أخر الاخبار

تازة وقبيلة غياثة في رحلة شارل دى فوكو 1883 - 1884


غياثة دولة ديمقراطية في عنفوانها 1/2

 نشر في العلم يوم 23 - 01 - 2011


تقع المدينة على صخر، على ارتفاع 83 مترا فوق مجرى واد تازة وعلى ارتفاع 130 متر فوق نهر إناون. تتكئ المدينة على سلسلة جبلية عالية وتحيط بها هوات شمالا وغربا وحافة جد وعرة في الشمال الشرقي. ليست المدينة سهلة الاتصال إلا من جانب واحد أي الجانب الجنوبي الشرقي. الهضبة حيث المدينة ذات انحدار طفيف في اتجاه الشرق من جهة وفي اتجاه الغرب من جهة ثانية. تحيط بتازة أسوار مزدوجة في عدة أماكن. كانت هذه التحصينات، فيما مضى أكثر أهمية مما هي عليه الآن كما تشهد بذلك الآثار المنتشرة بجوار المدينة. ليست للأسوار الحالية أية قيمة عسكرية. إنها من الطين المجفف وهي رقيقة وقديمة جدا.
إن هذه الأسوار ذات علو ضئيل وهذا شيء نادر. تحتل البساتين جميع المنطقة التي يحيط بها الجزء الجنوبي من السور ويوجد من ورائها سور ثاني ثم تبدأ المدينة فقط، وحتى داخل الأسوار لا تحتل بنايات كل المجال إذ تغطي المزروعات بعض أجزاء الهضبة في اتجاه الشرق والغرب.
يقدر سكان المدينة ب 3000 أو 4000 نسمة من ضمنهم 200 يهودي يسكنون في مساحة ضيقة جدا داخل ملاح صغير جدا. بالمدينة مساجد. اثنان منها كبيران واثنان صغيران وبالمدينة أيضا فندق أو ثلاثة فنادق واسعة في موقع جيد إلا أنها خالية ومتداعية للسقوط.
بني نصف المدينة بالحجارة والنصف الآخر بالآجر. طيلت الدور باللون الأحمر الباهت الشيء الذي يكسوها لونا حزينا كسائر الدور ذات سطوح كما هو الحال في جميع المدن التي شاهدتها بالمغرب باستثناء مدينتي القصر والشاون.
لأكثرية المنازل خزان ماؤه عذب بارد إلا أن هذا الماء لا يكفي لسد حاجيات السكان وخاصة حاجيات الحيوانات فيبحث الناس عن الماء عند السيل تعويضا للنقص الحاصل. تحيط بتازة حدائق غناء من جميع الجهات. يسقي هذه الحقائق ماء واد تازة من جهة ومياه عدد من المسيلات النازلة من الجبل من جهة أخرى. تكون هذه الحدائق غابة كثيفة من الأشجار المثمرة ذات قامات غير عادية ربما لا يوجد لها مثيل بالمغرب. تغطي هذه الحدائق الهضبة المحيطة بكل جوانب المدينة وتتزاحم الأشجار حتى الحافة الوعرة التي تحد المدينة من الغرب. وهنا عند اتصال الأشجار في أسفل الأسوار ترتفع أغصان الأشجار العالية فوق سطح المنازل.
يسهر السلطان مبدئيا على تازة إلا أنها عمليا تحت سلطة قبيلة غياثة القوية، الأمر الذي يجعل منها أشد المدن بؤسا على وجه الأرض. للمخزن قايد وحوالي مائة مخزني بالمدينة يعيشون داخل المشور من حيث لا يتجرؤون على الخروج خوفا من أهل غياثة. سلطة القايد منعدمة ليس فقط خارج أسوار المدينة بل وداخل المدينة نفسها. تنحصر وظائف القايد في الفصل بين المتخاصمين إليه من المسلمين الحضريين واليهود فيما يقع بينهم من منازعات. أما فيما يخص إليه من المسلمين الحضريين واليهود فيما يقع بينهم من منازعات. أما فيما يخص أهل غياثة الذين تقع مدينة تازة داخل محيطهم فإنهم يعاملون هذه المدينة معاملة الأراضي المحتلة فيسلبون عنوة كل ما يروقهم؛ ويسفكون ساعتها دماء من لايمتثل لأوامرهم عن طيب خاطر. وخارج الأسوار يفرض أهل غياثة على المدينة حصارا مستمرا. لا أحد من سكان المدينة يتجرأ على مغادرة المدينة دون مرافقة أحد أفراد القبيلة. قد يتعرض للسطو أو لسوء المعاملة وربما القتل كل من يغامر بالخروج من المدينة دون زطاط ولو على بعد 100 متر إلى حد أن السكان لايقوّوْن على الذهاب بمُفردهم لملء جرّاتهم ماء من واد تازة. هكذا يصبح لغياثة احتكار الماء الذي يأتون به إلى المدينة مقابل أجرة. المدينة مكتظة بأفراد قبيلة غياثة داخل الأسوار. يشاهد المرء باستمرار عددا كبيرا منهم متسكعين في الأزقة وعددا كبيرا منهم جالسين إما أمام الأبواب أو داخل الدور أو فوق السطوح.


يُتعرّف المرء على أهل غياثة بسيوفهم أو بنادقهم التي لاتفارقهم. يستقرون حيث ما طاب لهم ويرغمون الناس على تقديم الأكل لهم إن وقع بصرهم على شيء أخذوه وانصرفوا إلى حال سبيلهم. ويوم السوق؛ حيث يكثر عددهم بالمقارنة مع الأيام العادية؛ لايتجرأ أحد على المرور بالأزقة ومعه بهيمة حمل مخافة أن تؤخذ منه عنوة. إضافة إلى هذا؛ من وقت لآخر؛ فإن غياثة يخضعون المدينة إلى نهب عام؛ وهكذا وبمجرد أن يملك أحد سكان المدينة بعض النقود فإنه يسارع إلى إرسالها إلى مكان آمن؛ إما إلى فاس أو إلى قصبة مكناسة. إنه لمَشهد غريب هذا الذي نراه من خلال هؤلاء الناس وهم يتجولون عبر المدينة؛ مسلحين؛ ويتصرفون داخلها طيلة السنة مثلما يتصرفون مع مدينة عدوة يوم الهجوم على هذه الأخيرة. إنه من الصعب التعبير عن الخوف الذي يعيش فيه سكان هذه المدينة من جراء تصرفات أفراد قبيلة غياثة، لذلك لايحلم سكان المدينة إلا بشيء واحد؛ ألا وهو قدوم الفرنسيين (!) كم من مرة سمعت المسلمين يقولون بأعلى أصواتهم: متى سيأتي الفرنسيون؟ متى سيخلصوننا أخيرا من أهل غياثة؟ متى سنعيش في أمان كما هو حال سكان تلمسان؟ ويتمنون أن يكون هذا اليوم قريبا. حدوث هذا اليوم ما فيه شك بالنسبة إليهم. وفي هذا الصدد فإنهم يتقاسمون الرأي العام السائد بين جزء كبير من سكان المغرب الشرقي وتقريبا جميع أفراد الفئة العليا لسكان الامبراطورية: سيعيش المغرب الأقصى؛ في مستقبل غير بعيد؛ نفس المصير الذي عاشته الجزائر وتونس وسيقع في قبضة فرنسا(!).


تجارة تازة منعدمة، ثمن السلع الأوربية أضعاف ما هي عليه في فاس وهذه نتيجة طبيعية لصعوبة المواصلات. واحسرتاه على هذه الحدائق الجميلة نفسها حيث كان علي باي يشتهي سماع هديل الحمام والترغلة أصبحت بالنسبة للسكان مصدر همّ ونكد مُر: فهي خضراء كما كانت أيام البديع، تهمس فيها نفس الجداول، والعنادل لازالت تغني بها لكن أهل قبيلة غياثة استوْلوا عليها بأجمعها.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -