عن دعوة الحق
عند قيام الدولة العلوية المجيدة ورد ذكر لابن مشعل اليهودي وحصنه الذي اقامه بناحية تازا شرقا ثم القضاء عليه من قبل يعسوب هذه الدولة لاول نشاتها وفي ايام المولى امحمد واخيه المولى الرشيد الذي جاهد لتطهير البلاد من ارجاس التفرقة ورواسب العتاد ومظاهر الفساد لقد كان عمل المولى الرشيد ازاء ابن مشعل عملا يحوطه الغموض .ويستوحد عليه الاستغراب .ولا يجد المؤرخ النزيه له تعليلا الا اذا نزل الى مستوى البساطة الشعبية التي يغمرها التعصب او الحمية الدينية والغيرة القومية ، الى جانب الضرورة الملحة الت يكانت تفرضها مصاريف الكفاح الذي كان يخوضه ومطالب التجند ، الذي كانت الدولة الناشئة بصدد تكوينه وتثبيت دعائم تمكينه غير ان المسالة لم تكن بهذه البساطة ، بل كانت في منتهى التعقيد وعلى مستوى تصعد اليه امال اليهودية ، وترفع قواعده اذرع الصهيونية الممتدة من كل مكان ، في الشرق وفي الغرب.
وفي العالم المسيحي والاسلامي.وان لم يكن هذا على بصيرة من امره .
ان خيوط هذه المشكلة كانت خفية عنا، وكنا نعتبرها لا تتعدى ان تكون شبكة منحصرة في هذا البيت المترف الذي كان سيده يبدو فيه على ابهة لم تكن الا للامراء اوالملوك.وعلى الفخامة وتبعية من الرجال والاتباع لم تكن الا لذوي الاخطار الكبار.ولكن الايام بدأت تكشف عن هذه الخيوط الممتدة في سرية احكم فيها الحبك ومتن فيها القتل فهؤلاء الدراسون لشؤون اسرائيل صاروا يهتمون بابن مشعل وقيام دويلته اليهودية بالنواحي الشرقية وقريبا من تخوم الولاية التركية بالقطر الجزائري حيث خططت اليهودية لامارتها المزمعة فوضعت لها اول قلعتها او قصبتها التي عرفت باسم دار ابن مشعل فكان التردد عليها من هذه الولاية التركية .التي صارت اليهودية تمارس شئونها في خلافتها وتعجم حظها من كوالس رجالها .وهم الذين انتهى يخلفهم الامر الى السماح لهؤلاء اليهود ، بقيام دولتهم في الشرق ، بعد ان اخفقوا في قيامها بالغرب كنواة اولى التي تحققت لهم بعد .
لما اتجه ابن مشعل الى هذه الجهات المتطرفة .ولم كان لليهود شفوف بها فوق العادة اغرى بهم الامير المولى الرشيد ، الم يكن للمغرب يهود مترفون في غير هذه الجهات ؟ وقيل الم يكن لهم وزنهم " الثقيل" في ميزان الدولة.وخصوصا في العهد المريني .الذي جعل "حبهم" الى جوار القصر السلطاني وفي حيز حمايته المباشرة ؟ ثم في جوار السلطان وفي حيز حمايته المباشرة؟ ثم في العصر السعدي ألم يكونوا يتمتعون بغنى مفرط ونشاط تجاري ووضع من الدولة ممتاز؟ بل حتى على قيام هذه الدولة العلوية كانوا منتشرين في عموم البقاع المغربية وعلى حرية مطلقة وفي مساكنة تضطلع الدولة بحياطتها وتفي بذمتها في صيانتها؟
نعم كان كل ذلك وفوق كل ذلك ، مما كره بعضه قوم.والتزمت بالمحافظة عليه الدولة ورجالها ، يحدونها الوازع الديني والحفاظ الخلقي اذن فما السر في قطع داير ابن مشعل والقضاء عليه من لدن المولى الرشيد وفي عهد أخيه المولى امحمد؟
السر –كما المعنا اليه-كان الخطر المحذق بالمغرب ودولته السعدية ، وتتمزق اشلاؤها بمخالب الناجمين من مرابطين اصحاب الزوايا ونابهين من مختلف الخلايا فكان لليهود دورهم الذي تمثل في محاولتهم هذه لتحقيق حلمهم في اعادة دولة داود واضعين اول لبنة لمحرابة بعيدة عن الهيكل، ريثما يتاتى لهم الاقتراب اليه والتربع في رجابه ، ثم الهيمنة على اطرافه وجهاته النائية القاصية فكان لهذا اليهودي –كما يقول اليفرني –صولة على المسلمين وتطاول على الدين واستهزاء به.
وعلى هذه الغاية وبتلك الوسيلة ، ابتدأ الدارسون من الاميركان .يبحثون في قيام هذه الدولة وصاروا يسالون ويجرون لهم اتصالات شخصية في المغرب-وغيره لا محالة –سعيا وراء القاء الاضواء.على هذا الجهد المتواصل الذي عاناه اليهود .ونحن عنهم سادرون وعن اعمالهم الحثيثة ساهون ساهمون.
لقد ظلت دارا ابن مشعل قائمة بعد القضاء على اصحابها .وما كان قيامها بعدهم الا لكونها لم تكن " دارا " بهذا التبسيط ، بل كانت حصنا من الحصون او قصبة-كما يقول اليفرني-يعتروها المحابون المتصارعون وتقصدها الجيوش التركية في الفينة بعد الفينة، وتحتلها لننخذها مانعا في وجه القوات المغربية ، او منطلقا تنطلق منه للاعتداء عليها .بعد ما اعوزعتهم الحيلة طيلة العهد السعدي ، فكانوا يرتدون على اعقابهم خاسرين خاسئين يجرون اذيال الهزيمة ويتجرعون مرارتها الاليمة ، وما كان خروج الاتراك ببني بزناسن على عهد المولى اسماعيل واحتلالهم لدار ابن مشعل ، الاحلقة من هذه الحلقات المفرغة مما جعل المولى اسماعيل يتجرد لهذا الخطر المحدق ، ويشمر عن ساعده لدر له، بكل همة وحزم فصادم الترك الغازين، ومد سلطانه الى تلمسان ، فعادوا من حيث اتوا وقد انتهز الاسبان فرصة انشاغلهم ، فاحتلوا بشرشال من القطر الجزائري ، واحدقوا بعدوهم العريق.
ولم يرد المولى اسماعيل ان يكتفي بهذا الحد ، بل ترك تلمسان عن يساره وتوجه ضاربا نحو الشرق ليحسم خطر هؤلاء الاتراك الذين كانوا يداهمون البلاد ، كلما وجدوا الفرصة سانحة لاطماعهم التوسعية فعسكر بوادي شلف، من هذه الولاية التركية انذاك ، واخذ بمخنق هؤلاء الذين اذهلهم الذعر .فقاموا بعضهم وقضيضهم ، وجمعوا كل عتادهم وهبوا للدفاع عن انفسهم بعد ما كانوا يقلقون طمأنينة غيرهم، فنزلوا بعساكرهم على ضفة الوادي المقابل للمولى اسماعيل ، واخيرا انتهى الامر الى طلب من الاتراك لصلح المولى اسماعيل فاسعفهم الى ذلك ووقع الصلح على ان يكون الحد بين هذه الولاية التركية وبين المملكة المغربية هو " وادي تافنا" مدعين اولئك الاتراك .أن ما وراءه يعد من بلادهم وان هذا ما قوع عليه الاتفاق معهم منذ العهد السعدي .
ومهما يكن فكان للمولى اسماعيل امتداد نحو الجنوب تاخم فيه السنكال ومالي ، بل بلغ مالم يبلغه احمد السعدي اما من الشرق فقد تاخم بسكرة ونواحيها وبذلك وقفت الاطماع وهذات الانفاس المغربية وحل العطف الانساني منها محل الحذر لاعدائها فكان المغرب دوما صاحب الفضل واليد البيضا، على هذه الولاية التركية التي كان اعتماد اصحابها على الاساطيل المغربية في عهد المولى محمد بن عبد الله ، وعلى خزينته التي كانت تمد الدولة العثمانية بديونها الضائعة ومنحها السخية ، مما اعترف به مؤرخوا الاتراك انفسهم كما اشرنا اليه في القصة التي ترجمنا وهي عن الثائر " قبقجي مصطفى". كان المولى عبد الرحمان يلقي بثقله مع العتاد والرجال ، لانقاذ القطر الذي قد سلخ من الولاية التركية ووقع فريسة في اليد الفرنسية الفاسية وقد بايعته تلمسان ، واستنجد به الامير عبد القادر الذي امده بقبائله وعساكره ، فخر المغرب عتاده وضحى برجاله وغامر بامره وولي عهده المولى محمد في سبيل انقاذ هذا القطر الجزائري الشقيق الذي جاءت منه باستمرار افواج المهاجرين ، فرحب بها المغرب وفتح لهم ابوابه على مصاريعها لا يريد منهم جزاء ولا شكور ا...فرحم الله المطعمين لوجه الله الحافظين لعهود الله نحو اولئك السلف ، وهدى الله من اتى بعدهم من الخلف ولا جعلهم ممن قال فيهم القران " فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.