أخر الاخبار

الأوضاع السياسية في مغرب القرن التاسع عشر: أزمة العرش نموذجا

الجزء الثاني

المغرب في القرن التاسع عشر

أيوب إدريسي


تحدثت المصادر التاريخية المغربية التي تناولت الفترة المدروسة عن تردي الأوضاع السياسية ابتداءا من نهاية القرن 18م، وقد عبروا عن هذا التردي ببروز أزمة العرش التي تلت فترة حكم سيدي محمد بن عبد الله، وسوف تتجدد هذه الأزمة بعد ذلك بسنوات أي بعد وفاة المولى سليمان رغم أنه سعى وكما يؤكد ذلك أكنسوس إلى نقل السلطة إلى خليفته عبد الرحمان بن هشام، بحيث يشير المؤرخ أكنسوس: «إلى أن المولى سليمان قد قطع الطريق أمام الفتنة بتعيينه المولى عبد الرحمان بن هشام خليفة له، وقد تمت هذه البيعة في أخريات شهر ربيع الأول سنة 1238هـ الموافق لأول دجنبر 1822م»([1]). غير أن الناصري الذي أورد هو أيضا نفس الخبر يشير في مجال آخر من كتابه "إلى أن "بربر" الأطلس المتوسط بزعامة أبي بكر بن مهاوش والحاج محمد بن الغازي الزموري قرروا رفض بيعة السلطان، يقول الناصري: «وربما شايعهم على ذلك بعض غواة العرب مثل الصفاعة والتوازيط من بني حسن وزعير وجل عرب تادلا»([2]). إلا أن ثورة العرب و"البربر" هاته ما لبثت أن خمدت لأسباب تجملها الكتابات التاريخية في بروز عامل ديني صوفي ساهم في توحيد الصفوف ويتعلق الأمر بالشيخ عبد الله الدرقاوي المسجون عند الجيش السلطاني والذي أطلق سراحه مقابل تراجع محمد بن الغازي عن ثوراته وهو أكبر الطريقة الدرقاوية وأبرز مريديها ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة لسلب السلطة من المولى عبد الرحمان بن هشام بل كانت هناك محاولة أخرى لكنها أقل عنفا ويتعلق الأمر ببيعة المولى عبد الواحد بن المولى سليمان في تافيلالت ثم تحركه من أساكمال بيعة أهل المغرب له لكنه تراجع عن ذلك لما رأى السلطان عبد الرحمان بن هشام قد سبقه إلى ذلك وضمن بيعة العاصمتين فاس ومراكش كما ورد عند أكنسوس والناصري ويمكن أن نجمل ما كانت عليه الحالة السياسة قبيل معركة إيسلي فيما قاله المؤرخ أكنسوس إذ قال: «وحاصل الأمر أن هذا السلطان رحمه الله أي عبد الرحمان بن هشام وجد الدولة قد ترادفت عليها الهزاهز، وصارت بعد حسن الشبيية إلى قبح العجائز. قد تفانت رجالها وضاق محالها..» ([3]). ومن أهم مناطق التوتر التي تحدث عنها أكنسوس شمال المغرب عند قبائل الأخماس المجاورة للشاون، والتي تجددت فيها الثورة سنة 248هـ الموافق لـ 1825م بعد ثورة أولى كانت على عهد المولى سليمان (1793-1799).

وإذا كانت هذه الثورة قد أخمدت إلى حين فستجدد حسب الوثائق المخزنية سنة 1840م، باعتداء الأخماس على جيرانهم ونهبهم أموالهم فإن وضعية غمارة كانت ملفتة للانتباه نتيجة تردي أوضاعها الاقتصادية وظلم ولاتها وبطشهم وما يلفت الانتباه إلى غمارة هو وجودها غير بعيد عن أحداث الشرق أي أحداث احتلال الجزائر 1830م.

ومن الأماكن الأخرى التي أشرعت الانتباه بثوراتها الزاوية الشرادية (1244هـ/1828م) كانت لثورة الزاوية الشرادية ذيول تاريخية تعود إلى فترة حكم المولى سليمان لكن الأمر ما لبث أن استقر لفائدة السلطان الجديد الذي تلقى البيعة من المهدي بن محمد الشرادي نائب على أهل الزاوية إلا أن ولاة السلطان بالمنطقة قد غالوا في البطش وكما هو مذكور عند الناصري بقوله «لقد تم جمع الأعشار والزكوات على غير وجهها الشرعي»([4]).فقد كان ذلك سببا في ثورة أهل زاوية الشرادي، وكات لهذه الثورة عواقبل وخيمة على الأمن بالمنطقة، وتتجلى قوة الزاوية الشرادية في الاستعدادات الكثيفة التي قام بها السلطان لردعها ويقول الناصري في هذا الصدد.


«كتب إلى أخيه المولى المامون وهو عامل على مراكش باستنغار ىقبائل الحوز وجمعها عليه، وسار السلطان في جيش العبيد والودايا وآيت إدراسن وزمور وعرب بني حسن وبني مالك وسفيان، وكتب إلى الشاوية ودكالة أن تكون خيلهم معدة حين يمر بهم»([5]).إلى أن إخماد ثورة الشراردة سبقتها إخماد ثورة شتوكة وشياظمة بأحواز أزمور بعد أن تزايدت أخطارهم على التاجر والحجاج على حد سواء، وقد انتهت ثورة الشرادة على ما تشير إلى ذلك الكتابات التاريخية بدخول السلطان إلى زاويتهم وفرار زعيمهم المهدي بن محمد الشرادي. أما المنطقة الأخرى التي استرعت الانتباه وشكلت حلق ضمن الوجه السياسي للمغرب قبل معركة إيسلي هي منطقة زعير بحيث شكلت زعير عنصرا مساندا لثورة الأطلس المتوسط التي تحدثنا عنها سابقا، وقد دخلت في بيعة السلطان بعد إخمادة هذه الثورة لكن ما لبثت الثورة أن تجددت فيها خصوصا عند محاولة جباية الضرائب الشرعية (الزكاة والأعشار) ففي 1247هـ/1831م رفض عدد كبير منهم أداء الجباية وحاولوا القضاء على المحلة المخزنية، وقد تحدث محمد داود عن هذه الحادثة قائلا: «فقتل منهم عدد كثير، وقبض على عدد كثير ولولا أن الليل عشيهم لاستأصلت المحلة جميعهم»([6]). وتجددت ثورات زعير خلال سنوات 1845م و 1849م ومن المناطق الأخرى التي شهدت ثورات متباينة منطق الجنوب الشرقي: تافيلالت، وتعود هذه الثورات إلى الصراع التاريخي القائم، يفلمان وآيت عطا والذي اتخذ هنا شكلا جديدا بإيذاء آيت عطا للأشراف تضييقهم الخناق عليهم، في حين كان فيه آيتي فلمان يدودون عنهم ويبالغون في إكرامهم حتى ظهر بينهم إبراهيم يسمور اليزدكي الذي هزم آيت عطا ونال حظوة لدى السلطان الذي عينه نائبا عنه بالمنطقة فقال في هذا الصدد الناصري: «وطارد ذكره وسرت فيه نخوة الرياسة فأراد الاستبداد، واستحال حاله إلى الفساد، حتى صار يريد على السلطان أوامره»([7]). وانتهت ثورة هذا الأخير بقتله من طرف أحد أقربائه سنة 1854م.

ومن لبن الثورات الأخرى التي شهدها مغرب النصف الأول من القرن 19 ثورة الأودايا المؤرخة بحوالي 1246م-1247م/1830م-1831م، والتي ترتبت عن أحداث الجزائر من جهة وعن خلل في تنظيم الجيش المغربي حلال هذه الفترة. لذلك سنرجع الحديث عن هذه الثورة إلى حين الحديث عن ردود فعل المغاربة إزاء احتلال الجزائر، على أن خلفيات هذه الثورة وعواقبها وقد أورد محمد داود خطابا سلطانيا يشرح رغبة السلطان عبد الرحمان بن هشام في إصلاح وضع لودايا سلميا. واستجاب السلطان لطلبهم الرامي إلى عزل عدد من ضباطهم إلا أن ثورتهم لم تخمد مما حد بالسلطان إلى نقلهم وتشريدهم لتشتيت شوكتهم([8]).


[1]- أكتسوس أبي عبد الله محمد بن أحمد: الجيش العرمرم الخماسي في دولة أولاد مولانا علي السجلماسي.

[2]- خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دل المغرب الأقصى، ج9، ص.6.

[3]- أكنسوس، نفس المصدر السابق.

[4]- خالد الناصري، نفس المصدر السابق، ج9، ص.18.

[5]- خالد الناصري، نفس المصدر السابق، ج9، ص.18.

[6]- محمد داوود، تاريخ تطوان، ج8، ص.ص.229-230.

[7]- خالد الناصري، نفس المصدر السابق، ج9، ص.68.

[8]- خالد الناصري، نفس المصدر السابق، ج9، ص.ص. 38-41.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -