زمن أن توعد ثيودور روزفلت أحمد الريسوني
سرد تاريخي في قالب قصصي؛ تعود وقائعه إلى بداية القرن العشرين، حيث شهد المغرب على مدى عقود أطماعا سياسية توسعية، وحركات ثورية متمردة وسمت بعهد السيبة، زادت من ضعف تماسك وحدته، وسرّعت من إفلاسه الاقتصادي، من أبرز وجوه هذه الثورات يأتي أحمد الريسوني على رأسها بمناطق واسعة في الشمال، وبوحمارة في الوسط، ومحمد عبد الكريم الخطابي لاحقا بمطقة الريف.
ولعل أكبر تدخل أجنبي جاء من الرئيس الأمريكي روزفلت يوم أن قابل تحدي الريسوني بتحد أكبر منه.
مداهمة قصر العندليب وأسر بيرديكاريس
بإحدى ضواحي مدينة طنجة؛ وعلى بعد بضعة كيلومترات؛ يبرز قصر العندليب وسط منتزه الرميلات؛ تكتنفه أشجار العرعار من فوق هضبة ممتدة إلى سفوح تختلط برمال ساحل البحر… شهدت شرفاته وصالاته ليال حمراء من المجون، على وقع ألحان أطلسية تارة وجبلية أخرى، أو على صدى سيمفونيات باخ.. تتردد تموجاتها صاخبة من كل زوايا القصر.
قصر العندليب بالرميلات نواحي طنجة، ويبدو في الصورة ساكنه بيرديكاريس
كان بيرديكاريس Perdicaris يمشي الهوينا ونظراته تخترق أفنان لفة أوراق الأشجار باتجاه سحب داكنة؛ كانت جاثمة بالأفق البعيد من البحر؛ بين الفينة والأخرى؛ كان يعب من غليونه ويستتبعه بإفراغ كؤوس الويسكي في جوفه.. يستدير ليجد خدما يحفون به؛ وهم على أهبة لتلقي أوامره، أو بالأحرى إشباع إحدى نزواته، إما بإحضارهم لسباع داخل أقفاص حديدية، ونخزها ليستمتع بزئيرها.. أو ذئاب تأخذ في العواء فيعلو انتشاؤه وأقبل على مزيد من الكؤوس.. لكن فجأة اعترى هدوء المكان هدير أخذ يشتد حينا فآخر، والخدم يصيخون بأسماعهم كما لو أن هيجانا ما على وشك أن يباغتهم… كانت سنابك الجياد تدك الأرض دكا، تختلط بصراخ فرسانها أشبه بعواء ذئاب جائعة … اقتحموا القصر وراحوا يعيثون فيه فسادا، وقد أعملوا سنانهم وخناجرهم في كل من حاول اعتراض سبيلهم، حاول بيرديكاريس جاهدا أن يقاوم، لكن ما إن نفدت ذخيرة مسدسه حتى انقضوا عليه وشدوا وثاقه. وبعينين خضراوين جاحظتين ونظرات حائرة صرخ في رهطهم:
* “أي ذنب.. اقترفت حتى.. تأخذوني على حين غرة بهذه الطريقة الهمجية؟”
“.. هل أنتم بشر.. أم..”
لم تكن كلماته لتجد آذانا صاغية.. فقد انقلبوا عنه يلهون بأثاث القصر ومعداته؛ يقلبونها بين أيديهم باندهاش شديد، وقهقهات مدوية… كانوا يرتدون جبات قصيرة من الصوف الخشن بأكمام عريضة جهة الصدر لتمكينهم من التحكم في أزمة جيادهم، أغلبهم برؤوس حاسية أو بعمامات مبرقعة ومتلاشية ضاربة لونها إلى الرمادي.. عراة الساقين حتى الركبة، بينما أرجلهم كانت تنتعل نعالا بضفائر من جلد الماعز أو سيقان شجر الدوم… سحناتهم ونظراتهم كانت تبعث على الرعب. استقدمهم الريسوني من قبائل بني يزناسن وصنهاجة وجبالة.
الشريف أحمد الريسوني
كان يقتعد مكانا قصيا غير بعيد عن وقائع القصر، كما لو كان يتابع أطوار هذه الغارة أولا بأول، وفجأة، وبعد أن أخذت الجلبة في الخفوت استدار باتجاههم وأومأ لهم بحمل الرهينة بيرديكاريس إليه.
كشف عنه النقاب، فإذا هو بوجه عريض ولحية كثة، يلتحف إزارا أسود وغمد سيف يحمله على ظهره. ولم يكد الأسير يمثل بين يديه حتى فغر فاهه مقهقها بشدة، لتتلوها ضحكات مدوية ملء أشداقهم، كشفت عن ثغرات وجيوب في أفواههم. قال مخاطبا غريمه بلغة ريفية من أهل الشمال:
* ” ..والآن.. وقعت بين يدي.. لتعلم مدى سطوة الشريف مولاي أحمد الريسوني.. ستحل ضيفا بيننا ولن نعاملك بالبذخ الذي كان ملازما لك في القصر… وسنرى في أمر إطلاق سراحك في ما بعد… هيا… خذوه والزموا حراسته..”
بلاد تتجاذبها الاضطرابات وعهد السيبة
الجيلالي بوحمارة
محمد بن عبد الكريم الخطابي
في بداية القرن التاسع عشر عصفت بالمغرب زوبعات واضطرابات سياسية، نجمت عن أطماع أجنبية، ناهيك عن وجود فراغات أمنية، سمحت بتمزيق المغرب إلى مغرب المخزن ومغرب “السيبة”، من أبرز وجوهها الجيلالي بوحمارة وأحمد الريسوني وعبد الكريم الخطابي.. تمردوا على سلطة المخزن وتنصلوا من كل القوانين والأعراف التي كانت تربطهم بسلطات المركز، وسنوا بدلها نظام “الزطاطة” الذي كان يعني أداء القبائل المنضوية تحت ألويتهم لرسوم وخراج مقابل توفير الحماية لهم. هؤلاء الثوار كلفوا بيت مال الدولة خسائر فادحة ثمنا لإخماد نيران الثورات التي كانوا يوقدونها بين الحين والآخر، حتى أحس المخزن؛ في عهد السلطان المولى عبد العزيز؛ بعجزه التام عن ملاحقتهم ودحرهم، مما حدا بالمغرب إلى الاستنجاد بقوات أجنبية وإثقال كاهله بمزيد من القروض. وقد اغتنمها الريسوني فرصة لمناوأة المخزن وابتزازه، فعمد إلى أسر بيرديكاريس بشروط مجحفة، زادت من عزله على المستوى الدولي؛ كان من أبرز بنودها:
ــ فدية بـ 70 مليون قطعة ذهبية؛
ــ تنازل سلطة المخزن عن سلطته على قبائل عديدة وتعيينه باشا عليها؛
ــ عدم متابعة هذه القبائل بأي قانون مركزي.
مرجعيات أساسية:
ــ قراءات في سيرة أحمد الريسوني
ــ كتاب Perdicaris Affair
ــ شريط سينمائي: The wind and the lion
Raisuni the Sultan of the mountain —
Encyclopedia Britannica, Morocco, 1911–
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.