أخر الاخبار

الموقف الفرنسي من محاولات التحالف المغربي – العثماني (1876-1912)

الموقف الفرنسي من محاولات التحالف المغربي – العثماني (1876-1912)

الدكتور محمد علي داهش

شهدت الحقبة الممتدة منذ بداية القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، علاقات متعددة الأوجه بين المغاربة والعثمانيين تراوحت بين النّزاع المسلح ورفض محاولات الضم العثماني ليس للمغرب وحسب، وإنما لكامل أقطار الوطن العربي من جهة، وبين السلم المتوتر والتعاون من جهة أخرى. ومنذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر بدأ التوتر العسكري والسياسي بتراجع لصالح أجواء السلم والود بين الجانبين، وكان وراء ذلك تراجع الدولة العثمانية أمام الضغوط الأوربية طوال القرن الثامن عشر، وانحسار نفوذها عن الكثير من مناطق أوربا فضلاً عن معاناتها من تدخل القوى العسكرية التقليدية الانكشارية في شؤونها السياسية. وبدأت الدولة العثمانية منذ نهاية القرن الثامن عشر تجتهد للمحافظة على ما لديها من نفوذ في أوربا والوطن العربي، وتكف عن التطلع إلى توسع جديد، فضلاً عن العمل على إيجاد حليف إسلامي لمواجهة أعدائها الأوربيين. وعليه بدأ تطور الموقف العثماني من السلطة المغربية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر، نحو الأحسن، إذ بدأت المكاتبات ورحلات الوفود الرسمية بين الدولتين([1])، واستمرت حتى مطلع القرن العشرين.

تطور العلاقات المغربية العثمانية، الواقع والدوافع:

كان التضامن العربي والإسلامي وما يزال خير وسيلة لدرء مخاطر العدوان الأوربي على الأقطار العربية والإسلامية. وقد سعى العثمانيون طوال القرن التاسع عشر إلى تقوية العلاقات مع الدولة المغربية، والانتقال بها من المكاتبات والمجاملات الودية إلى إطار التضامن والتعاون الفعلي لمواجهة التحديات التي أحاطت بالدولتين. لقد شهد القرن التاسع عشر تطلعاً فرنسياً لاحتلال الجزائر التي كانت خاضعة للسيادة العثمانية، وبأسباب من دوافع متعددة، وظروف داخلية ودولية، تمكنت القوات الفرنسية من احتلال الجزائر([2]). وكان ذلك الاحتلال، بداية لتأسيس ما سمي “امبراطورية فرنسية” في المغرب العربي. وأدرك الفرنسيون منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إنه لتوطيد الأمن والاستقرار والاستيطان في الجزائر، يجب التوسع في عمليات الاحتلال شرقاً وغرباً وجنوباً، ومتابعة تحرك الدولة العثمانية التي كانت ترفض الاحتلال، وتحرك الطرائق الصوفية السنوسية مثلاً أو الإمارات الإسلامية في الصحراء الكبرى لمنع تغلغل النفوذ الفرنسي([3])، والعمل على الصعيد الدولي وعن الطريق السياسي والدبلوماسي وبضغوطات عسكرية أحياناً لاسترجاع السيادة العثمانية على الجزائر من خلال توسط الدول الكبرى([4]). وقد أثر الاحتلال الفرنسي للجزائر على العلاقات العثمانية – الفرنسية في الحقبة اللاحقة. وقف المغاربة، سلطاناً وشعباً، بكل ثقلهم إلى جانب أشقائهم الجزائريين في كفاحهم ضد الاحتلال الفرنسي حتى منتصف القرن التاسع عشر، وترتب على التفوق الفرنسي هزائم عسكرية (معركة إسلي 1844) أو التزامات مالية (معاهدة لالاّ مغنية 1845) أثرت على الأوضاع العسكرية والاقتصادية والمالية للمغرب أعجزتها عن الالتزام والاستمرار في موقفها المساند للكفاح الجزائري بعد ذلك. وزاد الطين بلة، هزيمة المغرب العسكرية أمام العدوان والاحتلال الإسباني لتطوان في الشمال المغربي (1859-1860)، وفرض غرامة مالية كبيرة زادت في إرهاق ميزانية الدولة المغربية، وبدأت امتيازات الدول الأوربية تقوى وتتوسع في داخل المغرب مستغلة ضعف البلاد وحاجتها إلى الإصلاح في كافة المجالات([5]). ومنذ سبعينات القرن التاسع عشر، والحقبة اللاحقة شهدت المناطق الخاضعة للحكم العثماني في أوربا (البلقان خاصة) ثورات متعددة. وكانت سمة عدم الاستقرار ظاهرة بارزة ومتكررة هناك. وقاد ذلك إلى تدخلات أوربية، فقد بدأت الهجمة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية للقوى الأوربية (روسيا – النمسا – بريطانيا – فرنسا – ألمانيا) ضد الدولة العثمانية وسلطانها عبد الحميد الثاني (1876-1909)، وعلى الأخص بعد هزيمة الدولة العثمانية أمام روسيا في حرب عام 1877-1878، وعقد معاهدة سان ستيفانو ثم معاهدة برلين عام 1878، فبقيت الدولة العثمانية إثر ذلك وحيدة أمام هذه الدول جميعها([6]). قادت الظروف الداخلية والخارجية للدولة العثمانية، السلطان عبد الحميد الثاني للدعوة إلى الجامعة الإسلامية وذلك باستصراخ الأمم الإسلامية في كل بقاع العالم الإسلامي لمساندة الدولة العثمانية في مواجهة الهجمة الأوربية. وغدت استانبول موئل الزعماء العرب والمسلمين المشهورين بالأعمال المعادية للدول الأوربية. وقد اجتمع لدى السلطان العثماني الكثير من مقدمي العرب وزعمائهم ومشايخ الطرق فيهم، من الحجاز والشام والعراق ونجد واليمن ومصر وطرابلس وتونس والمغرب، وآخرين من زعماء الأكراد وآخرين من زعماء الأرناؤوط…، كما أرسل السلطان العثماني الوفود والرسائل إلى الأقطار الإسلامية حاملة رسائل الأمل في الوقوف إلى جانبه([7]). وفي المقابل شهدت دولة المغرب من خلال حكم السلطان محمد بن عبد الرحمن (1859-1873) وخلفه السلطان الحسن بن محمد الملقب بالحسن الأول (1873-1894) محاولات للإصلاح في مختلف جوانب الحياة العسكرية والاقتصادية والمالية والقضائية والتعليمية والثقافية لمواجهة تصاعد الأطماع الأوربية في دولة المغرب في ضوء الامتيازات الممنوحة له([8])، إلا أن الإصلاح لم يأخذ مداه، إذ كانت تتجاذب الدولة المغربية آنذاك القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية القديمة والجديدة، وكان يعاني من ضعف اقتصادي بسبب ما فرض عليه من غرامات حربية (1845-1860) ناهيك عن الثورات الداخلية ضد الحكومة، وقاد ذلك إلى عدم وصول الإصلاح إلى مبتغاه مثلما حدث مع الدولة العثمانية في مشاريعها الإصلاحية.

محاولات التحالف المغربي – العثماني:

إن سيادة حالة الود والسلم بين الدولتين العثمانية والمغربية منذ نهاية القرن الثامن عشر والتي تمثلت في المراسلات والوفود وتبادل الهدايا، كانت تؤشر على بداية علاقات للتقارب الأكثر بين الجانبين، لكنها كانت تسير كما وصفها ابن زيدان بين «الحبو والدبيب» ([9]). ولم تؤد إلى إقامة علاقات دبلوماسية بتعيين السفراء ولا حتى القناصل أو أي شكل من أشكال التمثيل الدبلوماسي على الرغم من وجود علاقات دبلوماسية عثمانية – أوربية، ومغربية أوربية. إن النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وفي عهد السلطان الحسن الأول، والسلطان عبد الحميد الثاني شهد بداية المخاطبات بين الجانبين لإقامة التمثيل الدبلوماسي، وإنشاء علاقات متطورة لتحقيق التعاون بشكل أكبر وتعزيز التضامن الإسلامي انطلاقاً من التحديات المشتركة التي تواجه الدولتين، وبما يخدم الاتحاد الإسلامي. وبدأت منذ عام 1876، الوفود والرسائل بين السلطانين عبد الحميد الثاني والحسن الأول، والراجح أن السلطان المغربي هو الذي بدأ الخطوة الأولى بهذا الاتجاه، للعمل على اتحاد الكلمة والموقف لمواجهة ضغوطات وأطماع الدول الأوربية. ومن هنا جاء إرسال إبراهيم السنوسي إلى استانبول للاتصال بالسلطان العثماني. وقد علق المؤرخ العثماني سرهنك على موضوع الزيارة بقوله: «وقد كان الوالي حسن لما رأى ضعف حكومته أمام دول أوربا الساعية على الدوام في الحصول على المنافع التجارية والسياسية في بلاده، والبحث عما يكون به زعزعة أركان هذه الدولة، أشار رؤساء دولته عليه بتجديد العلاقات الودادية بينه وبين الدولة العثمانية ليكون في اتحادهما مأمناً له ولقومه.. فأرسل من طرفه عام 1293 ﻫ/ 1876 م)، السيد إبراهيم السنوسي إلى الاستانة العلمية للمخابرة بهذا الشأن وعقد اتفاقية بين الطرفين. فسافر هذا المأمور السياسي، وبينما كان يتخابر مع الحكومة العثمانية ظهرت علامات الحرب الروسية – العثمانية التي سبقتها قيام بعض الإيالات التابعة للدولة بالثورة، فكان ذلك من الأسباب التي حالت دون بلوغ المرام، وعاد المأمور إلى بلاده»([10]). وبعد سنة من هذا التاريخ وبعد خسارة الدولة العثمانية الحرب أمام روسيا وصلت رسالة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلى السلطان المغربي الحسن الأول. كما وردت رسالة ثانية في الوقت نفسه بإذن من السلطان العثماني من شيخ الإسلام في الدولة العثمانية حسن خير الله، خاطب فيها الصدر الأعظم المغربي الحاجب موسى بن أحمد. وقد حملت الرسالة تاريخ ربيع الأول عام 1294 ﻫ/ 1877 م. بدأت رسالة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بحمد الله سبحانه والصلاة والسلام على رسوله الكريم وآله وصحبه أجمعين، ثم الإشادة بالسلطان المغربي الحسن الأول، سليل الدوحة الشريفة. ثم تناول الهدف الحقيقي للمراسلة بين الجانبين بقوله: «… هذا وإن كانت المراسلة بيننا مقطوعة، ومالكة المودة ممنوعة. إلا أن عهد المودة التي كانت بين أسلافنا، دعا إلى تجديد عهدها بين أخلافنا… فالاتحاد بالدين… يوجب كمال الألفة والتشابك في قهر الأعداء بسل الأسنة، فإن ما يزري بطائفة من ذوي التوحيد، فقد يزري بالأخرى، فلا مرية ولا ترديد.. فيجب علينا نحن معاشر المسلمين كافة، الاتحاد والتعاضد والتناصر لدفع كيد المشركين، وإبقاء شعائر الإسلام بين المؤمنين، وإلا فعاقبة الأمل تؤول إلى محذور عظيم لا ينجو منه أحد من المسلمين ولو كان في أقصى البلاد، ولا يجدي التباعد والسكوت في دفع ما لأعداء الدين من المراد…» وهناك تفصيلات أخرى بلّغت شفاهة([11]). 

إن هذه الرسالة العثمانية تكشف حقيقة الموقف العثماني الثابت في العمل على إيجاد حليف إسلامي لمواجهة التحديات الأوربية المشتركة، فكان المغرب موضع الاهتمام الأبرز. من جهة أخرى، أكد السلطان العثماني موقفه الثابت في العمل من أجل التحالف أو التشابك الإسلامي لمواجهة الخطر الأوربي المشترك عندما أوعز في الشهر ذاته (غرة ربيع الأول 1294 ﻫ/ 1877 م) إلى شيخ الإسلام حسن خير الله بالكتابة إلى الصدر الأعظم للسلطان المغربي الحسن الأول وحاجبه رسالة ثانية جاء فيها بعد البسملة والتسبيح والشكر لله تعالى والصلاة على الرسول محمد r والثناء على خلفائه الأقربين، والثناء على السلطان المغربي ومخاطبته مخاطبة الند للند، ومخبراً إياه بجلوسه على كرسي السلطنة العثمانية يقول: «… إن مدار قوة الأمة المحمدية وصولتها على سائر الملل الردية، إنما هو اتحاد جميع أفرادها الموجودين في كرة الأرض.. ولا سيما عند تعاضد المشركين وقوة أعداء الدين كما نشاهد وتسمعون مما لهم في هذا الزمان من الصولة الباهرة والجولة والشدة القاهرة المؤدية بحسب المآل إلى الفتح بجميع ما للأمة المحمدية من الأفراد… فبناء على هذا… تحريري إلى حضرتكم ما يورث التواصل بيننا وبينكم ويقتضي الاتحاد الحقيقي معكم…»([12]). 

جاءت الرسالة الجوابية من السلطان المغربي الحسن الأول على الرسالة الأولى للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، لتؤكد النية والرغبة المغربية السابقة، والدعوة للعمل بموجبها، فبعد أن حمد الله سبحانه وصلى وسلم على الرسول الكريم وآله وأصحابه أجمعين، ثم الإشادة بالسلطان العثماني، قال: «… فأما ما شرحتم – عن – أهل الاشراك ونصبهم للمسلمين الغوائل والاشراك، ودعوتهم إليه من الاتحاد على دفاعهم والاشتباك، فما خلت بحمد الله ضمائرنا من تلك النية، والتناصر في ذات الله عندنا غاية الأمنية، والسعي في جمع الكلمة متعين على جميع أهل التوحيد، والدعاء إليه من خصال الموفق الرشيد، وما نصر الله منا ومنكم ببعيد…»([13]). 

إن الرسالتين، أكدتا العمل على ضرورة التحالف والاتحاد لمواجهة الضغط الأوربي المشترك وتحدياته التي تستهدف النيل من استقلال الدولتين وسيادتهما ووحدتهما، لكن الرسالتين لم توضحا كيفية العمل بما يخدم الاتحاد، ولم تضعا الأسس العملية لهذا الاتحاد، وكانتا أقرب إلى الاتحاد في مشاعر الود والتأييد دون الإقدام على خطوات واقعية بما يخدم هذا التقارب وصولاً إلى التحالف والاتحاد وبقيت العواطف والأمنيات تطغى على العمل الواقعي. يؤيد ذلك الرسالة التي وجهها الصدر الأعظم الحاجب موسى بن أحمد بتاريخ 12 غشت 1877، والتي أعرب فيها عن سرور المغرب بانتصار العثمانيين في إحدى معاركهم على الروس (معركة بييفنة Pievina). وأعقبتها رسائل أخرى لتأكيد هذا الموقف. ومع ذلك، ظل التحفظ المغربي على إقامة علاقات رسمية على الصعيد الدبلوماسي، وتعزى أسباب ذلك كما يقول التازي، إلى مشاكل الحدود بين الجانبين، الجزائر (العثمانية) – المغرب، خلال القرون الثلاثة الماضية، وعدم رغبة المغرب في إقامة علاقات مع دولة ضعيفة تضيف إليه أعباء أخرى، فضلاً عن ضغوطات البعثات الدبلوماسية الأوربية في عدم السماح للمغرب بإقامة علاقات دبلوماسية مع استانبول([14]). 

وعلى الرغم من وجاهة الأسباب الواردة آنفاً، إلا أن الواقع يؤكد أن مشكلة الحدود بين الجانبين انتهت بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر منذ عام 1830، كما أن مسألة ضعف الدولة العثمانية على إثر هزيمتها أمام الروس عام 1878 وخضوعها لشروط الدولة الأوربية في مؤتمر برلين للعام نفسه مسألة نسبية، لأن واقع الحال يؤكد أنها ما زالت أقوى الدول الإسلامية آنذاك، وعليه يمكن القول إن الخوف من ضغوطات أكبر من الدول الأوربية على المغرب حال دون ذلك، والدليل على ذلك أن المغرب في عهد السلطان الحسن الأول كان لا يتعامل مع الدول الأوربية منفردة وإنما مع شبه هيئة دولية كان مقرها طنجة، وكانت العلاقات بين الجانبين مفروضة على المغرب وهي علاقة غير متكافئة لأن الدول الأوربية لم تكن تتعامل مع المغرب معاملة الند للند بل كانت تتصارع عليه([15])، وتتجاوز عليه في امتيازاتها بشكل راح يهدد استقلاله وسيادته. ومع بداية الثمانينات من القرن التاسع عشر، بدأ المغرب يجتهد للحد من تجاوزات الدول الأوربية على المعاهدات المعقودة معه، فدعا سلطان المغرب الحسن الأول إلى عقد مؤتمر دولي لتحديد الامتيازات وإقامة نوع من التوازن الدولي يحول دون تفرد أي من الدول داخل المغرب وهو ما أطلق عليه السلطان المغربي عدم تفضيل أجنبي على آخر في المغرب، فكان مؤتمر مدريد عام 1880. وصدر عنه الكثير من القرارات التي لم تحل دون استمرار الامتيازات والتجاوزات الأوربية على سيادة المغرب واستقلاله([16]). 

وعليه، أدرك السلطان المغربي في ضوء خطورة الهجمة الأوربية على المغرب وبخاصة في موضوع الحماية الأجنبية لجميع الدول، ضرورة التفكير في توثيق علاقة المغرب مع كبرى الدول الإسلامية حينئذ وهي الدولة العثمانية([17]). وجاء فرض الحماية الفرنسية على تونس عام 1881، ليكون مؤشراً على عزم فرنسا على احتلال أقطار المغرب العربي ككل، وإزاء ذلك التفت السلطان المغربي إلى الدولة العثمانية، وبدأ بإرسال وفوده ورسائله إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لتحقيق التقارب بين الجانبين والاستفادة من الخبراء العثمانيين([18])، فكانت سفارة الحاج العربي بريشة التطواني عام 1882. وقد استقبل بحفاوة بالغة من قبل السلطان عبد الحميد الثاني وكان موضوع السفارة الأساسي هو «الاتحاد الإسلامي»، فيما كان موضوع السفارة الثانية في العام نفسه برئاسة الشيخ إبراهيم السنوسي، هو العمل على تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين. وقد استجاب السلطان العثماني وحكومته لهذا المطلب المغربي. وعليه رشحت حكومة المغرب الشيخ السنوسي ليكون سفيرها في العاصمة العثمانية، كما رشحت الحكومة العثمانية الأمير محي الدين بن الأمير عبد القادر الجزائري، ليكون سفيرها في العاصمة الدبلوماسية للمغرب (طنجة).

 وعلى الرغم من هذا التوجه بين الجانبين، إلا أن تبادل التمثيل الدبلوماسي لم يتم بسبب تدخل قناصل الدول الأوربية في طنجة وبدفع فرنسي. ولعل اختيار الأمير محي الدين هو الذي جعل الفرنسيين أشد سخطاً على سياسة التقرب من الدولة العثمانية التي اعتمدها السلطان الحسن الأول بسبب أطماعها الثابتة والمبيتة ضد المغرب واستقلاله، مما أدى إلى قيام ممثل الحكومة الفرنسية بتحريض المبعوثين الدبلوماسيين الأوربيين على عدم الاعتراف بالصفة الرسمية للمبعوث العثماني، واضطر السلطان الحسن الأول إلى تأجيل تبادل التمثيل الدبلوماسي حتى تسنح الفرصة([19]). كانت سياسة فرنسا تجاه المغرب، ومحاولة الاستيلاء عليه كما فعلت مع تونس غير خافية على الساسة الأوربيين، وعلى مواقف القوى الأوربية الموجودة في المغرب وبخاصة بعد عقد مؤتمر مدريد 1880. 

إلا أن واقع الحال وخفايا السياسة الدولية كانتا تشيران إلى أن تناقضات عميقة بين هذه الدول (بسبب مصالحها) تحول دون الانجرار وراء الموقف الفرنسي. وعليه كان الموقف الدولي (الإيطالي – الألماني – الإسباني – البريطاني) على تناقض مع الموقف الفرنسي، وذلك في تأييده خطوات التقارب العثماني – المغربي. من هذا المنطلق صرح وزير الخارجية الإيطالي (سكوفاسو Scovasso) إلى السفير الإيطالي في مدريد قائلاً: «يمكنني أن أستفسر من الصدر الأعظم لمعرفة ما إذا كان السلطان مستعداً لبعث سفير إلى اسطنبول.. ففي اعتقادي أنها سياسة حكيمة تلك التي تعمل على تقريب القوتين الإسلاميتين، ذلك التقارب الذي من شأنه أن يحول دون سقوط المغرب… تحت الحماية الفرنسية على غرار تونس»([20]). وقد ظل وزير الخارجية الإيطالي سكوفاسو حريصاً على إرسال سفير مغربي إلى العاصمة العثمانية حيث أكد ذلك للسلطان المغربي في مدينة مراكش منتصف عام 1882، فوعده الأخير بأنه سيبعث بسفير إلى استانبول بمجرد عودته من مهمته في منطقة السوس جنوب المغرب([21]). 

ولم يكن الموقف الإيطالي إلا تعبيراً عن امتعاض الحكومة الإيطالية من احتلال فرنسا لتونس التي كانت تتطلع لاحتلالها بعد تحقيق وحدتها. وكان الموقف الألماني مشابهاً للموقف الإيطالي، إذ رأى ممثل ألمانيا تستا (Testa) الذي كان يعمل في السفارة الألمانية في استانبول، بأن التقارب العثماني – المغربي من شأنه أن يجلب متعاونين عثمانيين يضعون حداً للمؤسسات الفرنسية ومنها البعثة التدريبية العسكرية([22])، وفكر (تستا) بالتنسيق مع العثمانيين واستعمال قوى الجامعة الإسلامية لتحقيق هذا الغرض، وكان يأمل في مساندة إسبانيا وبريطانيا لتحقيق ذلك. وفعلاً جاء الموقف البريطاني متجاوباً مع الموقف الألماني والإسباني شريطة أن يكون هذا التقارب هادفاً إلى مزاحمة فرنسا في المغرب([23]). 

والجدير بالذكر أن الموقف البريطاني لم يكن إلا محاولة للضغط على فرنسا للاعتراف بالاحتلال البريطاني لقبرص ومصر. فيما كان الإسبان يخشون على نفوذهم الاستعماري التاريخي في المغرب (سبتة – مليلة) ويتطلعون إلى توسيع مناطق النفوذ على الأقل في الشمال المغربي. أما الموقف الألماني فقد جاء متزامناً مع بداية تغلغل النفوذ الألماني في الدولة العثمانية، وبداية التقارب والتعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية، فأراد الألمان ومن خلال العثمانيين الضغط على فرنسا ومن خلال دعم تغلغل النفوذ العثماني توسيع مناطق نفوذهم في المغرب. وقد استفادت الحكومة المغربية من المواقف الدولية الأربعة، وبدأت تتطلع نحو المزيد من الدعم للموقف المغربي والعمل على تحقيق التقارب مع العثمانيين على الرغم من الموقف الفرنسي المعروف. وخلال منتصف عام 1882 كلف السلطان المغربي مبعوثه عبد الكريم بريشة بالالتقاء بالسفير العثماني في مدريد. وقد أكد ديوسدادو Diosdado سفير إسبانيا في المغرب الذي حضر المقابلة، أنه سيبذل كل الجهود حتى يحمل السلطان المغربي على الاقتناع بالتخلي عن المدربين الفرنسيين للجيش المغربي([24]). 

ويبدو أن الإصرار على محاربة الوجود العسكري الفرنسي (البعثة العسكرية) في المغرب كان يهدف من ضمن ما يهدف إلى توسيع الوجود العسكري البريطاني والإسباني فضلاً عن العثماني والألماني فيما بعد، ذلك أن للإسبان والبريطانيين وجوداً محدوداً في المجال العسكري، وقد جاء ذلك من ضمن المحاولات الإصلاحية لبناء جيش قوي في البلاد([25])، إلا أن التفوق الفرنسي في هذا المجال أخذ مداه في بداية مرحلة الثمانينات، وقضى بتحرك دولي للتضييق على هذا التفوق والنفوذ الفرنسي. وجاء التحرك المغربي انعكاساً لرغبة مشتركة مغربية – عثمانية ألمانية لتحقيق التقارب، وإحلال بعثة عسكرية عثمانية ذات تدريب ألماني محل البعثة الفرنسية. وجاء التأكيد المغربي على ذلك من أجل الإيضاح للعثمانيين بأنهم ما زالوا مؤمنين بضرورة الاتحاد الإسلامي والعمل على تقوية أواصر العلاقة بين الجانبين على الرغم من الضغوط الفرنسية. وأيضاً من أجل حصر النفوذ الفرنسي في الجزائر وتونس بين طرابلس الغرب الخاضعة للسيادة العثمانية، وبين المغرب الساعي للتخلص من النفوذ الأجنبي عامة، والفرنسي والإسباني خاصة، ومع ذلك استمر العثمانيون في الدعوة إلى ضرورة التمثيل الدبلوماسي والعمل بما يحقق الاتحاد الإسلامي، ولم يتخلوا عن هذا الاتجاه طيلة ثلاثة عقود لاحقة. وليس دقيقاً ما قيل بأن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لم يلح على استمرار العلاقات السياسية بين المغرب والدولة العثمانية لأن المغرب «لم يحتل مكاناً في سياسته الخاصة بالجامعة الإسلامية»([26]) 

فقد جاءت تطورات الأحداث لتؤكد بطلان هذا الرأي كما سيتضح. شهدت حقبة الثمانينات ازدياد التنافس الأوربي على المستعمرات ومنها المغرب، إذ بدأ المستشار الألماني بمسارك يتطلع إلى سياسة عالمية لألمانيا والبحث عن مكان تحت الشمس. وظهر واضحاً أن تنافساً دولياً قوياً سيشهده المغرب من خلال الدور الألماني المباشر أو من خلال الدولة العثمانية. فقد اختار بسمارك أحد موظفي السفارة الألمانية في استانبول المدعو (تستا) بصفته أحد العارفين بالعالم الإسلامي ليكون قنصلاً لألمانيا في المغرب. ومن جهة أخرى، ولما كانت الدعوة إلى الجامعة الإسلامية لا زالت مبدأ أساسياً ورغبة ملحة لها أصداؤها ومريدوها وتحظى بتأييد كبير في العالم الإسلامي، ولما كان هذا العالم الإسلامي قد وقع بمعظمه في قبضة الاحتلالين البريطاني والفرنسي، فإن ألمانيا أرادت أن تلعب بهذه الورقة الإسلامية لمواجهة النفوذين البريطاني والفرنسي من اجل فسح المجال لها وسط مستعمراتهما في العالم. وعليه بدأت تشهد العلاقات العثمانية – الألمانية – المغربية تطورات في المجالات كافة، وانعكس ذلك على العلاقات العثمانية المغربية وهي في بداية نموها. نصح (تستا) حكومته بتأييد سياسة التقارب بين الدولتين المغربة والعثمانية. وأكد بأن ألمانيا يمكن أن تقوم بإدخال الإصلاحات في المغرب عن طريق خبراء من الدولة العثمانية، وأن يكون هؤلاء الخبراء قد تكوّنوا على أيدي الألمان، لأن المخزن المغربي (الحكومة) على حد قوله كان يخشى من ازدياد نفوذ الأوربيين في البلاد وبخاصة في الجيش، وأن من السهل عليهم قبول مدربين عرب وأتراك أكثر من قبولهم لبعثات عسكرية أوربية. وكان ذلك يعني إبعاد الفرنسيين عن المراكز والمسؤوليات المهمة في البلاد، وبخاصة في الجيش المغربي. واعتمد القنصل الألماني (تستا) في تنفيذ سياسة بلاده على دعم بريطانيا وإسبانيا «لتقليم أظافر الفرنسيين في المغرب»([27]). 

فقد توافقت سياسة الدولتين – بريطانيا وإسبانيا – على مساندة ألمانيا لتحقيق هذا الهدف. كما شرع (تستا) في مساعيه الدبلوماسية مع العاصمة العثمانية فأرسل لها مبعوثاً عام 1885 يدعى أبو طالب، لكن الأخير عاد في نهاية العام، لأن السلطان العثماني، كما قيل استقبله ببرود وكذلك فعلت شخصيات عثمانية أخرى، مثل “ظافر المدني” مدير الشؤون الدينية لدى السلطان، وخير الدين التونسي، الصدر الأعظم السابق، وشخصيات أخرى([28]). هل فعلاً استقبل أبو طالب ببرودة لدى العاصمة العثمانية؟ في الحقيقة لا يوجد لدينا معلومات عن ذلك الموقف، لكن على ما يبدو، أن الموقف العثماني كان ينطلق من رغبة ثابتة في إقامة (اتحاد إسلامي) مع المغرب لمواجهة التحديات الأوربية المشتركة، وبرودته نتجت على ما يبدو من برودة الموقف المغربي وعدم تحرك السلطان المغربي لإقامة علاقات دبلوماسية مع استانبول على الرغم من المخاطبات واللقاءات التي تمت وكان آخرها عام 1882. 

ويبدو أيضاً أن إرسال “أبو طالب” وهو شخصية مغربية مسلمة كما هو واضح من الاسم أو اللقب، لم يكن ليرضي المسؤولين في العاصمة العثمانية، لأن الأجدر بألمانيا مخاطبتهم من خلال سفارتها في استانبول بهذا الشأن، وكان الأجدر أيضاً بأبي طالب أن يكون مبعوثاً من قبل الحكومة المغربية وليس من قبل الألمان. ومع ذلك استمر الموقف الألماني بهذا الاتجاه لتحقيق التقارب والتعاون العثماني المغربي انطلاقاً من مصالح ألمانيا في الدولة العثمانية وفي المغرب، ومن خلال العمل على الاستفادة من مواقف الدولتين البريطانية والإسبانية ولاعتبارات تتعلق بمواقفهما المشتركة من فرنسا. فقد كانت ألمانيا تدرك مخاوف إسبانيا من فرنسا وسياستها لضم المغرب، وتدرك الموقف البريطاني الرافض لسيطرة دولة قوية على مضيق جبل طارق. ومن هنا بدأت الدبلوماسية الألمانية تتحرك لتحقيق التقارب بين المغرب والدولة العثمانية مستفيدة من الموقف الدولي إزاء المغرب وفرنسا أيضاً. بدأت مساعي (تستا) لدى العاصمة العثمانية تؤتي ثمارها منذ تموز/ يوليو من عام 1886 حين حضر علي بك مندوباً خاصاً من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلى طنجة. وكان مكلفاً بمهمة سرية وشخصية إلى السلطان المغربي الحسن الأول. وكانت مهمة الموفد العثماني تهدف إلى اقتراح إرسال بعثة عسكرية عثمانية لإعادة تنظيم الجيش المغربي وتدريبه تمهيداً لإخراج البعثة العسكرية الفرنسية التي فرضتها قرارات مؤتمر مدريد والذي أجبر السلطان على اعتمادها تحت ضغط الدول الأوربية لتنفيذ برنامج الإصلاحات، كما تضمنت مهمة علي بك، العمل على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين الإسلاميين([29]). 

أدرك الفرنسيون طبيعة المساعي العثمانية، فتدخلت البعثة الدبلوماسية الفرنسية في طنجة من خلال شخص الوزير المفوّض (شارل فيرو) Feraud الذي وصل مدينة مراكش وقابل السلطان المغربي، وأثر عليه عن طريق تحريك شخصيات مخزنية (حكومية) عديدة أمثال أحمد بن سودة، وهو أحد المقربين من السلطان الحسن الأول للوقوف ضد الاقتراح العثماني. وعليه رفض السلطان المغربي اقتراح الموفد العثماني، وعاد علي بك في تشرين أول/ أكتوبر 1886، دون أن يسمح له السلطان بمقابلته. وعاد فيرو إلى مدينة مراكش ثانية وقابل السلطان المغربي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ولم يغادرها إلا بعد أن طمأنه السلطان الحسن الأول بأنه لن تكون له مع الدولة العثمانية أية رابطة([30]). وهنا يحق لنا التساؤل عن طبيعة الموقف المغربي، هل كان ناجماً عن ضغط النفوذ الفرنسي وقوته؟ أم أن الموقف الفرنسي استند إلى عوامل اخرى أدت إلى خشية السلطان المغربي من قبول اقتراح الموفد العثماني؟ يبدو أن الاثنين أديا إلى هذا الموقف المغربي كما سيتوضح لاحقاً. ومع ذلك ظل المغرب مهماً في استراتيجية الدولة العثمانية لتحقيق هدف الجامعة الإسلامية وتقوية عضدها لمواجهة التحديات الأوربية المشتركة بعامة والفرنسية بخاصة. وتتأكد أهمية المغرب في السياسة الخارجية للدولة العثمانية في استمرار البعثات العثمانية إلى المغرب التي قام بها محمد سعيد وزير الخارجية العثمانية في مطلع العام 1887، بإرسال رسالة بتاريخ 15 ربيع الآخر 1304 ﻫ/ الموافق (كانون الثاني/ يناير 1887) إلى وزير الخارجية المغربية يطالبه فيها بإنشاء علاقات دبلوماسية([31])، وجاء في هذه الرسالة بعد الديباجة التقليدية المعروفة: «… أنه لما كان تأييد… المخالصة والاتحاد الجبارين بالطبع فيما بين الدولة العلية وحكومة فاس الفخيمة ووقاية منافع الطرفين هو قصارى مرغوب السلطنة السنية وجل مبتغاها، وكان الحصول على هذا المقصد موقوفاً على أن يكون لكل من الحكومتين سفير في عاصمة الأخرى ليكون واسطة لتبليغ أفكار الحكومتين… ونواياهما الخالصة، ولا مراء بأن شهامة “حكمدار” فاس الأفخم سيتكرم بالاشتراك مع الدولة العلية.. تشكيل هيئة سفارة في طنجة مركز “الحكمدارية” الفخيمة الفاسية، فالمتمنى إذا صرف جل الهمم العلية باستحصال موافقة حضرة الحكمدار المشار إليه، والتكرم بإفادة عاجزكم عما يحسن بهذا الباب، هو مع إبراز شعار الإخلاص لمكارمكم…»([32]). 

