
الموقع الاستراتيجي لسبتة ودوافع الاحتلال
تمتعت مدينة سبتة بمكانة جيوسياسية فريدة في حوض البحر الأبيض المتوسط، مما جعلها محط أطماع القوى الأوروبية الصاعدة. وقد دفعت هذه الأهمية الاستراتيجية الدول المسيحية إلى السعي للسيطرة عليها، بهدف التحكم في مضيق جبل طارق، ونشر النفوذ المسيحي خارج أوروبا، والاستفادة من الدور التجاري الذي لعبته سبتة كحلقة وصل بين التجارات الشرقية والإفريقية والأوروبية.
الخلفية التاريخية للاحتلال
شكلت سبتة عبر العصور معبراً حيوياً وقاعدة عسكرية استراتيجية نحو العالم المسيحي، خاصة في ظل الأدوار التي لعبها المغرب في الأندلس ونشر الإسلام هناك، مما مكنه من بسط نفوذه على أوروبا لقرون عديدة.
سقطت سبتة تحت الاحتلال البرتغالي في 21 أغسطس 1415م (الموافق 15 جمادى الثانية 818هـ)، عندما تمكن أسطول برتغالي من اقتحام الميناء والاستيلاء على المدينة. وقد أشارت المصادر إلى أن القائد البرتغالي نفسه لم يكن يتوقع سهولة هذا الانتصار، نظراً لما كانت تتمتع به سبتة من منعة وعزة في نفوس المغاربة، خاصة في ظل غياب أسطول بحري مريني قوي.
روايات الاحتلال
تعددت الروايات حول ظروف الاحتلال، حيث ذكر الناصري أن البرتغاليين استخدموا حيلة ذكية بنقل مقاتلين داخل صناديق مزعومة تحوي بضائع، قبل أن يخرجوا منها ويستولوا على المدينة في عملية مفاجئة. بينما تشير روايات أخرى إلى وجود اتفاق مسبق مع أمير سبتة حول السيطرة على الميناء.
من جهتها، تؤكد المصادر الغربية على التفوق العسكري للبرتغاليين في هذه العملية، بينما تشير المصادر الأكثر موضوعية إلى أن الاستعدادات لهذا الغزو استمرت ثلاث سنوات، حيث قاد الملك جوان الأول الحملة بنفسه برفقة أبنائه.
تداعيات الاحتلال وأسبابه
مثل احتلال سبتة ضربة قاصمة للمغرب، خاصة في ظل دوره التاريخي في دعم الأندلس. كما شكل هذا الحدث سابقة في تاريخ المغرب، حيث احتل جزء من ترابه الوطني دون القدرة على الرد الفوري.
العوامل الخارجية:
- الصراع الديني: تحول البرتغال بعد خروج المسلمين منها إلى قوة صليبية تهدف إلى نشر المسيحية في إفريقيا.
- التنافس الجيوسياسي: سعت القوى الأوروبية الناشئة للسيطرة على الممرات الاستراتيجية.
- الدعم الأوروبي: اعتبر احتلال سبتة انتصاراً للمسيحية بأسرها.
العوامل الداخلية:
- ضعف الدولة المرينية: في أواخر عهدها، مع تنامي الصراعات على العرش.
- غياب الأسطول البحري: مما أضعف القدرة الدفاعية.
- المناوشات الحدودية: مع بني زيان والقوى المجاورة.
- تدهور الأوضاع الاقتصادية: والاجتماعية في المغرب.
يشكل احتلال سبتة نقطة تحول في تاريخ المغرب، حيث انتقل من موقع الهجوم إلى الدفاع، كما كشف عن اختلال موازين القوى الإقليمية. ولا يزال هذا الحدث يشكل جرحاً عميقاً في الذاكرة التاريخية المغربية، مما يستدعي دراسته بموضوعية لفهم تحولات التاريخ المغربي في هذه المرحلة الحاسمة.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.