توفيق بوفرتيح
لم يجد النظام الجزائري الفرصة المناسبة لممارسة “ألاعيبه المفضوحة والاستمتاع بمرحلة المراهقة السياسية التي يمر منها، والإسهاب في إبداع المسرحيات الدبلوماسية التي يتقنها”، إلا في وقت يبكي فيه المغاربة شهداءهم ويسارعون الزمن لإسعاف جرحاهم إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة، مساء الجمعة الماضي.
وفي آخر خطواته التي تنم حسب محللين “عن قصوره السياسي وغياب الضمير الإنساني لدى نخبته”، استغل النظام الجزائري تصريحات صحافية لوزير العدل المغربي، بشأن المساعدات الجزائرية، لحبك “مسرحية سيئة الإخراج” حظيت بتغطية إعلامية واسعة، إذ قفز على كل القنوات والأعراف الدبلوماسية ليعلن من جانب واحد أن “المغرب قبل المساعدات الجزائرية”، ليقوم بعدها بإيفاد طائرات عسكرية وفرق إنقاذ إلى مطار “بوفاريك” العسكري، مؤكدا أنه “جاهز وينتظر فقط الضوء الأخضر من الرباط”.
وفي وقت أكدت المملكة المغربية على “وضوح مقاربتها في تلقي المساعدات التي تستحضر احتياجات الرباط، وقبلت إثرها عروض أربع دول فقط”، يسجل محللون أن “ما أقدمت عليه الجزائر بتجاوز القنوات الدبلوماسية والمواقف المغربية في هذا الإطار إنما يراد به تبييض صورة النظام واستغلال هذه الأزمة الإنسانية خدمة لأجندة مسطرة تروم إقناع الداخل والخارج بأن المغرب هو من يرفض اليد الممدودة إليه وليس العكس”.
ويبدو أن الغاية الحقيقية من هذه الخطوات الجزائرية اتضحت سريعا، إذ أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا تناقلته وسائل إعلام جزائرية، أشارت من خلاله إلى أن “القنصل الجزائري في المغرب أبلغ السلطات الجزائرية بأن الرباط لا تحتاج إلى هذه المساعدات”، وهي وسائل الإعلام ذاتها التي روجت لقصف وهمي من ميليشيات البوليساريو على الأراضي المغرب تزامنا مأساة زلزال الحوز.
مسرحية سيئة الإخراج واستغلال سياسي
أنور مالك، معارض جزائري، قال إن “وزير العدل المغربي لم يقل إن المغرب يُرحب بالمساعدات الجزائرية، بل ربط ذلك بالتنسيق مع وزارة الخارجية المغربية”، مشيرا إلى أن “الرباط لم تطلب إلى حدود اللحظة أي مساعدات من الجزائر، ولا يوجد أي تنسيق بين القنوات الدبلوماسية للبلدين في هذا الإطار، وبالتالي فإن إيفاد الطائرات وفرق الإنقاذ إلى مطار بوفاريك وتغطية هذه العملية على نطاق واسع من طرف الإعلام الجزائري هو مسرحية سيئة الإخراج وبهرجة إعلامية يراد بها إحراج الرباط”.
وأوضح مالك أن “الخطوة التي أقدمت عليها الجزائر باستنادها إلى تأويل معين لتصريح صحافي من مسؤول مغربي إنما تحاول من خلالها السلطات الجزائرية إجبار المغرب على قبول هذه المساعدات، وإظهار أن الرباط هي من تدير ظهرها للجزائر وليس العكس”، لافتا إلى أن “الجزائر لا تهمها مساعدة المغرب ولا العلاقات معه بقدر ما يهمها تبييض صورتها أمام المنتظم الدولي بعد جريمة السعيدية التي سودت صورتها”.
“النظام العسكري في الجزائر أظهر مرة أخرى مدى التخبط الذي يعيش فيه والسخافة التي تطبع خطابه السياسي بل وحتى الإنساني”، يسجل المعارض الجزائري، الذي أضاف أن “النظام الجزائري ليست لديه أي نية صادقة لمساعدة المغرب، ذلك أنه لم يتقدم بتعزية مباشرة إلى القيادة المغربية على غرار ما فعلته كل الدول، بل اكتفى بتوجيه تعزية إلى الشعب المغربي، وكأن الأخير لا يملك قيادة ولا دولة”.
ولفت المتحدث لهسبريس إلى أنه “في وقت يبكي المغاربة ضحاياهم يروج الإعلام الرسمي الجزائري لعمليات قصف وهمية من جبهة البوليساريو على المناطق الحدودية، وهو ما لا يصح وصفه إلا بالانهيار الأخلاقي والقيمي”، مضيفا أن “الإعلام الجزائري تجاهل في تغطيته المأساة التي يعرفها المغرب، مركزا كل التركيز على أخبار قضية الصحراء”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “كل هذه المعطيات فضحت النظام الجزائري الذي يتصرف بعيدا عن المبادئ التي يفرضها حسن الجوار، وكان الأحرى أن يستغل هذه الفرصة لتجاوز الخلافات مع الرباط والاستجابة لدعوات ملك المغرب لفتح صفحة جديدة بين البلدين، لكنه فضل استغلال هذا الحادث لأغراض سياسية”، مؤكدا على “ازدواجية الموقف الجزائري في التعاطي مع القضايا التي تهم المغرب”، حيث تساءل: “كيف لجهة تجهز طائرات عسكرية لنقل مساعدات إلى المغاربة أن تكون هي الجهة نفسها التي تنقل السلاح للبوليساريو وتحرضها على استهداف الأراضي المغربية؟”.
مقاربة واضحة وقصور سياسي
البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في تحليل الصراع وإدارة الأزمات، قال إنه “بداية يجب التأكيد أن موقف المغرب من تدبير المساعدات الأجنبية في عمليات الإنقاذ كان واضحا منذ البداية، إذ يقوم على فلسفة ومقاربة سيادية واضحة تهم الاستفادة من كل أشكال المساعدة الممكنة في حدود احتياجات المملكة المغربية في هذا الإطار”.
وأضاف البراق أن “المبادرة الجزائرية الأحادية التي بُنيت على تصريح صحافي، بعيدا عن القنوات الدبلوماسية، تعكس القصور السياسي الذي تعاني منه النخبة الحاكمة في الجزائر، واستمرار السياسة العدائية للنظام الجزائري تجاه المغرب تحت غطاء إنساني”، لافتا إلى أن “الإعلام الجزائري مباشرة بعد بلاغ السلطات الجزائرية الذي عرض المساعدة على المغرب انخرط في حملة مسعورة تستهدف الرقص على جراح الشعب المغربي، والتلاعب بالقيم الإنسانية خدمة لأجندات داخلية جزائرية”.
وأوضح المتحدث في هذا الصدد أن “ما أقدمت عليه الجزائر بإيفاد طائرات وفرق إغاثة إلى المطار في انتظار الضوء الأخضر من المغرب هو خطوة تستهدف المزايدة على مواقف الرباط الثابتة في دعم الشعب الجزائري الشقيق في أكثر من مناسبة، وهو ما تأكد بالفعل من البلاغ الأخير لوزارة الخارجية الجزائرية الذي أوردت من خلاله أن الرباط أبلغت الجزائر عن طريق القنصل الجزائري بالدار البيضاء بأنها ليست بحاجة إلى هذه المساعدات، وبالتالي إعادة بناء الصراع مع المغرب على أساس أن الأخير يرفض التقارب مع الجزائر”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن “النظام الجزائري يثبت في كل مرة أنه هاو في الممارسة السياسية وفي إدارة العلاقات الدولية بمحاولته استغلال مأساة الزلزال والتشويش على المقاربة المغربية في تدبير هذه الكارثة؛ هذه المقاربة التي تفهمتها حتى الدول الحليفة للمغرب، بما فيها ألمانيا”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال لعاقل انتظار خير من نظام يرعى ميليشيا إرهابية ويروج لحروب وهمية لها ضد المغرب في عز اللحظات العصيبة التي يمر منها المغاربة، في ضرب صارخ لكل القيم الإنسانية والأخلاقية والإسلامية التي تدعي الجزائر أنها تدافع عنها”.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.