أخر الاخبار

قوانين أمازيغية Berber laws

 



"إزرفان" هي القوانين المحلية في الأوساط الأمازيغة، وهي اتفاق والتزام بين مختلف مكونات "لجماعة"، بهدف التشريع وتنظيم الحياة العامة في المجتمع المحلي. و"انفلاس" أو "أيت ربعين" هو مجلس القبيلة الأمازيغية، ينتخب بشكل ديمقراطي وتناوبي، وتوكل للمجلس مهمة تنظيم وتسيير شؤون القبيلة.
وتتكون الجماعات السلالية من شيوخ العشائر المسنين وتقوم باختيار شيخ عاقل (أمغار بالأمازيغية) يتولى أمورها وينفذ قراراتها ويكون الشيوخ مجلسا أعلى (مجلس الاتحاد القبلي) الذي ينظر في قضايا القبائل المتحدة في المجال الوظيفي و يضمن أمن الاتحاد.
مجلس أيت  أربعين الامازيغي الصحراوي هي السلطة العليا في الصحراء قبل الإستعمار الإسباني والتي تضم في تشكيلتها وجهأ الأعيان من كل القبائل الذين تفويضهم لتمثيلها. ويقوم المجلس بسن القوانين الملزمة للجميع ويسهر على امور القباءل ، تأمين المراعي، حضانة أبار المياه، الحفاظ على ألاماكن الصالحة للحرث والإشراف على توزيعها . كما أنه مفوض للتفاوض باسم القبائل   وقد تختلف التأويلات لمعنى الاسم ( ايت أربعين )  فهناك من يرى أن الاسم يدل على عدد الأعضاء ( امغار يعني رءيس القبيلة ) حيث أنه  يتكون من أربعين عضوا. وهناك من يرى أن كلمة أربعين مرتبطة بعمر العضو حيث لا تمكن العضوية في المجلس إلا بعد بلوغ سن الأربعين.

وهناك الكثير من المراجع تشير إلى تراث ايت أربعين المكتوب، ومنها ما ذكره الاسباني خليو كاروباروخا  في كتابه دراسات صحراوية وكتاب جامع المهمات لمؤلفه المرحوم محمد سالم لحبيب الحسين، ونورد هنا نموذجا من التشريع الذي تبنته أيت أربعين في وثيقة مؤرخة في 24 ذو الحجة 1165 هجرية.
 "إزرفان" في تنظيم الحياة العامة، والفصل بين الديني والدنيوي في تدبير شؤون الساكنة. فهذه القوانين التي تهم تنظيم العلاقات والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجال الأمازيغي، توضح أن مكانة الفقهاء والمساجد لا تتجاوز إطار المرفق الاجتماعي الذي يستفيد منه السكان، وتخضع بدورها للقوانين المحققة لمصالحهم وتصورهم الثقافي والسياسي للحاجة الدينية.

تقدم "الألواح" باعتبارها سجلات هذه القوانين، أحكاما عرفية لتنظيم مرافق الجماعة كالمخازن العمومية وجني ثمار الأشجار وتنظيم المؤسسات بما فيها الدينية والتربوية مثل "تمزكيدا" والكتاتيب والمدارس القرآنية والزوايا، وتمنحها حماية خاصة ولمن يعمرها من الطلاب وأئمتهم وحراسها وأمنائها، بل وحتى الزوار الذين يرتادونها ويستفيدون من خدماتها.

كما كانت الألواح تتضمن قوانين وضوابط تشتمل على إجراءات تتعلق بعقوبات مالية ضد أي مس بمال الإنسان وشرفه أو عرضه، ولم تستثني السكان اليهود الذين كانوا متواجدين بكثرة في عدة مناطق أمازيغية في المغرب من الاستفادة والخضوع لهذه القوانين، ومن العيش والتمتع بهذه الحقوق في الأوساط الأمازيغية، بل أن اليهود كانوا يشكلون نخب بارزة على مستوى عدة مهن حرفية كالحدادة والفضة وصنع البردعات...، وكانت تربطهم بالسكان الأمازيغ علاقات التبادل والاشتراك في المهن والأنشطة الفلاحية والرساميل التجارية، في اطار نوع من الاحترام المتبادل.

من جهة أخرى، لم يكن السكان يتعاملون من خلال هذه القوانين المحلية والثقافة السائدة في الأوساط الأمازيغية مع الأقليات الدينية أو العرقية بمنطق الخضوع وأداء ضرائب زائدة أو اعتبارهم "أهل الذمة" كما كان يذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، بل كانت بعض الأقليات والدواوير المرتبطة بالهجرات العربية مثلا، كما تدل على ذلك أعراف بعض المناطق، تملك ممثلها في مجلس "إنفلاس" وتخضع لمنظومة الحقوق والواجبات المعمول بها دون أي تمييز أو إخضاع.

ومن المعلوم أنه خلال انجاز هذه الألواح وسن القوانين التي تتضمنها، لم يكن للفقهاء و"الطلبة" القيمين على هذه المرافق أي دور في وضع هذه الأعراف وسنها، حيث يتحدد دورهم في الغالب في الحضور الرمزي وتدوين مقررات "الجماعة" أو "إنفلاس" على الألواح. وكانت هذه القوانين تبقي مجال التشريع مفتوحا لاجتهادات مجلس "انفلاس" ووفق ما تقتضيه حاجات السكان ومتطلبات أو تطورات محيطهم وحياتهم المحلية.

كما أن استشارة رأي الفقيه لا تتجاوز في الكثير من المناطق الأمازيغية حدود الأحوال الشخصية، بل أن مجلس "انفلاس" و"الجماعة" كانا يحظيان بسلطة تشريعية وقضائية أكبر. فقد أثار روبير مونطاني، مثلا أن "إنفلاس" كانوا يتدخلون لإنصاف ضحايا بعض أحكام الفقهاء المغلوطة والمنافية لما عهده سكان الأطلس الكبير، ولعقد الصلح بين المتخاصمين من الناس في المسائل التي يحتكم فيها إلى القضاة.

انطلاقا مما سبق يتضح أن الألواح والقوانين التي كان يضعها السكان لتنظيم حياتهم وشؤونهم المحلية في الأوساط الأمازيغية تتضمن في جلها العديد من الخصائص والقيم الحقوقية الحديثة، كاحترام مكونات الساكنة وتعدديتها الدينية والعرقية واللغوية... كما أن اطارها التنظيمي يقوم على مبادئ تحيل على الأنظمة الحديثة بما في ذلك آليات سنها الديمقراطية، والنسبية وفتح مجال التطوير والاجتهاد، والانطلاق من الحاجيات والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة، والفصل بين هذه القوانين والتدابير المحلية وبين الشؤون الدينية والروحية ووظائف الفقهاء القيمين على المرافق الدينية. كما تتضح سلطة مجلس "انفلاس" و"الجماعة" وتبويئه مكانة أكبر من دور الفقهاء والمرافق الدينية، خاصة من خلال قراراته التي تصحح أراء الفقهاء عندما تتعارض مع مصلحة السكان ومع معطيات وخصائص حياتهم وشؤونهم المحلية، الثقافية والاجتماعية والتنظيمية.

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -