وثائق أممية تاريخية تنسف رواية البوليساريو عن أحداث العيون يونيو 1970
قال الموساوي العجلاوي، خبير في قضية الصحراء والشأن الإفريقي، إن “مخزون أرشيف الأمم المتحدة يحتوي على وثائق تؤكد أن المغرب وأحزابه الوطنية، خاصة حزب الاستقلال، كانت الطرف الوحيد الذي أدان اعتداءات الإسبان في العيون في يونيو 1970؛ وهي وثائق تدحض وتعري الرواية الانفصالية التي تحاول أبواق “البوليساريو” تلبيسها لمحمد إبراهيم بصيري الذي تتخذه “البوليساريو” إحالة لمشروعها الانفصالي”.
واستحضر العجلاوي، في مقال له بعنوان “أحداث العيون في أرشيف الأمم المتحدة” توصلت به هسبريس، أربع وثائق تاريخية حول أحداث العيون تنسف الرواية الانفصالية. وتتناول الوثيقة الأولى “أحداث العيون في رسالة سفير المغرب في الأمم المتحدة إلى الأمين العام”، وتتطرق الوثيقة الثانية لـ”أحداث العيون في مراسلة رسمية ثانية”، وتهمّ الوثيقة الثالثة “برقية علال الفاسي باسم حزب الاستقلال إلى الأمين العام للأمم المتحدة”، فيما تتمثل الوثيقة الرابعة في “تقرير بعثة الأمم المتحدة للتقصي في الصحراء”.
نص المقال:
لا يقرأ التاريخ مجزءا، ومهمة المؤرخ هي الاقتراب من الحقيقة التاريخية باعتماد منهجية تحيل إلى الوثائق التاريخية بالمفهوم الدقيق للوثيقة، وإلى منهج تركيبي للأحداث موضوع البحث. في تاريخ النزاع الإقليمي حول الصحراء اندلع نقاش واحتكاك حول الأحداث التي جرت في المنطقة، وجرت العادة أن إكس ولد إكس يخترع الأحداث ويلفقها وفق الفتات الذي يرمى إليه بعد الفينة والأخرى. هكذا سرقت هوية محمد إبراهيم بصيري، الرجل المنحدر من بني عياط (نواحي بني ملال) والذي أسس “المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء” في العام 1966، شاب درس بالرباط وأكمل تكوينه في دمشق والقاهرة حيث تشبع بالأفكار القومية والوحدوية، وتركزت مطالب المنظمة على تدريس اللغة العربية والتاريخ وبناء المدارس، والمساواة بين سكان الصحراء والإسبان. في ظل فترات الانفتاح بين دول المغرب الكبير والإجماع الإقليمي حول قضية الصحراء بين الفترة 1969 و1972، تحركت دول المغرب وموريتانيا والجزائر لمواجهة مخططات الاستعمار الإسباني في الصحراء.
عرف المشهد الصحراوي في نهاية الستينيات تنظيمات تعددت مشاربها؛ لكن جلها طالب بالانضمام إلى المغرب أو كان وحدويا، ولم تكن فكرة الانفصال واردة لأي فصيل صحراوي بمن فيهم عناصر البوليساريو إلى حدود المؤتمر الثاني أواخر غشت 1974، حين استولت عليها الأجهزة الأمنية الجزائرية التي دفعتها إلى إعلان الانفصال موازاة مع وصول البعثة الأممية إلى المنطقة في ماي/ يونيو 1975. ولدت “المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء” برئاسة محمد إبراهيم بصيري إلى جانب حركات تنظيمية صحراوية أخرى كـ”جبهة التحرير والوحدة” والتي فضحت اعتداءات الاستعمار الإسباني على السكان كما تشهد بذلك محاضر اللجنة الرابعة للجمعية العامة منذ 1966، وخاضت عمليات عسكرية ضد الاستعمار الإسباني بالخصوص في العام 1975.
أحداث العيون يونيو 1970
رفض بصيري المخططات الإسبانية بربط الصحراء بإسبانيا. وحين قررت تنظيم تجمع شعبي بالعيون دعما لفكرتها تلك، دعا بصيري إلى تجمع مواز بحي “الزملة” دفاعا عن الوحدة الوطنية المغربية والهوية العربية الإسلامية لسكان الصحراء، فأطلقت القوات الاستعمارية النار على المتجمعين، واعتقلت العشرات؛ منهم محمد إبراهيم بصيري، الذي لم يظهر له أثر إلى يومنا هذا، وتعددت الروايات حول ظروف اختفائه. بيد أن إكس ولد إكس يحاول سرقة هوية بصيري وتحويله إلى انفصالي، ولفقت للرجل عشرات القصص في تاريخ الافتراضات وسرقات الهوية المواكب لتاريخ “البوليساريو” منذ صيف 1975.
أرشيف الأمم المتحدة والحقيقة التاريخية
فعلت خيرا الأمم المتحدة بفتح أرشيفها للعموم وبالمجان، وهو يمس كل القضايا التي اخترقت مؤسسات الأمم المتحدة؛ ومنها قضية “الصحراء الإسبانية/الغربية”. بقدر ما تؤكد هذه الوثائق عدالة المطالب الوحدوية للمغرب تجاه نزاع الصحراء بقدر ما تكشف كذب وادعاءات “البوليساريو” والنظام الحاضن له. وفي مخزون أرشيف الأمم المتحدة وثائق تؤكد أن المغرب وأحزابه الوطنية، خاصة حزب الاستقلال، كانت الطرف الوحيد الذي أدان اعتداءات الإسبان في العيون في يونيو 1970؛ وهي وثائق تدحض وتعري الرواية الانفصالية التي تحاول أبواق “البوليساريو” تلبيسها لبصيري، خاصة أنها اعتمدت الرجل مؤسسا لهويتها.. في حين أن وثائق أخرى، خاصة ما كتبه الولي، تؤكد أن تأسيس “البوليساريو” في ماي 1973 لم يكن بهدف الانفصال.
الوثيقة الأولى: أحداث العيون في رسالة سفير المغرب في الأمم المتحدة إلى الأمين العام/ 26 يونيو 1970
في أرشيف الأمم المتحدة وثيقة/ مراسلة من سفير المغرب في الأمم المتحدة أحمد الطيبي بنهيمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول موضوع الاعتداءات الإسبانية على سكان العيون في يونيو 1970. (الرسالة مؤرخة في 26 يونيو 1970، تحت رقم UN.406/70. وتوجد في محفظة وثائق تغطي المرحلة الممتدة من 1/1/1968 إلى 31/12/1971)، وتحيل المراسلة على “الأحداث الدموية” التي عرفتها “الصحراء تحت السيطرة الإسبانية” يوم 17 يونيو 1970، والتي أسفرت عن عدد من القتلى والجرحى واعتقالات. وتخبر بأن “حكومة جلالة الملك تتابع بقلق عميق الوضع في الإقليم إثر الموجة الجديدة من القمع التي تعارض بها السلطات الإدارية إرادة سكان الصحراء”.
وتابعت رسالة الممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة بأن “حكومة جلالة الملك كلفت سفيرها المعتمد لدى الحكومة الإسبانية بتقديم احتجاج قوي على هذه الأحداث الأليمة ووضعها أمام جميع مسؤولياتها لكل العواقب الحقيقية لهذه السياسة، والتهديد الذي تشكله على الأمن في المنطقة”….
هذه الوثيقة تثبت أن الحكومة المغربية اعتبرت أن ما جرى في العيون في شهر يونيو يمس الوحدة الوطنية للمغرب، وراسلت الأمم المتحدة بصفتها طرفا معنيا في “قضية الصحراء”، كما تؤكد ذلك قرارات الجمعية العامة واللجان التابعة لها ومراسلات المغرب لمجلس الأمن والأمين العام منذ 1960.
الوثيقة الثانية: أحداث العيون في مراسلة رسمية ثانية/ 14 يوليوز 1970
الوثيقة الثانية من أرشيف الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام، وقعها محمد المحجوبي، المكلف بمهمة في بعثة المغرب لدى الأمم المتحدة، وهي أكثر دقة وتفصيلا، خاصة من حيث الدلالات السياسية، من أن الحكومة المغربية تصر على اعتبار أن ما جرى في العيون في يونيو ويوليوز يهمها كثيرا. (الوثيقة مؤرخة في 14 يوليوز 1970 وتحمل رقم .(A/7989
تحيل وثيقة 14 يوليوز 1970 إلى رسالة الممثل الدائم للمغرب بشأن أحداث العيون، وتنبه الأمين العام إلى استمرار حملة القمع والاعتقالات وإلى التدهور الكبير للوضعية في “الإقليم” وأن الحكومة الإسبانية اختارت ممارسة أسلوب التخويف والرعب بتعزيز قوتها العسكرية وتكثيف عملها القمعي ضد السكان الأبرياء. وتعلن الرسالة للأمين العام رفض “حكومة جلالة الملك” لاستعمال هذه الأساليب التي تؤدي إلى المس بالأمن والسلم في المنطقة، وتحمل الرسالة المسؤولية لما يجري للحكومة الإسبانية وأن الوقت قد حان وبسرعة لكي تتحمل الحكومة الإسبانية مسؤولياتها وأن تباشر فورا تطبيق القرارات التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورات الأخيرة. وطالب المغرب رسميا بأن تباشر الحكومة الإسبانية باستشارة مع الحكومتين المغربية والموريتانية الإجراءات المناسبة بتسهيل مأمورية بعثة الأمم المتحدة للتقصي والتي صدر بشأنها قرار من الجمعية العامة ورفضت إسبانيا تطبيقه، وعودة اللاجئين والمنفيين إلى منازلهم لتأمين استفتاء حر ومطابق للمعايير الدولية المعروفة. وتنبه “حكومة جلالة الملك” الأمم المتحدة ضد كل استشارة للسكان من لدن الإسبان بشكل أحادي مناف لقرارات الجمعية العامة خاصة القرار 2591 المؤرخ في 16 دجنبر 1969. وتختم رسالة الحكومة المغربية بفقرة تؤكد فيها قبولها ودعمها لكل حل عادل وسلمي للمشكل. وتطلب من الأمين العام توزيع واعتبار الرسالة وثيقة رسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة. (تنظر قرارات قمة انواذيبو/ شتنبر 1970، التي انعقدت بعد أحداث العيون، وتفسر التوافق التام بين دول المغارب حينها حول منع إسبانيا من تطبيق مخططها الانفصالي).
والرسالتان معا المؤرختان في 26 يونيو و14 يوليوز 1970 بقدر ما تنددان بما جرى في العيون من قمع قوات فرانكو للسكان بقدر ما تعلنان تمسك المغرب بالحل السياسي والعادل لقضية الصحراء، وأنها طرف معني منذ أن وضع المغرب طلب مناقشة ملفات الصحراء وإفني وسبتة ومليلية والجزر المتوسطية في اللجنة الرابعة بعدما شارك في اللجنة السادسة التي انتخبتها الجمعية العامة في دجنبر 1959 لتحديد مفهوم الأراضي المستعمرة والأراضي تحت سلطة إدارية، وهو ما تضمنه القراران 1514 و1541. (ينظر مقالنا: الموساوي العجلاوي: ما العلاقة بين المغرب وقرار الجمعية العامة 1541؟ وجهة نظر. موقع 2M يوليوز 2022).
الوثيقة الثالثة: برقية علال الفاسي باسم حزب الاستقلال إلى الأمين العام للأمم المتحدة
ويتعلق الأمر ببرقية احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة على الحملة القمعية في العيون. (أرشيف الأمم المتحدة تحت رقم A/AC./09/PET.1151 ومؤرخة في 22 يونيو 1970. وتم توزيع برقية علال الفاسي في اجتماع اللجنة الرابعة الجلسة رقم 158، بتاريخ 19 غشت 1970. ترجمت البرقية إلى كل اللغات المعمول بها حينها في الأمم المتحدة). تقول برقية الاحتجاج ما ترجمته: “إثر القمع الدموي الذي جرى يوم 17 يونيو 1970 من لدن السلطات الإسبانية في الأراضي المغربية” الساقية الحمراء”، وكان ضحيته سكان العيون، ونتج عنه “عشرات القتلى والجرحى وكذا آلاف الاعتقالات…”. “وفي الوقت الذي تجبر فيه الأمم المتحدة إسبانيا على وضع حد لوصايتها في المنطقة، لم تتوقف سلطات الاحتلال عن تعزيز قوتها العسكرية، وتقوم الآن بمناورات جوية وبحرية بين جزر الكناري والسواحل المغربية”. وحذرت برقية علال الفاسي من التهديد الذي تشكله إسبانيا في المنطقة، وقدم باسم حزب الاستقلال احتجاجه على ما جرى في العيون، كما أثار انتباه الأمين العام إلى السلوك الاستعماري لمدريد في المنطقة. وتعكس برقية علال الفاسي الحضور الحزبي في الصحراء، كما تشهد بذلك وثائق عديدة من خلال ارتباط حزب الاستقلال بعائلات كبيرة في المنطقة، وكان امحمد بوستة الزعيم الحزبي الوحيد الذي استقبلته لجنة التقصي التابعة للأمم المتحدة أثناء زيارتها لأكادير في 1975.
الوثيقة الرابعة: تقرير بعثة الأمم المتحدة للتقصي في الصحراء
زارت المنطقة بعثة للتقصي تابعة للأمم المتحدة في ماي / يونيو 1975، وخصصت في تقريرها فقرات لبصيري؛ منها الفقرة 343 للحديث عن مصير بصيري.. وهكذا اجتمعت مع عائلته في الطانطان، وذكرت البعثة أن “ثلاثة أشخاص قدموا أنفسهم باعتبارهم أشقاء بصيري، وتحمل هوياتهم أسماء: بصير مولاي العربي، المولود عام 1925 في مراكش والمقيم في الرباط، وبصير المختار، المولود عام 1935 في تدلا، والسيد بصير محمد، المولود عام 1949 في بني عياط، (نواحي بني ملال). وطلب الأشقاء الثلاثة من الأمم المتحدة، عن طريق البعثة، أن تقوم بالتحقيق لمساعدتهم على اكتشاف سرا اختفاء بصيري. وقال أفراد المجموعة إنهم يؤيدون تحرير الصحراء واندماجها بالمغرب” (الفقرتان 343 و344. ص 100). وسبق للتقرير التطرق إلى مصير بصيري في الفقرة 254، إذ صرحت السلطات الإسبانية لبعثة الأمم المتحدة بأن بصيري اعتقل خلال “حدوث أعمال الشغب في العيون في عام 1970 ثم أبعد إلى المغرب، من حيث كان قد أتى. وقالت تلك السلطات إنها ليست لديها أية معلومات عن السيد بصيري منذ ذلك الحين؛ بيد أنها تساءلت عما إذا كان من المحتمل أن يكون هو نفس الشخص الذي يدعى محمد بشير الذي وجهت إليه فيما بعد، حسب ما يتوفر لديها من معلومات، تهمة الإطاحة بحكومة المغرب، وحكم عليه في ذلك البلد بتهمة الخيانة. والتقت البعثة مؤخرا، أثناء زيارتها طانطان في المغرب، مع أعضاء أسرة بصيري التي تضم ثلاثة من أشقائه. ولا تتوفر لدى أسرته أية معلومات عنه منذ عام 1970، وقد رجت أسرته من الأمم المتحدة عن طريق البعثة إجراء تحقيق حول اختفائه”. ويبدو من الفقرة 254 من تقرير اللجنة الأممية أن حكومة فرانكو مسؤولة عن اختفاء بصيري، ولا علاقة له بمحمد البشير.
يوما عن يوم ومع فتح الأمم المتحدة لأرشيفها تنكشف حقيقة أن من لا تاريخ له لا خيار له سوى الكذب وانتحال الصفات وسرقة الهويات، وهذا ما ينطبق على “البوليساريو” والنظام الحاضن له، وتشبث غريق بغريق…
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.