أخر الاخبار

الثقة داخل المجتمع المغربي

يرى فرانسيس فوكوياما صاحب مقولة "نهاية التاريخ" في كتابه "الثقة: الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار" أن المجتمعات الإنسانية لا تتأسس فقط على رأس المال المادي مثل الأرض والمصانع والمعادن والآلات، لكنها تتأسس أيضاً على رأس المال الاجتماعي القائم على العلاقات بين الأفراد، وقدراتهم على التواصل فيما بينهم. وينهل رأس المال الاجتماعي من مخزون القيم والأعراف المشتركة بين الأفراد، ذلك المخزون الذي يروض من نزعات الأفراد، ويوجه نزعاتهم الفردية نحو المصلحة الجمعية. كما يرتبط مخزون القيم والأعراف بقدرة الأفراد فيما بينهم على التواصل الاجتماعي العفوي والمنظم، وخلق روابط اجتماعية جديدة وقوية، تعبر عن نفسها في بناء وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني المختلفة. 

الثقة في المجتمع المغربي

الثقة في المجتمع المغربي

لايمكن لأي مراقب أن يتجاهل حالة ضعف الثقة وترديها داخل المجتمع المغربي، على مستوى العلاقات اليومية بين الأفراد، وعلى مستوى العلاقة بينهم وبين المؤسسات المجتمعية الرسمية منها والأهلية، وأخيراً على مستوى العلاقة بينهم وبين السلطات السياسية. فالأفراد لا يثقون في بعضهم البعض على مستوى الممارسات اليومية في البيع والشراء، حيث ترتكز هذه المعاملات إلى انعدام ثقة مسبق قائم على الريبة والشك. فالمشتري يستشعر أن البائع غير أمين، كما أن البائع يشعر أن المشتري يتلاعب به. ويمكن أن نعمم ذلك على مجمل علاقاتنا الاجتماعية الهرمية مثل العلاقة بين التلميذ والمدرس، الطالب والأستاذ الجامعي، المرؤوس ورئيسه، المريض والطبيب، العامل ورب العمل...الخ ولا يقف الأمر فقط عند مستوى العلاقات الهرمية، بل يتعداها إلى العلاقات القائمة على الندية والمساواة مثلما هو الحال بين الرجل والمرأة في العمل، وبين الزوج والزوجة في المنزل، وبين زملاء العمل الواحد. 

المجتمع المغربي هو أكثر المجتمعات التي تقل فيها الثقة بين أفرادها، فالمغربي معروف ب"العياقة" و"الفياقة" و"النزاقة" و"التاطولانطيت" و غيرها من المرادفات المتداولة، ولكن أعتقد أن مقولة "العايق حاضي العايق والدمدومة قاضي حاجة" هي التي تطبق على الناس في المغرب، فالمغربي كثيرا ما ينجح إذا ابتعد عن أخيه المغربي، نأخذ كمثال المهاجرين المغاربة الذين يندمجون بسهولة في بلدان الإستقبال بل و البعض منهم يتعمدون في أماكن تواجد المغاربة التكلم باللغة المحلية للبلد بدل اللهجة المغربية إذا ما شك في أن مخاطبه مغربي، خوفا ربما من شي "قالب" ينصبه له لأن الكثير منهم يقول "ألف نصراني أو نصراني أولا هاذ كحل الراس" وعلي ذكر الشتائم، فقليل ما نجد إنسان من بلد أخر يسب بلده أو عرقه أما المغربي لما يريد التنقيص من صاحبه يقول"ناريييي على مغربي".

اعرف أن البعض منكم يضحك و الأخر يقول "ما تجمعش أ صاحبي". لا بل الحقيقة المرة ، الكثير من المغاربة غير وطنيين والبعض منهم في المهجر يقول "مستحيل أن أرجع للمغرب"و في الداخل يقول "يااااا ربي تعفو علينا من هاذ البلاد".

البعض سوف يقول " إيوا أش عطانا هاذ المغرب راه المغرب عمرو يتبدل" العكس هو ما بدأ يقع الأن مع هذا الوعي الجماعي بمشاكلنا. سؤال؟؟ هل الوعي هو الحل؟ لا أعتقد فكم من مفكر و عالم كبير ترك بلده وذهب إلي بلد أخر-قد يكون من أعدائنا أحيانا- ليشتغل و يطور اقتصادها بل يمكن أن يساهم في جيشها ضد بلده.

أزمة الثقة بين المؤسسات والمجتمع

يمر المغرب اليوم بأزمة ثقة حادة على مستوى مجمل العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ومما يعمق من حدة هذه الأزمة، أنها تشتمل على كافة العلاقات والمؤسسات المختلفة في المجتمع، كما أنها تشمل الأفراد من ناحية، والحكومة من ناحية أخرى. وبدون عودة هذه الثقة لتشمل كافة أرجاء حياتنا، وبشكلٍ خاص ثقتنا المتبادلة في بعضنا البعض، وثقتنا في حكوماتنا، وثقة حكوماتنا فينا، يصبح أي حديث عن التطور أو التنمية أو الديمقراطية أو حتى الشعارات الوطنية الصاخبة مجرد كلام فارغ يعمق من ضعف الثقة فيما بيننا، ويؤدي إلى المزيد من التخلف على كافة المستويات المجتمعية.


تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -