الأطماع الاستعمارية في المغرب
بدأت أطماع فرنسا في المغرب الأقصى تظهر منذ احتلالها الجزائر وإبان مقاومة الأمير عبد القادر، وقد أسفرت هزيمة جيش السلطان عبد الرحمن بمعية الأمير والقبائل في معركة إسلي سنة 1260هـ، 1844م عن استسلام السلطان لمطالب فرنسا سواء فيما يخص الأمير عبد القادر أو الحدود أو الامتيازات التجارية. وكانت مشكلة الحدود أهم عنصر استخدمه الفرنسيون في الضغط على المغرب حتى انتهوا باحتلاله، زد على ذلك حق منح حمايتهم للمغاربة الذي حصل بموجب معاهدة سنة 1863م. ورغم أن بريطانيا كانت قد سبقت إلى الحصول على هذا الحق سنة 1856م، وتلتها أسبانيا سنة 1861م، لكن فرنسا توسعت في استخدام ذلك الحق دون غيرها فكان تهديدها لسيادة المغرب أشد خطورة. ذلك أنها لم تحترم قرارات مؤتمر مدريد لسنة 1298هـ، 1880م، وصارت تعطي حمايتها لشخصيات ذات نفوذ فتحرضهم على العصيان.
عندما تولى الحكم السلطان الحسن بن محمد (1291 - 1312هـ) حاول أن ينقذ البلاد، فأنشأ جيشًا نظاميًا استطاع أن يبسط به نفوذ الحكومة المركزية في كل المناطق التي تعترف له بالسيادة الاسمية (بلاد السيبة) وشملت إصلاحاته القضاء والإدارة، وكان هدفه في جميعها تدعيم سلطاته في الداخل وَوَضْع حدٍّ للأطماع الخارجية. واعتقد هذا السلطان أن خير وسيلة هي إيجاد توازن بين مصالح الدول، فرأى في مؤتمر مدريد نجاحًا كبيرًا لسياسته، لما تصور من أنه يحقق الموازنة بين المصالح، فيحمي البلاد من أطماع فرنسا وأسبانيا. لكنه أدرك بعد التجربة أن فتح باب الحمايات لجميع الدول ليس أقل خطورة. وقد ازدادت أطماع فرنسا في عهد أبناء الحسن؛ عبد العزيز (1312 - 1325هـ) وعبد الحفيظ (1325 - 1331هـ) ويوسف (1331 - 1346هـ) خاصة أن سياسة عبد العزيز قد اضطرت المغرب إلى الاستدانة من تلك الدولة بالذات منذ سنة (1321هـ، 1903م) وأثارت الانتفاضات الداخلية، وأهمها انتفاضة بوحمارة، التي اندلعت في المناطق الشرقية سنة (1320هـ، 1902م) واستمرت حتى دخول الفرنسيين البلاد، وانتفاضة الشريف أحمد بن محمد الرسولي في الشمال، والتي بلغت ذروتها سنة 1322هـ، 1904م، وقد تعاون الرسولي مع الأسبان لما بدأوا غزوهم سنة 1329هـ، 1911م. وفي سنة 1318هـ، 1900م، اتفقت فرنسا مع أسبانيا على اقتسام الأجزاء الجنوبية من المغرب الأقصى، فنالت أسبانيا الصحراء الغربية ونالت فرنسا موريتانيا، واضطر السلطان للقبول بالأمر الواقع. وفي نفس السنة 1318هـ عقدت فرنسا اتفاقية سرية مع إيطاليا نصت على إبعاد إيطاليا من المسألة المغربية مقابل إطلاق يدها للتصرف في طرابلس وبرقة. كما عقدت مع بريطانيا الاتفاق الودي سنة 1322هـ، 1904م الذي سلمت فيه بريطانيا بأطماع فرنسا في المغرب الأقصى مقابل اعترافها بوضع بريطانيا في مصر. وعقدت فرنسا اتفاقًا آخر في نفس السنة مع أسبانيا على مقتضى ما جاء في اتفاقها الودي مع بريطانيا، الأمر الذي جعل السلطان عبد العزيز يرسل وفدًا إلى برلين يستحث حكومتها على مساعدته إزاء الدول الطامعة، فحضر الإمبراطور الألماني ولهلم إلى طنجة في 1323هـ، 1905، ليؤكد صداقته للسلطان. وعقد مؤتمر الجزيرة سنة 1324هـ، 1906م بحضور وفود نفس الدول التي حضرت مؤتمر مدريد سنة 1298هـ بما فيها المغرب الأقصى. وقد أصدر قراراته في وثيقة عُرفت بميثاق الجزيرة نصت على الاعتراف بسيادة السلطان واستقلاله ووحدة أراضيه، مع المساواة التجارية لجميع الدول في المغرب الأقصى ومساعدة السلطان على تنفيذ برامج الإصلاح. كما نصت على تأسيس بنك مركزي برأسمال دولي، وتشكيل شرطة أسبانية فرنسية بقيادة سويسيري للموانئ المغربية. وكانت النتيجة ازدياد الانتفاضات الداخلية، وأهمها انتفاضة ماء العينين في الجنوب، التي كان هدفها تخليص المغرب الأقصى من الضغط الأجنبي وإيقاف التوغل الفرنسي في موريتانيا. وقد استغلت فرنسا مقتل طبيب فرنسي بمدينة مراكش في صفر 1325هـ (مارس 1907) لتفرض على السلطان عبد العزيز شروطًا وتحتل مدينة وجدة وما حولها من الجهة الشرقية، كما استغلت مقتل ثمانية عمال أوروبيين في ميناء الدار البيضاء في جمادى الآخرة من نفس السنة واحتلت المدينة، فعقد الوطنيون في الشهر التالي مؤتمرًا بمراكش أعلن الجهاد وخلع السلطان. وامتدت الحركة إلى فاس باستسلام السلطان إلى فرنسا، فأعلن علماؤها خلعه وتعيين أخيه عبد الحفيظ في جمادى الأولى 1326هـ (يونيو 1908م) فقضى على انتفاضة بوحمارة وأضعف الرسولي وطلب من فرنسا سحب قواتها، لكنها فرضت شروطًا قبلها فوقَّع معها اتفاقية سنة 1328هـ، مما أطمع أسبانيا بدورها. وأثار استسلام السلطان القبائل فانتفضت وأصبح المنتفضون في ربيع 1329هـ، 1911م يهددون العاصمة فاس وأعلنوا زينًا سلطانًا في مكناس، فقبل عبدالحفيظ بتدخل القوات الفرنسية لنجدته. فاحتلت فرنسا فاس في 21 ربيع الثاني 1329هـ، 21 أبريل 1911م)، وكذلك مكناس والرباط، كما أنزلت أسبانيا قواتها في العرائش والقصر واحتلتهما. فدخلت ألمانيا مساومة مع فرنسا بأن أرسلت سفينة حربية للتظاهر أمام أغادير، مما أحدث أزمة تدخلت فيها بريطانيا ووقع حلها بإرضاء ألمانيا بقطعة من الكاميرون، وأعلنت فرنسا حمايتها للمغرب الأقصى في 11 ربيع الثاني 1330هـ، 30 مارس 1912م، ووقَّع السلطان عبد الحفيظ معاهدة الحماية.
المقاومة المسلحة للاحتلال. اندلعت انتفاضة في فاس بعد أيام من فرض الحماية. وقد بدأت شرارتها الأولى بين صفوف الجند، وذلك عندما أرادت السلطات الفرنسية تخفيض مرتباتهم إلى الثلث وإخضاعهم للقيادة الفرنسية وأنظمتها، ولم يستمع السلطان لشكاواهم، فأعلنوا في 29 ربيع الثاني 1330هـ (17 أبريل 1912م) الخروج على سلطة حكومة المخزن الخاضعة للنفوذ الأجنبي. وسرعان ما تجاوب السكان المدنيون وانضموا للانتفاضة، كما عمت الحركة الثورية المناطق المحيطة بفاس رغم أن الجنرال موانيي تمكن من دخول المدينة بعد ثلاثة أيام وقمع الانتفاضة. وكانت النتيجة أن احتشدت عدة قبائل من الأطلس وضربت مع الشاوية حصارًا حول فاس حيث الحامية الفرنسية، فلم ينقذها إلا تعيين الجنرال بيير ليوتي قائدًا لجيش الاحتلال إلى جانب منصبه مقيمًا عامًا في 7 جمادى الآخرة (24 مايو)، فعمل على استرضاء أهل فاس وتقرب من علماء جامعة القرويين ونجح في فك الحصار عن المدينة بدهائه. وقد دفعت هذه الحوادث عبد الحفيظ للتنازل عن العرش في 27 شعبان 1330هـ، 12 أغسطس 1912م لأخيه يوسف. وقد تركزت مقاومة المغاربة للفرنسيين في منطقتين هما الجنوب وجبال أطلس الأوسط. ففي الجنوب حمل هبة الله بن ماء العينين دعوة أبيه في الجهاد والتف أهل السوس بما في ذلك كثير من القادة الذين كانوا يمثلون حكومة فاس، وتمكن في شعبان 1330هـ، أغسطس 1912م، من دخول مدينة مراكش واعترف له الأعيان بالرئاسة. ورغم أن ليوتي أرسل قوة كبيرة بقيادة الجنرال مانجان استطاعت الاستيلاء على مراكش في شوال واحتلال أغادير وقلعة تارودن سنة 1331هـ، سبتمبر 1913م، مما اضطر هبة الله للتراجع إلى موريتانيا، إلا أنَّ الوجود الفرنسي في الجنوب ظل منحصرًا بين الموانئ والحصون، ولم يتم احتلال السوس إلا سنة 1353هـ،1934م، وبذلك ربط الفرنسيون محمية المغرب بمستعمرة موريتانيا. وقد استمرت القبائل النازلة في جبال الأطلس الأوسط من صنهاجة وزناتة وزاير في صمودها، وظل بعضها ممتنعًا على السلطات الفرنسية حتى سنة 1352هـ، 1933م. ولم يتمكن ليوتي من دخول مدينة تازة في رجب 1332هـ، يونيو 1914م، إلا بصعوبات كبيرة، لكنه أجل عملياته في منطقة الأطلس الأوسط عمومًا إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى. ومع ذلك فقد جند ليوتي عشرات الآلاف من المغاربة خلال الحرب، وأرسل بهم إلى جبهات القتال الأوروبية ليخوضوا المعارك تحت الراية الفرنسية، وسحبت فرنسا جزءًا كبيرًا من قواتها بالمغرب، مما اضطر ليوتي إلى فتح باب التطوع للمغاربة للخدمة في جيش السلطان الرسمي، واستقدام عدد كبير من الجزائريين لسد النقص، مع التظاهر بالقوة للتمويه.
وقد واجه الفرنسيون بعد الحرب مقاومة بالخصوص في تادلة، وهي القسم الشرقي من جبال الأطلس الأوسط، وفي إقليم تافيلالت بالجنوب الشرقي من المغرب الأقصى. وقد تزعم المقاومة في تافيلالت الشريف السملالي معتمدًا على قبيلة آيت عطا، فلم يتمكن الفرنسيون من الدخول إلى تلك المناطق النائية إلا في 1349-1350هـ، 1930-1931م بعد وفاة السملالي ودخول الوحدات الميكانيكية في جيش الاحتلال. وبصفة عامة فإن عدم التنسيق بين حركات المقاومة المختلفة واتصاف كثير منها بالنزعة القبلية والإقليمية كانا من أهم عوامل ضعفها.
أما بالنسبة للاحتلال الأسباني، فقد بدأت أسبانيا تحتل منطقة الريف على مقتضى اتفاقها مع فرنسا سنة 1322هـ، 1904م، فثار الشريف أحمد الرسولي (من قبيلة بني عروة) على السلطان واختطف القنصل الأمريكي وعائلته. وقد عينه السلطان عبد الحفيظ بعد ذلك حاكمًا على الجبالة من سكان الريف، وسهل نزول القوات الأسبانية في ميناء العرائش في شوال 1330هـ، سبتمبر 1911م طمعًا في أن يعترف له الأسبان بالاستقلال بإدارة الجبالة، ويتولى منصب خليفة السلطان في منطقة النفوذ الأسباني. لكن خاب ظنه فعين السلطان أحد أقاربه خليفة في تطوان سنة 1331هـ، 1913م، واحتل الأسبان أصيلة ثم تطوان في نفس السنة. وخلال الحرب العالمية الأولى عقد الأسبان هدنة مع الرسولي سنة 1333هـ، 1915م، فبقي حاكمًا على إقليم الجبالة. وقد اتصل الرسولي بالألمان أثناء الحرب، مما جعل أسبانيا تغير سياستها معه إرضاء لفرنسا وتتوغل في إقليم الجبالة، فتحتل شفشاون في صفر 1339هـ، أكتوبر 1920م، بعد تكبدها خسائر فادحة. لكن الرسولي فضل التعاون مع الأسبان رغم ذلك على أن يخضع لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، إلى أن تمكن الخطابي من طرد الأسبان وأسره سنة 1343هـ، 1925م. وقد بدأ الخطابي حركة المقاومة بعد أن استولت أسبانيا على شفشاون وأخذت تركز قواتها على بلاد الريف، فانتصر عليها عند إبرن في رمضان 1339هـ، مايو 1921م، وشجعه ذلك الانتصار على مهاجمة المراكز الأسبانية الأخرى، وساهمت انتصاراته في توسيع نفوذه بين الأهالي وتدعيم زعامته لقبيلة ورياغل التي انتقلت إليه بعد وفاة أبيه سنة 1338هـ، 1920م.
وفي شهر ذي القعدة، بينما كان الأمير الخطابي يحاصر إجربين، وصل القائد العام سلفستر لنجدة الحامية المحصورة، لكنه قرر الانسحاب عندما وجدها قد سقطت، فتتبعته قوات الأمير والتحمت معه في 12 ذي القعدة 1339هـ، 18 يوليو 1921م، في معركة الأنوال، حيث أبادت هذه الأخيرة الحملة الأسبانية بأسرها بما فيها القائد سلفستر نفسه، فكانت أكبر هزيمة ألحقها جيش عربي بجيش أوروبي في التاريخ الحديث والمعاصر. وقد ذاعت شهرة الأمير بعدها وسلمت له قبائل الريف الأخرى بالزعامة وهبت لمحاصرة المراكز الأسبانية، فطهرت بلاد الريف تقريبًا وأسرت عددًا كبيرًا من الأسبان الذين أصبح وجودهم مقتصرًا على مدينة تطوان والموانئ وبعض الحصون في الجبالة.
وكان من نتائج نصر الأنوال التمهيد لوقوع انقلاب عسكري في أسبانيا قام به بريمو دي ريفيرا في صفر 1342هـ، سبتمبر1923م. وطلب الخطابي من الأسبان الجلاء عن المناطق التي احتلوها والانسحاب إلى سبتة ومليلة، فلما رفضوا هاجم تطوان في صيف 1343هـ، 1924م، الأمر الذي دعا بريمو دي ريفيرا إلى الحضور والإشراف على القتال بنفسه. وانسحب الأسبان من شفشاون في ربيع الآخر 1343هـ، نوفمبر 1924م، بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة وبدوا عاجزين عن النيل من الأمير وقواته. وعندها قررت فرنسا التدخل، وقد بدأ التحضير لذلك ببناء المراكز الحربية في وادي ورغة منذ رمضان 1342هـ، أبريل 1924م، وقابل الأمير ذلك بالاحتجاج واتخاذ الاحتياطات الحربية اللازمة للدفاع. كما أخذ الفرنسيون يمدون زعماء الطرق الصوفية بالمال والأسلحة لإثارة الاضطرابات في المناطق المحررة، فلما هاجم الريفيون إحدى زوايا الطريقة الدرقاوية قرب الحدود في 19 رمضان 1343هـ، أبريل 1925م، تدخل الفرنسيون بحجة حماية أنصارهم. ثم اتسعت العمليات الحربية ففاجأت قوات الأمير بقدرة رجالها وكفاءة زعمائها، حيث ألزموا الفرنسيين موقف الدفاع على مدى أربعة أشهر وحاصروا مراكز قيادتهم في عين عائشة، ووصلت بعض قوات الريف إلى مسافة 20 ميلاً من فاس، وهددت تازة، كما كبدت العدو خسائر فادحة.
واستطاعت قوات الريف أن تصمد سنة كاملة (شوال 1343-ذو القعدة 1344هـ) في وجه ثلاثة مارشالات وأربعين جنرالاً والقوات الأساسية لدولتين أوروبيتين، فضلاً عمّن استقدمتهم من طيارين أمريكيين مرتزقة لاستخدام أحدث وسائل قاذفات القنابل. ولم يتحول الفرنسيون إلى الهجوم في صفر 1344هـ، سبتمبر 1925م، إلا بعد أن استقدموا إمدادات هائلة حتى بلغت القوة الفرنسية الأسبانية 280 ألف جندي و132 طائرة، وأغروا السلطان يوسف بإعلان أمير الريف أحد العصاة الخارجين على السلطة الشرعية واستنفار القبائل للقتال. كما عقد الفرنسيون والأسبان مؤتمرًا بمدريد قرر تنسيق العمليات الحربية بين القيادتين، ومكافحة تجارة الأسلحة بين دولة الريف وأوروبا بتنظيم الدوريات على طول السواحل الشمالية للمغرب، وقد شارك الأسطول البريطاني بالمراقبة في مياه طنجة الإقليمية. كما تعهد الطرفان بعدم القيام بعمل دبلوماسي أو توقيع صلح منفرد مع العدو دون الاتفاق مع الطرف الآخر. وقبل القيام بالهجوم الكبير أصدرت الحكومتان بلاغًا رسميًا في 22 محرم 1344هـ، 12 أغسطس 1925م أبدتا فيه استعدادهما للتسليم باستقلال الريف إداريًا بشرط أن يعترف الأمير الخطابي للسلطان بالسيادة العليا الممثلة في شخص خليفة تطوان. وذلك من قبيل المناورة السياسية فيما يبدو.
وفي 16 صفر 1344هـ، 5سبتمبر 1925م، نجح الأسبان بمعاونة البحرية الفرنسية في إنزال جنودهم إلى مكان قرب خليج الحسيمات واستطاعوا في بداية الشتاء الاستيلاء على أغادير عاصمة الأمير. واغتنم الفرنسيون توقف العمليات الحربية في فصل الشتاء باستمالة القبائل الموالية له، فبدأت هذه الأخيرة تنفض من حوله وتسارع للحصول على أفضل الشروط من الفرنسيين والأسبان، ولما فشلت محاولات الأميرالخطابي لإيقاف هذا الانحلال لم يتردد في طلب عقد هدنة لإنهاء النزاع عن طريق المفاوضات. ووضعت الحكومتان الفرنسية والأسبانية لذلك شروطًا قاسية تتمثل في الاعتراف باستقلال الريف الإداري في حدود المعاهدات الدولية (أي قبول معاهدة الحماية)، والاعتراف بسيادة السلطان، ومغادرة الخطابي للبلاد وتجريد قبائل الريف من السلاح. فلما قبلها الأمير على أمل أن يحفظ لأهل الريف قدرًا من الاستقلال الذاتي، وانعقدت المفاوضات بوجدة في 5 شوال 1344هـ، 18 أبريل 1926م، راح المفاوضون الفرنسيون والأسبان يعرقلونها بتقديم مزيد من المطالب المتعسفة مما أدى إلى فشل المحادثات واستئناف القتال. فسقط مقر الأمير الخطابي في حصن ترجست في 10 ذي القعدة، 23 مايو، واستسلم هو بدوره للفرنسيين بعد يومين، فاعتبروه أسير حرب ونفوه مع أخ له وبعض أقربائهما إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي. وحين أرادوا نقلهم إلى فرنسا بعد عشرين سنة استغل الأمير وصول السفينة التي تقلهم إلى السويس فلجأ إلى السلطات المصرية سنة 1366هـ، 1947م، واستقر بالقاهرة إلى أن توفي بها سنة 1382هـ، 1963م، وهو لا يؤمن بغير الكفاح المسلح وسيلة لتحرير بلاد المغرب العربي.
الاستعمار وتقسيم المغرب الأقصى. فرضت فرنسا في 11 ربيع الآخر 1330هـ، 30 مارس 1912م على السلطان عبد الحفيظ توقيع معاهدة حماية من تسع مواد جعلت من المغرب الأقصى محمية وصفها شبيه بما آلت إليه تونس سنة 1300هـ، 1883م، بعد توقيع معاهدتي باردو والمرسي. ذلك لأن مواد المعاهدة جردت السلطان من كل سلطاته الفعلية في الداخل والخارج، وأحالتها إلى إدارة الحماية وعلى رأسها المقيم العام الفرنسي، وسمحت لها بإدخال ما تراه نافعًا من إصلاحات إدارية وقضائية ومالية وعسكرية، كما جعلت تمثيل المغرب الأقصى في الخارج بأيدي ممثلي فرنسا وقناصلها. ولم تبق للسلطان إلا السلطة الاسمية المتمثلة في توقيع المراسيم التشريعية التي كانت تقدم له، كما لم تبق من حكومة المخزن سوى المظهر الشكلي التقليدي. وجلعت المقيم العام ممثلاً لفرنسا لدى السلطان يسهر على تنفيذ المعاهدة، ووسيط السلطان في علاقاته مع ممثلي الدول الأجنبية، ومكلفًا بكل المسائل المتعلقة بالأجانب، ولديه سلطة الموافقة ونشر كل المراسيم الصادرة عن السلطان. وقد دفعت هذه القيود التي فرضتها معاهدة الحماية وسخط الأهالي السلطان عبد الحفيظ إلى التنازل سنة 1330هـ، 1912م لأخيه يوسف بن الحسن. ووقَّعَتْ فرنسا في 17 ذي الحجة 1330هـ، 27 نوفمبر 1912م اتفاقية مع أسبانيا لاقتسام المغرب بينهما. وقد ميزت الاتفاقية بين قسمين في منطقة النفوذ الأسباني من حيث وضعهما القانوني، فيشمل القسم الأول جيبي سبتة ومليلة ومنطقة إفني في الجنوب حيث تمارس أسبانيا حقوق السيادة بدون قيد، ويشمل القسم الثاني شمال المغرب من الحدود الجزائرية إلى نقطة جنوب ميناء العرائش على ساحل الأطلسي تستمد أسبانيا وجودها فيه من معاهدة الحماية بين فرنسا والسلطان، ويمثله به خليفة يقيم بتطوان ويخضع لإشراف الإدارة الأسبانية، كما يخضع هو نفسه للإقامة العامة الفرنسية، وتمارس فيه أسبانيا صلاحيات الحماية. كما تؤكد الاتفاقية على جعل طنجة منطقة محايدة، ثم تطور أمرها إلى التدويل في جمادى الأولى 1342هـ، ديسمبر 1923م. وبذلك أصبح المغرب الأقصى في عهد الحماية مقسمًا إلى أربع مناطق تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الوضع القانوني. وفي منطقة الحماية الفرنسية، قسم المقيم العام إدارة المغرب إلى ثلاثة أجهزة هي: إدارة المخزن التي احتفظت بطابعها القديم، والإدارة الشريفية الجديدة التي يقوم بها مثقفون مغاربة لإدارة الشؤون الفنية الخاصة بالأهالي، والإقامة العامة التي تهيمن على سياسة البلاد العليا في مجالات الخارجية والدفاع والأمن العام. ولم يبق في مجلس الوزراء سوى ثلاثة مغاربة، هم الصدر الأعظم الذي انتقلت معظم اختصاصاته إلى الكاتب العام للحماية، ووزير العدل الذي صارت سلطاته الحقيقية على المحاكم الشرعية والمعاهد الدينية بيد رئيس مراقبة العدل بالإدارة الشريفية، في حين كانت إدارة العدل فرنسية محضة، ووزير الأوقاف الذي كانت سلطته الفعلية بيد موظف فرنسي لدى الإدارة الشريفية، في الوقت الذي وضعت فيه إدارات الفلاحة والمالية والأشغال العامة والبريد والصناعة بأيدي مديرين فرنسيين يديرونها إدارة مباشرة. كما عين مراقبون فرنسيون خارج العاصمة بالجهات لمراقبة الباشوات وقادة الأقاليم المغاربة. وفي ظل هذه الإدارة، دخل المغرب الأقصى مستوطنون زراعيون فرنسيون وأصحاب حرف ورجال أعمال وتجارة، ورغم أن المقيم العام ليوتي لم يكن يشجع الهجرة، فقد بلغت مساحة الأراضي التي امتلكها فرنسيون في عهده 400 ألف هكتار. وقد فتح باب الهجرة والاستيطان بعده على مصراعيه، فاستغل مستوطنو الجزائر سهل الملوية في الشرق، وتركز عدد كبير من المعمرين في سهل الشاوية. وفي رجب 1337هـ، أبريل 1919م، استصدرت الإقامة العامة ظهيرًا بجواز استغلال أراضي القبائل غير المزروعة في مقابل إيجار رمزي، وبلغت الملكيات الأوروبية في الأربعينيات من القرن العشرين نحو مليون هكتار استأثرت بنصيب الأسد في توزيع المياه، مما أوقع ضررًا كبيرًا بالزراعة الأهلية. كما قامت شركات رأسمالية فرنسية خاصة بالبحث عن الثروات الباطنية واستغلت مناجم للفوسفات والمعادن كالحديد والمنجنيز والرصاص والكوبالت والنحاس وغيرها بالمغرب.
الحركة الوطنية المغربية. سعت فرنسا لإثارة النعرة البربرية في المغرب الأقصى، فاستصدرت الإقامة ظهيرًا (قانونا) في 1332هـ، 1914م، يخرج البربر من دائرة القضاء الشَّرعي ويجعل مجلس الجماعة أو القبيلة مختصًا بنظر الشؤون المدنية. وكان المقيم لوسيان سان محاطًا بجماعة من مستشارين عُرفت بالكتلة البربرية لأنها تدعو إلى فصل البربر عن حكومة المخزن تمهيدًا لإدماجها في البيئة الفرنسية، وتضمنت خطتهم إحياء اللهجات البربرية بكتابتها بحروف لاتينية، كما ركز المنصرون نشاطهم في مناطق البربر. وفي 1349هـ، 1930م، استصدر المقيم العام ظهيرًا جديدًا أعطى مجالس الجماعة صفة رسمية حولها إلى محاكم مدنية، وقضى بتسجيل عرف البربر ليصبح قانونًا معترفًا به لتلك المحاكم. كما نزع النظر في الجنايات من قضاء القادة والباشوات الذين يمثلون السلطان، وأنشأ محاكم جديدة في مناطق البربر من قضاة فرنسيين لتطبيق القانون الجنائي الفرنسي فيها. فاصطدم ذلك الظهير بمعارضة شديدة من قبائل البربر ذاتها ورد فعل عنيف في المغرب وعامة العالم الإسلامي.
وقد بدأت الحركة السياسية الوطنية في المغرب على هيئة جمعيات خاصة ذات أهداف تعليمية واجتماعية أسسها شباب من خريجي المدارس الفرنسية في الرباط أمثال أحمد بلافريج، إلى جانب جمعيات دينية سلفية أنشأها شباب القرويين بفاس أمثال علال الفاسي لمقاومة الطرق الصوفية وعقائدها. وتقارب شباب الرباط وفاس حتى كونوا نواة كتلة العمل المغربي، التي برزت حركة سياسية واسعة النطاق بعد صدور الظهير البربري. فأصدرت سنة 1351هـ، 1932م مجلة باللغة الفرنسية كانت بباريس تحت اسم مجلة المغرب، وفي المغرب باسم مجلة العمل المغربي، كما نزلت الكتلة إلى ميدان العمل الجماهيري في 1353هـ، 1934م بمناسبة زيارة السلطان محمد بن يوسف (1346 -1380هـ) لفاس. وكان برنامجها يتلخص في إلغاء مظاهر الحكم المباشر الفرنسي وتطبيق معاهدة الحماية نصًا وروحًا، وقيام حكم ملكي دستوري وإلحاق المغاربة بالوظائف، والفصل بين السلطات، وتأسيس مجالس بلدية وإقليمية ومجلس وطني جميع أْعضائه من المغاربة. وقد حاولت الكتلة الاستفادة من قيام حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا سنة 1355هـ، 1936م فأصدرت جريدتي الأطلس بالعربية والعمل الشعبي بالفرنسية، وشرع علال الفاسي ومحمد الوزاني في تنظيم حزب حقيقي، انتخبت له لجنة مؤقتة ريثما تسمح الظروف بعقد مؤتمر وطني فكانت الرئاسة للفاسي والأمانة العامة للوزاني. بيد أن هذا الأخير أعلن انسحابه من الكتلة على إثر ذلك وتأسيس حزب مستقل باسم حزب الشعب، فحل محله في الأمانة العامة للكتلة أحمد بلافريج. وتزعم فرع الكتلة في منطقة الاحتلال الأسباني عبد الخالق الطريس، لكن هذا الفرع انفصل بعد انقلاب فرانكو في أسبانيا. ولما عمدت السلطات الفرنسية إلى حل الكتلة في 25 ذي الحجة 1355هـ، 8 أغسطس 1937م، أعاد قادتها تكوينها باسم الحزب الوطني لتحقيق المطالب المغربية الذي استطاع أن يظفر بالاعتراف الرسمي. غير أن تأييد هذا الحزب لحركة مكناس ضد تحيز الإدارة في توزيع مياه الري للمعمرين الفرنسيين سنة 1356هـ، 1937م عرضه للحل من قبل المقيم العام نوجيس الذي نفى قادة الحزب، بمن فيهم علال الفاسي، إلى خارج البلاد أيضًا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية أعلن السلطان محمد بن يوسف في 18 رجب 1358هـ، (3 سبتمبر 1939م) عن تأييده ودعمه لفرنسا وحلفائها، لكن سياسة حكومة فيشي تجاه المستعمرات أفقدته الثقة بفرنسا. كما رحب بالجيوش الأمريكية عند نزولها بالمغرب سنة 1361هـ، 1942م، مما جعل الرئيس روزفلت ينتهز فرصة لقائه بتشرتشل بالدار البيضاء في صفر 1362هـ، ديسمبر 1943م، ليقابل السلطان بدون وساطة المقيم العام الفرنسي. وقد ساهمت الفرق المغربية في العمليات الحربية للحلفاء بأوروبا مساهمة مشهودة ضمن جيوش فرنسا الحرة إلى جانب إخوانهم الجزائريين والتونسيين.
وفي 16 محرم 1363هـ، 11 ديسمبر 1944م عقد الوطنيون المغاربة مؤتمرًا شكل تحولاً في تاريخ الحركة الوطنية المغربية، بسبب تأسيسه حزب الاستقلال وقراره العدول عن سياسة الاستقلال على مراحل ومطالبته بإسقاط الحماية مباشرة شرطًا مقدمًا للتفاوض مع فرنسا. وقد رفع الحزب ثلاثة مبادئ إلى السلطان تتمثل في المطالبة باستقلال المغرب ووحدة أراضيه، وبتوثيق الروابط مع دول العالم عامة والدول العربية والإسلامية خاصة، وبالمحافظة على الملكية مع جعلها ملكية دستورية. فأظهر السلطان عطفه على الحزب ومبادئه وظل كذلك حتى حصول المغرب على استقلاله، في حين رد المقيم العام الفرنسي جبريل بيو على بيان الحزب باعتقال الزعماء وقمع المظاهرات الجماهيرية التي خرجت تأييدًا له في الدار البيضاء وفي فاس خلال شهر صفر 1363هـ، فبراير 1944م، وأرسلت حكومة باريس تهدد السلطان. ولكنها اضطرت أمام التصميم الشعبي واحتجاجات السلطان، إلى تعيين الاشتراكي إريك لوبون مقيمًا عامًا جديدًا في أوائل 1365هـ، 1946م، فبادر بإطلاق سراح معظم المعتقلين السياسيين وإعادة الزعماء المنفيين ومن بينهم علال الفاسي وأحمد بلافريج ومحمد الوزاني، وباشر إصلاحات إدارية واقتصادية لم ترض الوطنيين وأغضبت المستوطنين. فاستغل وزير الخارجية الفرنسية خطاب السلطان في طنجة سنة 1366هـ، 1947م الذي أعلن فيه عن وحدة أراضي المغرب وأشاد بجامعة الدول العربية، ليقنع الحكومة بإرسال الجنرال الفونس جوان مقيمًا عامًا جديدًا، وهو ابن أحد المستوطنين بالجزائر، لإرهاب السلطان والوطنيين. فامتد عهده من 1366 إلى 1371هـ، 1947 إلى1951م، قضى خلاله على جميع الحريات، كما باشر برنامج إصلاحات ترمي إلى إرساء مبدأ السيادة المزدوجة الذي لم يسبق أن صرح به الفرنسيون بالنسبة للمغرب الأقصى، بعكس ما فعلوا في تونس.
ولما فشلت كل محاولات حزب الاستقلال للتفاوض مع باريس مباشرة وإقناعها بحسن نواياه، وضاق الخناق على زعمائه بالمغرب التحق علال الفاسي بالقاهرة في جمادى الآخرة 1366هـ، مايو 1947م، وفي نفس السنة حل بها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي وتولى زعامة مكتب المغرب العربي، وذلك في الوقت الذي كان السلطان يقاوم ما استطاع سياسة المقيم العام ويرفض توقيع الظهائر (القوانين) التي يقدمها إليه، الأمر الذي جعل الحكومة الفرنسية تدعوه لزيارة باريس لعلها تحوله عن موقف المعارضة. لكنه قدم مذكرتين في ذي الحجة 1369هـ، أكتوبر 1950م، عبّر فيهما عن رغبته في إطلاق الحريات العامة وتغيير طبيعة العلاقات مع فرنسا، وذلك معناه إلغاء الحماية. فدفع المقيم العام تهامي الجلاوي، صاحب النفوذ في الجنوب، لجمع القبائل الموالية له والزحف على الرباط في ربيع الآخر 1370هـ، يناير 1951م. وعندها حاصرت القوات الفرنسية القصر بدعوى حماية السلطان، وقدم المقيم العام إليه إنذارًا يطالبه فيه بإصدار بيان إدانة لحزب الاستقلال أو التنازل عن العرش وإلا عزله. واضطر السلطان مكرهًا لتوقيع الاستنكار المطلوب دون ذكر للحزب. واستغلت الإقامة العامة التصريح لاعتقال مزيد من الوطنيين وإجبار السلطان على عزل الموظفين المشتبه في ميلهم لحزب الاستقلال وإبعاد عدد منهم عن البلاد. وكان لذلك صدى في البلاد العربية والعالم، فأبدت الجامعة العربية تأييدها للمغرب ورفعت قضيته إلى هيئة الأمم المتحدة، التي رفضت التدخل في المسألة.
وفي نهاية 1371هـ، 18 أغسطس 1951م، عينت فرنسا الجنرال جيوم مقيمًا عامًا جديدًا بالمغرب فلم تختلف سياسته عن سياسة سلفه، مما جمد العلاقات بين فرنسا والسلطان، وتشكلت جبهة وطنية من الأحزاب المغربية قدمت في 17 ربيع الآخر 1371هـ، يناير 1952م مذكرة إلى هذا الأخير تضمنت الأماني الوطنية كما قدمت الدول العربية المستقلة احتجاجًا إلى هيئة الأمم المتحدة وفرنسا عن الحالة بالمغرب، مما شجع السلطان على توجيه مذكرة جديدة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية في 14جمادى الآخرة، 14 مارس أيد فيها المطالب الوطنية.
وأثيرت القضية المغربية من جديد أمام الأمم المتحدة، وفي تلك الأثناء اغتيل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد فأعلن حزب الاستقلال الإضراب العام تضامنًا. وواجهت السلطات الاستعمارية المظاهرات الشعبية في الدار البيضاء بالرصاص فأحدثت مذبحة، واعتقلت أعدادًا كبيرة بمن فيهم قادة الحزب، كما أعلنت حل الحزب وتعطيل الصحف العربية.
ولما تولت الحكم في باريس حكومة لانييل اليمينية في رمضان 1372هـ، مايو 1953م التي شغل وزارة الخارجية فيها الصليبي بيدو، تجددت فكرة خلع السلطان. ونشط تهامي الجلاوي من جديد في الجنوب، يساعده عبدالحيّ الكتاني رئيس الطريقة الكتانية، فقدم عرائض إلى الحكومة الفرنسية تطالب بعزل السلطان فأقدمت على الأمر بخلعه يوم عيد الأضحى 1372هـ، 20 أغسطس 1953م، ونقل إلى كورسيكا .
منتدى البحوث العلمية والأدبية
مع التصرف
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.