب الاقصى حيث بث فروعهم في سهول المغرب الغربية على الخصوص، كما نقل معهم بني سليم و بني معقل، وهؤلاء الاخيرون انبثوا في الصحراء و عربوا قسما عظيما منها حيث انصهر فيهم العنصر البربري من جهة، كما انتصر لسانهم العربي في تلك الاصقاع من جهة اخرى، و هكذا تابع هؤلاء العرب البدو، مهمة الادارسة الذي كان لهم فضل القيام بحملة التعريب الاولية.
و في النواحي الاطلسية التي استقر فيها البدو، اصبحت اللغة العربية والعادات الخاصة بالعرب تسيطر وحدها على حياة السكان في اغلب الجهات المذكورة، و انصهرت كليا في بوتقة العروبة بعض القبائل البربرية كدكالة الموغلة في القدم وهسكورة في معظمها. و تطلب هذا بالطبع، لا عقودا من السنين فحسب، بل قرونا قبل ان يتم هذا الانصهار، ذلك ان الافا عديدة من زناتة و هوارة قد استقرت هي ايضا بتامسنا في العهد المريني حتى تكاثر سكان هذه المنطقة التي اصبحت تلعب دورا بالغ الاهمية في تاريخ المغرب.
لقد عمل الموحدون بنقلهم لقبائل العرب على تعريب المغرب اجتماعيا بشكل يفوق في اهميته كل الجهود المبذولة من قبل. و فب مقابل ذلك، لعبت هذه القبائل دورا خطيرا في تحطيم اقتصاد المغرب و تناقص عمرانه، فضلا عن ان قسما لا يستهان به من السكان قد انحازوا الى المناطق الجبلية و سفوح الجبال. و انكمش كل من الفريقين بشكل تلقائي حيث هو مع تقادم الزمن. لقد اخطا الموحدون في طريقة توزيع هذه القبائل التي لم تكن المناطق التي احتلوها معدةاقتصاديا و لا حتى اداريا لتقبل جحافلهم. كذلك كان خطا الموحدين الاكبر انهم اعطوا لهذه القبائل استقلالا ذاتيا تركت فيه لشيوخهم كامل السلطة عليهم. و كيفما كان الحال، فان انصهار العنصرين في هذه المناطق لاشاسعة هو في حد ذاته نعمة اجتماعية ذات قيمة.
لم يقم بدو العرب مدنا و لاحصونا و لا أي مظهر حقيقي من مظاهر الحياة الفنية و العلمية فمنذ ان استقر اسلافهم بمصر عوملوا على اساس انهم اعراب، فعزلو عن المجتمع الحضاري، و توبعت هذه السياسة المشينة حيالهم بافريقية ثم رحلو الى المغرب على هذا الاساس ايضا.
و يتجلى لافرق عظيما بين الاثر العربي الحضاري الذي خلفه القادمون من الاندلس الذين استقروا بفاس مثلا، و بين اثر هؤلاء البدو الذين حرموا نعمة التعليم و الاحتكاك بالمجتمعات لاراقية، و بالتالي العدالة الاجتماعية.
على ان هذه القبائل سيقر لها ان تقوم بدور نبيل سواء في حروب المسلمين بالاندلس او بالشواطىء المغربية التي تسلط عليها الغزاة من اسبانيا و البرتغال منذ اواخر العهد المريني. كما ستنشط بعض مجموعاتها في الميدان العلمي خلال فترة متاخرة منة تاريخ المغرب.
و اثر هزيمة "العقاب" تساقطت على التوالي مدن وحصون اندلسية عديدة كقرطبة و بلنسية و جيان و برشلونة، وانتقل عدد من سكانها المسلمين الى المغرب، و بذلك بدات تتقوى العناصر العربية المتحضرة التي تساهم عمليا في ترقية الحالة الاجتماعية المدنية.ويجب ان لا ننسى ان البربر لم يتخلوا عن نشاطهم الزراعي الممتاز الذين استمدوا وسائله الاصيلة من الرومان المستعمرين السابقين، و في هذه الفترة بالذات و بعدها ببضعة قرون اخرى ظلت حياة الترحل اكبر مظهر للنشاط الاجتماعي بين قبائل العرب المهاجرة من افريقية.
لقد استمرت لغة الادارة هي لاعربية، و استخدمت البربرية في ظروف محدودة اقتضتها المصلحة السياسية مثلما فعل المهدي بن تومرت في تلقين المصامدة عقائد التوحيد. ويمكننا ان نقول ان اللهجة المغربية الدارجة بدات تتكون نواتها في هذه الفترة متاثرة بلهجات الاندلس أي انها بدات تتبلور بعض الشيء تاركة للقرون المقبلة مهمة تنميتها و تركيزها عن طريق الاخذ و العطاء و التفاعل مع اللهجات البربرية و الاندلسية و بعض اللغات الاجنبية فضلا عن لافصحى.
لم يكن هناك برنامج للتعريب و لا سيطرة سياسية للغة او لهجة. فمن المؤكد ان العربية دخل الى جميع الاقطار الاسلامية من غير ساتثناء على انها اللغة التي نزل بها الوحي و لاقران ولقن بها الرسول و صحابته تعاليم الاسلام. وبهذا المنظار نظر المسلمون الاولون الى اللغة العربية و بهذا المنظار يجب ان ينظر كل مسلم الى هذه اللغة.
حتى اذا بدات دولة الموحدين تقترب من نهايتها المحتومة، كانت قبائل العرب تحيط بتراب المغرب احاطة السوار بالمعصم، فهي موزعة بين اكرافه موغل بعضها في صحرائه.
و لقد قام الموحدون معى هذا بجهد علمي ضخم في اطار الثقافة العربية التي نهل ملوكهم من معينها شان بعض اسلافهم المرابطين و خلفائهم المرينينن.
و عني الموحدون بالعلوم التطبيقية شان عنايتهم بالعلوم العقلية و النقلية، ورحبوا بمقدم العلماء و الادباء القادمين من الاندلس الذين ساهموا بجهد عظيم في نشر الثقافة العربية بالمغرب، مثلما قدر لكثير من علماء المغرب وادبائه ان يقوموا به في الاندلس و المشرق.

المرينيون:

لم تبد دولة قبل المرنيين ما ابداه هؤلاء من التسامح و الترفع عن العصبية في مختلف اشكالها فقد ادى اعتمادهم على بعض العناصر اليهودية في الحكم و الادارة الى استياء للشعب حتى لقد اخر ملوكهم لهذا السبب كما اعتمدوا على اللفيف الاجنبي المسيحي ووكلوا اليه حمايتهم الشخصية خصوصا ايام انحطاط دولتهم، و كان للقوة المسيحية يد طولى في خلع و تنصيب عدد من ملوك هذه الدولة. و كانت مجالسهم السياسية وم ؤسساتهم الادارية تجمع عناصر كثيرة فيها اليهودي و المسلم، كما فيها البربري و العربي و المسيحي.
لقد ظلت روح البداوة و كذا اللهجة البربرية تسود معظم جهات المحيط الاطلسي الذي لم تكن تشكل فيه افواج القبائل العربية الا نسبة ابعد ما تكون عن نسبة السكان الاصليين. ففي جولة دراسية و تفسخية قام بها ابن الخطيب الاندلسي لاحظ ان سلا تجمع بين البداوة و الحضارة كما لا حظ ان سكان ازمور (الساحلية) بربريو اللسان، و لكن الزمن وحده مكن من تعريب المناطق الاطلسية كما تقدم.
و لقد ظل الاندلسيون يتواردون على المغرب في هذه الفترة في اعداد قليلة اذ فضل معظمهم البقاء في الاندلس باي ثمن حتى النهاية، و هكذا فقد استقرت عناصر السكان بالمغرب على ما كانت عليه تقريبا في العهد السابق.
و تجمع بين المرينيين بل و الزناتيين بوجه عام، و  بين العنصر العربي وجوه شبه كثيرة سوداء من حيث طرائق القتال و لافروسية او من حيث استعمال الخيام في لاسكنى او حياة الترحل التي عرفتها حتى ذلك الوقت مجموعات مختلفة منهم، و هكذا فبالرغم من المشكل الاقتصادي الذي وضعه مقام لاقبائل العربية لم تحدث اية مشكلة سياسية من اجل ذلك، مع العلم بان الخزينة المغربية قد تدفقت عليها اموال عظيمة خلال المدة التي ظهر فيها ملوك اكفاء كابي الحسن و ابي عنان.
و هذا هو العهد الذي بدا التعليم يصبح فيه شعبيا بمعنى الكلمة، فبعد ان ظهرت المدارس الاولى في عهد المرابطين ثم الموحدين، انطلق المرينيون ينشرون اللغة العربية و علومها في عدة مدن حتى الصغيرة منها، و قاموا بنفس العمل في المغرب الاوسط و حتى في افريقية. و في هذا الوقت الذي كانت اللغة العربية في الادارة قد بدات تنحط في الشرق الى درجة الاسفاف كان المغرب الاقصى يقدم نماذج تفوق الحصر، من الاسلوب العربي الجميل الذي اذا شانه احيانا الزخرف اللفظي فهو ابعد ما يكون عن لاعامية التي سادت لغة الادارة في عدة جهات من المشرق. كذلك وصل المرينيون الاهتمام بتنشيط الحركة الفكرية العربية في مختلف مظاهرها، فمن بناء المدارس و تجهيز طلبتها و اساتذتها بالمنح و الجرايات الواسعة الى انشاء الخزائن و التنافس في اقتنائها، و من انتداب رجال العلم من الاندلس و القيروان و تلمسان لتدريس الى تشجيع الادباء و الشعراء بالصلات و العطايا الجزيلة.
و في هذا العهد بالذات لمع اسم القرويين بشكل ما عرف التاريخ له من قبل مثيلا، كذلك لم تعرف القرويين بعدهذا العهد نشاطا علميا واسعا تعززه الاوقاف العديدة و الجرايات الواسعة على قدر ما كان في العصر المريني.
و هكذا دخلت العروبة حينئذ من انبل منابعها و شملت الافا من الطلاب الذين توزعتهم فروع التخصص كمت افح الكثيرون منهم ثقافتهم بثقافة الشرق العربي عن طريق الرحلة او دراسة المؤلفات الواردة من تلكم الديار.
ويسجل التاريخ لصللح هذه الفترة اسم اشهر رواد الفكر الانساني ظهر حتى الان و هو  ابن خلدون الذي تلقى الفن العربي الاصيل من الاندلس في البناء و الموسيقى والصناعات التي نسميها تقليدية، و بذلك خدموا تاريخ الانسانية كله، فقد حفظوا تراث بلد كان يمكن ان يجهل عنه المغرب و الشرق كل شيء، و كان من السهل ان يغمط حق الاندلس في تاريخ الفكر و الفن لولا هذا الاستمرار الذكي في حفظ ذلكم التراث.

خاتمــة:

حقا لقد استفاد العنصر العربي نفسه من مجموع هذه الجهود المتوالية اكثر مما قد يكون البربر قد استفادوه اذا راعينا نسبة السكان من كل الفريقين و اسماء رجال الفكر منهما، و لم يكن ذلك بطبيعة الحال لاختلاف العقلية او لقابلية في التحضر لدى العرب اكثر منها لدى البربر، با لان اللهجة او اللهجات البربرية ظلت عائقا لدى الكثيرين ممن لهم رغبة في الثقافة العربية. و لكن التاريخ يسجل بعد هذه الحقبة و ابتداء من العهد السعدي خاصة ظهور نشاط علمي عظيم في العلوم الرياضية و الدينية بناحية سوس و كذا بدكالة (في العلوم الدينية) حيث حظيت حركة التعريب هذه المرة لا بتبني الحاكمين و لكن برعاية الاسر نفسها و قد اصبح افرادها يتوارثون العلم ابا عن جد. على ان السعديين و العلويين قد قاموا هم ايضا  بجهد ضخم في عملية التعريب شمل توطين الاف لاقادمين من عرب الاندلس في اخر هجرة لهم و بناء مزيد من المعاهد و اشراك العنصر العربي و البربري معا في الحكم والادارة فضلا عن نشر الثقافة العربية بمختلف الوسائل.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -