كريم الهاني
تابعنا في الجزء الأول محطات مهمة من مسار المهدي بنبركة وتطرقنا لتفاصيل اختطافه في باريس… في هذا الجزء الثاني والأخير، سنعاود طرح الأسئلة والسيناريوهات المحتملة والمعقدة والغامضة، لاختطاف واغتيال أشهر معارض سياسي في تاريخ المغرب المعاصر.
لغز اختطاف بنبركة واغتياله، يتكون بالمجمل من 3 أسئلة: من المسؤول عن تصفية بنبركة؟ كيف تم ذلك؟ وأين يوجد جثمانه؟
54 سنة مرت اليوم، ولا زالت هذه الأسئلة معلقة بلا جواب؛ أو لنقل إنه ثمة روايات متعددة، لكن أيا منها لا تعطي أجوبة حاسمة للأسئلة المطروحة حول اختفاء بنبركة.
المؤكد في الموضوع أن قصة شريط “كفى Basta” فخ مدبر، وأن كل من شاركوا في “اصطياد” بنبركة، ضالعون في اختطافه واغتياله… لكن، من يقف وراء ذلك؟ كل الروايات تحمل شيئا من الصدق، وكثيرا مما لا يؤكدها.
اعترف الشرطيان أمام المحكمة بأنهما اختطفا بنبركة باتفاق مع المخابرات المغربية، وأنهما أخذاه إلى فيلا في ضواحي باريس. وهناك، شاهدا محمد أوفقير وزير الداخلية، وأحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية، رفقة رجالهما، وأكدا أن بنبركة لقي حتفه بعدما عذب أثناء التحقيق معه.
أيا كان القول، يظل هذا اللغز معقدا بالنظر إلى من امتدت إليهم أصابع الاتهام، فالموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية أيضا متهمتان بتدبير اغتياله…
قد يكون متفقا على هذه الرواية، لكن، ما كان مصير جثة بنبركة؟ بعض من شاركوا في الجريمة قالوا إنها دفنت على نهر السين، قرب الفيلا التي احتجز فيها، بيد أن كثيرا من الشهود، انتحروا أو قتلوا!
بداية هذه الألفية، سيخرج العميل السابق للمخابرات المغربية، أحمد البخاري، بتصريحات صحفية، قال فيها إن التخطيط لاختطاف بنبركة دام 7 أشهر، وإن جثمانه نقل بعد اغتياله على متن طائرة عسكرية مغربية، وأذيب في حوض أسيد في مقر سري بالمغرب.
آخرون قالوا إن رأسه، فقط، نقلت إلى الرباط وعرضت على طاولة عشاء في أحد القصور الملكية، فيما قال آخرون إن جثمانه كله دفن في معتقل سري يعرف بـPF3، وآخرون صرحوا بأنه مدفون تحت السفارة المغربية بفرنسا.
أيا كان القول، يظل هذا اللغز معقدا بالنظر إلى من امتدت إليهم أصابع الاتهام، فالموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية أيضا متهمتان بتدبير اغتياله، ذلك أن الشخصيات التي كانت تحضر لمؤتمر القارات الثلاث، كانت تضرب مصالحها.
وهذا باختصار، بعضٌ فقط مما جاء في هذا اللغز…
الأسطورة
صحيح أن المغرب كان قد خطى خطوات حثيثة في سعيه إلى طي صفحة الماضي، وقبل ذلك كشف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، متوجا ذلك بالعمل الذي كلفت به هيأة الإنصاف والمصالحة، لكن مع ذلك… لا أحد اقترب من ملف بنبركة!
لا زال ابنه البشير بنبركة يراسل المسؤولين لـ”التذكير بمسؤولية الدولة الفرنسية والمغربية في عملية اختطاف المهدي، ورفع السرية عن الوثائق التي تخص القضية، والمحاطة بذرائع أسرار الدولة”.
بعد تصريحات أحمد البخاري، تقدم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشكوى أمام القضاء للتحقيق معه، فقالت السلطات إن هذا الملف قد فقد. طلبت عائلة بنبركة في فرنسا من قاضي التحقيق الاستماع إليه، فمنعته السلطات من السفر، إذ كان متهما… بإصدار شيك دون رصيد.
قبل سنوات، رفع غطاء السرية عن 89 وثيقة من أجهزة المخابرات الفرنسية، بعدما كانت تحت بند أسرار الدفاع، إلا أنها لم تكن ذات علاقة بالقضية، على عكس ما كان قد طلبه قاضي التحقيق.
بالمجمل، يبدو، وفق من تابعوا هذا الملف عن كثب، أن أياد كثيرة متورطة في لغز مقتل بنبركة والمكان الذي يرقد فيه، بما يجعل ثمة نوع من الإجماع، يروم ألا يحل لغز هذه القضية أبدا.
اليوم، لا يكل ولا يمل البشير بنبركة، رئيس معهد “المهدي بن بركة.. ذاكرة حية”، ونجل المهدي بنبركة، عن مراسلة أولي الأمر، بخاصة في فرنسا، بهدف “التذكير بمسؤولية الدولة الفرنسية والمغربية في عملية اختطاف المهدي، ورفع السرية عن الوثائق التي تخص القضية، والمحاطة بذرائع أسرار الدولة”.
بعد مرور 54 سنة على اختطاف بنبركة واغتياله، أولئك الذين ضلعوا في هذه القضية بهدف محو بنبركة من الأذهان ومن الذاكرة، لم يكونوا على علم أن لغزها… سيجعل منه اليوم “أسطورة” بحق… أسطورة لا تنسى!
لقراءة الجزء الأول: المهدي بنبركة… من المعارضة والنضال الأممي إلى “الأسطورة”! 1\2
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.