كريم الهاني
لربما كان اغتياله، إلى جانب اختفاء المهدي بنبركة، إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ المغرب المعاصر.
عمر بن جلون واحد ممن وسموا مفردة “المعارضة” بالمغرب. واحد من اليساريين الذين قبضوا على جمر الدفاع عن قضاياهم المبدئية، في عهد كان الزيغ فيه يؤدي إلى السجن والتعذيب، وربما إلى الإعدام…
نقابيا، سياسيا، وصحافيا… عمر بن جلون سيصنع، على مدى سنوات طويلة، اسما سيتردد صداه النضالي كثيرا. لكن… لكل قصة نجاح ثمن؛ والثمن الذي سدده ابن جلون، كان اغتياله!
في هذا البورتريه، إذن، بعض من حكاية عمر بن جلون!
عمر بن جلون
في الـ26 من نونبر 1936، بإقليم جرادة وتحديدا بمدينة عين بني مطهر، سيولد لأسرة ربها عامل في معمل لاستغلال المعادن، ابن؛ أطلقت عليه من الأسماء: عمر. عمر بن جلون.
في هذه المدينة، التي كانت بعد قرية حينذاك، سيتلقى ابن جلون تعليمه الابتدائي والإعدادي، ثم سينتقل إلى وجدة، حاضرة شرق المملكة، ليتمم دراسته في ثانوية هناك، قبل أن يسافر إلى الرباط، ليلتحق بكلية الحقوق.
حين بلوغه السنة الثالثة من تعليمه الجامعي، سيسافر ابن جلون إلى فرنسا، حيث سيتم تكوينه الجامعي في باريس، مزاوجا بين الدراسات القانونية والتكوين في المدرسة العليا للبريد والمواصلات، التي تخرج فيها عام 1960، بجانب نيله لإجازة في الحقوق وشهادة دراسات عليا في القانون العام.
النقابة مرحلة أخرى، فمنذ البدء كان مناضلا!
ستتفتق روح ابن جلون النضالية خلال دراسته بفرنسا، بعدما كان قد عبر عنها على استحياء في وجدة سابقا، بحيث إنه سينشط في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كما سيشغل مهمة رئيس الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا. وقد عرف هذه الفترة، بدفاعه عن مبادئه التقدمية، وبنضاله من أجل تحقيق مطالب طلبة المغرب وعماله بباريس.
قال المهدي بنبركة بعيد نشر بيان قرار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المشاركة، في الانتخابات التشريعية لعام 1963: “لو كنت قد قمت بتحريره، أنا الذي كنت في مقدمة أنصار المتحمسين، لما جاء البيان بهذه الحرارة التي بثها فيه عمر بن جلون، الذي كان في مقدمة معارضيه، جملة وتفصيلا”.
بعد عودته إلى المغرب، سيعين مديرا إقليميا للبريد بالنيابة في الدار البيضاء، ثم مديرا إقليميا بالرباط، وسرعان ما سيتولى مسؤولية قيادية في نقابة البريد والمواصلات، بعدما كشف عن هم نضالي كبير تجاه تحقيق مطامح الطبقة العاملة. لكن تصادما مع السلطة ومع توجهات أخرى، غير يسارية، في قيادة الاتحاد المغربي للشغل، جعله يقدم استقالته بعد مدة من عمله.
مفخرة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
سيتطور النشاط النقابي الذي بدأه عمر بن جلون إلى نشاط سياسي، إذ سينتخب عام 1962، عضوا باللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بعيد انعقاد مؤتمره الثاني. بعد محنتي اختطاف وتعذيب تعرض لهما كنقابي، ستبدأ مرحلة أكثر سخونة…
اقرأ أيضا: “عبد الله العروي… صاحب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة””
يحكى أنه قبيل الانتخابات التشريعية لعام 1963، سيحدث نقاش حاد بالحزب؛ بعض دافع عن المشاركة في الانتخابات، وفي طليعتهم المهدي بنبركة، وبعض آخر عارض ذلك، وفي مقدمتهم عمر بن جلون. بعد نقاش مستفيض، أيدت الأغلبية المشارَكة، فقدم ابن بركة لابن جلون الخطوط الأساسية لهذا القرار، قصد صياغتها وتحريرها، تمهيدا لنشرها بصحيفة الحزب.
بعد أن انتهى عمر بن جلون من ذلك، وبعد نشر البيان واطلاع المهدي بنبركة عليه، تأثر الأخير كثيرا، وقال: “لو كنت قد قمت بتحريره، أنا الذي كنت في مقدمة أنصار المتحمسين، لما جاء البيان بهذه الحرارة التي بثها فيه عمر بن جلون، الذي كان في مقدمة معارضيه، جملة وتفصيلا”. وفي هذا، ربما، صورة عن معدن الرجل.
ضمن ما سمي بالمؤامرة ضد النظام، سيعتقل عمر بن جلون في يوليوز 1963، وبعد أقل من سنة، سيصدر في حقه حكم بالإعدام، وبعد أقل من سنة مرة أخرى، سيفرج عنه في خطوة كانت تروم تهدئة الوضع بين المعارضة والسلطة. لكنه لم يلبث أن تعرض للاعتقال مرة ثانية، عام 1966، فأمضى فترة حبسية تناهز السنة والنصف قبل أن يتم إطلاق سراحه.
اقرأ أيضا: “حزن الظن: معركة وادي المخازن أو عندما يَصُمُّ رنين الذهب عقل التاريخ”
بعد ذلك، امتهن عمر بن جلون المحاماة، ودافع عن عديد من المعتقلين السياسيين، بخاصة الموجودين منهم بسجن قنيطرة العسكري في إطار ما عرف عام 1971، بـ”محاكمة مراكش الكبرى”.
في مغرب ما بعد الاستقلال، كان كل مناضل بارز، مستهدفا، وعمر بن جلون من شواهد ذلك إذ استهدفت حياته فنجحوا في جزّها… الفعل مبني للمجهول، إذن، وتلك حكاية نتعرف على بعض من تفاصيلها، في الجزء الثاني من هذا البورتريه.
لقراءة الجزء الثاني: عمر بن جلون… ومن النضال ما اغتال!
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.