أخر الاخبار

طرائف الطبيب الإنجليزي من داخل حريم نجل سيدي محمد بن عبد الله

 
السلطان محمد بن عبد الله
السلطان محمد بن عبد الله


طرائف طبيب إنجليزي مع حريم "الأمير المريض" نجل السلطان محمد بن عبد الله

يواصل الكاتب المصطفى حميمو سرد طرائف الطبيب ويليام لامبريير، الذي حل بالمغرب بطلب من السلطان سيدي محمد بن عبد الله لعلاج ابنه عبد السلام من مرض في العينين، مبرزا كيف تمكن الطبيب من نيل ثقة الأمير المريض بعد تحسن حالته، هو الذي ظل محط شكوك وسوء ظن.

ويحكي حميمو في هذا المقال، والمعنون بـ”طرائف الطبيب الإنجليزي من داخل حريم مريضه نجل سيدي محمد بن عبد الله”، طرائف أخرى عاشها الطبيب خلال إشرافه على علاج حريم الأمير لما أذن له بفحص وعلاج بعض نسائه، حيث كان يفحصهن من وراء ستارة.

وهذا نص المقال:
هو نفس الطبيب ويليام لامبريير William Lemprière (1751ـ1834)، الذي قدم إلى المغرب بطلب من السلطان سيدي محمد بن عبد الله لعلاج ابنه عبد السلام من مرض في العينين. ورأينا في مقال سابق كيف حكى متاعبه مع الأمير المريض، لا سيما مع حاشيته من حوله، وكذلك مع بعض من ساكنة مدينة تارودانت التي كانت تحت حكمه بتكليف من والده. وهنا نتركه يحدثنا عن نتائج علاجه لمريضه، وبالأخص عما عاشه من طرائف بداخل حريم الأمير لما أذن له بفحص وعلاج بعض نسائه.

يقول: بعد أسبوعين بدأ الأمير، الذي كان المريض الوحيد المعني بسفري إلى المغرب، يشعر بتحسن محسوس. عينه اليسرى التي بنيت عليها كل أملي، والتي كنت قد وجدتها تعاني من اضطراب متواصل، بدأت تتحرك بشكل طبيعي ومنتظم. لم تعد في تلك الحالة المتشنجة التي وجدتها عليها في اليوم الأول، والتي بالكاد كانت تسمح له بالتمييز بين الليل والنهار. أما في ذلك الوقت فقد صار يرى تفاحة من على بعد خمسة عشر قدما.

وفي الأسبوع الثالث شعر الأمير بتحسن أكبر. بدأ يقرأ النصوص المكتوبة بحروف كبيرة. وسرعان ما صار يكتب بنفسه الرسائل الموجهة لأبيه من أجل إخباره بتحسن بصره بفضل العلاج الذي وصفته له. ووعدني، في حال ما شفي تماما، بمكافأة على قدر الخدمة التي قدمتها له. صرت في نعمة طيبة معه لدرجة أنني صرت متمكنا من رؤيته في جميع الأوقات.

هذه العلامات الأولى للشفاء أغلقت أفواه حاشيته الحاقدين. الأمير نفسه اعترف بأنه تسرع لما ترك بعض الشكوك المسيئة في حقي تساوره. ولما تحقق من فعالية علاجي تنامت ثقته فيّ إلى درجة رغب معها في أن أفحص بعض نسائه اللواتي كن في حاجة للتطبيب. كانت تلك هي الفرصة الفريدة لوصف هذا المكان الحريز الذي يسمى عندهم الحريم، ولو أن حريم السلطان الذي زرته من بعد لم يمنحني فرصا لوصفه لاحقا بشكل أكثر تفصيلا.

وفور صدور قرار الأمير بدخولي حريم نسائه أمر باقتيادي إليه أنا ومترجمي، فاستقبلني رئيس الخصيان عند الباب. الخصيان المكلفون بالنساء كلهم من العبيد السود. تجدهم قصيرين وسمانا. وإذا ما صار أحدهم أطول من غيره فعلى حساب الشكل القويم، بحيث من النادر ألا يكون مشوها أو مشلولا. أصواتهم لها لكنة خاصة، تشبه أصوات الشباب في سن المراهقة. وأخيرًا، تقدم هذه الكائنات المشوهة صورة مقززة عن الضعف والوحشية فيهم. السلطة الممنوحة لهم على الجنس الذي يتحكمون فيه تجعلهم يشعرون بشيء من الأهمية. هم أكثر تفاخرا ووقاحة مما يتصور المرء. أنا نفسي كنت سأكون ضحية شرهم لو لم أتخذ احتياطات ضد خسة مزاجهم.

برفقة زعيم هذه الوحوش البرمائية مررت من باب الحريم، المكلفين بحراسته. مشيت طويلا في قبو مظلم، قادني إلى الفناء الذي توجد حوله شقق النساء. أثناء عبوره رأيت عددًا كبيرًا من الجنس اللطيف ومن الأطفال البيض والسود. علمت أنه في هذه المجموعة من الإناث كنت أرى حظيات الأمير والإماء اللائي يخدمنهن. كل هؤلاء النساء تفاجأن بشكل كبير برؤية شخص أوروبي. وسرعان ما أحطن بي لفحص مظهر ملابسي، التي بديْن مندهشات منها بشكل فريد. استحوذ ظهوري المفاجئ على عقول بعضهن لدرجة أنهن صرن كأنهن متجمدات، بأعين ثابتة وأفواه مفتوحة. أخريات أكثر جرأة انفجرن من الضحك لما رأينني. وأولئك اللائي أسعدهن وجودي كن يتفحصنني باهتمام كبير من الرأس إلى أخمص القدمين. أكثر ما أدهشهن في زيّي هو المشابك والأزرار والجوارب. كانت دهشتهن طبيعية تمامًا لأنهن لم يرين مثلها من قبل في بلدهن. فيما يتعلق بشعري لم يتمكنّ من فهم لماذا كنت أحتفظ بالكثير منه. أما بالنسبة لما كان عليه من مسحوق، فقد اعتقدن أنني كنت أستخدمه بدافع الحذر لحماية نفسي من الحشرات.

جميع الأطفال فروا من شدة الخوف. يمكنني أن أؤكد أنني بدوت لهم عجيبا غريبا وغير عادي وكأنني أسد أو نمر تم إحضاره من أرض أجنبية إلى بلدة في إنجلترا في يوم من أيام السوق. وجميع نساء الحريم تقريبا كن سمينات. كانت من بينهن بعض الشقراوات ببشرة شاحبة وبعض الزنجيات الجميلات.

عندما دخلت جناح المريضة، التي أقلقت حالتها مولاي عبد السلام، وجدت فيه ستارة كبيرة تقسمه إلى قسمين. أحضرت جارية صغيرة كرسيًا صغيرًا ووضعته بالقرب من الستارة ونبهتني إلى أنه من أجل جلوسي عليه. بعد لحظة مدت لي سيدتها، التي لم أتمكن من رؤيتها، ذراعها طالبة مني فحص نبضها. قناعتها بأنه بإمكاني معرفة مرضها فقط من خلال فحص نبضها أبقاها صامتة، على الرغم من سؤالها عبر مترجمي عما إذا كانت تشعر بوجع في الرأس أو المعدة أو غيرهما. وبدلا من الإجابة سحبت ذراعها ومدت لي الذراع الأخرى. هذا الاحتياط الكبير جعل صبري ينفد. لم أستطع معرفة سبب مرضها، كما لم أتمكن من إشباع فضولي برؤيتها، فحاولت إقناعها عبر مترجمي بأنه لا بد لي من رؤية لسانها كي أتمكن من علاجها. فأخذت مقصا وفتحت فتحة صغيرة في الستارة أبدت منها فقط لسانها. حياؤها ذاك حال دون إشباع فضولي، لكنه مكنني أخيرا من معرفة سبب مرضها فوصفت لها الدواء المناسب.

رأيت امرأة أخرى من الحريم مصابة بداء الغدد اللمفاوية. استقبلتني بالاحتياطات نفسها. لكن بما أنه لا يمكن أن تعفي نفسها من إظهار عنقها المتورم، فقد تمكنت من رؤية جانب من وجهها الجميل جدا. وقد صرحت لي بأنها كانت محبوبة الأمير إلى أن أصابها هذا المرض المرعب فأعرض عنها، فصارت متذمرة من رؤية نفسها مجرد واحدة من جواريه بعد أن كانت تتمتع بكل الامتيازات المخولة للسلطانة المفضلة.

ولما كنت أفحص تورمات عنقها نزعت من ذراعها كل المجوهرات الثمينة جدا التي كانت تتزين بها ومدتها إليّ كهدية لعلها تشجعني على التفاني في علاجها من ذلك المرض المهلك. لم أجد الشجاعة لقبولها مع شعوري بالقليل من الأمل في قدرتي على استرداد محاسنها الأولى، فوعدتها بتجريب بعض الأدوية لكن دون ضمان لفاعليتها. لاحظت عدم رضاها عن جوابي، لكنه أراح نفسها قليلا. وفكرتها المسبقة عن جودة التطبيب الأوروبي قوت آمالها، فكانت أخيرا مستعدة لبدء العلاج من يومها.

زياراتي المتكررة للمريضتين مكنتني من رؤية كل نساء الحريم الحبيسات فيه. لقد أحصيت منهن أكثر من عشرين بالإضافة إلى الأربع اللائي يسمح بهن القانون للمؤمنين الحقيقيين. لقد تمت استشارتي من قبل العديد من هؤلاء المحجبات اللائي كن ينعتنني بالجاهل عندما لا أكتشف أمراضهن في أدنى فحص لنبضهن. وإذا كنت مترددًا ولو قليلا، ينظرن إلي فقط على أنني منتحل الصفة الذي لا يفهم شيئًا في الطب. وإذا ما توفقت في علاجهن بفضل مهارتي المتواضعة يقلن إن ذلك الشفاء سيكون مؤقتا. لما أدركت أنني كنت أبذل جهودًا غير مجدية لإسماع صوت العقل إلى هؤلاء النساء اللائي لا يفهمن لغته، قررت الاستسلام لضعف أمزجتهن، فأكسبني هذا التصرف ثناء لم أستحقه، وقد كان أكبر وأفضل من الإهانات التي كنت أعرّض نفسي لها بقولي الحقيقة.

نساء حريم مولاي عبد السلام لم يظهرن لي في عز شبابهن. لا أعتقد أنني رأيت من بينهن واحدة تقل سنها عن الثامنة والعشرين إلى الثلاثين. كلهن كن سمينات ولا يحسنّ المشي. الأحداث التي كانت هؤلاء المحجبات الودودات على علم بها لم تتجاوز حدود حريمهن. والقليل من العناية التي تولى لتنمية عقولهن أدت إلى حرمانهن من القدرة على التصرف السوي في الحياة العادية. لا يخرجن من الحريم سوى لمرافقة سيدهن عندما يغير مكان إقامته.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -