الفايد بين منطق العلم ولغة التهويل والتدليس
سعيد الغماز
“نحن العلماء”.. “نحن الباحثين”.. “نحن نتكلم لغة البحث”.. “نحن نتحدث في المؤتمرات العالمية التي يجتمع فيها المخترعون والخبراء”.. “إذا لم تكن مخترعا لا تتحدث معي”.. “هذي ما يعرفوهاش الأطباء”.. “ما كاينش عندنا علماء، ولي راجل يطلع… والله حتى الندمو”.. “أعباد الله راه لا يقرؤون”.. “هادشي لي كانقول ليكم لن تجدوه في أي كتاب وما عند حتى واحد”.
هذه عينة من الجمل التي تجدونها في كل خرجات الدكتور الفايد سواء في “يوتيوب” أو في المحضرات وكيفما كانت طبيعة الموضوع الذي يتحدث فيه، ناهيك عن استعماله لبعض الحركات في الوجه وبعض الضحكات.
وهي أساليب تعكس بجلاء المنهجية التي تُستعمل في علم التواصل لجلب الأنظار حتى يكون الرأي هو المتفوق على باقي الآراء ولإيصال الفكرة بنسبة كبيرة. هذه المنهجية التواصلية تصلح في عالم السياسة والتسويق والأيديولوجيات…. لكنها لا تصلح في عالم العلوم البحثة والبحث العلمي ولا يستعملها من هو متشبع بروح البحث العلمي لأن المنطق وتسلسل الأفكار يحتل حيزا كبيرا في كلامه.
المتتبعون لطريقة د.الفايد في عرض أرائه يبرز لهم جليا أنه يعتمد على منهجية مكونة من ثلاثة عناصر: عرض الفكرة مع الحرص على أنه هو أول من يتحدث في الموضوع وإن كان موضوعا أو فكرة قديمة -تبخيس عمل المتخصصين في المجال الذي يتحدث عنه بلغة التحقير وتقويلهم ما لا يقولونه للركوب عليه- ثم الحديث عن نفسه كخبير ومخترع في المجال لإيهام المتلقي بأنه يعرف أكثر من الآخرين ويفهم أفضل منهم وهم لا يعرفون شيئا. نضيف إلى ذلك أنه يعطي كمًّا كبيرا من الأخبار دون ذكر المصادر وعلى أي أساس اعتمد. هو الآن يروج بأن منتجات مصنوعة من الحشرات ستدخل قبل رمضان أسواق تونس وليبيا وموريتانيا والجزائر دون ذكر المغرب، لكنه لم يقل على أي أساس اعتمد في قوله ذلك. وعوض ذكر المصادر تجده يتحدث بلغة الواثق وبحدية كبيرة لكي لا يتساءل السامع عن مدى صحة أخبار دون ذكر مصدرها.
من يعرض هذه المنهجية بعناصرها الثلاثة على جميع خرجات د. الفايد، سيصل إلى حقيقة أنه يستعملها باستمرار حتى أصبحت جزأ من محاضراته. علما أنه يركز على أنه مخترع وباحث، لكنه لا يتحدث أبدا عن أبحاث قام بها، ولا عن العينة التي استعملها في تجاربه ولا عن نسبة نجاحها، ولم نسمع عن مجلة علمية نشرت إحدى أبحاثه في العشر سنوات الماضية.
قبل أن نتطرق لحكاية د.الفايد مع الشهرة وتضخيم الذات، هناك أسئلة يجب أن يجيبنا عنها د.الفايد:
– إذا كنتَ عالما ومخترعا وباحثا كبيرا… لماذا لم تعرض عليك المختبرات العالمية الاشتغال معها وتنعم بمختبرات مجهزة بأحدث التقنيات؟
– تتحدث عن أبحاثك واختراعاتك… قل لنا تاريخ آخر أبحاثك وما هي المجلة العلمية التي قبلت نشر بحثك؟
– سمعنا كثيرا كلامك عن كونك باحثا وتقول “أنا لا أتحدث إلا مع الخبراء والباحثين” لكننا لم نسمع عن أي بحث من أبحاثك ساهم في اختراع معروف، وجعل مختبرا عالميا يصنع منه منتوجا معينا كما هو شأن عالم الفيروسات المغربي منصف السلاوي الذي تصنع مختبرات عالمية اختراعاته في مجال اللقاحات.
– ما تقوله عن التغذية لا يخرج عن دائرة الدروس النظرية التي تخص علم التغذية كمكونات بعض المواد الغذائية وقيمتها في صحة الناس. لكنك تستعمل أسلوبا معينا لإيهام المستمع بأنها معارف جاءت نتيجة أبحاثك في حين هي معطيات يجب أن يعرفها كل متخصص في علم التغذية. فهل الطبيب الذي يشرح لنا كيف تشتغل المعدة ويعدد لنا مكوناتها وعلاقاتها مع باقي الأعضاء، يعني أن ما يعرضه علينا هوَ مَن توصل إليه نتيجة أبحاثه؟ لننتقل الآن إلى حكاية د.الفايد مع حب الشهرة.
اشتهر الدكتور الفايد كخبير في علوم التغذية. وبحكم حفظه لكتاب الله وتوظيفه الخطاب الديني في هذا العلم، كسب شهرة وذاع صيته. لكن عندما أصبح مجال التغذية يعرف بروز متخصصين ربما تفوقوا عليه في المعلومات التي يتطرقون إليها وفي التحدث بلغة مبسطة يفهمها عامة الناس لنشر أفكار مرتبطة بتخصص علمي بحث، جعلهم يكسبون شهرة ولم يعد د.الفايد ينفرد بتميزه في هذا المجال وهو ما لم يرق إليه كشخص يبحث عن الشهرة والتميز عن الآخرين.
مع بروز فيروس كورونا الذي استأثر باهتمام شعوب العالم، وجد د.الفايد فرصة لكسب المزيد من الشهرة والتحدث في موضوع جديد قد يحقق به السبق العلمي. فبدأ يتحدث عن فيروس كورونا وهو بعيد عن هذا التخصص. وكعادته يقوم بتبخيس ما يقوم به الآخرون وينتقد كل شيء باستعمال القاموس الذي أشرنا إليه في المقدمة. وهي منهجية يريد منها تدليس الكلام ليفهم المتلقي أنه يفهم في الفيروسات أكثر من أي عالم آخر.
وذلك دون أن يحدثنا إن كان قام بتجارب وما هي نتائجها وأي مختبر يمارس فيه أبحاثه. بل أكثر من ذلك ادعى أنه قادر على صنع لقاح ضد كرونا في الوقت الذي وظفت فيه الدول الكبرى كل إمكانياتها للبحث عن اللقاح.
والكل يعلم قصة العالم المغربي منصف السلاوي الذي عينه الرئيس الأمريكي الأسبق في قضية تمس الأمن الصحي لأكبر قوة اقتصادية. وكان يردد أن وزارة الصحة لا تعرف محتوى اللقاحات، محاولا تدليس فكرة أنه هو من يعرف محتوياتها.
بعد أن ضعُف اهتمام الناس بفيروس كورونا، بدأت منافسات كأس العالم في قطر التي عرفت اهتماما كبيرا من قبل المغاربة. نفس ما قام به د.الفايد مع فيروس كورونا، حاول استعماله للركوب على هذا الزخم الإعلامي الذي عرفه “مونديال” قطر علما أنه ليس من المهتمين بهذه الرياضة. فقام بالتطرق للموضوع لكن ضعف ثقافته في اللعبة جعلت أشرطته ضعيفة. في أحد أشرطته حول موضوع “المونديال” كرَّر مرارا وتكرارا عبارة “نتوما ما عارفينش أش تيقولو علينا…. مصيبتي أنا أنني أتابع ما يقولون باللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية”، لكنه كعادته استعمل هذه اللغة التدليسية ولم يقل في شريطه ولو خبرا واحدا عما يقوله الآخرون عنا. علما أن قنوات باللغة العربية تنقل أخبار دول تتحدث بلغات العالم، ولسنا بحاجة للتحدث باللغة اليابانية لنعرف أخبار اليابان.
بعد “المونديال”، وقع د.الفايد في الفراغ. لكنه يعلم جيدا أن العديد من قنوات الفقهاء والعلماء في “يوتيوب” تحصد الملايين من المشاهدات ومنهم من يفوق عدد المشتركين في قناته 10 ملايين. وللاستفادة من سوق المشاهدات هذا، تفاجأنا بالدكتور الفايد، وبدون حدث بارز ولا مقدمات، يستعمل لغته التدليسية من قبيل “ما كين حتى عالم” “لن أعبد الألباني”… وهل هناك من العلماء من يقول بعبادة الألباني؟”، بل أكثر من ذلك، ولشد انتباه الجمهور اتهم الألباني بالتشيع وقال “اقرؤوا كتابه” “أنا أعرف الألباني أكثر من هؤلاء” لكنه مرة أخرى يستعمل لغته التدليسية لأنه لم يشر لا لعنوان الكتاب ولا للفقرات التي يتهم فيها الألباني بالتشيع. ثم كيف لعالم ودكتور أن يسمح لنفسه في إذكاء النعرات الطائفية ونشر الفتنة في المجتمعات؟
نجح الدكتور الفايد في خلق “البوز” ورفع نسبة المشاهدات في قناته وحظي باهتمام متزايد، في سوق الرداءة والتخلف. لكننا أصبحنا نقف على حقيقة تقول إن تخلفنا ليس في التنمية والاقتصاد والبحث العلمي فحسب، بل التخلف في وطننا أصاب كذلك عقل عالم التغذية والمتخصص في جميع العلوم الأرضية. إذا كان هذا هو مستوى تفكير العالم والمتخصص في وطننا، فعن أي تقدم نتحدث؟ وأي تخلف سنحارب؟
عندما يكون في وطننا عالم التغذية يهتم بتخصصه.. والعالم الشرعي يهتم بدوره في نشر الأمن الروحي.. والطبيب يهتم بعلمه… والمهندس يهتم بتقنياته.. عندما ننتقل من منطق “أنا وحدي نضوي البلاد” ويكون التخصص العلمي سائدا في المجتمع كما هو شأن الشعوب المتقدمة… آنذاك يمكننا أن نتحدث عن التغلب على التخلف لشق طريق التقدم.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.