وائل بورشاشن
هل تأثر التصور والخطاب المغربيان المعاصران حول الأندلس برؤية غير مغربية لتاريخها؟ يدافع كتاب “الأندلس في اللقاء الاستعماري الإسباني-البرتغالي” عن هذه الأطروحة، قائلا إن “الأفكار التي نشأت حول الأندلس أول مرة في سياق الاستعمار الإسباني للمغرب قد وصلت في النهاية إلى مؤسسات الدولة المغربية المستقلة وخطابها خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي”.
الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية عن المركز الثقافي العربي في سنة 2023 الجارية، سبق أن صدر حديثا عن منشورات جامعة هارفارد بعنوان “الأندلس الكولونيالية: إسبانيا وصناعة الثقافة المغربية الحديثة”، ونقله المترجمان عبد البر منادي إدريسي ومحمد المديوني.
ويؤكد الباحث أن هجرة عشرات آلاف الأندلسيين من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى المغرب خلال الفترة الممتدة من القرن الخامس عشر إلى بداية القرن السابع عشر، كان لها “أثرها العميق على الحياة الثقافية والاجتماعية في المغرب”، كما يقر بوجود أطروحات مقنعة عن الهوية الأندلسية قبل الاحتلال الإسباني بقرون، في مقابل “القوى المسيحية” والثقافة المغاربية.
وبالتالي، “الاستعمار الإسباني لم يخترع الأندلس ولا كان أول من قدم أول استعمال للهوية الأندلسية في شمال إفريقيا”، لكن “تجلى كل عمله في مجموعة من الأفكار حول كيف أصبح المغرب أندلسيا وكيف تتمظهر الثقافة الأندلسية للمغرب في الفترة الحديثة”، وهي رواية يدافع الكتاب عن كونها مقتبسة من هذا الخطاب الإسباني، مع تميز عن خطاب إسبانيا التي قدم عبرها منظروها أنفسهم “منقذي الإرث الأندلسي المغربي”، ودافعوا عن الميلاد الجديد للأندلس في المغرب”، في حين عوض الخطاب المغربي المعاصر خطاب الاحتلال هذا بـ”خطاب الاستمرارية”.
ويرى الباحث أن المثقفين المغاربة المعاصرين ونظراءهم الكولونياليين الإسبان يتقاسمون “مجموعة من الأفكار حول كيفية وصول الثقافة الأندلسية إلى الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق وتمظهراتها في المغرب الحديث”، مع فرق هو أن “هذه الأفكار اليوم تنكر أي علاقة لها بالأيديولوجيا الكولونيالية، وتحولت سردية صيغت لخدمة الاستعمار إلى حجر الزاوية في الهوية الوطنية المغربية”.
وقال الكاتب إن هذا العمل قد اندرج في قصة رحلته إلى اللغة العربية وإلى المغرب، “حيث قادني عشقي لتاريخ الأندلس وإرثها لتعلم اللغة العربية، وهذه اللغة وجهتني نحو المغرب”.
ودفعت الباحث للاشتغال على هذه الأطروحة أسئلةٌ كان يبحث عن جوابها: كيف ساهم إرث الأندلس وذاكرتها في تشكيل الهويات والخطابات المعاصرة، مع تركيز خاص على المغرب وإسبانيا؟ وكيف ساهم إرث الاستعمار وذاكرته في تشكيل الهويات والخطابات في المغرب وإسبانيا المعاصرين؟ وما العلاقة-إن وجدت-بين إرث الأندلس والاستعمار؟
وفي معرض جوابه في الكتاب الصادرة نسختُه العربية في أزيد من أربعمائة صفحة، قال الباحث إن خطابات المغرب وإسبانيا حول الأندلس قد تغيرت نتيجة اللقاء الاستعماري بينهما في القرنين التاسع عشر والعشرين. ودافع عن فكرة مفادها أن الكُتاب والفنانين والباحثين والشخصيات العمومية في المغرب وإسبانيا عندما يتحدثون عن الأندلس أو يكتبون عنها في الوقت الحاضر، ينهلون في الغالب من “أفكار ظهرت في السياق الاستعماري خلال القرنين التاسع عشر والعشرين”.
كما يتجاوز العمل “الكثير من المسلمات الشائعة” حول تاريخَي المغرب وإسبانيا و”أوجه التداخل بينهما”.
وأضاف: “على الجانب المغربي، يوجد نزوع نحو سرد قصة الاستعمار بشكل أساسي، وحصري أحيانا، من خلال رواية الاستعمار الفرنسي”، وهو ما قال الباحث إنه قد “حجب بعض مظاهر التأثير المهم الذي تركه الاستعمار الإسباني على الثقافة المغربية؛ تأثير غير منحصر في شمال المغرب، أي منطقة الحماية الإسبانية سابقا، بل يوجد في مدينة الرباط وأماكن أخرى من منطقة الحماية الفرنسية سابقا”.
وسجل مترجما العمل منادي إدريسي والمديوني أن المؤلف لا ينكر “وجود الإرث الأندلسي في مظاهر كثيرة من مظاهر الثقافة المغربية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك؛ بحيث يبرز طريقة تسرب الحديث عن هذا الإرث إلى الخطاب الرسمي والأكاديمي والشعبي وأصله في المغرب”، وهو ما اعتبراه “ثورة لم يكن أغلبنا يتصور حدوثها في الدراسات المغربية الأندلسية”.
وتابع ناقلا العمل إلى العربية: “هو قراءة نقدية لأفكار قد تكون بسيطة عند البعض يتداولونها دون وعي بأصلها ومنشئها. فبحكم حياده ولا انتمائه العرقي أو الديني إلى البلدين، ارتدى الكاتب عدسات صافية مكنته من تقديم قراءة ذكية للأحداث التاريخية، وربط العلاقات المنطقية والوجودية بينها باستعمال أدوات ومناهج علمية واضحة ومتعارف عليها”.
وهكذا، قاد هذا العمل صاحب الكتاب إلى استنتاج أن الأفكار نفسها قد استعملها الطرفان الجاران “لتبرير مشروعين متناقضين: الاستعمار والمقاومة”، كما أن هذه الأفكار “تحولت إلى خطاب رسمي للدولة المغربية، وأصبحت جزءا من دستورها”.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.