الجيلالي ضريف
القايد محمد بن المعطي التريعي رمز من رموز مقاومة الاحتلال الفرنسي في دكالة،لم ينل ما يستحقه من البحث والدراسة ليظل شخصية تنسج حولها الحكايات والأساطير بناء على النعوت التي روجها عنه الماسونيون الفرنسيون. مع الأسف، لا نتوفر على سيرته الذاتية كاملة ؛ فنسب التريعي الذي يحمله دليل على أن أصله من منطقة التريعات المتواجدة جنوب شرق ازمور حيث كانت توجد قصبته المشهورة. كان تعيينه كقائد للحوزية و أزمور خلال تسعينات القرن التاسع عشر ، في الوقت التي كانت تعتبر هذه المنطقة من أهم المواقع الاستراتيجية بالمملكة المغربية لأنها تشكل مركز تقاطع طرق الاتصال والمواصلات البريدية بين مراكش و أهم المدن - المراسي الأطلسية آنذاك وهي الرباط-سلا ؛ الدار البيضاء ؛ الجديدة ؛ آسفي والصويرة.
بعد أن بويع المولى عبد الحفيظ يوم 24 غشت 1907 في مراكش من طرف أعيان المدينة ، كان التريعي أول قائد بدكالة انظم إلى جانبه: قد تكون الطريقة التجانية السبب في مبايعة التريعي للمولى عبد الحفيظ، فكل واحد منهما يعتبر من مريدها وأكثر المتشددين إليها ، فمقابل ما ألفه المولى عبد الحفيظ حول هذه الطريقة وعلاقاته بشيوخها يُروى أن التريعي أنشأ عام 1319 (1901-1902م) الزاوية التجانية الواقعة بدرب سيدي اخديم بالقرب من ضريح مولاي بوشعيب (أشرف على هذه الزاوية كأول مقدم الفقيه السيد ابليلة ).
في آخر رسالة بعتها الطبيب موشان Mauchampإلى عائلته قبل اغتياله بمراكش في 19 مارس 1907 يروي فيها عن رحلته بين الجديدة ومراكش صحبة أسرة لويس جانتي (من 6 مارس إلى 12 مارس 1907) نعت هذا الفرنسي الذي من المفروض أنه استقر بالمغرب لعمل إنساني جميع من تكلفوا باستضافته وحمايته طوال رحلته مع رفاقه الفرنسيين بقطاع الطرق والقايد التريعي ب " لص آزمور المشهور" détrousseur d'Azemmour .
الخريطة جزء من خريطة طبوغرافية لجهة الدار البيضاء وضعها Weisgerber-المراقب المدني لمدينة الجديدة (1917-1926)
فرنسا ، التي استفادت كثيرا من معاهدة الخزيرات (أبريل 1906)، ازدادت أطماعها لاقتسام احتلال المغرب بعد ان اقتطعت أجزاء منه في نهاية القرن التاسع عشر وسنة 1901 تحث ذريعة حماية أراضي مستعمرتها الشرقية. فبعد اغتيال الطبيب موشان بمراكش (19 مارس 1907) كان رد فعل فرنسا قويا إذ قامت قواتها بقيادة اليوطي باحتلال مدينة وجدة يوم السبت 30 مارس 1907 تلاه رد فعل أعنف ابتداء من الأسبوع الثاني من شهر غشت من نفس السنة بقذف مدينة الدار البيضاء من بوارج حربية واحتلال الشاوية (الحملة العسكرية للجنرال درودDrude . ). أدت هذه الأحداث وخصوصا مجزرة الشاوية إلى اجتماع أعيان وعلماء مراكش ومبايعة المولى عبد الحفيظ في يوم 24 غشت 1907. مباشرة بعد ذلك بعث المولى عبد الحفيظ رسائل إلى علماء وقاضي وباشا مدينة الجديدة تلاها يوم 27 أو 28 غشت قاضي المدينة بالمسجد ندد فيها بقوة ما تقوم به فرنسا ضد الوطن والمواطنين المغاربة وطلب من مسؤولي المخزن مبايعته كسلطان جديد على اعتبار أن أخاه المولى عبد العزيز وقف عاجزا أمام الأحداث التي تعرفها البلاد ، وهو الشيء الذي قد حصل فعلا، حيث تم تكليف القائد بوشعيب بن دغَّة، الذي يتمتع بحماية سويدية، كباشا للمدينة.
لم ترض فرنسا بمبايعة مازغان للمولى عبد الحفيظ وما جاء في رسائله من تنديد في حقها فعملت على استرجاع هذه المدينة المرسى التي توجد تحث مراقبتها بموجب اتفاقية معاهدة الخزيرات (أبريل 1906)بمطالبة المولى عبد العزيز ووزير الخارجية السيد عبد الكريم بن سليمان في بداية شهر ديسمبر 1907 التعجيل بإحداث فرق عسكرية منظمة في الموانئ طبق ما تنص عليه معاهدة الخزيرات، فكان إنشاء محلة الطابور التاسع بمدينة الجديدة،وتعيين باشا جديدا.
لم يغير هذا الوضع في موقف القايد التريعي الذي بقي وفيا لثورة المولى عبد الحفيظ ولعب دورا محوريا بحكم علاقاته بالتجار الأوروبيين المقيمين بالجديدة وعلى الخصوص الألمانيين رودولف هيدريشRudolf Hedrich وألكسندر كرندلرAlexandre (1)Gründler في تهريب الأسلحة التي كانت تصل عبر مرسى الجديدة إلى مراكش.
-(1) - اعتبرا من طرف المحكمة العسكرية الفرنسية بالدار البيضاء سنة 1914 كمجرمي حرب فحكم على الأول غيابيا بالإعدام وعلى الثاني بالإعدام نفذ في حقه يوم 28 يناير 1915 كما أمرت سلطات الحماية الفرنسية بحجز جميع ممتلاكاتهما بالجديدة.“
بفضل القايد التريعي ظلت مدينة أزمور صلة وصل بين المولى عبد الحفيظ والقناصلة الأوروبيين بالجديدة وكمثال على ذلك الرسالة التي توصل بها القنصل الاسباني من المولى عبد الحفيظ عن طريق أحد المحميين الاسبان بأزمور في 3 مارس 1908 يطلب فيها أن يتدخل قناصلة المدينة لكي تغادر الفرق العسكرية التابعة للمولى عبد العزيز (محلة الطابور رقم 9) المدينة. رد القناصلة كان واضحا: لقد أكدوا أن بلدانهم لا يحق لها أن تتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب و طلبوا من المولى عبد الحفيظ أن يتراجع عن مشروعه . وسبق أن اعتبر قنصل فرنسا بمازغان المدعو دي هوتيزاD'Huyteza تعيين القائد حسي الكلاوي (ابن أحد أشقاء التهامي الكلاوي) كباشا على مدينة آزمور ودخوله إليها على رأس 500 فارس و 600 من المشاة يوم 13 فبراير 1908 تهديدا حقيقيا لمدينة الجديدة (مازغان) التي يدعي أنها مازالت هادئة.
نوايا فرنسا بالسيطرة على آزمور وقبائل الحوزية قصد تأمين المواصلات البرية بين الدار البيضاء ومازغان اتضحت أكثر عندما هاجمت المحلة الحفيظية لأزمور بقيادة حسي الكلاوي والقايد التريعي قبيلة شياظمة البئر الجديد في 30 مارس 1908 مباشرة بعد رجوع قائدهم وأعيانهم من برشيد حيث قدموا الولاء وأعلنوا خضوعهم لفرنسا في شخص الجنرال داماد. D'Amade
دامت المعركة يوما واحدا قتل فيها قائد الشياظمة بوشعيب بن التهامي المعيزي.
لم تسكت فرنسا على الحَرْكَة التي قامت بها المحلة الحفيظية لأزمور تحث قيادة القايد التريعي والباشا حسي الكلاوي في حق أعيان وقائد منطقة شياظمة البئر الجديد الذين رضوا أن يصبحوا تحث سلطتها الاستعمارية بدون مقاومة .
مدخل محلة الطابور رقم 9 –
المدخل ما زال متواجدا بشارع ابن خلدون-بطاقة بريدية من سلسلة الحملة العسكرية 1907-1908 التي أصدرها Boussuge بالدار البيضاء,
جاء في تقرير الوزير المفوض لفرنسا بطنجة مؤرخ في 15 أبريل 1908، حول التصور العام لاحتلال الشاوية وبالخصوص الشياظمة واشتوكة ما نصه:
“ هنا نجد كمشكل أزمور،القائد الموالي للمولى عبد الحفيظ سي حسِّي قتل قائد الشياظمة الموالي للمولى عبد العزيز انتقاما منه لأنه أتى بالأمس لمدينة برشيد ليعلن خضوعه للسلطة الفرنسية؛ نرى هنا عملا عدائيا واضحا لا يمكن أبدا التسامح معه، يجب إذن، وفي أقرب وقت ممكن، فرض معالجته. في حالة ما إذا فُرِضت هذه المعالجة، بحدة وبحماس، فمن المحتمل أن تكون كافية وربما ستمكن من عدم إنشاء مركز عسكري بين الدار البيضاء ومزغان(1).“
بعد أسابيع تم بالفعل هجوم قوات الاحتلال الفرنسية على أزمور ، فحسب برقية بعث بها إلى وزير الدفاع الفرنسي قائد الحملة العسكرية الجنرال داماد وهو على مشارف المدينة يوم 30 يونيو 1908 ، نجد أنه قدم دوافع وهمية لتواجد فيالق عسكرية كبيرة أتت من الدار البيضاء وبرشيد بالإضافة إلى فريق الهندسة وبارجة حربية رست أمام مصب أم الربيع: يدعي قائد الحملة العسكرية بأنه أراد الاتصال بقنصل فرنسا بمازغان (الجديدة) المتواجدة بالضفة الأخرى لكن مبعوثه لم يسمح له بالمرور(عبور النهر) في الوقت الذي أغلقت أبواب مدينة آزمور وأزيلت جميع وسائل العبور التي سحبت إلى الضفة الأخرى (الضفة اليسرى) . إجراء وصفه داماد بالسلوك العدائي كما اعتبر أزمور مركزا نشيطا لتهريب السلاح وبؤرة للمؤامرات التي تهدد ما قامت به فرنسا في الشاوية (2) .
مدينة أزمور التي كانت تضم حوالي 20 ألف من السكان ولا يسكنفيها أوروبيون أصبحت تحث تهديد مدافع القوات الفرنسية. نفس المشهد يتكرر بعد أربعة قرون تقريبا (1508-1908). حقنا لدماء السكان قررت المحلة الحفيظية بقيادة الباشا والقايد التريعي مغادرة أزمور والاتجاه نحو قصبة التريعي فكان دخول الجنرال داماد وقواته لأزمور، بوسائلهم الخاصة، في مساء نفس اليومأي 30 يونيو 1908 .
أربعة عشرمن الأشخاص الذين اعْتُبروا من أعيان المدينة والموالين للمولى عبد العزيز وقعوا رسالة ولاء للجنرال ولفرنسا (1) وانتخبوا كمسيرين مدنيين مستقلين لشؤون المدينة كما تم تعِين باشا جديد. بعد التجول في المدينة انتقل الجنرال داماد للجديدة حيث زار القنصلية الفرنسية ومحلة الطابور .
و بعد أن كلف داماد بعضا من عسس طابور الجديدة بحراسة مدينة أزمور توصلت فرنسا باحتجاج من القوات الأوروبية في اليوم الرابع من يوليوز لكونها استعملت قواتها في مدينة لا تنص عليها معاهدة الخزيرات. اضطر الفرنسيون سحب قواتهم إلى الضفة اليمنى وشيدوا معسكرا بالموقع المعروف بسيدي علي المطل على المدينة وعاد عسس الطابور رقم 9 إلى الجديدة. الانقسامات والمناوشات التي عرفتها قبائل اولاد افرج واولاد بوعزيز خلال شهر يوليوز أجبرت القايد التريعي على البقاء خارج أزمور إلى غاية 27 غشت 1908 حيث استرجع المدينة بقواته الحفيظية مع القايد بوشعيب بن دغة(2) . لقد أصبحت أزمور ومازغان من جديد تحث سيطرة قائدين مواليين للمولى عبد الحفيظ الذي لم تعترف به الدول الأوروبية كسلطان جديد إلا في الخامس من شهر يناير 1909. لقد كان القايد التريعي الذي لا تدخل منطقة نفوذه في مجال المناطق الواردة في معاهدة الخزيرات محط اتهامات وانتقادات شديدة من طرف الفرنسيين الذي كانوا يودون حمايته لقوافلهم التجارية التي تعبر المنطقة بالمجان. جاء في موضوع حول المصالح الفرنسية لفرنسا بالمغرب ورد سنة 1909 في مجلة بأن ” محرري معاهدة الخزيرات عملوا على إضعاف المؤسسة (مراقبة الموانئ) بحصرها في مجال ضيق... بخصوص أمن المنطقة المجاورة فذلك شيء آخر . في مازغان، في الوقت الذي تتدرب فيه فرقة الطابور داخل المحلة ، أو تتجول حول الأسوار
نجد على بعد ثلاثة أو أربعة فراسخ من هنا في اتجاه أزمور، بناية جميلة بيضاء يسكنها قاطع طريق مشهور (المعني هنا هو القايد التريعي)، لا أحد يفكر في إزعاجه. من برجه يمكن له مراقبة بمنظاره من جهة مركز الاحتلال الذي شيدته القوات الفرنسية مؤخرا و من الجهة الآخرى القوات الأمنية الدولية. بين الاثنين يقوم بأعماله بكل أمان.... (3)..
من بين النقاط التي تناولها السفير المفوض لفرنسا بطنجة بعد شهر تقريبا من اعتراف الدول الأوروبية بالمولى عبد الحفيظ كسلطان جديد في 5 يناير 1909، نجد الطلب الذي تقدمت به فرنسا للسلطان بأن يأمر القبائل العيش في وئام مع السلطات الفرنسية وأن يأمر القائد الجديد لأزمور عباس الكلاوي بضبط تصرفات القايد التريعي (1). لكن القايد التريعي كان له نفوذ قوي في منطقته التي ستشهد اضطرابات كبيرة بعد تعيين قائد جديد على أزمور يدعى بوعلي بندريس في شهر غشت من نفس السنة (2) . وفي ملحق لرسالة وجهها السفير المفوض لفرنسا بطنجة إلى المخزن يقول: ” سيقوم المخزن باتخاذ إجراءات عاجلة طالبنا منه مرارا تنفيذها ضد الموظفين المعروفين بمعاملاتهم التعسفية ومضايقتهم لمواطنينا مثل ,القياد.... وعمال أزمور . نطلب من جلالته عزلهم ..“ (3)
قبل تعيين المقري كصدر أعظم (وزيرا أولا) خلفا للمدني الكلاوي في21 أبريل 1911 لم يكن القايد التريعي تحث حماية أية دولة أوروبية ، وعندما شعر بتواطؤ المخزن مع السلطات الفرنسية لعزله طلب الحصول على الحماية لأول مرة من السلطات الألمانية لكن طلبه رفض بحكم المعاهدة التي وقعتها ألمانيا مع فرنسا في 4 نوفمبر 1911 وبالمقابل تمكن من الحصول على الحماية الاسبانية بحكم علاقاته بالتجار المغاربة اليهود (محميون اسبان) رغم اعتراض باشا مدينة الجديدة علال بن ابراهيم القاسمي (المعروف كذلك بلقب بنضويو ) والوزير الكباص والصدر الأعظم المقري معللين تعرضهم للقنصل الاسباني بأن ذلك يتناقض مع معاهدة الخزيرات.
في تحريرها لمعاهدة الحمابة على المغرب التي انبت على اتفاق الطرفين في 30 مارس 1912 على” إقامة حكم منظم في المغرب قائم على الاستقرار الداخلي والأمن العام...“ أدرجت السلطات الفرنسية فصلا يسمح لها بالتدخل العسكري: ينص الفصل الثاني على ما يلي: جلالة السلطان يساعد من الآن على الاحتلالات العسكرية بالآيالة المغربية التي تراها الدولة واجبة لاستتباب السكينة والتأمين على المعاملات التجارية“
بناء على هذا الفصل وفي الوقت التي كان المولى عبد الحفيظ يتنازل على الحكم أقدم المخزن على عزل القايد التريعي ومتابعته بداية من غشت 1912 تزامنا مع الحملة العسكرية التي سيقوم بها الجنرال شارل مانجانMangin Charles في مناطق دكالة المناوئة للاحتلال الفرنسي، (نزل مانجان بالدار البيضاء يوم 22 يونيو 1912 قادما من السنغال بفرقه العسكرية ) . من بين المهام التي أسندت لمانجان عند تعيينه قائدا للحملة العسكرية بدكالة ابتداء من 11 غشت 1912 هو اعتقال القايد التريعي بناء على مجموعة من التهم : الشطط في استعمال السلطة ، التمرد ضد المخزن ، النهب والسرقة . عندما علم التريعي بمؤامرة استدعاءه مع أعيان المنطقة لاستقبال مانجان رفض الاستدعاء ولجأ إلى فيلا صديقه اليهودي المسمى سيكسو بمدينة الجديدة . كل الأحداث التي وقعت تناقلتها جميع الصحف الفرنسية وبعض الصحف الأوروبية الأخرى نقلا عن أخبار وقصاصات كانت تنشرها وكالة الأنباء الفرنسية هافاسHavas.
جزء من أول تصميم طبوغرافي للجديدة (سنة 1914) يوضح موقع مسكن اكسيكسو وقنصلية فرنسا - شارع محمد التريعي حاليا
في الخامس من غشت حاصرت فيلا سيكسو قوات عسس محلة طابور المدينة تحث قيادة أطر عسكرية فرنسية وبحضور قنصل فرنسا بالمدينة الذي طلب من التريعي تسليم نفسه، لكن تدخل القنصل الاسباني كان حاسما على اعتبار أن التريعي وسيكسو من المغاربة الذين يتمتعون بحماية اسبانية ولا يحق لفرنسا اعتقالهما. تمكنت بعض العناصر المولية للتريعي من التسلل إلى الفيلا على الساعة التاسعة ليلا وبعد 20 دقيقة بدأ الطرفان في تبادل إطلاق النار دام 10 دقائق. وَضْع نتج عنه تظاهر الأهالي بالملاح والأحياء الشعبية إلى غاية الواحدة ليلا واعتصام الجالية الفرنسية داخل قنصليتهم،
في صباح اليوم السادس وقبل قدوم التعزيزات العسكرية التي بعثها مانجان من برشيد والمتكونة من فرقة المدفعية وفصيل من الصبايحية Spahis تمكن القايد التريعي من الفرار مع بعض رفاقه ، وأثناء مطاردته من طرف عناصر طابور المدينة تمكن التريعي من إصابة أحد العسكريين الفرنسيين يدعى كييفير Robert Kick Kieffer بعيار قاتل كما أصيب مقدم مغربي من الطابور. في نفس اليوم حضر مانجان MANGINإلى المدينة على رأس فرقة الخيالة وأقر بأن القائد التريعي يعتبر مجرما. كما أدان ما قام به المواطن سيكسو.
في ليلة اليوم السابع من غشت أشرف مانجان على تخريب وهدم قصبة القايد التريعي : تشير الأخبار أن الفرنسيين تمكنوا من حجز كمية كبيرة من الأسلحة والذخيرة ومجموعة مهمة من الوثائق والمراسلات، كما تمكنوا من تحرير عدد من المغاربة الذين كانوا محتجزين داخل سراديب أرضية.
في اليوم الثامن أقيمت مراسيم تشييع جثمان كييفير قبل نقله إلى الجزائر ليدفن في مسقط رأسه.
في اليوم العاشر رست بارجتان حربيتان أمام الجديدة ، تشير الأخبار أن الوضع هادئ بالمدينة وأن الحكم بالإعدام نفذ في الصباح داخل محلة طابور المدينة في حق خمسة مغاربة وجهت لهم تهمة مساعدة القايد التريعي على الفرار . كما أدين اثنان آخران حكم عليهما بالسجن.
تمكن كسيكو من اللجوء إلى طنجة قبل إدانته في حين تضاربت الأخبار حول وجهة القايد التريعي الذي أشارت أولى الأخبار في 11 غشت 1912 أنه اختبأ على بعد 20 كيلومترا من الجديدة باولاد بوعزيز عند صديقه ولد ابريكة، قبل أن يلتحق بقبائل الرحامنة.
تضاربت الأخبار بعد ذلك عن وجهته؛ منها ما تدعي أنه التحق بالهيبة ماء العينين و لكن الأخبار الموثوق فيها أكدت سنة 1914 أنه يتواجد بالأطلس الكبير في مقاومة الفرنسيين مع موحى واسعيد الزياني.
في 24 أكتوبر 1912 بناء على البنذين 217 و 63 من القانون العسكري قضى مجلس الحرب بالدار البيضاء في قضية مقتل ضابط الصف الفرسي كييفير بالحكم بالإعدام غيابيا على القايد التريعي والمواطن المغربي اليهودي كسيكسو . لقد تم ذلك في الوقت الذي كان فيه التريعي مستمرا في مواجهة الاحتلال الفرنسي بمنطقة تادلة في حين أن اكسيكو الذي استطاع أن يهرب إلى طنجة (كمنطقة دولية) كان يطالب السلطات بتعويضات عن ما لحق به وبممتلكاته. مع الأسف لا أتوفر على نهاية لقصة هذين الرجلين اللذين نفذ في حقهما إعدام من نوع آخر. لقد تجاهلهما التاريخ.
وصول فيلق المدفعية الفرنسي لمدينة الجديدة بعد ظهر يوم 6 غشت 1912- بطاقة بريدية من توزيع التاجر محمد بنشرقي
ّذ. الجيلالي ضريف
الكاتب العام لجمعية مازاغان للثراث بالجديدة
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.