أحداث كثيرة تابعها المغاربة على امتداد سنة 2023 واختلفت درجات اهتمامهم بتفاصيلها وتطوراتها المختلفة، غير أن قضايا المتابعات والمحاكمات القضائية التي طالت وجوها سياسية وانتخابية في أوقات متفرقة من العام شكلت أحد أبرز المواضيع التي حظيت بمتابعة واسعة لدى الرأي العام المغربي، الذي ينجذب أفراده وراء هذا النوع من الأخبار التي تبلغ حد الاحتفاء من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبارها “خطوة أولية” في طريق محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة.
بدءا بقضية الوزير الأسبق والقيادي في حزب الحركة الشعبية محمد مبدع، ومرورا بياسين الراضي وعبد لعزيز الوادكي عن حزب الاتحاد الدستوري، وصولا إلى سعيد الناصيري وعبد النبي بعيوي، وعدد من الملفات والقضايا الأخرى المفتوحة أمام القضاء، مثل قضية البرلماني ورئيس المجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير محمد السيمو، وبرلماني الأصالة والمعاصرة هشام المهاجري، تتشكل في الأفق معالم “حملة” تطهير واسعة للمشهد السياسي بمحاسبة وفتح كل الملفات والشبهات المتعلقة بها؛ إذ انتهى الأمر ببعض الأسماء إلى السجن، فيما يظل مصير آخرين رهين ما ستسفر عنه التحقيقات الجارية معهم، فإما تبرئتهم مما نسب إليهم من أفعال واتهامات أو دخول السجن من أبوابه الواسعة في حال إثبات التهم التي يواجهونها.
وأيا كانت النتيجة يستقبل المغاربة هذه المحاكمات والملفات وما تسفر عنها من أحكام بارتياح كبير، ويعتبرونها رسالة ردع واضحة للمتطاولين على المال العام من السياسيين الذين لا يجدون أي حرج في مراكمة الثروات والمصالح خلال فترات تدبيرهم الشأن العام.
وفي تعليق على الموضوع اعتبر إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن “الحديث عن حملة تنظيف وتطهير للحياة السياسية والاقتصادية من ذوي الشبهات بدأ منذ سنة 2022، لما قررت وزارة الداخلية إحالة حوالي 40 ملفا على القضاء، ضمنها ما يتعلق برؤساء جماعات ومنتخبين وغيرهم، اشتبه في تراميهم على المال العام، واستغلال النفوذ وتبديد أموال عمومية”.
وأضاف حمودي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “تواتر الأحداث والملفات سنة 2023، التي تعززت بملفات أخرى مع اقتراب نهايتها، بلغت درجة الاعتقال والتوقيف والحكم بالسجن في حق مجموعة من الشخصيات السياسية والمنتخبين، يؤكد أننا أمام صحوة في قطاع العدالة”، مبرزا أن هذه الصحوة “الهدف منها تطهير الحياة السياسية والاقتصادية ممن تراموا على المال العام”.
وسجل المتحدث ذاته أن “هذه الأحداث تؤكد حقيقة أن المغرب أمام رهان محاربة الفساد، لكن هذه القضايا تبدو إلى حد الآن معزولة”، معتبرا أن “حجم الفساد في المغرب اليوم أكبر بكثير من الملفات المفتوحة أمام القضاء وأصبح معطى هيكليا”، على حد وصفه.
كما شدد الأستاذ ذاته على أنه “يتم إلى حد الآن استهداف المنتخبين والسياسيين فقط”، متسائلا: “أين رجال السلطة مثلا؟ والإداريون والمسؤولون العموميون الذين يشرفون بشكل فعلي على تدبير المال العام؟”، قبل أن يجيب: “إلى حد الآن هم خارج المحاسبة ولم تطلهم يد القضاء، علما أن الإشاعات حول تبديد الأموال العمومية مسألة رائجة لدى المجتمع”.
من جهته، أكد عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات والمحلل السياسي، أن “نوعية المتابعين في القضايا الأخيرة تختلف عن سابقاتها، بالنظر إلى طبيعة الاتهامات الموجهة”، معتبرا أن هذا الأمر “استمرار لتحريك المتابعة القانونية لشخصيات عمومية تضطلع بمهام انتدابية من جهة، وهي أيضا من الأعيان في مناطقها وجهاتها”.
وأضاف اليونسي في تصريح لهسبريس: “لا يملك المتتبع للشأن العام الوطني إلا أن يعبر عن تفاؤله بتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا مبدأ المساواة أمام القانون، وهذا من شأنه تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة، سواء تلك المتعلقة بمؤسسات إنفاذ القانون أو السلطة القضائية”، مشيرا إلى أن هذا الأمر يمثل “ثقة في المحصلة النهائية تقوي من مشروعية وشرعية النظام السياسي المغربي”.
وسجل المحلل ذاته جملة من الملاحظات بخصوص المتابعات الأخيرة، مبرزا أن أولاها مرتبطة بـ”البناء المؤسساتي الذي يجب أن يتعزز ويُمنح صلاحية الممارسة الاستباقية لمواجهة هذا النوع من الجرائم المرتبطة بالأموال أو المخدرات أو استغلال النفوذ، إضافة إلى توفير ضمانات الدولة للقضاء ليمارس استقلاليته الفعلية في هذا النوع من الملفات”.
وزاد اليونسي موضحا أن الملاحظة الثانية مرتبطة بـ”بعض الثغرات القانونية والمسطرية المرتبطة بهذا النوع من المتابعات، وهي ثغرات يتم الاعتماد عليها إما لإطالة أمد الملفات أو الإفلات من العقاب، ما قد يسقط مؤسسات الدولة في نوع من الانتقائية في تطبيق القانون”، مشددا على “ضرورة إخراج قانون الإثراء غير المشروع والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية في صيغتها الجديدة لتعزيز دور القضاء والضابطة القضائية في محاربة هذه الجرائم”.
كما أكد المحلل السياسي ذاته أن الملاحظة الثالثة ترتبط بـ”بعض المؤسسات التي يظهر أنها فقط عبء مؤسساتي لا غير، وذلك لانعدام دورها في هذا النوع من الملفات، من قبيل مجلس المنافسة وهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة”، داعيا إلى المزيد من الجدية والصرامة في معالجة الملفات والقضايا المرتبطة بالفساد وتبذير المال العام.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.