من هم أشهر الخونة في المغرب؟
الخونة الذين عادوا إلى دواليب السلطة مباشرة بعد الاستقلال، " غداة الاستقلال، استأسد خونة الأمس وأصهار المستعمرين من أمثال عبد الوهاب بن منصور" شكام الفرنساويين"، الذي أصبح مؤرخ المملكة، وجنود الاستعمار الفرنسي: المحجوب احرضان وعبد الحفيظ بن الحبيب الذي أصبح وزير القصور والتشريفات ومحمد أفقير وأحمد الدليمي..." يصرح ل"أوال" المؤرخ عبد الكريم الفيلالي الذي كان محمد الخامس قد كلفه "، بعد الاستقلال، بمهمة التوثيق بالقصر الملكي.
في هذا الملف- التحقيق، تنبس"أوال" ذاكرة المغرب المسكوت عنها. وتطلع المغاربة على حقيقة الخونة الذين كانت لهم سلطة سياسية أو روحية أو علمية، لكنهم رغبوا في توجيهها ضد إرادة المغاربة، فكان المغاربة لهم بالمرصاد. بنفس المرصاد تسقط "أوال" ورقة التوت الأخيرة عن امتداد الخيانة في حياتنا الراهنة، وتكشف لقرائها، استنادا إلى مراجع تاريخية، حقائق تنفرد " أوال" بنشرها لأول مرة.
يعتبر الفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري أن فقهاء المذهب المالكي لخصوا " الكلام في الإمامة"، أي اختيار الحاكم أو السلطان، في كلمة واحدة هي:" من اشتدت وطأته وجبت طاعته"، ويضيف الجابري:" وقد عبر " العامة" في المغرب بلهجتهم وبصيغة لا تخلو من تهكم، عن هذا المبدأ الفقهي فقالوا: " الله ينصر من أصبح". فهل يعني ذلك أن المغاربة لا عهد لهم، وبإمكانهم أن يدعوا بالنصر لسلطان بالليل، وأن يبايعوا من انقلب عليه في الصباح..؟
بالرجوع إلى تاريخ المغرب، بعد الفتح الإسلامي، نجد أن ولاء المغاربة لهذا السلطان أو ذاك، كان يختلف حسب المناطق، أو حسب الزوايا الصوفية، أو العائلات المعروفة.. ومهما احتد الخلاف وبلغ القتال، فلم يكن أي طرف يرمي الزاخر بالخيانة، طالما أن الأمر يتعلق بصراع داخلي لحسم الحكم لهذا السلطان أو ذاك، أو هذه الدولة أو تلك، بل حتى الاستعانة بحاكم مسلم، من غير المغاربة، ضد حاكم مغربي جائر،لم يكن يثير أي حرج، فعندما استنجد عبد الملك السعدي بالأتراك العثمانين ضد ابن أخيه محمد المتوكل، الذي استبد وطغى وقتل إخوته وأهمل شعبه، لم يصفه أحد من العلماء أو من عامة الناس بالخيانة. لكن العلماء، كما عامة الناس، سيقومون بالمرصاد لمحمد المتوكل حين لاذ واستقوى بالبرتغاليين. من جانب اخر، فمفهوم الخيانة لم يكن يتردد بقوة بين المغاربة، بل لن يأخذ معناه الحالي، أي " خيانة الوطن"، إلا مع ظهور " الحركة الوطنية" في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالضبط أثناء مناهضة الظهير البربري، الذي سعى من خلاله الاستعمار الفرنسي، إلى تقسيم المغرب إلى : عرب يحتكمون إلى الشريعة الإسلامية، و" بربر" تحكمهم الأعراف المحلية والقوانين الفرنسية. حيث سيشار إلى المناهضين لهذا الظهير بالوطنيين، فيما سيطلق على المنحازين إليه وإلى فرنسا بالخونة. كلمة خائن ستترسخ لدى المغاربة أكثر سنة 1953، بعدما نفت فرنسا محمد الخامس، وأجلست على عرشه ابن عرفة، حيث سيشرع المقاومون بايعوا ابن عرفة ملكا، ففي هذه الأثناء " وضعت قائمة تضم 65 خائنا... " إذا كان الإنسان بالمرصاد للوطنيين ويعمل جهده للإطاحة بهم، فهؤلاء كنا ننفذ فيهم الإعدام" يحكي المقاوم الحسن العرائشي.
لجنة تطهير الخونة
" بمقتضى ظهير شريف عدد 103-59 المؤرخ بسادس رمضان 1377 ( 27 مارس1958)، أحدثت لجنة مهمتها إصدار العقوبات في حق الأشخاص الواردة أسماؤهم في لا ئحة صدر بها المرسوم عدد131.9.572، المؤرخ بثالث صفر الموافق 3 شتنبر 1957 وفي لائحة يقدمها رئيس الحكومة ووزير الداخلية"، هذه اللجنة التي أطلق عليها اسم " لجنة تطهير الخونة"، هي التي أسندت إليها مهمة التحقيق من وطواعية بدور حاسم في إعداد وتنفيذ وتوطيد مؤامرة غشت 1953"، أي مبايعة ابن عرفة " أو ارتكبوا أعمال عنف ضد الشعب أو المقاومين في الفترة المتراوحة ما بين 24 دجنبر 1950 و 16 نونبر 1955". بالإضافة إلى مهمة التحقق من الأسماء المعروضة عليها، أنيطت باللجنة مهمة تحديد العقوبة المستحقة في حق هؤلاء الخونة من تجريدهم من حقوق المواطنة إلى مصادرة أموالهم، " إذا ما ثبت أن ثروتهم اكتسبت كلها أو بعضها إما بطريقة غير مشروعة وإما بتجاوز الحد في استعمال السلطة أو استغلال النفوذ"، وقد تم تفصيل عقوبة التجريد من حقوق المواطنين، في " تنبيه" ذيل اللائحة النهائية للخونة، وهو الحرمان من " حق الانتخابات وحق مزاولة نشاط سياسي أو نقابي أو حق شغل وظيفة عمومية والتجريد من كل الرتب في الجيش والعزل من وظيفة المقاولة وعدم القبول كمحلف قضائي أوخبير أو شاهد لدى المحاكم، والحرمان من مزاولة التعليم، وحق تسيير الصحافة والإذاعة والسينما وغيرها".
أول ملاحظة تثار حول هذه اللائحة، هي أنها جاءت محددة من طرف الوزير الأول الداخلية ، من دون أن تترك للجنة المشرفة إمكانية أن تضيف عليها أسماء أخرى، الشيء الذي جعل بعض المؤرخين يعتبرون أنها لم تتعرض لأهم الخونة الذين عادوا إلى دواليب السلطة مباشرة بعد الاستقلال، " غداة الاستقلال، استأسد خونة الأمس وأصهار المستعمرين من أمثال عبد الوهاب بن منصور" شكام الفرنساويين"، الذي أصبح مؤرخ المملكة، وجنود الاستعمار الفرنسي: المحجوب احرضان وعبد الحفيظ بن الحبيب الذي أصبح وزير القصور والتشريفات ومحمد أفقير وأحمد الدليمي..." يصرح ل"أوال" المؤرخ عبد الكريم الفيلالي الذي كان محمد الخامس قد كلفه "، بعد الاستقلال، بمهمة التوثيق بالقصر الملكي.
المارشال أمزيان..
من شابة أباه فما ظلم..
في يونيو 2006، افتتح لجماعة بني انصار، القريبة من مدينة الناظور، متحف المارشال أمزيان، وهو الافتتاح الذي حضره، بالاضافة إلى ممثلي الحكومة المغربية، كل من الجنرال رافاييل باربودو، الرجل الثاني في الجيش الإسباني، والجنرال فيسنتي دياز دي بييكاس، القائد العسكري العام لمدينة مليلية، الذي حضر بزيه العسكري، ناهيك عن السفير الإسباني بالمغرب.
بمقابل هذا الحضور الرسمي، حج إلى موقع الإفتتاح عدد من الجمعيات الحقوقية والثقافية بالريف، محتجة ومنددة بتكريم هذا العسكري الذي " سبق له أن شارك مع الجانب الإسباني في معركة أنوال ضد الريفيين بقيادة عبد الكريم الخطابي سنة 1921... شارك سنة 1959 في الحملة القمعية التي باشرها المخزن المغربي ضد انتفاضة الريف، مرتكبا في ذلك أفظع الجرائم الإنسانية"، يقول البيان الذي صدر حينها عن " جمعية الريف لحقوق الإنسان"، فلماذا اختار أمزيان خيانة أهله ومواجهتهم؟ كان عمرلا محمد أمزيان يبلغ من العمر 13 سنة، عندما التحق سنة 1913 بالمعهد الحربي بمدينة طوليدو الإسبانية، في هذا المعهد العسكري سيتعرف أمزيان على زميل دراسة امه فرانسيسكوفرانكو، سيصبح دكتاتور إسبانياالفاشيستي، وسيقلد صديقه المغربي رتبة جنرال.
في سنة 1921، ستنطلق المقاومة الريفية بقيادة عبد الكريم الخطابي، حيث سيصطف الضابط أمزيان إلى جانب زملائه الإسبان، في مواجهة أبناء جلدته من الريفيين، الذين سحقوا 13 ألف من عساكر المحتل الإسباني في واحدة من أشهر المعارك في تاريخ المغرب معركة أنوال.
أَثناء حرب الريف، كان والد محمد أمزيان يحرض الإسبان، على إبادة الريفيين، حيث صرح في غشت 1921 لأحد الصحافيين الإسبان قائلا:" السياسة الوحيدة التي يجب اتباعها مع المورو (المغربي) هي القوة والشدة، يجب القضاء عليه وإبادته... بالغازات السامة"، تحكي ماريا روسا دي مادارياغا في كتابها:" مغاربة في خدمة فرانكو".
بعد استقلال المغرب سنة 1956، سيلتحق أمزيان بالجيش الملكي، حيث سيقضي ثلاث سنوات في تهيء أفراده وكتائبه التي سيقودها سنة 1959 لقمع انتفاضة الريف، التي يسميها الريفيون" عام إقبارن"، حيث قتل ونكل بالمئات من أهل الريف، وفي سنة 1970 سوف يعلنه الملك الحسن الثاني أول واخر عسكري برتبة مارشال في تاريخ المغرب، وسيعيده إلى إسبانيا سفيرا.
محمد المتوكل
خان أهله فسلخوا جلده، وشقوا بطنه وحشوه بالتبن
سنة 1578 ميلادية، لجأ السلطان السعدي محمد المتوكل إلى ملك البرتغال سبستيان، ليدعمه في الحرب على المملكة التي خلعه منها عمه عبد المالك، بعد أن رأى استبداد ابن أخيه الذي انشغل عن شؤون الحكم بالسهر والمجون، وكان كلما نبهه أحد من الأقربين إلى أفعاله، يقوم بقتله أو سجنه، بحيث قتل، خلال سنوات حكمه الأولى، اثنين من إخوته وسجن الثالث.
في هذه الأجواء سيلجأ عمه عبد المالك السعدي إلى العثمانيين يستنجد بهم لإنقاذ البلاد من ابن أخيه المراهق المستبد، حيث سيمده الأتراك ب 5000 من الجنود. عندما أحس محمد المتوكل بأن عمه قريب من السيطرة على البلاد، ترك عرشه ولجأ إلى ملك الرتغال يطلب نصرته على عمه، حيث سيشترط الملك البرتغالي على السلطان الخائن أن يمنحه مقابل إعادته إلى عرشه، جميع شواطئ المملكة، وهو ما تعهد به محمد المتوكل. ولكي يبرر خيانته أمام علماء البلاد ونخبتها: كتب رسالة يشرح فيها رسالة أسباب لجوئه إلى النصارى، الذين فضل أن يسميهم" أهل العدوة" فجاء جواب علماء البلاد حاسما ومفندا مزاعم السلطان الخائن:
" ... أما قولك في النصارى، فإنك رجعت إلى أهل العدوة واستعظمت أن تسميهم بالنصارى، ففيه مقت لا يخفي. وقولك رجعت إليهم حين عدمت النصرة من المسلمين ففيه محظوران يحضر عندهما غضب الرب جل جلاله، أحدهما كونك اعتقدت أن المسلمين كلهم على ضلال، وأن الحق لم يبق من يقوم به إلا النصارى والعياذ بالله، والثاني أنك استعنت بالكفار على المسلمين..."
يوم الإثنين 04 غشت 1578، وقف السلطان السعدي على الضفة الجنوبية من وادي المخازن، على رأس 40 ألف مجاهد، فيما أصطف خلق الملك سبستيان جيش مكون من 130 ألف جندي. لم يتعد زمن المعركة خمس ساعات استطاع المغاربة أن يهزموا جيش أكبر إمبراطوريات الدنيا أنذاك. أما السلطان الخائن محمد المتوكل، فما إن رأى موت صديقه البرتغالي حتى هم بالفرار عبر قنطرة النهر والتي كان الجيش المغربي قد هدمها، حيث عثر عليه غريقا، فسلخ وملئ بطنه بالتبن وطيف به في أرجاء المغرب، وقد عرف بعدها بالسلطان المسلوخ.
محمد بن عرفة
أراد أن يصبح ملكا، فمات غريبا في فرنسا
يوم 13 غشت 1953، نقلت سلطات الاستعمار الفرنسي رجلا شارف على السبعين من عمره، اسمه محمد بن عرفة، وهو حفيد السلطان مولاي محمد بن عبد الرحمان، ابن أخ الحسن الأول، من بيته بحي عقبة السبع بفاس، إلى قصر التهامي الكلاويبمراكش، وأعلنته سلطانا على المغرب. فلماذا اختار المقيم العام الفرنسي الجنرال كيوم الانقلاب على محمد ابن يوسف الذي كانت فرنسا اختارته خصيصا ليكون مجرد حاكم صوري على المغرب؟
لقد قلبت زيارة محمد الخامس التاريخية إلى مدينة طنجة في أبريل 1947 حسابات فرنسا، فالسلطان الذي وقع سنة 1930 الظهير البربري، الذي رفضه علماء الأمة، أصبح يجرؤ على المطالبة بحق المغرب في الاستقلال! ولما كانت فرنسا، قبل غيرها، تعرف أن سلطان المغرب يملك بالدرجة الأولى سلطة روحية على شعبه، فقد لجأت إلى شيوخ الزوايا والباشاوات والقواد، الذين أعلنوا بين الناس أن السلطان ابن يوسف قد خرج عن تقاليد الأمة وأعرافها حين سمح لبناته بالسفر وبالتعلم في مدارس النصارى... وأن لا بديل للمغاربة إلا هذا الشيخ" الورع" ابن عرفة! هكذا تم نفي محمد الخامس يوم 20 غشت 1953 إلى مدغشقر، وتم نقل ابن عرفة من مراكش إلىالرباط، حيث خرجت الجماهير تهتف باسم محمد ابن يوسف، وحتى يتفادى الجنرال كيوم تصاعد الاحتجاج على تنصيب ابن عرفة سلطانا، ولكي يضمن له أكبر عدد من المبايعين، حمل سلطانه الدمية وانزله بقصر المحنشة بمكناس لتلقي البيعة من قواد المدينة وشيوخا الزوايا، وبعدها نقله إلىفاس لنفس الغرض لمحاولة اغتيال من طرف المقاوم علال بن عبد الله.
خلال العامين اللذين حكم فيهما ان عرفة، تنازل السلطان الدمية عن سلطاته التنفيذية لصالح الصدر الأعظم المقري، وعن سلطاته التشريعيةلفرنسا، كما وقع ظهيرا خاصا بتنظيم وتشكيل المجالس البلدية المختلطة، الشيء الذي مكنلفرنسا سيادة مماثلة للسيادة الشريفة على المغرب.
بعد عودة محمد الخامس من منفاه في 1955، عاش ابن عرفة منبوذا بطنجة، وبعد استقلال المغرب في 1956 غادر إلى مدينة نيس بفرنسا، إلى أن مات بها سنة 1976.
عبد الحي الكتاني
الزوايا في خدمة فرنسا
عندما مات عبد الحي الكتاني سنة 1962 غريبا بمدينة نيس الفرنسية، ترك ما يزيد على خمسمائة كتاب في الفقه والتصوف والسياسة، غير أن اشتهاره كخائن، غطى على قيته العلمية التي لم يعد يذكرها أحد. كما لم يعد أحد يذكؤ أن الكتاني تبوا الرتبة العلمية الأولى بجماعة القرويين، وفتح مكتبة لعموم الطلبة والباحثين، كانت من أكبر المكاتب في المغرب. لم يذكر الناس أيضا أنه ألف كتابا يرد فيه على الحملة الاستعمارية التي تقوم بها جريدة " السعادة" ضد السلطان مولاي عبد الحفيظ، وأن مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ ومولاي يوسف ومحمد الخامس قد خصوه بظهائر التوقير. كل هذا اختفى خلف تواطئه مع فرنسا ضد محمد الخامس. فما الذي دفع هذا العالم الصوفي إلى ركوب هذه المغامرة التي انتهت به منبوذا في المنفى؟ يبدو أن حقد الكتاني على العلويين راجع إلى اعتقاله هو وأخيه أبي الفيض، عقب تنازل مولاي عبد الحفيظ عن العرش، وقد ورد في ترجمته بموقع الزاوية الكتانية أنه " ابتلى فيمن ابتلى في محنة شقيقه الشيخ ابي الفيض واعتقل بسجن أبي الخصيصات بفاس عدة أشهر، لقي الخصيصات بفاس عدة أشهر، لقي أثناءها عكس ما كان يفترض أن يلقاه نتيجة نشاطه الوطني والإسلامي المخلص، سواء من طرف المخزن، أو من طرف وجهاء المغرب"، لذلك كان عبد الحي الكتاني أكثر المتامرين على محمد الخامس تشددا، بحيث إنه لم يكن حتى مع أن يخلف محمد الخامس سلطان علوي كابن عرفة، كما أنه لم يبد رفضا عندما سجد أمامه قايد تارودانت مالك بن لحسن مبايعا إياه.
ولعل هذا وغيره هو ما سيجعل محمد الخامس يتبرأ من الزوايا ويعتبرها منبوذة من الشريعة، ففي رسالة وجهها في غشت 1953 إلى الرئيس الفرنسي فانسان أوريول، قال محمد الخامس:
" ... وبينما كان باشا مراكش يخوض فيما ذكر، قام رئيس زاوية -أي الكتاني- بحملة أخرى باسم زاويا أخرى نبذتها الشريعة الإسلامية صراحة".
أما مصدر " أوال"، المؤرخ عبد الكريم الفيلالي، فيذهب إلى أن الخيانة شيء متأصل في الكتاني وأن تظاهره بالعلم والورع ليس إلا الشجرة التي تخفي غابة فضائحه وانحرافه الجنسي، الذي وصل به إلى حد خيانة ولده واستباحة زوجته، وعن ذلك يقول الفيلالي" المنحرف عبد الحي الكتاني... راود زوجة ابنه أبو بكر، كما سارت بذلك الأخبار وعرفها أهل فاس".
التهامي الكلاوي
مهندس الخونة
يوم 19 ماي 1953، أصدر التهامي الكلاوي بيانا أعرب فيه عن" صداقته وإخلاصه لفرنسا وحقده على محمد الخامس، مؤكدا عليها أنها إما أن تبادر بإبعاد محمد الخامس أو سيتعدوا هم للرحيل..." يؤكد المؤرخ عبد الكريم الفيلالي في كتابه" التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير" بعدها بيومين، أي في 21 ماي 1953 وقع 270 من الباشاوات والقواد عريضة جاء فيها:" إننا معشر القواد في مختلف الجهات المغربية ومن في دائرتهم من المغاربة رجال حركة المعارضة والإصلاح المضين أسفله تحت رئاسة سعادة الباشا الهمام السيد الحاج التهامي المزواري الكلاوي، نتقدم بكل شرف إلى سعادة المقيم العام للدولة الفرنسية الفخيمة بما يأتي: بما أن السلطان سيدي محمد بن يوسف خرج عن جميع رجال المغرب العاملين، واتبع طريقا مخالفا للقواعد الدينية بانتمائه للأحزاب المتطرفة غير المعترف بها وتطبيق مبادئها في البلاد، الشيء الذي جعله يسير بالمغرب في طريق الهاوية، فإننا بصفتنا كبراء المغرب وأصحاب الحل والعقد، ومن ذوي الغيرة على الدين الإسلامي نقدم لسعادة المقيم العام وللدولة الفرنسية طلب عزل السلطان عن الحكم وتنحيته عن العرش وإسناد هذا الأمر إلى من يستحقه".
بعد انكشاف مؤامرة الكلاوي ضد السلطان الشرعي، خرجت فتوى شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي بكفر الكلاوي ومن معه وإباحة دمائهم، وهي الفتوى التي تبناها 300 عالم من كل أنحاء المغرب، وعززتها يوم 18 يوليوز 1953 فتوى علماء الأزهر" بكفر الجلاوي ومروقه". ولم يقتصر الأمر على علماء المسلمين، بل تعداه إلى المفكرين الفرنسين، ففي أحد اجتماعات" اللجنة الفرنسية المغربية" بباريس، تناول الكلمة المستشرق الشهير لويس ماسينيون، وشرح للحضور الفرنسي مسألة الشهادة في الإسلام، مؤكدا، حسب ما نقله المؤرخ الفيلالي عن جريدة البصائر، أن الشهادة " ممنوعة على الماردين من نوع الفساق وأصحاب دور البغاء... وأن باشامراكش لا يجوز له أن يؤدي شهادة ما، لأنه يكسب عدة دور للبغاء في مراكش ويشرف على السفاح في جميع أطراف المدينة، وقد أحدث هذا الشرح موجة ضحك من طرف الحاضرين".
بعد عودة محمد الخامس من منفاه، ارتمى التهامي الكلاوي ارتماءته الشهيرة تحت قدميه، ملتمسا عفوه، وبعد صدور لائحة الخونة ورد اسم التهامي الكلاوي، وابنيه ابراهيم واحماد، ضمنها، وحكم عليهم بعدم الأهلية الوطنية لمدة 15 سنة مع مصادرة أملاكهم إلا أن التهامي الكلاوي لم يكن ليعيش خارج ماء السلطة، بحيث سيموت في 13 يناير1956.
الصدر الأعظم الحاج محمد المقري
اعتبر أن بقاء محمد الخامس يمس الشعور الديني للمغاربة
" إن إبعاد محمد الخامس سوف لن يكلف أكثر من 24 ساعة من الفوضى والاضطراب، وإن بقاءه بعدما أجمع المجتمعون بمراكش على قيام إمام ثان هو سيده محمد بن عرفة، سيكون خطرا على البلاد، وإن وجود إمامين إمام الرباط واخر بمراكش عمل يمس الشعور الديني، وإذا صح العزم فلتبادر فرنسا بإبعاد عدوها". إن الذي قال هذا ليس غير الحاج محمد المقري، الصدر الأعظم، أي الوزير الأول لمحمد الخامس وذراعه التي كان يعتمد عليها، فكيف انقلب الوزير على السلطان الذي كان وصيا عليه بعد وفاة والده مولاي يوسف سنة 1930؟
لقد كانت فرنسا، ومنذ توقيع اتفاقية الحماية سنة 1912، تعتبر أن رجلها الأول في المغرب هو الصدر الأعظم الذي ورثته عن السلطان مولاي عبد الحفيظ، الذي كان متزوجا من رقية ابنة المقري. وهو من اختار الأمير سيدي محمد، الذي كان أصغر ابناء مولاي يوسف، حتى يبقى وصيا عليه ويحكم بدله، وقد استطاع المقري، لفترة، أن يستغل وصايته على السلطان، حيث سيوقع الظهير البربري، لكنه لم يكن يعرف أنه بذلك يستعجل نهايته ونهاية فرنسا، فقد شكل حدث الظهير البربري سببا قويا لظهور الحركة الوطنية لكن هذا لا يبرر وحده انصياع صدر الدولة الأعظم وراء الأجندة الفرنسية، وإبعاد السلطان الشرعي. ألم يكن في الأمر مساومة أو ابتزاز للمقري؟ هذا ما يؤكده صاحب كتاب " التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير"، إذ يقول إنه " في عهد المولى عبد الحفيظ وبالضبط عام 1910 كان سفر المقري لباريز على رأس وفد... وهي سفارة لم تذكر كثيرا في ترجمة الرجل لأنه حصلت له أثناءها قصة خلقية مع زوجة سائق فرنسي استدرجه الفرنسيون بها حتى قيل إنها حملت منه. وبذلك أصبح المقري مأسورا للفرنسيين طيلة حياته مقابل عدم إفشاء السر". في شتنبر 1957 توفي المقري عن عمر يناهز 115 سنة، وقد جاءت وفاته بعد ستة أيام من صدور لائحة الخونة، التي جردته من حق المواطنة لمدة 15 سنة.
* تنبيه !
- سوف يتم نشر تعليقكم بعد مراجعته
- التعاليق التي تحتوي على كلمات نابية وأرقام الهواتف أو نشر روابط أو إشهار لجهة ما لن يتم نشرها.