أخر الاخبار

إنتفاضة مكناس ضد الاستعمار -أحداث بوفكران 1937

 إنتفاضة مكناس ضد الاستعمار


-أحداث بوفكران فاتح وثاني شتنبر 1937-

مقدمة:

ما زالت معركة بوفكران، التي يخلد الشعب المغربي، وأحداثها البطولية التي جرت في فاتح وثاني شتنبر 1937، خالدة في أذهان المغاربة كواحدة من المحطات البارزة في مسيرة الكفاح البطولي للشعب المغربي من أجل كرامة الوطن وعزته، وواحدة من ملاحم الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي ومقاومة محاولات احتكار مياه وادي بوفكران وتحويل مجاريها لصالح المعمرين مما جعل هذه المعركة الخالدة تعرف ب «معركة الماء لحلو». ولم يكن المعمر الفرنسي يتوقع أن ينتفض سكان مدينة مكناس بصلابتهم وبطولتهم الوطنية على إثر إقدام سلطات الحماية على تحويل مياه مدينة بوفكران الصغيرة الواقعة بين مكناس والحاجب لتستفيد من هذا المورد المائي ضيعات المعمرين بالدرجة الأولى.
وتكتسي معركة وادي بوفكران، التي نشبت بين سكان العاصمة الإسماعيلية والمعمرين المتطاولين على مياه هذا الوادي، أهمية بالغة في ذاكرة المقاومة المغربية باعتبارها واحدة من المعارك الحاسمة الأولى التي خاضتها الحركة الوطنية الناشئة بإحدى مدن وسط البلاد لتنذر المعمرين أن محاولات سلطاتهم الاستعمارية إخماد جذوة المقاومة بجبال الأطلس والأقاليم الصحراوية في أواخر سنة 1934 لم تكن تعني استسلام المغاربة لظلم الاستعمار وطغيانه.
كما أكدت تلك المعركة أن كفاح المغاربة لن ينقطع مهما كانت غطرسة الاستعمار, بل إن الكفاح الوطني أخذ يتكيف مع المستجدات وينتقل من الجبال والأرياف إلى المدن والقرى وتحويله من صيغة المواجهة العسكرية المتفرقة إلى أسلوب المواجهة السياسية الواعية التي توالت منذ منتصف الثلاثينيات بمجموع الحواضر والمراكز المغربية إلى حين خروج المستعمر وانتهاء عهد الحجر والحماية.
كما أبانت هذه المعركة عن وعي سياسي وطني عميق لدى مختلف شرائح المجتمع المغربي برفض تسخير خيرات البلاد ومواردها الطبيعية لمصلحة الاستعمار وأتباعه من المعمرين الذين دفعهم الجشع إلى السيطرة على العديد من الأراضي الزراعية ومنابع المياه المستعملة في الري.
وفي هذا الإطار, عمدت السلطات الاستعمارية إلى إصدار قرار وزاري في 12 نونبر 1936 بهدف توزيع ماء وادي بوفكران بين المستوطنين المعمرين وسكان المدينة, كما عملت على إحداث لجنة لتنفيذ هذا القرار في 12 فبراير 1937، ومنذ نشر القرار في الجريدة الرسمية بتاريخ 12 أبريل 1973 تم تحويل جزء من مياه الوادي، الذي كان يشكل عصب الحياة لسكان المدينة ونواحيها، إلى مزارع المعمرين ومرافق المدينة الجديدة «حمرية» والثكنات الموجودة بها.
ولم تكتف سلطات الحماية بهذا القرار التعسفي, الذي كانت له انعكاسات سلبية وتأثيرات قوية على الساكنة المحلية، بل تمادت في سياستها التعسفية بفرض الضرائب المجحفة وقمع السكان والتنكيل بهم والتمييز بينهم في الانتقال من المدينة القديمة إلى المدينة الجديدة، وكذا استهتار الجالية الأوروبية بتقاليد ومشاعر المغاربة المسلمين واستحواذ الأوروبيين على أجود الأراضي وإلحاق خسائر فادحة بالإنتاج المحلي بسبب المنافسة القوية على الماء والأرض.
ولم يكن أمام المكناسيين، في ظل هذه الأوضاع المجحفة، من خيار سوى الانتفاضة على المستعمرين بعدما استنفدوا جميع أشكال النضال السلمي والاحتجاجات الشعبية وتقديم العرائض وتكوين «لجنة الدفاع عن ماء بوفكران». إلا أن سلطات الحماية تمادت في تنفيذ قرارها مما ترتب عنه معاناة أبناء مكناس وضواحيها من قلة صبيب مياه بوفكران التي حولتها إدارة الاحتلال لمصالحها.
وفي ظل هذه الظروف المتأزمة بين المغاربة وإدارة الاستعمار الفرنسي, وأمام تنامي الوعي السياسي وروح المقاومة الوطنية لدى مختلف الشرائح الاجتماعية المغربية، جاءت انتفاضة ماء بوفكران في فاتح وثاني شتنبر 1937 لتشكل حدثا تاريخيا كبيرا جسد فيه المكناسيون كل مواقف الوطنية الخالصة، مقدمين التضحيات الجسام في مواجهة القوات الفرنسية التي شنت معركة دامية لصدهم عن مطالبهم في عودة مياه بوفكران التي حبسها السلطان مولاي إسماعيل على مدينة مكناس.
وككل المعارك الوطنية الخالدة, كانت معركة بوفكران ضارية لم يتوان الوطنيون والمناضلون وساكنة مكناس بكل فئاتها وشرائحها من خوض غمارها بحماس وقوة تحديا للوجود الاستعماري وتصديا لمؤامراته ودفاعا عن العزة والكرامة والمقدسات الدينية والوطنية, لتظل هذه المعركة خالدة في الذاكرة الوطنية بعد مرور 73 سنة على وقائعها البطولية.

معركة ماء بوفكران.. معلمة مضيئة في مسار ملاحم الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال.


الفصل الأول: المعطيات الجغرافية والاجتماعية عن مدينة مكناس
أولا: المعطيات الجغرافية عن الحاضرة الإسماعلية
قال أحد فلاسفة العصور القديمة: لضمان غنى مدينة ما يلزم توفر خمسة شروط وهي مياه جارية وحرث جيد وغابة قريبة من المدينة وعمران كثيف وقيادة محنكة، وقد حظيت الحاضرة الإسماعيلية مكناس بكل هاته الشروط في العهد الإسماعيلي والذي سهر على توفير كل هذه الظروف لعاصمته الجديدة، ويُمكن تحديد هذا الموقع حسب خطوط الطول والعرض كما يلي:
ü   خطوط الطول: 53l غرب خط غرينتش.
ü   خطوط العرض: 33°53’ شمال خط الاستواء([1]).
وتقع مدينة مكناس على ارتفاع 520 متر بالتقريب وسط هضبة سايس التي تتوفر على مؤهلات فلاحية مهمة بفضل خصوبة ترتبها وغزارة مياهها، وبهذا الموقع تعتبر ممرًا طبيعيا بين مقدمة الريف شمالاً والأطلس جنوبًا، إن موقع مكناس أهلها لتلعب منذ بداية تاريخها دورًا اقتصاديا رائدًا، سواء فيما يخص الإنتاج الفلاحي المتنوع والكثير، أو الإنتاج الصناعي والحرفي الجيد.
وقد أصبحت مدينة مكناس خلال  عهد الحماية من أشهر مُدن المعمرين في المغرب، سواء من حيث عددهم أو أصولهم أو المساحات الأرضية التي كانوا يُسيطرون عليها، حتى صارت المدينة تعرف بعاصمة المعمرين([2])، ولم يلعب الموقع الجغرافي دورًا اقتصاديا فحسب في حياة المدينة، ولكنه أهلها أيضًا لتلعب دورًا عسكريًا ومنذ حكم السلطان العلوي مولاي إسماعيل بن الشريف (1672-1727) وهي تقوم بهذا الدور وإلى عهد الحماية الفرنسية (1912-1956)([3]).
ثانيا: الأحوال الاجتماعية لمدينة مكناس:
لم تكن هناك إحصاءات مضبوطة لسكان المغرب قبل فرض الحماية الفرنسية عليه، وكان المستعمرين يلجأون إلى بعض التقديرات والتخمينات، وبعد 30 مارس 1912، قامت الإدارة بخمس إحصاءات رسمية للمغرب خلال سنوات 1921-1-26-1931-1936-1947م، ومن بين هاته المدن مدينة مكناس الغالية.
أ‌-    سكان المغرب:
لقد اختلفت الآراء والتقديرات الخاصة بسكان المغرب، وكان الغالب على هذه الآراء أن أرض المغرب تضم عددًا كبيرا من السكان، دون الاستناد إلى مُبرر لدرجة أن البعض قدر عددهم بـ 30 مليون نسمة، ولكن العدد التقريبي هو ما بين 4 و 5 ملايين نسمة، وفي كتاب Augustian Bernard المنشور أواخر سنة 1912 حصر هو كذلك سكان المغرب ما بين 4 و 5 ملايين، وهو نفس العدد الذي كان النقيب لاراس Laras   سنة 1906 قد توصل إليه بعدما طلب منه السلطان مولاي عبد العزيز القيام بجولة في معظم أنحاء المغرب للتعرف على عدد سكانها.
ب‌-      مشاكل المجتمع الأهلي سنة 1937م:
ارتبطت الوضعية الاجتماعية المتدهورة التي آلت إليها مدينة مكناس، بفرض نظام الحماية على المغرب، وما تسبب فيه هذا النظام من مشاكل متعددة داخل المجتمع المكناسي، سواء منها المادية كقلة الإنتاج الفلاحي بأراضي الفلاحين الفقراء، وأخذ جزء من مياه وادي بوفكران، وارتفاع الأسعار، وتقهقر الإنتاج الحرفي، أو المشاكل المعنوية المتمثلة في انتشار الخمارات والبغاء والطرقية بالمدينة.

ولم تكن هذه الوضعية خاصة بمدينة مكناس، ولكنها كانت تشمل كل المدن والبوادي المغربية، لدرجة أن سنة 1937 عُرفت بعام الجوع الذي لم يعرف المغرب مثله في عهد الحماية.

 

الفصل الثاني: أحداث بوفكران الدامية فاتح وثاني شتنبر 1937م
أولا: أوضاع مكناس والساكنة قبل الانتفاضة الدامية:
عانى سكان مكناس من عدة أزمات سواء الاجتماعية منها أو الاقتصادية أو حتى المشاكل المعنوية، بحيث انتشر البغاء والفحشاء وكثرت الملاهي الليلية، ويمكننا تصنيف هذه المشاكل كالتالي:
أ‌-    الأزمات الاقتصادية:
·     الفلاحة: عرف إقليم مكناس سنة 1937 أزمة فلاحية، عانى منها بالخصوص الفقراء، وأدت هذه الأزمة إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية كالقمح والزيت والسكر، وأصبح السكان مُهددون بالمجاعة، مما دفع بهم إلى التمرد وارتكاب الجرائم.
وقد استغل المعمرون هذه الأزمة الفلاحية التي ضربت الفلاحين الفقراء، الذين بدأوا يغادرون أرضهم ويتوجهون إلى المدينة للانحشار في أحياء الصفيح، واشتروا منهم هذه الأراضي وبأثمان بخسة، مستغلين ظروف الأزمة التي كانت السبب في المجاعة بالمدينة([4]).
كان سبب هذه المجاعة بالدرجة الأولى هو الجفاف الذي عرفه الإقليم في السنوات السابقة، ثم بالدرجة الثانية استيلاء المعمرين على أخصب الأراضي المحيطة بالمدينة والتي تُسقى بانتظام بمياه بوفكران([5])، إضافة إلى المساعدات المتنوعة التي كانت حكومة الحماية تُقدمها إلى هؤلاء المعمرين، والتي تضم الآلات العصرية والأسمدة والبذور الجيدة، ومد القنوات المائية الاصطناعية لأراضيهم، وحفر الآبار ومنحهم القروض...، كل هذه الاستفادة على حساب الفلاحين المغاربة الفقراء، ولم تشمل هذه الأزمة بعض الملاكين الكبار من المغاربة وهم قلة بالبادية المكناسية: «ولقد أخذ بعض الفلاحين المغاربة يستعملون في زراعتهم الطرق الأوربية الحديثة، فحصلوا على إنتاجات متماثلة للمنتوجات التي يحصل عليها الأوربيون...»([6]).
صحيح أن بعض الفلاحين الكبار بدأوا يقتادون بالمعمرين، لكنهم قلة، ويستغلون نفوذهم كرجال سلطة يشغلون مناصب حكومية سامية كدام للمخزن أو للسلطة الفرنسية كقواد مثل القائد انهموشة والحسين بن علي الجرواني والغالي المرنيسي وقاسم ولد قطيرة.
·     الحرف: أصاب الكساد الإنتاج الحرفي والصناعي داخل المدينة، فتم القضاء على بعض الحرف نهائيا، وتراجع إنتاج البعض الآخر منها، ولم يعد الإقبال عليه كما كان في السابق، وزادت المشاكل الحرفية والصناعية بمكناس من تأزم الوضعية الاقتصادية، فكانت نتيجة ذلك انخفاض صادرات المدينة وارتفاع وارداتها. وكان ذلك في صالح المعمرين، لأنهم يبيعون سلعهم للمكناسيين بأثمنة جد باهظة، هذا الكلام السابق هو الذي أكده السيد محمد برادو –وهو أحد الزعماء الخمسة الذين سُجنوا في أحداث بوفكران-: «... بل أصبحنا نرى في جميع بلاد المغرب وجميع أسواقه إلا البضائع الأجنبية، ولا فرق في ذلك بين بادية وحاضرة...»([7]).
واستغلت الحركة الوطنية بمكناس الأزمتين الفلاحية والحرفية لاستقطاب الفلاحين الفقراء الذين هاجروا إلى المدينة، فهم الذين خربوا قنوات المياه المتوجهة ليوم الأربعاء فاتح شتنبر، وعمومًا كون الحرفيون والفلاحون والصناع الصغار قواعد الحركة الوطنية لمقاومة سياسية حكومة الحماية بمدينة مكناس سنة 1937.
·     الأزمة الاجتماعية: كنتيجة للأزمتين الفلاحية والحرفية، عرفت مدينة مكناس أزمة اجتماعية تمثلت في كثرة الضرائب وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وتجميد الأجور وكثرة البطالة نظرا لقلة مرافق العمل.
وانعكس هذا الوضع المتأزم على الطبقات الدنيا التي تُكون قاعدة الهرم الاجتماعي بالمدينة، وكانت الزيادة في أثمان المواد الغذائية الأساسية والضرورية كالقمح والزيت والسكر، وهي أكبر المشاكل التي شهدتها المدينة في غشت 1937، فمثلا الثمن العادي لمد من القمح كان هو 21 فرنك، أصبح يتجاوز 45 فرنكا، يعني بزيادة 114%، وأما ثمن اللتر من الزيت فكان هو 2.50 فرنك، أصبح خلال هذه الأزمة 7.50 بزيادة 200%، في حين كان ثمن القالب من السكر هو 5 فرنك أصبح يساوي ثمنه 6.50 فرنك بزيادة 30%...
ولم يكن يوازي هذه الزيادة في الأسعار زيادة في أجور العمال، وربح في إنتاج الحرفيين والصناع التقليديين والتجار الصغار، وغيرهم من الفئات الاجتماعية، كما أدت هذه الأزمة إلى كثرة العاطلين، لدرجة أن رئيس المصالح البلدية برونيل اشتكى من هده الحالة: «... لا يمر يوم دون أن أتلقى مجموعة من طلبات العمل، ضاعفت عدد مساعدي وعمال البلدية، لكن هذه الإجراءات لم تحل المشاكل...»([8]).
وهناك مشكل آخر وهو جمع الضرائب من المكناسيين بطريقة غير شرعية بحيث لم تكن تخضع لمقاييس مضبوطة، وغالبا ما يصنف المعسرون من السكان ضمن قائمة الموسرين منهم، في الوقت الذي يخفي المقدمون والحياة الحقيقة المالية للأغنياء لإعفائهم من الضرائب، لذلك كانت تتحكم في عملية تقدير قيمة الضريبة لاعتبارات ذاتية والعلاقات الشخصية، كما نجد أن التعسف الذي صاحب عملية جمع الضرائب خاصة على الفئات المستضعفة يتجلى من خلال نموذج فحام مكناسي جاء يطلب من رئيس المكتب الإقليمي وحاكم الناحية الجنرال كايو. أثناء جولته بالمدينة الأهلية يوم 5 شتنبر 1937م. إعفاءه من الضريبة لأنه كان مضطرا لبيع سلهامه لأداء ضريبة 33 فرنك([9]).
إن نتيجة كل ما سبق هي عجز هذا الشخص عن دفع الضريبة التي تُفرض عليه قسرًا، فيحول عجزه إلى تدمر على السلطات الفرنسية المسؤولة عن تحصيل هذه الضرائب.
·     الأزمة الصحية: كان أهل مكناس يرجعون في حالة مرضهم إلى التداوي بالأعشاب الطبيعية، مستفيدين من خبراتهم المتوارثة، إلى أن جاء نظام الحماية الفرنسية التي وعدتهم بالإصلاح في جميع المجالات ومن بينها القطاع الصحي، لكن ما حدث هو أن المشفى المدني الوحيد بمكناس وهو مستشفى سيدي سعيد، لم يكن في الواقع إلا بناية واليهود، وحسب رواية أحد الشهود المكناسيين ولا أحبذ ذكر اسمه «أكد أن في مستشفى سيدي سعيد إذا كان المكناسيون المسلمون مصطفين من أجل إعطائهم الفحوصات اللازمة ودخل أحد اليهود متأخرا يتم تسبيق ذلك اليهودي على المسلم في نوع من العنصرية الدينية وإذا تكلم أحد المصطفين نهلوا عليه بالضرب والشتم...»، كما كانت الخدمات الطبية الضعيفة سنة 1937 بمكناس، من بين العوامل التي أهاجت المكناسيين، وزادت من سخطهم على السلطات الفرنسة، بحيث حملوها مسؤولية ما كان يلحقهم من أمراض مُزمنة وأخرى قاتلة.
لقد وصلت الأزمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية بمكناس سنة 1937 إلى أوجهها، فكانت هذه العوامل النقطة التي أفاضت الكأس، فلم يعد المكناسيون معها قادرين على الصبر، فكان تحويل جزء من مياه بوفكران بمثابة الشرارة التي عملت على تفجيرها، ولقد تجندت الحركة الناشئة لاستغلالها بقصد بث الوعي القومي في صفوف الجماهير لمقاومة الاستعمار.
ثانيا: استغلال مياه واد بوفكران وما ولد عنها من مشاكل:
تراجعت الإدارة الفرنسية عن تطبيق قرار الصدر الأعظم القاضي بتوزيع مياه بوفكران بالتناسب بين كل الجهات التي يعنيها أمر هذه المياه، بما في ذلك الأجانب، وجاء هذا التراجع نتيجة للفرض العام الذي لقيهُ هذا القرار من قبل المكناسيين الذين عبروا عن رفضهم له، بل وقاوموه بالرغم من أنه صادر من المخزن، فعوضته كمية المياه التي كانت قد أعطيت لمعمري تانوت سابقًا، فعوض 20ل/ث لم يبق تحت تصرفهم سوى 12ل/ث، في حين ارتفع تصريف جبابرة من 15ل/ث إلى 50ل/ث وساقية تغزازة من 15ل/ث إلى 20ل/ث.
وقد جاء هذا التوزيع المؤقت بفاتح شتنبر 1937 على الساعة 11 صباحا، نفصل في مراسلة من المراقب المدني رئيس المصالح البلدية الميسيو برونيل إلى اللواء قائد الإقليم كايو كما يلي:
أ‌-    إلى عالية مركز التوزيع بالشريشرة:
ساقية سيدي بوزكري: 15ل/ث.
ساقية المطاحن: 34ل/ث.
المجموع: 64ل/ث.
ب‌-      مركز التوزيع بالشريشرة:
§    Buttin5ل/ث.
§    بلاد تغزازة: 20ل/ث.
§    بلاد تانوت: 12ل/ث.
§    جبابرة: 55ل/ث.
§    المجموع: 92ل/ث.
وهكذا يكون صبيب الساقية التي تغذي المدينة الأهلية يوم فاتح شتنبر 1937-407-92= 315ل/ث موزعة على الشكل التالي:
§    المدينة: 200ل/ث.
§    قصر السلطان: 60ل/ث   315ل/ث
§    ساقية بن حليمة: 30ل/ث.
§    ساقية تاكمة: 25ل/ث.
وكخلاصة عامة حول توزيع مياه وادي بوفكران كان الاعتماد على عدة ظهائر وقرارات صادرة من جهات متعددة، وما تلاها من اجتماعات متتالية للبحث عن أصور ملكية هذه المياه، والنتائج التي أسفرت عنها، كل هذا لم يمنع من حدوث مشاكل داخل المجتمع المكناسي، لأن المسألة كانت تدخل في إطار سياسة التحايل القانوني لنزع جزء من مياه بوفكران للمكناسيين وإعطائه للمعمرين، في وقت ازدادت فيه الحاجة لهذه المياه مع كثرة السكان وحرارة الصيف وتوالي فترات الجفاف.
وبالرغم من محاولة السلطات الإقليمية تسوية مسألة توزيع مياه بوفكران سواء داخل المدينة أو ارجها، إلا أن المشاكل بقي مطروحا حتى بعد أحداث شتنبر 1937م، والتي سوف أفصل فيها في المحور التالي:
ثالثا: اندلاع انتفاضة سلمية في شتنبر 1937 بمكناس:
كان السبب الرئيسي الذي فجر أحداث بوفكران، هو تحويل جزء من مياه وادي بوفكران لصالح المعمرين كما سبق الذكر، حيث يبست الحدائق والأجنة وأتلفت مزروعاتها من الخضر والزياتين وأشجار الفواكه وغيرها من الزروع، وكل هاته الأسباب دفعت المكناسيين إلى القيام بمظاهرة سلمية يوم الأربعاء، مما دفع بالسلطات الاستعمارية إلى تشديد الحراسة تحسبا لما قد يقع يوم الخميس، ولم تكتنف بالشرطة أو المخازنية، ولكنها استعانت بالجيش خوفا من اندلاع الأحداث خارج المدينة.
أ- امتلاك أهل مكناس للأسلحة:
عثرت القوات الأجنبية الفرنسية يوم المعركة على عدة أسلحة عن بعض المتظاهرين، وقد جعلت السلطات الفرنسية من قضية حمل السلاح ذريعة لتبرير مُهاجمتها لأهل مكناس وإطلاق النار عليهم.
ولم تقتصر المسألة على امتلاك بعض المكناسيين للأسلحة واستعمالها على عاتقها، بالمقارنة مع الأسلحة التي كان يتوفر عليها الجيش الفرنسي وقوات حفظ النظام آنذاك، ولكن بعض الأوساط الفرنسية ادعت أن الأسلحة التي استعملها المتظاهرين كانت أوطوماتكية ومتطورة: «وبقي على السلطات أن تبحث في مجموعة من النقط أهمها الأسلحة الأوطوماتكية التي وُجدت بين المشاغبين...» ([10]).
وسواء كان المكناسيون يملكون أسلحة كما أكدت المخابرات الفرنسية وأحكام الباشا أو لم يكونوا يملكونها، فالمؤكد أنهم لم يستكملوها سواء يوم الأربعاء فاتح شتنبر أو يوم الخميس الثاني منه عام 1937.
ب- مظاهرة فاتح شتنبر 1937 السلمية:
لم تُسفر الاتصالات التي أجراها ممثلوا المكناسيين مع السلطات الفرنسية عن أي نتائج إيجابية، لأن الإدارات الفرنسية كانت تريد كسب الوقت لفرض الأمر الواقع على السكان وذلك بتطبيق قراراتها الخاصة بإعطاء جزء من مياه بوفكران للمعمرين، وقد اجتمعت لجنة البحث في توزيع مياه بوفكران برئاسة رئيس المصالح البلدية لوضع توزيع مؤقت لهذه المياه. وقد حضر هذا الاجتماع إضافة إلى التقنيين ورؤساء الأقسام بالبلدية وبالأشغال العمومية أعيان المدينة، وحوالي الساعة التاسعة والنصف. حضر ما يقرب من 400 إلى 500 مكناسي إلى مقر البلدية بشارع الجمهورية (محمد الخامس حاليا) للاحتجاج على إعطاء أي جزء من المياه للمعمرين، وبالرغم من محاولات قوات الأمن لإيقاف فلول المتظاهرين إلا أنها لم تنجح في ذلك.
وقد حملت السلطات الفرنسية الإقليمية أعضاء للحركة الوطنية بمكناس مسؤولية تنظيم وقيادة هذه المظاهرة، بعد فشل المفاوضات مع الإدارات المعنية بمسألة بيوم واحد، وقد أكد محمد العيساوي المسطاسي أن هذه المظاهرة انطلقت من مسجد الزيتونة إلى مقر البلدية بحمرية، وكان المتظاهرون أثناءها يُرددون شعارات تعكس مطالبهم وأهمها: «لا قطرة ماء للمعمرين، كل مياه بوفكران ملكنا»([11]). وظلوا يرددون هذا الشعار دون انقطاع أزيد من ساعتين، وبعد وصولهم إلى البلدية توقف الاجتماع الذي كان منعقدا برئاسة برونيل، والذي خرج إلى الشرفة المطلة على المتظاهرين يحيط به رؤساء المصالح المدنية والعسكرية والبوليسية ومعهم الباشا، وطالب المتظاهرين بتفريق المظاهرة والمحافظة على النظام.
وكانت أغلبية المتظاهرين من الفلاحين والتجار الصغار والصناع والحرفيين والعاطلين، كما كان هناك بعض أعضاء الحركة الوطنية وهم كالتالي:
الاسم
المهنة
·       محمد الزهراوي
·       إبراهيم الهيلالي
·       محمد الحريف
·       محمد بن أحمد برادة
·       محمد مدان السلاوي
·       العلمي العرائشي
·       حمزة الطاهري
·       امحمد بن المهدي الطاهري
·       مولاي عبد المالك المنوني
·       عبد الرحمان بن هاشم العلوي
·       العلمي بن يحيى
·       عبد السلام بن الحسن المراني
·       فلاح
·       تاجر
·       فلاح
·       فقيه + أستاذ
·       طالب عاطل
·       فلاح
·       فلاح وتاجر
·       فلاح
·       فلاح
·       فلاح
·       فقيه + أستاذ
·       فلاح
Ø      نلاحظ أن أغلبية الأسماء تزاول الفلاحة وهي الفئة التي كانت متضررة أكثر.
وبعد تفريق المظاهرة رجع المتظاهرون إلى جامع الزيتونة لإقامة الصلوات وقراءة القرآن، وبعدما ألقى مُحمد العيساوي المسطاسي خطبة على الحاضرين بالمسجد، خرجت الجماهير بعد أن قررت العودة إلى الاجتماع بالمسجد الأعظم زوال نفس اليوم، وعند العصر امتلأ المسجد بالسكان وبقي مُعظمهم بالأزقة المجاورة.
وحوالي الساعة الثامنة مساءً وباتفاق ما الإقامة العامة بالرباط، اتخذت السلطات الإقليمية بقيادة الجنرال كايو قرارا يقضي باعتقال المحرضين وزعماء المتظاهرين ومن بينهم السيد مُحمد برادة وأحمد بن شقرون وإبراهيم الهيلالي ومولاي علي الكتاني والمختار العلج والعلمي العرائشي ومولاي عبد السلام المنوني ومحمد المنوني...
ج‌-   مظاهرة ثاني شتنبر الدموية:
عند الفجر أخبر المقدمون الأشخاص المزمع اعتقالهم بأمر الحضور إلى محكمة الباشا على الساعة 8h30 صباحا حيث صدر الحكم بثلاث أشهر سجنًا على الزعماء، وكان رد فعل السكان على هذه المحاكمة السريعة سريعًا، فمباشرة بعد نقل المحكوم عليهم إلى السجن المدني بسيدي سعيد، أسرع الوطنيون إلى الأسواق لإخبار التجار بما حدث ومطالبتهم بسد متاجرهم والالتحاق بالمسجد الأعظم الذي كان بمثابة مقر حزبي يجتمع فيه السكان لتدارس مشاكلهم ومشاغلهم اليومية، وكانت تلبية الدعوة جماعية. فالتحق التجار وغيرهم من السكان بالمسجد، وطلب منهم أعضاء الحركة الوطنية التوجه إلى ساحة الهديم على اعتبار أن مساحتها أكبر من مساحة المسجد لحشد الجماهير المكناسية.
وقد قدرت أن عدد المتظاهرين –حسب الإدارات الرسمية- الذين التحقوا بساحة الهديم كان يتراوح ما بين 3000 و 4000 شخص، والواقع أن عددهم كان أكثر منها أوردته الجهات الرسمية، لأن ساحة الهديم على اتساعها كانت قد غصت بالمتظاهرين، فبلغ عدد المتظاهرين 15000 نسمة.
وأعطيت الأوامر على الساعة 8h30 صباحا لتحرك القوات المرتبطة بالسجن المدني لتتجه إلى ساحة الهديم وإلى محكمة الباشا، ووصلت إلى عين المكان على الساعة التاسعة، وبقيت هذه الفرق العسكرية في الاحتياط، ترابط جنوب باب المنصور العلج؛ وأمام كثرة المتظاهرين أعطيت الأوامر لكل الفرق العسكرية بإخلاء ساحة الهديم من المهاجرين، فزحفت هذه القوات في اتجاه الساحة لاكتساحها، فتعرضت لوابل من الحجارة ودخلت في مشاكسة وعراك مع المتظاهرين الذين ازداد عددهم فكثرت هجوماتهم، وكلما حاولت القوات العسكرية أبعادهم إلا زاد اندفاعهم وخطورتهم.
وحوالي الساعة 10 صباحا حاول بعض السكان الذين يقطنون حي بني امحمد وقصبة هدراش، اختراق الأجنة الجنوبية من ساحة الهديم التي تحيط بقصر السلطان للتوجه إلى باب المنصور، لكن إحدى الفرق العسكرية أوقفتهم في الحين لكن هذه الفرق لم تستطع إيقاف الجماهير المتدفقة من كل الأزقة المؤدية إلى ساحة المعركة. وهكذا في الساعة العاشرة والنصف هجم المتظاهرون بأعداد كبيرة من السكاكين والصباغين وسيدي عمرو وبوعوادة، وسيدي عمروا والحسيني... لكنهم عجزوا عن اقتحام ساحة الهديم نظرا لتدخل الفرق العسكرية التي كانت تراقب أطراف المدينة، واحتلت الفصيلة الثالثة للسياسة باب المنصور على الساعة العاشرة وخمسة وأربعون صباحا. كما زحفت الفصيلة الأولى التي كانت تُرابط في باب الجديد على المتظاهرين من الخلف، فنفذ بعض جنودها إلى الأسطح المطلة على ساحة الهديم للإشراف على المتظاهرين من أعلى ليسهل رميهم بالرصاص، وفي هذا الإطار أطلق العريف رابو طلقتين على أحد المكناسيين الذي كان بدوره يطلق الرصاص على القوات العسكرية فأرداه قتيلا، كما أصاب السيدة رقية بنت محمد الريفية في ثديها برصاصة.
وبدأ الجنود الآخرون بإطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين لم يتراجعوا بالرغم من ذلك، فطلبت القيادة العليا للمعركة برئاسة الجنرال بوتي تعزيزات إضافية، ووصلت إلى ساحة المعركة فصيلتان من الفوج الأول للمناوشين المغاربة Le R.T.M وتمركزت في المكان الموجودين السوق والسور، ثم وصلت الفصيلة الثانية والثالثة من سرية الخدمات C.H.R اللتين وقفتا أمام السوق، ونظرا لتزايد الطلقات النارية والضرب بالسيوف للمتظاهرين الذين كانوا بدورهم يرمون بالحجارة على الجنود، بدأ يتساقط الموتى والجرحى في صفوف الطرفين.
وعلى الساعة الحادية عشر ونصف والمعركة على أشدها في ساحة الهديم، انتقلت القوات الفرنسية الاحتياطية المرابطة في ثكناتها بالمدينة الجديدة إلى ساحة المعركة، وكلما غادرت الفرق العسكرية مركزها إلا وتم تعويضها بسرعة بفرق أخرى تحسبا لمضاعفة الأخطار، وتصاعد الموقف بين الطرفين المكناسي والفرنسي.
ورجحت الفصائل العسكرية التابعة لسرية الخدماتC.H.R  بعد تعويضها إلى ساحة الهديم، فتم توزيعها من جديد على الشكل التالي:
الفصيلة الأولى: كلفت بحراسة الطريق المؤدية إلى باب الجديد والباب الشمالي لباب المنصور العلج.
الفصيلة الثانية: كانت في الاحتياط، فأسست لها مهمة حراسة باب المنصور العلج.
الفصيلة الثالثة: كلفت بحراسة الأبواب الشمالية الشرقية لساحة الهديم.
الفصيلة الرابعة: أعطيت لها مُهمة حراسة باب الملاح الجديد.
وانتهت المعركة بعد منتصف النهار بقليل، وأسفرت عن خسارة بشرية تكبدها المكناسيون بالدرجة الأولى والذين أخذوا موتاهم وجرحاهم إلى المسجد الأعظم، حيث أفتى أحد علماء المدينة وهو الفقيه محمد الزرهوني المعروف الفقيه الزريهني بدفن ضحاياهم بملابسهم، فلا يغسلون ولا يكفنون لأنهم شهداء ، وهذه قاعدة في الشرع الإسلامي.
وكان المسجد غاصا بالسكان، وبدأت الصلاة على الشهداء وألقيت خطبة، وبعدها شرع الحاضرون في تلاوة القرآن على الشهداء إلى العصر، وكانت هذه القراءة بهذه الإطالة مقصودة في انتظار قدوم أحد المصورين الأجانب بطلب من أعضاء الحركة الوطنية لأخذ صور للموتى والجرحى، وأثناء قراءة القرآن بالمسجد الأعظم، قدم رئيس البحث السياسي بمكناس المسمى صالح التونسي، واستدعى ثلاثة وطنيين وهم إبراهيم الهلالي ومحمد الطاهري وامحمد الكتاني لمقابلة الباشا ورئيس المصالح البشرية، ولما وصلوا إلى المحكمة خاطبهم الباشا بأن هذا شيء مقدر ومكتوب، وخلال مقابلتهم مع الباشا، طالب الوطنيون إبعاد قوات الأمن عن المسجد وعن الطريق المؤدية إلى مقبرة الشيخ الكامل قرب باب بردعيين، حتى لا تحدث مشادات أثناء مرور موكب الجنازة، ولم يعدوا الباشا بأي شيء، وخرجت الجنازة في موكب رهيب والجميع يُردد.
"لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله"
هذا في الوقت الذي كانت فيه النساء تزغردن إجلالا لشهداء وقد خرجت الجنازة وقت العصر ووصلت إلى المقبرة التي سميت منذ دلك اليوم بمقبرة الشهداء، عند المغرب نظرا لكثرة المشيعين الذين رافقوا الشهداء، وتمت عملية الدفن تحت أضواء الفنارات.
كان يوم الخميس ثاني شتنبر 1937 يوما داميا لم تشهد المدينة مثيلا له في تاريخها الاستعماري قبل سنة 1937 بشهادة المسؤولين الفرنسيين: «ونُسجل أنه لأول مرة حصلت في مكناس مظاهرة من هذا النوع...» ([12]).
وتكمن أهمية هذه المعركة بغض النظر عن نتائجها في تنظيمها السري المحكم، الذي غابت تفاصيله عن جهاز المخابرات الفرنسية على كثرة رجالها ودقة أعمالها، ومع ذلك لم تستطع الكشف عن خطة المعركة إلا في إبانها: «ويظهر أن تهيئ هذه المظاهرة غاب عن السلطات لأنه كان في سرية تامة...»([13]).
وإذا حاولنا تتبع المعركة التي دامت ثلاث ساعات، من الساعة 9h30 إلى الساعة 12h30، يُمكننا تقسيم هذه المعركة إلى خمس مراحل:
المرحلة الأولى: كانت البداية بكلمة السر التي أعطتها قيادة المعركة للوطنيين الذين أخبروا بها السكان، وانتشار هذه الكلمة بينهم، كانت هي الإنطلاقة الأولى لتهيئ السكان للمظاهرة.
المرحلة الثانية: فبدأت بتهييج الجماهير المكناسية على السلطة.
المرحلة الثالثة: بزيارة العناصر الوطنية لأسواق المدينة القديمة لدفع التجار إلى سد متاجرهم والالتحاق بالمتظاهرين.
المرحلة الرابعة: تهديد الذين رفضوا الالتحاق بالمتظاهرين في ساحة الهديم.
المرحلة الخامسة: بدأت بمهاجمة محكمة الباشا وقوات الأمن.
خاتمة:
استمرت المعركة طيلة يوم كامل، بلغ فيها عدد القتلى رقما قياسيا، كانت الجنود تنقلهم في الشاحنات الى أماكن مجهولة يدفنون فيها.
    
وقد استطاع المواطنون أن ينقلوا من الساحة نحوا من أحد عشر قتيلا ارتفع عددهم في الأيام الموالية الى سبعة عشر، من بينهم الشهيدان: العمراني وسيعد السابقا الذكر، وكما استطاعوا أن ينقدوا عددا من الجرحى، وفي بيت من بيوت الله (المدرسة الفلالية) الواقعة قرب المسجد الأعظم، كانت تضمد الجراحات وتجهز الموتى في ثيابها للدفن.
    
وعقب صلاة المغرب يوم المعركة، وفي مشهد رهيب، حمل الشهداء على الأكتاف الى مقرهم الاخير بالمقبرة العمومية خارج باب البراذعيين، الذي أصبح يطلق عليه فيما بعد، (مقبرة الشهداء)، وأما المواطنون فقد ظلوا معتكفين بالجامع الكبير طيلة ثلاثة أيام يرتلون القرءان الكريم ترحما على أرواح الشهداء، ويذكرون اسم الله اللطيف.
    
وهكذا انتهى الفصل الاول من فصول هذه المعركة الحاسمة، التي انتصر فيها الحق على الباطل، واليقين والايمان على الظلم والطغيان، آملا أن يجد القارئ الكريم، والمؤرخ الباحث مزيدا من التفصيل عنها ضمن محتويات الكتاب.


















[1]- Prosper Picard ; Les guides bleurs, 3°édition librairie hachette, Paris 1925, PP.252.
[2]- بوشتى بوعسرية: أحداث بوفكران بمكناس فاتح وثاني شتنبر 1937، ص.24.
[3]- بوشتى بوعسرية: نفس المصدر السابق، ص.24.
[4]- جريدة "الأطلس"، السنة الأولى، العدد 11، الجمعة 30/4/1937.
[5]- تلك الأراضي إذا أردنا أن نوطنها توجد خارج باب القزدير والعويجة أي خارج الأسوار الإسماعلية.
[6]- جريدة السعادة، العدد 4443، 7 غشت 1937، حقل الفلاح: "الحالة الفلاحية بالمغرب"، يوليوز 1937.
[7]- محمد برادة: هو أحد الزعماء الخمسة الذين سجنوا إثر انتفاضات أهل مكناس سنة 1937.
[8]- جريدة الأطلس: المصدر السابق.
[9]- بوشتى بوعسرية: المصدر السابق، ص.106.
[10]- Le Courier de marc journal N°3122, 6 spt 1937.
[11]- الهلالي إبراهيم: التبيان لمعركة ماء أبي فكران مع وجوب إتباع رسم الأمام، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1985، ص 56.
[12]- مذكرة شتنبر 1937، حول أحداث مكناس، مسألة مياه بوفكران، A.M.A.E.F.
[13]- المصدر السابق، مراسلة كايو السابقة بتاريخ 1937/9/2 تحت رقم 2/226.
« Le préparation de cette manifestation parait avoir échappé au autorités, elle eut dans le plus grand secret ».
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -