تضامن واسع للشعوب العربية في مونديال قطر تحت راية واحدة عنوانها "المغرب"
كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن التضامن الواسع للشعوب العربية وتلاحمها الكبير مع بعضها البعض في قطر، بهذه النسخة من كأس العالم، بداية من الوقوف صفا واحدا إلى جانب الدوحة في وجه الهجمة الغربية غير المسبوقة. مرورا بالتكاتف والرفض القاطع للحضور الإسرائيلي في المونديال، في مقابل إعلاء الراية الفلسطينية وأخيرا الاندماج في كيان واحد وتحت راية واحدة عنوانها “المغرب”.
“ظاهرة” المشجعين العرب في كأس العالم قطر 2022
أظهر كأس العالم في قطر تضامنًا جماعيًا رائعًا في الرياضة العربية، سواء في ملاعب الدوحة ومناطق المشجعين أو في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث تم دعم الفرق العربية بشكل كبير بطريقة تتجاوز على ما يبدو مجرد شغف كرة القدم.
يبدو الأمر كما لو أن جميع النزاعات السياسية والخلافات والصراعات بين مختلف الدول العربية قد تم تجاوزها لبُرهة، بما يسمح لما يزيد عن 400 مليون عربي أن يُظهر لحظات وجيزة من العروبة والوحدة.
دَعَم اليمنيون المنتخب السعودي بغض النظر عن الصراع المُحتدم في بلادهم رغم الدور الكبير لمملكة العربية السعودية، على غرار فاعلين آخرين، في تأجيج الحرب الأهلية هناك.
ورفع الجزائريون الأعلام المغربية دعما لمنتخب “أسود الأطلس“، رغم الصراع المرير بين البلدين حول الصحراء الغربية.
ودعم المشجعون الخليجيون المنتخب القطري، رغم أن الأجواء السياسية لا تزال متوترة بسبب الذكريات الأليمة لسنوات الحصار على قطر من قبل بعض جيرانها (الإمارات، السعودية، البحرين + مصر والأردن).
عندما يلعب فريق عربي، يستعد المشجعون العرب، بغض النظر عن قومية دولتهم، للوقوف خلف هذا الفريق.
ترتبط أهمية هذه اللحظات المُبهجة بلا شك بالمناسبة المحددة لكأس العالم باعتباره حدثًا عابرًا، ورغم أن الجماهير العربية على علم أن التوترات والصراعات بين الدول العربية ستعود في المستقبل المنظور، لا محالة، إلا أنهم ألفوا هذه الفُسحة من أمل الوحدة.
المثير للاهتمام أن المشاعر العربية الجياشة التي وُجدت بسبب كأس العالم في قطر، هي تكرار واستمرار لتلك المشاعر القومية العربية وذلك التضامن العابر للحدود أيام الثورات العربية 2010-2011، في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن.
وهي أيضا نفس المشاعر التي لم تهدأ يوما، تلك المشاعر الداعمة لفلسطين والفلسطينيين، إلى حد كبير.
الوحدة العربية في كرة القدم
ساهم تحسن أداء المنتخبات العربية مقارنة بالبطولات السابقة في خلق حالة من الدعم والاعتزاز بين الشعوب العربية.
فالمنتخب المغربي، على وجه الخصوص، كانت أعلامه منتشرة في كل مكان في الدوحة لأن الفريق وصل ببراعة إلى نصف النهائي، بفوزه على بلجيكا وإسبانيا والبرتغال في مشواره الكروي.
عند سؤال الموقع البريطاني، بعض العرب في مونديال قطر، عن سبب تشجيعهم المنتخب المغربي كانت الأجابات متطابقة: “من الطبيعي كعربي أن أؤيد المغرب” “أنا عربي، لذا بالطبع ، سأدعم جميع الفرق العربية بالطبع”.
“العروبة الناعمة” مقابل “العروبة الصلبة”
«العروبة الناعمة» تختلف مفهوميا عن «العروبة الصلبة»، الأولى تشتغل في مساحات اللغة والإعلام والثقافة والرياضة والفنون والموسيقى، والثانية تنغمس في حقل السياسة.
يمكن القول إن كل هذه التعبيرات عن المشاعر المشتركة بين المشجعين العرب هي “العروبة الناعمة” لكنها في المقابل، تتعارض مع السياسات العربية البينية المتشرذمة والعدائية، أو “العروبة الصلبة”.
تاريخيًا، تشير العروبة الصلبة إلى المشاريع السياسية الكبرى للوحدة العربية التي روج لها زعماء عرب مثل الرئيس المصري السابق “جمال عبد الناصر” في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أو من قبل حزب البعث العربي في سوريا “حافط وبشار الأسد” أو عراق صدام حسين.
أما الوقت الحالي، يشير مفهوم العروبة الصلبة، إلى تعنّت السياسة الخارجية للدول العربية نحو توجهات أكثر “فردية” أو “وطنية”.
ورغم أن الخبراء والأكاديميين، قد جادلوا منذ فترة طويلة بأن القومية العربية في شكلها الأيديولوجي الصلب قد ماتت بالفعل منذ فترة طويلة، تحاول بعض الدول العربية اليوم، التفوق على بعضها البعض على النفوذ الإقليمي و في الغالب، النفوذ من أجل النفوذ.
لكن في المقابل، تساهم دولة قطر في تعزيز مسار جديد نحو حلم القومية العربية، إنه “العروبة الناعمة”.
هذه العروبة غير سياسية في الشكل، وتعمل بشكل عفوي على قيس نبض الشعوب بدلاً من النخب السياسية، وهي تظهر خاصة في الثقافة والترفيه واللغة والإعلام والرياضة وغيرها من المجالات الناعمة.
تكثّف الترابط العربي-العربي في هذا المجال من العروبة (الناعمة) على مدى العقود الثلاثة الماضية عندما كانت السياسات العربية (السياسية) المتشددة تظهر مزيدًا من التفكك والانقسامات.
إن صعود العروبة الناعمة هو في الأساس نتيجة لصعود وتأثير الإعلام العربي.
إن بث وسائل الإعلام العربية للأخبار والدراما والترفيه والموسيقى والعروض التلفزيونية العربية الكبرى، مثل “عرب آيدول” أو “عرب غوت تالنت” قد ساعد بالفعل في ترسيخ الثقافة العربية المشتركة.
نتيجة لذلك، أصبحت العروبة الناعمة أقوى، ومن المفارقات، أن ذلك قد تزامن مع وصول العروبة الصلبة والسياسات العربية الجماعية (الرسمية) إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.
ومن المفارقات أيضا أن هذين الشكلين من العروبة، يبدو أنهما يتحركان في اتجاهين متعاكسين داخل المجال العام والإعلامي الإقليمي.
دور الإعلام وقناة “الجزيرة”
لعبت قناة الجزيرة القطرية دورا كبيرا، منذ إنطلاق بثها عام 1996، في رصد ومتابعة نبض الشارع العربي.
وأضحت الجزيرة الإعلام الرسمي “للشعوب” في مقابل الإعلام الرسمي الذي كانت ترعاه الحكومات العربية في محاولات صارخة لـ احتكار الكلمة والأهم من ذلك الرأي الواحد.
جاءت قناة “الجزيرة” القطرية بشعار جديد نسف سرديات رسمية عمرت لعقود هو “الرأي والرأي الآخر”، في إنحياز واضح إلى تطلعات الشعوب ونيض الشارع العربي من المحيط إلى الخليج.
كانت معظم وسائل الإعلام العربية المؤثرة في الأخبار والترفيه مملوكة للدول العربية والشركات القريبة منها.
يقول الموقع البريطاني، أنه على الرغم من عدم اهتمامها سياسياً بهذا الشكل من العروبة، فإن هذه الدول مدفوعة بمنافسة شرسة، تستهدف الجماهير الناطقة باللغة العربية في المنطقة العربية وخارجها.
وتريد كل دولة أن تضع علامة تجارية لنفسها في جميع أنحاء المنطقة لتبرز ضد الآخرين.
تتنافس هذه الوسائل الإعلامية في تنظيم وتغطية الأحداث القومية العربية في مجالات الثقافة العربية، والموسيقى العربية، والأفلام العربية، والأدب العربي، والموسيقى العربية، والرياضة العربية، بدعوى التحدث باسم العرب وتمثيل قضاياهم.
أدى هذا السباق على السياسة الصلبة بين الدول المتنافسة بوسائل مختلفة إلى زيادة الروابط بين الناس في المجالات غير السياسية عن غير قصد.
وهكذا، بينما تُواصل الدول العربية محاولة تسجيل نقاط ضد بعضها البعض، كانت النتيجة المهمة، حتى إن لم يكن مخططا لها، هي تقوية العروبة الناعمة.
من الصعب قياس عمق هذا الشكل من العروبة بدقة، لكن يمكن القول أن أحد إمكاناته هو إبقاء الإمكانيات السياسية مفتوحة.
لقد فاجأت إمكانات مماثلة غير ملحوظة الجميع في الانتفاضات العربية 2010-2011 في وقت كان الركود السياسي واليأس هو الانطباع المشترك عن المنطقة.
أحد المؤشرات السياسية حول كيف يمكن أن تتحول إمكانات العروبة الناعمة إلى السياسة والمظهر السياسي هو التعبير الواسع النطاق عن الدعم لفلسطين والفلسطينيين في كأس العالم هذه.
قد يختلف العرب حول قضايا مختلفة لكنهم يتفقون على فلسطين، وقد كانت تعبيرات التضامن هذه مثيرة للإعجاب لدرجة أن صحيفة “جلوبو البرازيلية” وصفت فلسطين بالفريق 33 في البطولة.
تبدو العروبة الناعمة في الوقت الحاضر غير سياسية في المظهر، لكنها على المدى الطويل وفي جوهرها، هي بالفعل سياسية.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.