مؤتمر الجزيرة الخضراء: حلقة فاصلة في الأزمة المغربية الأولى
شهد مؤتمر الجزيرة الخضراء Algeciras Conference سلسلة من المفاوضات التي جرت في مدينة الجزيرة الخضراء الإسبانية في الأشهر الأولى من عام 1906، سعياً لحل النزاع الذي نشب بين فرنسا وألمانيا حول السيطرة الاستعمارية على المغرب. جاء المؤتمر في سياق توترات حادة أُطلق عليها "الأزمة المغربية الأولى"، والتي بدأت عام 1904 بعد توقيع فرنسا وإسبانيا، بدعم من المملكة المتحدة، معاهدة لتقاسم النفوذ في المغرب. ألمانيا، رغم عدم امتلاكها لمصالح إقليمية في المغرب، رفضت تعزيز النفوذ الفرنسي، ما أشعل الأزمة وكاد أن يؤدي إلى نشوب حرب.
الدعوة إلى المؤتمر
مع تصاعد التوترات، اقترحت ألمانيا عقد مؤتمر دولي لحل الأزمة، واختيرت مدينة الجزيرة الخضراء في جنوب إسبانيا موقعاً لعقد الاجتماعات. شهد المؤتمر، الذي انطلق في 16 يناير 1906 واستمر حتى 7 أبريل، مشاركة سفراء من ثلاثة عشر دولة، ومن بينهم ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، الولايات المتحدة، روسيا، والنمسا.
نتائج المؤتمر
أسفر المؤتمر عن توقيع "قانون الجزيرة الخضراء"، الذي حدد سياسات النفوذ الاستعماري في المغرب. على الرغم من محاولة ألمانيا تحقيق موطئ قدم في المنطقة، انتهت النتائج لصالح فرنسا وإسبانيا اللتين أُعطيتا حق إنشاء محميتين في المغرب، بينما حصلت ألمانيا على امتيازات تجارية محدودة. لكن هذا الحل لم يُنهِ التوتر، إذ اندلعت أزمة أخرى عام 1911، مما ساهم في تأجيج التوترات الأوروبية التي قادت لاحقاً إلى الحرب العالمية الأولى.
خلفية الأزمة
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تسارع الاستعمار الأوروبي في إفريقيا، ودفع ذلك إلى عقد مؤتمر برلين عام 1884 لتنظيم المستعمرات وتقليل النزاعات. ورغم توقيع اتفاقيات، ظلت النزاعات بين القوى الأوروبية قائمة، كما يتضح من حادثة فاشودا بين بريطانيا وفرنسا. أدى هذا التنافس إلى تشكيل "الوفاق الودي" بينهما، مما ترك ألمانيا التي كانت تبحث عن دور استعماري في القارة أمام تحديات لتوسيع نفوذها في شمال إفريقيا.
المغرب وموقعه الاستراتيجي
كانت فرنسا وإسبانيا هما الدولتان الأوروبيتان الأكثر اهتماماً بالمغرب، حيث كانت فرنسا تسعى للوصول إلى المحيط الأطلسي بعد احتلالها لتونس والجزائر، بينما كانت إسبانيا موجودة في المنطقة منذ القرن الخامس عشر. أما ألمانيا، فلم يكن لها أهداف استعمارية مباشرة، بل أرادت كبح النفوذ الفرنسي. كما توصلت بريطانيا إلى اتفاق بعدم التدخل في المغرب مقابل تخلي فرنسا عن مطالبها في مصر.
الأزمة المغربية الأولى (1904-1906)
في عام 1904، وقعت فرنسا وإسبانيا اتفاقاً لإنشاء محميتين في المغرب، وهو ما أثار حفيظة ألمانيا. ومع تصاعد التوتر، أرسلت فرنسا دبلوماسيين إلى فاس للضغط على السلطان المغربي لتنفيذ إصلاحات تعزز نفوذها، فيما شجعت ألمانيا السلطان على التمسك باستقلاله. انتهت هذه التوترات بمبادرة ألمانية لعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء.
الأهداف والاتفاقات
هدف المؤتمر إلى إنهاء الصراع بين فرنسا وألمانيا على النفوذ في المغرب، مع ضمان حصول ألمانيا على حقوق تجارية، إضافة إلى مناقشة قضايا اقتصادية أخرى تتعلق بالقروض المستحقة للمغرب. أسفر المؤتمر عن ثلاث مبادئ رئيسية:
- احترام وحدة التراب المغربي: تأكيد سيادة المغرب كدولة موحدة ورفض تقسيم أراضيه.
- احترام سيادة جلالة الملك: ضمان بقاء المغرب تحت حكم الملك المغربي، مع اتخاذ القرارات بتنسيق مع السلطات المغربية.
- المساواة الاقتصادية: ضمان الحقوق الاقتصادية المتساوية للدول الأوروبية دون احتكار.
الأزمة المغربية الثانية (1911)
رغم توقيع اتفاق الجزيرة الخضراء، نشبت أزمة جديدة عام 1911 بعد أن طلب السلطان المغربي مساعدة فرنسا ضد التمردات الداخلية، فاحتلت فرنسا مدينة فاس، ما أثار استياء ألمانيا التي أرسلت بدورها سفينة حربية إلى أغادير. بعد مفاوضات، وقعت القوى اتفاقية جديدة ضمنت سيطرة فرنسا على المغرب مقابل تنازلات لألمانيا في الكونغو.
توحيد القوى الأوروبية
أسهمت أزمات المغرب في تعزيز التحالف بين بريطانيا وفرنسا، وزيادة التوتر مع ألمانيا. وبهذا، أدى مؤتمر الجزيرة الخضراء والأزمات اللاحقة إلى تشكيل كتل أوروبية قوية، مما ساهم في إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى.
المراجع
- كوبوس رويز دي أضنة، خوسيه. "مؤتمر الجزيرة الخضراء." موقع Diariocordoba.com.
- جنوب أوروبا. "110 سنوات من مؤتمر الجزيرة الخضراء." موقع Europasur.es.
- لوزانو كامارا، خورخي خوان. "أزمات المغرب." موقع Classeshistoria.com.
- محررو Encyclopaedia Britannica. "مؤتمر الجزيرة الخضراء." موقع Britannica.com.
- سي إن ترومان. "مؤتمر الجزيرة الخضراء عام 1906." موقع Historylearningsite.co.uk.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.