يعرف العالم كله أن رجلا اسمه كريستوفر كولومبوس هو أول من وطئت قدمه القارة الأمريكية، أو العالم الجديد، في نهاية القرن الخامس عشر للميلاد، لكن قليل منهم يعرف أن رجلا آخر ببشرة سوداء اللون واسم عربي هو أول من دخل مناطق شاسعة من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، وما يعرف حاليا بولاية فلوريدا.
يسود اعتقاد راسخ يخالطه قدر من القبول والتسليم، بأن التاريخ يكتبه المنتصرون، ولا أحد ينازع في كون ما وقع بين الضفتين الغربية والشرقية للمحيط الأطلسي على مدى قرون، يغلب عليه الصوت الواحد والرواية الواحدة، وهي تلك التي أراد لها الرجل الأوروبي الأبيض والمسيحي أن تصبح “الحقيقة”.
لكن هذا الوضع بات يتغير تدريجيا، حيث شهدت العاصمة الأمريكية واشنطن مستهل العام 2021 تنظيم الدورة السادسة من “يوم المغرب”، وهو تقليد سنوي يخلد للوجود المغربي في أمريكا وتاريخ العلاقات بين الدولتين.
ففي سنة 2021 أعلن عن شخصية مميزة أخرجت من الظل، ويتعلق الأمر بمغربي تصفه المصادر التاريخية الرسمية في أمريكا بأنه أول أفريقي وصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويلقبه البعض بمصطفى الزموري،(غير معروف - 1539)، وتسميه المصادر الأمريكية “ستيفن زموري”، ويناديه آخرون بـ”استيبانيكو” أو “استيبان”، وهو في نهاية الأمر أول مغربي وعربي وأفريقي يصل إلى أمريكا، كما نصب له تمثال من البرونز بارتفاع مترين في تكساس الأمريكية.
الأزموري.. مغربي أول مستكشف لجنوب غرب الولايات المتحدة
لوحة استافانيكو لجرانجر
مصطفى الزموري (غير معروف - 1539) كان من مواليد أزمور على ساحل المحيط الأطلسي في المغرب. في إسبانيا قبل عام 1527، تم تعميده كمسيحي وأصبح عبدًا لأندريس دورانتس دي كارانزا. رافق الأفريقي سيده كعضو في بعثة بانفيلو دي نارفايز، التي ضمت ما يقرب من 300 رجل هبطوا في منتصف أبريل 1528 بالقرب من خليج تامبا الحالي. انفصل نارفايز وقيادته بشكل دائم عن سفن الدعم الخاصة به، وساروا نحو ساحل فلوريدا الداخلي وبحلول أواخر الصيف وصلوا بالقرب من مصب نهر واكولا في فلوريدا. في ذلك الوقت، كان عدد الإسبان الباقين على قيد الحياة وإفريقي واحد على الأقل أقل بقليل من 250 رجلاً، أما الآخرون فقد ماتوا في حوادث أو قُتلوا على يد الهنود. اختار نارفايز ذبح خيوله، وبناء خمس صنادل مؤقتة، ومحاولة الإبحار على طول ساحل الخليج باتجاه المكسيك. غادرت الطوافات الخمسة فلوريدا في 22 سبتمبر، وتم وضع المركبة التي تحتوي على إستيفانيكو تحت القيادة المشتركة لدورانتس وألونسو كاستيلو مالدونادو. وبعد شهر في البحر، هبطت تلك الطوافة في جزيرة جالفستون، أو ربما على الأرجح إلى الغرب منها. بحلول ربيع عام 1529، كان هؤلاء الرجال الثلاثة - الناجون الوحيدون من مركبتهم - قد سافروا سيرًا على الأقدام عبر ساحل تكساس إلى ضواحي خليج ماتاجوردا. تم القبض عليهم لاحقًا واستعبادهم من قبل هنود كواهويلتكان "Coahuiltecan" الذين عاشوا جنوب غرب نهر غوادالوبي. في خريف عام 1532، انضم ألفار نونيز كابيزا دي فاكا، الناجي الوحيد من الطوافة الثانية، إلى الرجال الثلاثة في العبودية. بحلول أوائل عام 1535، كان هؤلاء المنبوذون الأربعة قد هربوا من خاطفيهم بالفرار جنوبًا على طول الساحل الداخلي ودخول المكسيك بالقرب من خزان بحيرة فالكون الحالي.
كان إستيفانيكو بالتأكيد أول أفريقي يجتاز تكساس، وبصحبة ثلاثة إسبان، عاد إلى تكساس من المكسيك في La Junta de los" Ríos". من لا جونتا، شق المتنزهون طريقهم في النهاية عبر شمال غرب المكسيك إلى ساحل المحيط الهادئ. خلال رحلاتهم في كل من تكساس والمكسيك، اكتسب الإسبان الثلاثة وإستيفانيكو الشهرة والرزق كمعالجين بالإيمان بين الهنود. بعد السير جنوبًا على طول ساحل المحيط الهادئ، واجه الرجال الأربعة الإسبان شمال سان ميغيل دي كولياكان ثم سافروا إلى مكسيكو سيتي، ووصلوا إلى هناك في أواخر يوليو 1536. وبحلول عام 1539، كان دورانتس إما يبيع أو يعير إستيفانيكو إلى نائب الملك أنطونيو دي ميندوزا، الذي تم تعيين الأفريقي لشركة فراي ماركوس دي نيزا، المكلف بقيادة رحلة متابعة نحو الأراضي التي زارها المنبوذون. في 21 مارس 1539، وصلت بعثة نيزا إلى نهر ريو مايو في سونورا الحالية. هناك، تم إرسال إستيفانيكو، الذي يبدو قلقًا بشأن التقدم البطيء للراهب وحزبه الكبير، ككشاف متقدم. بعد أن انفصل إستيفانيكو عن الراهب وحاشيته بعد عدة أيام من السفر، اقترب من زوني بويبلو في هويكوه في غرب نيو مكسيكو حيث قُتل بعدة سهام أطلقت على جسده. أبلغ فرانسيسكو فاسكيز دي كورونادو، عند وصوله إلى هويكوه بعد عام واحد في عام 1540. 1
كتاب مصطفى واعراب
يعيد الكاتب المغربي مصطفى واعراب إلى صدارة المشهد الثقافي العربي والعالمي ما يعتبره أسطورة بطلها فتى مغربي تم أسره وبيعه إلى "نبيل" إسباني أرسله إلى أمريكا فأصبح أول أجنبي يتصل بالسكان الأصليين في جنوب غرب الولايات المتحدة في القرن السادس عشر ثم كانت نهايته تراجيدية.
ويقول واعراب إن الدرس المستفاد من سيرة المستكشف المغربي استيبانكو الأزموري أنه في حين كان الرجل الأبيض "المسيحي المغرور بتفوقه مشدودا إلى غريزة القتل والإبادة دون تمييز استطاع مستكشف عربي أن يعبر آلاف الأميال بين قبائل الهنود الحمر بلا زاد ولا سلاح. كان سلاحه الوحيد هو الكلمة بالنطق والإشارة والعلاج بالإيحاء فقط...قبل أن يتمكن من لغاتهم" وإن حوليات التاريخ الأمريكي تسجل أنه أول من اتصل بحضارة الهنود الحمر "قبائل زوني" وعبر الولايات التي تعرف اليوم باسم أريزونا وتكساس ونيو مكسيكو.
ويشدد على أن إعادة الاعتبار للأزموري "هي حرب على النسيان" داعيا إلى تكريم هذا الرائد المغامر الذي نال في أمريكا شهرة لم يسع وراءها ولكنه مازال في وطنه غريب الاسم.
ويضيف في كتابه "استيبانكو الأزموري.. مغامر مغربي في أرض الهنود الحمر.. 1500- 1539" أن الأزموري "قد يصلح أن يكون اليوم مدخلا لتصحيح صورتنا لدى الآخر في الزمن المتميز بالصراعات الدينية والعرقية".
ويقع الكتاب في 151 صفحة كبيرة القطع وأصدره "المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق" ومقره أبوظبي ولندن خلال "ندوة الرحالة العرب والمسلمين.. اكتشاف الذات والآخر" التي اختتمت الأسبوع الماضي في المكتبة الوطنية بالعاصمة المغربية الرباط.
والندوة التي تعقد سنويا في بلد عربي أو أجنبي ينظمها "المركز العربي للأدب الجغرافي" الذي يمنح سنويا جائزة ابن بطوطة بهدف تشجيع أعمال التحقيق والتأليف والبحث في أدب السفر والرحلات في خمسة فروع هي "تحقيق الرحلات" و"الرحلة المعاصرة" و"الرحلة الصحفية" و"اليوميات" و"الدراسات في أدب الرحلة".
ونال واعراب جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي لتحقيق المخطوطات في دورتها الأخيرة "2007" عن هذا الكتاب وتسلم الجائزة في حفل افتتاح الندوة التي شارك فيها أكثر من 50 باحثا.
وجاء في حيثيات لجنة التحكيم أن هذا الكتاب "يمزج ببراعة بين الوثيقة التاريخية والمخيلة الأدبية ويعيد بلغة شائقة تركيب سيرة هذا الشاب.. في أول محاولة عربية لكتابة سيرته المجهولة".
وتناول واعراب في الندوة بعض الأفكار والملاحظات حول كتابه قائلا إن الأزموري تحول إلى إرث مشترك يتجاوز المحلية إلى العالمية مشددا على "أننا "العرب" نتقاسم اليوم مسؤولية إحياء ذكراه" مع الأمريكيين لإعادة تقديمه إلى العالم العربي الذي ينتمي إليه ثم إلى العالم كأحد مشاهير الرحالة والمغامرين العرب.
وأضاف أنه بعد هذه القرون على مقتل الأزموري نشهد من خلال هذا الكتاب على المستوى العربي "بداية اهتمام خجول بسيرة حياته ومغامراته ... في مقابل الجهل العربي بهذه الشخصية المثيرة هناك حضور لها واهتمام بها" على أكثر من مستوى في الولايات المتحدة.
ويبدأ واعراب السطور الأولى من كتابه بداية روائية بعام 1539 حين لقي الأزموري مصرعه على يد عشرات الهنود الحمر الذين طاردوه إلى أن اخترقت جسده النحيل نبالهم وفي لحظاته الأخيرة تراءت له صورة البيوت في بلدته المغربية أزمور "وهي تتهادى في مشهد صامت على صفحة نهر أم الربيع... بعد أن تمتم الشهادتين كي يموت كما ولد مسلما" وإن ظل اسمه الأصلي العربي مجهولا إلى الآن.
ويسجل أن حوليات التاريخ الأمريكي والكتابات المواكبة لمرحلة "الفتوحات الاستعمارية الأوروبية بالقارة الأمريكية" تذكر فقط لقبه الإسباني "استيبانكو" ويعني استيبان الصغير وأطلق عليه هذا الاسم بعد "إكراهه على التنصر" حيث أسره البرتغاليون ضمن مغاربة آخرين حين احتلوا مدينة أزمور الواقعة على بعد نحو 80 كيلومترا جنوبي الدار البيضاء وباعه نخاسون برتغاليون كعبد إلى أحد " نبلاء" البلاط الإسباني فعمده باسم استيبانكو وأصبح عبده وخادمه الشخصي.
ويضيف أن "سيد" الأزموري أخذه معه ضمن بعثة أوفدها الإمبراطور شارل الخامس عام 1527 لاستكشاف أدغال شبه جزيرة فلوريدا وتعيين "المغامر الدموي" بانفيليو دي ناربايز حاكما عليها ولكن البعثة تعرضت لسلسلة من الكوارث خلال عشر سنوات "1526 -1536" ولم ينج من أصل 600 مشارك سوى أربعة أفراد كان الأزموري أحدهم وخلال عشر سنوات تالية كان الناجون الأربعة بلا سلاح ولا طعام في مواجهة طبيعة متوحشة واستعبدهم الهنود الحمر لسنوات أكلوا خلالها جيادهم وجيف رفاقهم الهالكين ثم لحم الكلاب نيئا وجذور نباتات برية وأوراقها.
ويصف واعراب تلك الرحلة بأنها "واحدة من أعظم الملاحم الاستكشافية التي شهدتها حركة استكشاف القارة الأمريكية" حيث تمثل صمود إرادة الإنسان أمام قسوة الطبيعة والبشر في رحلة تيه طويلة بلغت ألوف الأميال من شرق الولايات المتحدة إلى جنوبها الغربي سيرا على الأقدام.
ويقول إن ألبار نونويز الملقب برأس البقرة كان أحد الناجين الأربعة سجل جوانب من وقائع تلك التجربة القاسية في تقرير رفعه إلى ملك إسبانيا بعد عودته إليها. وبعدها رضخ الأزموري "وحده لإرادة نائب الملك" الذي أوفده عام 1536 مع اثنين من الرهبان للبحث عن مملكة سيبولا أولى المدائن السبع لمملكة الذهب مستغلا سمعته الحسنة بين الهنود الحمر.
ويضيف أن الهنود الحمر من قبائل زوني رفعوا الأزموري "إلى مرتبة الآلهة.. أبناء الشمس" ولكنهم قتلوه بعد أن رأوا فيه "ملاك القيامة المنذر بقرب الفناء القادم مع الإنسان الأبيض" حيث كان البيض يبيدون السكان الأصليين أو يبقون عليهم مع ممارسة عنصرية عرقية.
ويقول واعراب إن الأزموري حاضر اليوم في التاريخ الأمريكي الحديث كأحد الذين لهم فضل في استشكاف مناطق الجنوب الغربي وإنه خلال مراحل احتداد الوعي السياسي بين الزنوج في أمريكا كان الأزموري "أبا روحيا ملهما باعتبار أصوله الإفريقية فأطلقوا لقبه المسيحي استيبانكو على بعض أبنائهم" كما أطلق اسمه على بعض مرافق متفرقة في أمريكا.
ويضيف النحات الأمريكي جون هاوسر أنجز للأزموري منحوتة من البرونز ضمن مشروع ترعاه بلدية إيل بولاية نيو مكسيكو يشمل إقامة نصب تذكارية لاثني عشر مستكشفا لهم فضل في استكشاف الجنوب الغربي لأمريكا.
وفي الصحفة الأخيرة من كتاب واعراب صورة لمنحوتة برونزية لرأس الأزموري معروضة بمتحف جريس في تكساس.
ويقول المؤلف إن الأزموري يحضر أيضا بقوة في فولكلور الهنود الحمر حتى إنه "أصبح أسطورة تتقاسمها قبائل الهنود الحمر.. زوني وهوبي" وإن رواية أسطورية عن قتله على يد قبائل زوني تنفي الرواية التي نقلها الإسبان إذ تذهب رواية الهنود الحمر إلى إنه حظى "بقداسة لدى قاتليه الذين كانوا يخشون أن يتركهم فقطعوا رجليه.. ثم عبدوه مثل إله وعاش الأزموري سنين طويلة إلها أسطوريا بلا رجلين. ظلوا يعبدونه إلى أن مات من الشيخوخة" حسب رواية شفهية لهنود زوني.
ويقول واعراب إن بعض الكتاب الغربيين اعتبروا إنجازاته "أهم من رحلات" المغربي ابن بطوطة والإيطالي ماركو بولو.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.