وقد تأخر جواب الحكومة المغربية تأخراً طويلاً كما يقول التازي([33])، ويبدو أن سبب التأخير يعود إلى كيفية التوفيق بين علاقات الود والصداقة بين السلطنتين من جهة، وبين الضغوطات الفرنسية القوية لمنع الحكومة المغربية من إقامة مثل هذه العلاقة. ومن هنا حاولت الحكومة المغربية التصرف والإجابة بلباقة دبلوماسية مؤكدة حالة التواصل الودادي بين الجانبين ولكن دون الإشارة إلى قبول التمثيل الدبلوماسي. ومما جاء في الرسالة الجوابية «… إن نعمة هذه الأخوة لا يقبل حكمها التشكيك… فلا داعي لِتَنْزِيل جنابها منْزلة ملل الاختلاف حتى تحتاج لنصب وسائط تمهيد الائتلاف، ولتفهيم القواعد والقوانين والأعراف، لأن من المقرر المعلوم، إن المقتضى لذلك هو ضرورة المعاملات المتوقفة على المفاوضة بين الأجناس المحتاجة لبيان الاصطلاحات واللغات، وذلك منتفٍ في الملة الإسلامية والأخوة الإيمانية لاتحاد جميعهم في أصول الأحكام والأعراف الشرعية.. وبأن أسلافه وأسلافكم… كان بينهم ما هو مشهور عند الخاص والعام من.. الاتصال التام… وإنه أيده الله مع الدولة المعظمة على آثار أسلافه الأكرمين»([34]). وفي المقابل ألحت الحكومة العثمانية في إرسال موفديها إلى المغرب لتحقيق هذا الهدف، حيث جرى إرسال شخصية بارزة من ولاية طرابلس هو الشيخ عبد الله السنوسي (شقيق إبراهيم السنوسي) من قبل محمد ظافر في العام نفسه لإقناع السلطان المغربي بأن الأخوة الثابتة بين الدولتين تقتضي بأن يكون هناك تمثيل دبلوماسي([35]). 

وقد عثر على برقية ضمن تقارير مدريد تحمل تاريخ 13 أيلول/ سبتمبر 1887 حول الموضوع ذاته كما وردت رسائل أخرى في هذا المجال في الفترات اللاحقة([36]). ويبدو أن الإصرار العثماني على إقامة علاقات دبلوماسية مع المغرب أو العمل على إيجاد هيأة دبلوماسية قريبة من طنجة قاد إلى قيام الخارجية العثمانية بتعيين قنصل لها في جبل طارق، لكن فرنسا هبت للدفاع عن مصالحها، وقام وزيرها المفوض (فيرو بـ(تنبيه) السلطان المغربي للأخطار التي ستواجه دولته إذا ما تَمّ التقارب مع العثمانيين، فقد أشار بدسيسته إلى الطرائق الصوفية عامة وإلى الطريقة السنوسية خاصة([37])، وقد كان السنوسيون مؤدين لدعوة الجامعة الإسلامية، وعنصراً قوياً يدعم الدولة العثمانية ضد النفوذ الأجنبي ويعمل في خدمة مصالح العثمانيين في ليبيا والصحراء([38])، إذ اتخذ السلطان عبد الحميد الثاني من الدعوة إلى الجامعة الإسلامية قاعدة لسياسته العربية الشرقية، وصار يبذل في سبيل ذلك قصارى جهده ونشاطه…، وكانت الدولة العثمانية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أشد ما تكون حاجة إلى “العصبية الإسلامية” لتقويتها في مواجهة مطامع الدول الأجنبية([39]). لقي السلطان العثماني بهذه الدعوة قبولاً حسناً لدى العالم الإسلامي، وكان العالم الإسلامي آنذاك في وضع حرج بسبب ضغوط الاستعماريين، وأثار السلطان عبد الحميد الثاني خشية روسيا وبريطانيا وفرنسا من سياسته «في شأن الاتحاد الإسلامي»([40])، وقد كان للحركة السنوسية وزنها المؤثر في المغرب أيضاً، فقد تأسست فيه منذ عام 1877 ثلاث زوايا توزعت بين طنجة وتطوان وفاس، وأصبح لها مريدوها إلى جانب الزوايا المنتشرة للطرائق الدينية الأخرى ومنها الدرقاوية والكتانية وغيرهما. وقد كانت الحركة السنوسية في هذه المرحلة وبعدها، قد دخلت في نزاع مسلح ضد النفوذ الأجنبي والفرنسي بخاصة في مناطق جنوب الصحراء([41])، في عهد السيد محمد المهدي (1859-1902)، الذي شهدت فيه الحركة السنوسية أقصى توسعها في إفريقيا، ووقفت سداً منيعاً أمام الحركة التبشيرية الاستعمارية في تلك المناطق. أثار النفوذ السنوسي، والعلاقة الحميمية مع الدولة العثمانية، حفيظة سلطان المغرب الحسن الأول، الذي كان يعتز بعروبته وحسبه ونسبه وكونه من الأشراف، وعليه فحين حضر الشيخ عبد الله السنوسي إلى القصر السلطاني بالمغرب، كانت مقابلة السلطان له فاترة، وظهر أن السلطان الحسن الأول، كان يخشى على نفوذه من السنوسيين أكثر من خشيته من السلطان عبد الحميد نفسه، إذ كانوا من المغاربة ومن الأشراف كذلك. ومع ذلك فإن الدولة العثمانية وبدفع ألماني معروف استمرت في سياسة التقارب طوال العقدين الثامن والتاسع من القرن التاسع عشر، وسعت إلى ذلك من خلال موفديها ورسائلها إلا أن هذه السياسة لم تسفر عن نتيجة([42])، وكانت بعثة تموز/ يوليو 1889 واحدةٌ من البعثات العثمانية آنذاك وبقيادة عمر الوزاني، إلا أن مهمة البعثة لقيت المصير نفسه، وعاد الموفد العثماني بلا نتيجة. وكانت القضية المطروحة في ذلك العام، ما نشرته الجرائد من تعليقات حول الفوائد الدينية والتجارية التي تنجم عن إنشاء السفارة العثمانية في المغرب([43]). إن استمرار علاقات الود بين المغرب والدولة العثمانية لم يحقق التمثيل الدبلوماسي الذي كان هدف العثمانيين والألمان، وقد تمت آخر بعثة عثمانية إلى المغرب بقيادة أحمد الوزاني عام 1892، بقصد التمثيل الدبلوماسي، إلا أن السلطان المغربي اضطر تحت ضغط الدول الأوربية ومعارضة قناصلها للمشروع بعد إقناع فرنسا لهم، إلى عدم الاستجابة لطلب الباب العالي الملحة والمتكررة وبقي الأمر كذلك حتى وفاة السلطان الحسن الأول عام 1894، ومجيء ابنه عبد العزيز بن الحسن الأول (1894-1908) إذ جرت محاولات عثمانية أخرى عامي 1897 و1899([44])، لكنها لم تنجح. وجاء مطلع القرن العشرين ليشكل بداية علاقات مغربية – عثمانية متطورة أكثر في الجانب العسكري على الرغم من عدم وجود تمثيل دبلوماسي. في مطلع القرن العشرين بدأت الدبلوماسية الفرنسية والإسبانية تتحركان في المجال الدولي للانفراد باحتلال المغرب، وقد تمت تسوية المشاكل بين فرنسا وإيطاليا بموجب اتفاق عام 1902 إذ اعترفت إيطاليا بمصالح فرنسا بالمغرب لقاء اعتراف الأخيرة بمصالح إيطاليا في ليبيا. وخلال مدة عامين، دخلت فرنسا في مفاوضات مع بريطانيا لتسوية المشاكل الاستعمارية بينهما في العالم. وفيما يخص المغرب فقد اعترفت بريطانيا بمصالح فرنسا في المغرب لقاء الاعتراف الفرنسي بمصالح بريطانيا في مصر وقبرص، وجاء ذلك بموجب الاتفاق الودي المعقود بين الجانبين عام 1904. وقد انضمت إسبانيا للاتفاق بعد ضمان مصالحها في الشمال المغربي. ولم تبق إلا ألمانيا عقبة كأداء في وجه الأطماع الفرنسية في المغرب. وجاءت زيارة القيصر الألماني إلى طنجة عام 1905 وتأكيده على استقلال المغرب وسيادته رداً على إبعاد ألمانيا من الاتفاق الودي، وعليه فقد أصبحت ألمانيا ركيزة استند إليها المغرب للحد من غلواء فرنسا وإسبانيا في المغرب. استند السلطان المغربي عبد العزيز بن الحسن الأول إلى ألمانيا عندما دعا إلى تدويل القضية المغربية ثانية للحد من أطماع فرنسا وإسبانيا، فكان مؤتمر الجزيرة الخضراء في إسبانيا عام 1906. وقد حاولت الحكومة العثمانية أن تحضر المؤتمر، ورشحت شمس الدين بك لحضور المؤتمر، وقد سلم لشمس الدين بك ما يشبه أن يكون اعتماداً مشفوعاً بمنح وسام عثماني، وذلك في محاولة لإيجاد أرضية لتمثيل دبلوماسي في المغرب، بيد أنها لم تحظَ بموافقة أطراف المؤتمر وبخاصة فرنسا على حضورها، عليه فقد «عيل صبر الحكومة العثمانية وهي تحاول أن تجد لها ممثلية في المملكة المغربية لتحقيق أغراضها»([45]). 

الموقف الفرنسي من محاولات التحالف المغربي – العثماني (1876-1912)
مؤتمر الجزيرة الخضراء 


وقد كان لقوة النفوذ الفرنسي والإسباني المدعوم دولياً أثره في عدم قدرة سلطان المغرب على إقامة هذا التمثيل الدبلوماسي. خرجت فرنسا وإسبانيا من مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906 بامتيازات أكبر على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، وتجاوزت الدولتان بفرض السيطرة العسكرية على المغرب عام 1907، مما أدى إلى ثورة شعبية أطاحت بالسلطان عبد العزيز وأعلنت البيعة للأمير عبد الحفيظ بن الحسن الأول (1908-1912) ليكون سلطان المغرب في مطلع عام 1908. وقد ورد في بنود البيعة للسلطان عبد الحفيظ دعوة للاتصال بتركيا فكانت السفارة التي بعث بها إلى استانبول برئاسة العربي بريشة التطواني لإيجاد صيغة لوحدة إسلامية، ولضمان عدم الاعتراف بـ”الإصلاحات” التي تحاول فرنسا فرضها على المغرب. وفي مطلع القرن العشرين أيضاً، شهد المغرب بروز حركة دستورية منذ عام 1906. ولم تكن تلك الحركة إلا تتويجاً لجهود المغاربة منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، لتقوية بنية الدولة ومواجهة التحديات. فلقد فهم بعض علماء المغرب “عمق الأزمة” المغربية، وقدموا الكثير من الحلول والمقترحات لإصلاح البلاد في مختلف المجالات، وكانت تلك الحلول «منبثقة من الداخل وليست مفروضة من الخارج.. كانت تفكر في معالجة الجذور وتنطلق من المعطيات المحلية، حيث أخذت بالتفكير في وجوب الإصلاح الفردي والجماعي وفي وجوب الإصلاح النفسي والفكري.. إن الحلول المقترحة كانت إرهاصات بثورة فكرية استمدت جذورها من قواعد سبق أن أثبتت من الناحية العملية سلامتها وفاعليتها في إنقاذ المجتمعات وتكوين الدول..»([46]). 

وقد نضجت الأفكار وبدأت الدعوة لها منذ مطلع القرن العشرين حيث تفاقمت على المغرب الهجمة الأوربية وخاصة الفرنسية والإسبانية بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء. انتشرت الأفكار الدستورية بشكل واسع بين البرجوازية التجارية في فاس وطنجة إلى جانب العناصر المثقفة، وأخذت تلك الأفكار طريقها عبر تنظيم شعبي، ومن خلال جمعية سرية عرفت باسم “جمعية الترقي” وعلى يد أعضاء تلك الجمعية المغربية وضع الدستور وكان متأثراً في بنوده بالدستور العثماني لعام 1876 في العدد من بنوده، ويأتي ذلك لاشتراك عدد من اللبنانيين في صياغة مواده([47]). ومن هنا ندرك أن التأثير لم يأت عن طريق جماعة الاتحاد والترقي بعد الانقلاب العثماني في تموز – يوليو 1908، كما حاول البعض الإشارة إلى ذلك([48]). إن التحسس بضرورة التغيير والإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي كان موجوداً حتى قبل صدور الدستور العثماني عام 1876، وهو الدستور الذي أعلنته جماعة الانقلاب في استانبول، وقد تَمّ نشر الدستور المغربي في جريدة “لسان المغرب” في تشرين الأول وتشرين الثاني عام 1908. وإذا كان ثمة تطابق أو تلاقي في الأفكار الدستورية بين المغرب والدولة العثمانية فإن واقع الحال كان يؤشر محاولات للتقارب على الصعيدين السياسي والعسكري وبشكل يؤكد الموقف العثماني تجاه المغرب، ومحاولة الوصول إلى صيغ عملية للتعاون، وبما يخدم أهداف الدولتين. وعليه، جرت اتصالات بين نخب مغربية وجماعة الاتحاد والترقي وذلك من خلال الزيارة التي قام بها محمد خير الدين نجل المصلح الشهير خير الدين باشا التونسي حيث قدم إلى المغرب موفداً من قبل جماعة الاتحاد والترقي، وأقام في مدينة مراكش وكان على اتصال بالمصلح المغربي محمد بن عبد الكبير الكتاني([49]). 

كان للانقلاب العثماني عام 1908 صداه في الوطن العربي وعند القوميات الخاضعة للسيادة العثمانية. وفي المغرب كان له أثره في دفع الشباب المغربي إلى مطالبة السلطان المغربي عبد الحفيظ بن الحسن الأول بتنفيذ الوعود التي قطعها للشعب في ثورته ضد أخيه عبد العزيز، وإنقاذ البلاد والعباد من براثن النفوذ الأجنبي المستفحل. وكان قد جاء في نص عقد البيعة أنه «على السلطان الجديد أن يعمل على رفع ما أضر بهم من شروط الحادثة في الخزيرات (مؤتمر الجزيرة) حيث لم توافق الأمة عليها ولا سلمتها ولا رضيت بأمانة من كان يباشرها ولا علم لها بتسليم شيء منها. وأن يباشر إخراج الجنس المحتل من المدينتين اللتين احتلهما، ويزين صحيفته الطاهرة بحسنة استخلاصهما وأن يستخير الله في تطهير رعيته من دنس الجماعات والتّنْزيه من إتباع إشارة الأجانب في أمور الأمة…»([50]). وفي ما يخص الموقف من العثمانيين، أكد المبايعون على ضرورة الاستناد على قوة إسلامية قادرة على معاضدتهم، وكان التأشير على الدولة العثمانية باعتبارها أقوى القوى الإسلامية وأبرزها آنذاك، ونبهوا – إن دعت الضرورة – في دفع الأذى عن الأمة إلى اتحاد أو تعاضد مع القوى الإسلامية «فليكن مع إخواننا المسلمين كآل عثمان وأمثالهم من بقية المماليك الإسلامية المستقلة…»([51])، إلى جانب شروط أخرى تتعلق بالاستعداد لحماية البلاد من السقوط في يد المحتلين. وجاء في شروط البيعة منح الشعب نعمة الدستور ومجلس النواب، والاقتداء بعودة العمل بالدستور كما فعل السلطان العثماني عبد الحميد حين أمر باجتماع (مجلس المبعوثين) من جديد «فعسى أن نقتدي به ونقوم بخدمة بلادنا ونسعى جهدنا في إصلاح حالها»([52]). 

وانطلاقاً من هذه الدعوة شهدت العلاقات المغربية – العثمانية تطورات إيجابية وعملية. فقد استطاع السلطان المغربي أن يقيم علاقات سياسية وعسكرية مع الدولة العثمانية. واستقدم بعثة عسكرية أواخر عام 1909 وكان عدد أعضائها 11 ضابطاً برئاسة جمال بك الغزي. وقد بذلت البعثة العسكرية العثمانية جهوداً كبيرة لِحَثِّ المغاربة ضد الوجود الأوربي. وفي الوقت نفسه كانت البلاد تغلي، والبعض الآخر يقاتل، ويطالب السلطان عبد الحفيظ بوضع حد للنفوذ الأجنبي وطرده. وكان الشريف أحمد الريسوني في الشمال المغربي من أبرز الشخصيات المغربية التي قادت الكفاح ضد النفوذ الأجنبي في مطلع القرن العشرين([53]). وقد استطاعت البعثة أن تكتل عدداً من الشباب المغربي المؤيد للجامعة الإسلامية، وهناك إشارات على وجود تنظيم في المغرب يؤيد هذا الاتجاه، فقد ذكر المراسلون الصحفيون الألمان أن أفراد ذلك التنظيم وصل إلى حد (عشرة آلاف) عضو عام 1911([54])، ولكن الرقم لا يخلو من مبالغة. لقد أوكلت إلى البعثة العسكرية العثمانية عدة مهمات تتم على ثلاث مراحل حسب الأوامر العثمانية، الأولى، تتمثل في إرسال البعثة، والثانية إرسال وكلاء للحث على الجهاد بين القبائل المغربية وتأسيس صحيفة عربية ألمانية في المغرب، والتحضير لانتفاضة واسعة ضد الفرنسيين الذين طغى نفوذهم في البلاد عام 1911، قبل أن يتمكنوا من فرض سيطرتهم على المغرب. وكانت المرحلة الثالثة تتمثل في إثارة مقاومة واسعة ضد القوات الفرنسية التي طوقت العاصمة فاس منذ إيار/ مايو 1911، وحدد موعد المقاومة في حزيران/ يونيو 1911([55]). إلا أن رجال البعثة العسكرية العثمانية لم يقوموا بالمهمات الموكلة لهم بتدريب الجيش المغربي وحلولهم محل البعثة العسكرية الفرنسية، بل كلفوا بقيادة حملات ضد بعض التمردات الداخلية، وقد كانوا بحاجة إل معرفة أحوال البلاد والتكيف مع الوضع الجديد، وكان ذلك سبب فشلهم إلى جانب أنهم لم يلقوا تعاوناً من القواد المغاربة فقد لعبت المصالح والخيانات الداخلية للمسؤولين الحكوميين دورها في هذا الفشل، وفي عدم إقرار الأمن والانضباط داخل الجيش([56]). 

وعليه فقد سرح الضباط الأتراك العثمانيون وأعيدت البعثة العسكرية ولم تؤد مهمتها الموكلة إليها([57]). وقد كان لقوة النفوذ العسكري الفرنسي، إلى جانب النفوذ الاقتصادي والسياسي أثره في ذلك أيضاً، ومن هنا ندرك أن الأزمة الداخلية للمغرب قادت المغاربة إلى الثورة على النفوذ الأجنبي عامة والفرنسي خاصة، وأدانت السلطان عبد الحفيظ وعدته (سلطان الفرنسيين) وليس (سلطان الجهاد) كما لقبوه عام 1908. ومع ذلك فإن محاولات العثمانيين في ضعضعة النفوذ الفرنسي في المغرب ومحاولة طرده لم تتوقف، وجاء ذلك بشكل غير مباشر ومن خلال مصر الخاضعة اسمياً للسيادة العثمانية. ففي أواخر عام 1911 كشفت الاستخبارات الفرنسية عن وجود تنظيم سري مغربي بمشاركة عدد من المصريين، يقوده عارف طه الوكيل والمدعوم من خديوي مصر، وكان هدف التنظيم العمل على تحرير المغرب العربي ككل، وقد دعم التنظيم السري مالياً من خلال مصرف الشرق الأوسط الألماني في مصر، ومن خلال رئيسه سنجر Singer، وكان لهذا التنظيم السري اتصالات وثيقة مع الطلبة المغاربة الدارسين في الأزهر الذين كانوا ينتقلون بين المغرب ومصر([58]). إن واقع الحال، كان يؤشر أن مجريات الأحداث وتطوراتها كانت تسير ضد الطموحات المغربية أو العثمانية. فقد شهد المغرب منذ عام 1911 حضوراً عسكرياً مكثفاً للفرنسيين والإسبان، كما استطاعت فرنسا أن تزيح آخر عقبة كأداء (ألمانيا) لاحتلال المغرب. وتحت غطاء حماية السلطان عبد الحفيظ من ثورة الشعب ضده، دخلت القوات الفرنسية العاصمة فاس وأحكمت قبضتها عليها، وأعلنت حمايتها – احتلالها – على المغرب بموجب معاهدة فاس المبرمة في 30 آذار/ مارس 1912، وبعدها بشهور اتفقت مع أسبابها على تقسيم المغرب إلى منطقتي نفوذ بموجب اتفاق 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1912 إذ خضع المغرب منذ تلك الفترة لحماية ثنائية وعزل كغيره من أقطار المغرب العربي عن الوطن العربي والدولة العثمانية والعالم الإسلامي والدولي.

([1]) عبد الرحمن بن زيدان، العز والصولة في معالم نظم الدولة، المطبعة الملكية، الرباط، 1961، ج 1، ص. 277؛ يونان لبيب رزق وزميله، تاريخ العلاقات المغربية – المصرية منذ مطلع العصور الحديثة حتى عام 1912، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1982، ص. 18-19.

([2]) انظر بالتفصيل صلاح العقاد، المغرب العربي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1962، ص. 78-94؛ محمد دادة، «استراتيجية الاستعمار الفرنسي في الجزائر، الأدوات والأهداف، 1830-1870»، مجلة الفكر السياسي، العدد 32، السنة 11، دمشق، 2008، ص. 195-205.

([3]) عبد الرحمن تشالجي، الصرع التركي – الفرنسي في الصحراء الكبرى، ترجمة علي اعزازي، منشورات مركز جهاد الليبيين، د. م، 1982، صز 53.

([4]) أرجمند كوران، السياسة العثمانية تجاه الاحتلال الفرنسي للجزائر 1827-1847، ترجمة عبد الجليل التميمي، الشركة التونسية، تونس، 1974، ص. 39-73؛ نينل ألكسندروفنا دولينا، الإمبراطورية العثمانية وعلاقاتها الدولية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر، ترجمة أنور محمد إبراهيم، دار المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999، ص. 136-152.

([5]) للتفاصيل عن أوضاع المغرب منذ بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر بنظر: أبو العباس أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1955، ج 9، ص. 27-30، 51-53؛ اليوبي الحسن، «المغرب والجزائر في مواجهة الزحف الاستعماري في عهد المولى عبد الرحمن العلوي والأمير عبد القادر الجزائري في القرن التاسع عشر»، مجلة دعوة الحق، العدد 289، السنة 33، نيسان/ أبريل، 1992، ص. 59-73؛ أحمد العماري، «خلفيات الحدود الجيوسياسية للأتراك والفرنسيين تجاه وحدة المغرب الكبير»، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، العدد 2، السنة 1985، ص. 179-185؛ عبد الرحمن بن زيدان، إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، المطبعة الوطنية، الرباط، 1933، ج 2، ص. 154-156؛ يحيى بو عزيز، «من تاريخ كفاح الجزائر في القرن التاسع عشر»، المجلة التاريخية المغربية، العدد 2، تموز/ يوليو 1974، تونس، ص. 96-97؛ عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، أكاديمية المملكة المغربية، د. م، 1986، ج 10، ص. 169-170؛ إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، 1985، ج 3، ص. 375-376؛ محمد كمال الدسوقي، الدولة العثمانية والمسألة الشرقية، دار الثقافة، القاهرة، 1976، ص. 98-115، 136-148؛ أكمل الدين إحسان أوغلي، الدولة العثمانية، تاريخ وحضارة، ترجمة صالح سعداوي، استانبول، 1999، ص. 106-108، 112-115.

([6]) للتفاصيل: أحمد حامد، مصطى محسن، توركية تاريخي، إيكنجي طبع، ملي مطبعة، استانبول، ط. 2، 1926، ص. 644-648؛ أورخان محمد علي، السلطان عبد الحميد، حياته وأحداث عصره، دار الأنبار، الأنبار، 1987، ص. 30-31، 98، 116، 124، 135، 228؛ محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة، دار القلم، دمشق، 1989، ج 1، ص. 34-35؛ أوغلي، الدولة العثمانية، تاريخ وحضارة ، ص. 112-115.

([7]) لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلامي، ترجمة عجاج نويهض، تعليق: الأمير شكيب أرسلان، دار الفكر، بيروت، 1971، ج 2، ص. 309.

([8]) انظر بالتفصيل: خيرية عبد الصاحب وادي، نشأة الإصلاح وتطوره في المغرب العربي 1830-1939، أطروحة دكتوراه غير منشورة، معهد الدراسات القومية والاشتراكية، الجامعة المستنصرية، بغداد، 1989، ص. 69-74.

([9]) ابن زيدان، العز والصولة، ج 1، ص. 277.

([10]) إسماعيل سرهنك، حقائق الأخبار عن دول البحار، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1312، ج 1، ص. 350؛ وانظر: محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، مطبعة الأمنية، الرباط، 1973، ج 1، ص. 49.

([11]) محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ج 1، ص. 50-52.

([12]) ابن زيدان، أتحاف…، ج 2، ص. 360-362.

([13]) المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ج 1، ص. 52-54.

([14]) عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10، ص. 170-172.

([15]) محمد العربي معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول 1873-1894 م/ 1290-1311 ﻫ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1989، ص. 196.

([16]) انظر بالتفصيل: عبد الله بن عبود، تاريخ المغرب، دار الطباعة المغربية، تطوان، 1957، ج 2، ص. 94؛ عبد الله بن عيود، مركز الأجانب في مراكش، مطبعة الرسالة، د.ت، القاهرة، ص. 51؛ شوقي الجمل، المغرب العربي الكبير في العصر الحديث، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1977، ص. 244-246.

([17]) صلاح العقاد، المغرب العربي، ص. 214.

([18]) علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، نشره عبد السلام جسوس، تطوان، 1948، ص. 87-88.

([19]) محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ص. 48؛ علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العرب، ص. 87-88؛ صلاح العقاد، المغرب العربي، ص. 214.

([20]) معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 190-191.

([21]) المرجع نفسه، ص. 191.

([22]) تكونت رئاسة البعثة العسكرية الفرنسية من الكومندان الفلوي، والكابتن أوكمان والملازم شمري وشمي، والطبيب الحربي الكومندان لينارس، والكابتن لوكاي وفيما بعد الكابتن شميه عام 1886، والكابتن طوماس، والاجدام أصابط بالو.

([23]) معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 191.

([24]) عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10، ص. 48.

([25]) إن المحاولات الإصلاحية لانتشال دولة المغرب من حالة الضعف العام في بنيتها الكلية، عبد الرحمن هشام (1822-1859) وولده السلطان محمد بن عبد الرحمن (1859-1873)، لكن الجهود الجادة والواسعة في المشروع الإصلاحي الشامل لتقوية بنية الدولة المغربية في المجالات كافة بدأت مع السلطان الحسن بن محمد (1873-1894) ومنذ عام 1875، حيث أخذ يستعين بالخبراء الفرنسيين فضلاً عن البريطانيين والإسبان بشكل محدود جداً لتنظيم الجند المغربي وتدريبه على الأساليب العصرية للتفاصيل، ينظر: ابن زيدان، العز والصولة، ص. 207-217؛ الناصري، الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى، ج 9، ص. 24.

([26]) صلاح العقاد، المغرب العربي، ص. 214.

([27]) جلال يحيى، المغرب العربي، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1966، ج 3، ص. 473-747.

([28]) معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 191.

([29]) جلال يحيى، المغرب العربي، ج 3، ص. 475.

([30]) معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 192.

([31]) ابن زيدان، إتحاف…، ج 2، ص. 359؛ المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ص. 50؛ علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، ص. 87-88.

([32]) ابن زيدان، إتحاف…، ج 2، ص. 259-360؛ محمد المنوني، المصدر السابق، ص. 50.

([33]) عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10، ص. 173.

([34]) ابن زيدان، إتحاف…، ج 2، ص. 360.

([35]) معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 193؛ عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10، ص. 173.

([36]) عبد الهادي التازي، المرجع نفسه، ج 10، ص. 173.

([37]) السنوسية، حركة دينية إصلاحية ظهرت على يد السيد محمد بن علي السنوسي الخطابي الحسني الإدريسي (1787-1859) الذي دعا إلى العودة إلى الإسلام في نقائه الأول واعتماد القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد تركزت الحركة في برقة في طرابلس المغرب (ليبيا) منذ عام 1841 وانتشرت زواياها فيما بعد في الحجاز ومصر وتونس والجزائر والمغرب وفي مناطق إفريقيا جنوب الصحراء، وأصبحت ذات شأن كبير أدى إلى اعتراف الدولة العثمانية بأماراتها على دواخل برقة منذ عام 1859 وفي عهد خلفه في قيادة الحركة السيد محمد المهدي السنوسي (1859-1902)، ومن ثَمّ في عهد خلفه السيد أحمد شريف السنوس (1902-1976). وقد اعتمد العثمانيون على رجالات الحركة السنوسية في وفودهم إلى أمراء المسلمين ومنهم الوفود إلى السلطنة المغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وفي هذه الفترة وحتى مطلع القرن العشرين دخلت الحركة السنوسية في صراع مع القوى الغربية في جنوب إفريقيا وعلى الأرض النفوذ الفرنسي، انظر التفاصيل: محمد فؤاد شكري، السنوسية دين ودولة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1948، ص. 11-95.

([38]) تشالجي، الصراع التركي – الفرنسي في الصحراء الكبرى، ص. 62.

([39]) محمد فؤاد شكري، السنوسية دين ودولة، ص. 78؛ ستودارد، حاضر العالم الإسلامي، ج 10، ص.290.

([40]) يلماز أوزتونا، تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمد سلمان، منشورات مؤسسة فيصل للتمويل، استانبول، 1990، م 2، ص. 156.

([41]) محمد فؤاد شكري، المرجع السابق، ص. 58-63.

([42]) جلال يحيى، المغرب العربي، ج 3، ص. 475.

([43]) حول هذا الموضوع: نشرت جريدة المغرب (طنجة) وجريدة الفنون (بيروت) وجريدة الصباح (استانبول) في محاولة للإشارة إلى فوائد التقارب، انظر: محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ص. 49؛ معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 194.

([44]) علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، ص. 88؛ محمد المنوني، مظاهر يقظة المغرب الحديث، ص. 48؛ معريش، المغرب الأقصى في عهد السلطان الحسن الأول…، ص. 194-195.

([45]) عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10، ص. 175.

([46]) لطيفة سميرس بناني، «جوانب من مواقف علماء المغرب في القرن التاسع عشر من أزمة وأحداث الفترة»، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، العدد 2، 1985، ص. 203-217.

([47]) محمد الفاسي، «أول جمعية وطنية في المغرب قبل الحماية في أوائل القرن العشرين»، مجلة دعوة الحق، الرباط، العدد 270، أيلول/ سبتمبر، 1988، ص. 34-39؛ عبد الرحيم بن سلامة، كفاح المغرب من أجل الحرية والديمقراطية، بيروت، 1975، ص. 50-51.

([48]) عصمت برهان الدين عبد القادر، العرب والمسألة الدستورية في الدولة العثمانية 1876-1914؛ أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الموصل، الموصل، 1995، ص. 224.

([49]) محمد المنوني، «الطابع الإسلامي للوطنية المغربية في مطلع القرن العشرين»، مجلة حولية كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، العدد 2، 1985، ص. 49-50.

([50]) عبد القادر، العرب والمسألة الدستورية في الدولة العثمانية 1876-1914، ص. 225؛ ابن زيدان، إتحاف…، ج 1، ص. 452.

([51]) ابن زيدان، المصدر نفسه والصفحة.

([52]) علال الفاسي، الحركات الاستقلالية، ص. 98-99.

([53]) ينظر بالتفصيل: محمد علي داهش، الشريف أحمد الريسوني، حياة وجهاد، دار الحياة، تطوان، 1996، الفصل الثاني والثالث.

([54]) ذكر البعض خطأ أن قائد البعثة العسكرية العثمانية كان اسمه عارف طه الوكيل، وهو أحد الضباط الأتراك الذين خدموا في مصر، انظر: جمال هاشم أحمد الذويب، التطورات السياسية الداخلية في المغرب الأقصى 1894-1912، أطروحة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة بغداد، بغداد، 1989، ص. 181-182؛ عبد الهادي التازي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب، ج 10، ص. 176.

([55]) الذويب، التطورات السياسية الداخلية في المغرب الأقصى، المصدر السابق، ص. 182.

([56]) إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، ص. 387.

([57]) المرجع نفسه، ص. 388.

([58]) الذويب، التطورات السياسية الداخلية في المغرب الأقصى، المصدر السابق، ص. 182.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -